بسم الله الرحمن الرحيم
ربَّما يقول شخص بأنَّ لقاء الإمام باب مسدود مغلق، لما رواه الشيخ الصدوق في كتابه (كمال الدين)، والشيخ الطوسي في كتابه (الغيبة)، عن الحسن بن أحمد المكتَّب (رضي الله عنه) _ كان من أجلاّء علماء الإماميّة _، يقول في آخر سنة وفي آخر شهر من حياة السفير الرابع وهو (علي بن محمّد السمري) آخر سفراء الإمام المنتظر خرج إليه توقيع من الإمام المنتظر (عليه السلام): (بـِسْم اللهِ الرَّحْمن الرَّحِيم، يَا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُريَّ أعْظَمَ اللهُ أجْرَ إِخْوَانـِكَ فِيكَ، فَإنَّكَ مَيَّتٌ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ سِتَّةِ أيَّام فَأجْمِعْ أمْرَكَ وَلاَ تُوص إِلَى أحَدٍ يَقُومَ مَقَامَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ، فَقَدْ وَقَعَتِ الْغَيْبَةُ التَّامَّةُ فَلاَ ظُهُورَ إِلاَّ بَعْدَ إِذْن اللهِ عز وجل وَذَلِكَ بَعْدَ طُولِ الأمَدِ وَقَسْوَةِ الْقُلُوبِ وَامْتِلاَءِ الأرْض جَوْراً، وَسَيَأتِي شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي الْمُشَاهَدَةَ ألاَ فَمَن ادَّعَى الْمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوج السُّفْيَانِيّ وَالصَّيْحَةِ فَهُوَ كَذَّابٌ مُفْتَرٍ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيّ الْعَظِيم)(1), حيث يستفاد منه أنَّ لقاء الإمام ممتنع لأنَّه يقول: (من ادَّعى المشاهدة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله).
الجواب: الأمر ليس كذلك لعدّة أمور:
الأمر الأوّل: إنَّ غيبة الإمام ليست غيبة انعزالية وإنَّما هي غيبة اتّصالية بمعنى أنَّ الإمام ليس غائباً عن المجتمع ويعيش في جبل أو في جزيرة أو في مكان وحده، لا، ليس الأمر كذلك، فغيبة الإمام غيبة اتّصالية، بمعنى أنَّ الغائب عنوانه لا شخصه، فهو يعيش مع الناس، يأكل معهم، يشرب معهم، وقد يتزوَّج، هو بين ظهرانينا لكنّا لا نعرف عنوانه، فغيبته غيبة اتّصالية وليست غيبة انعزالية، ولذلك نقرأ في دعاء الندبة: (بِنَفْسِي أنْتَ مِنْ مُغَيَّبٍ لَمْ يَخْلُ مِنَّا، بِنَفْسِي أنْتَ مِنْ نَازِح مَا نَزَحَ عَنَّا، بِنَفْسِي أنْتَ اُمْنِيَّةُ شَائِقٍ يَتَمَنَّى مِنْ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ذَكَرَا فَحَنَّا)(2), إذن غيبته هي غيبة عنوان لا غيبة شخص فهو متَّصل بنا يعيش معنا، ولذلك فإنَّ لقائه أمر ممكن جدَّاً وأمر متيسّر إذا أراد الإمام ذلك فإنَّ بيده تحديد اللقاء وليس بأيدينا.
الأمر الثاني: تواتر لدى الشيعة الإماميّة لقاء الإمام مع كثير من العلماء بنحو يورث القطع واليقين بأنَّ لقائه ممكن وليس باباً مغلقاً ولا مسدود(3).
الأمر الثالث: هذا التوقيع الشريف الذي قال: (ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله)، يتحدَّث عن السفارة لا عن اللقاء، فالممتنع هو السفارة بمعنى أنَّه بعد السفير الرابع لا توجد سفارة إلى أن يخرج الإمام ويظهر ظهوراً تامّاً، فالمغلق هو السفارة لا اللقاء، والقرينة على ذلك سياق الرواية لأنَّها تتكلَّم عن كتاب إلى سفير الإمام تقول: أنت آخر سفير ولا توص لأحد من بعدك، قد وقعت الغيبة التامّة، وسيأتي شيعتي من يدَّعي المشاهدة بمعنى (من يدَّعي السفارة)، فمن ادّعى المشاهدة يعني السفارة فهو كاذب مفتر, والسفير يختلف عن الإنسان العادي، فإنَّ المواطن يعرف بعض أخبار الدولة لكن سفيرها يعرف أسرارها ويعرف سياستها الداخلية والخارجية ويناط به البحث في قضايا مصيرية وخطيرة.
والإمام المنتظر يقول: (لا سفير لي بعد السفير الرابع) يعني لا أبعث للأمّة سفيراً يعرف أسراري ويبلغ الأمّة القضايا المصيرية والخطيرة فهذا باب مسدود، أمَّا أن يلتقي الإنسان بالإمام ويستنير بأنواره وبإرشاداته فهو أمر ممكن وليست سفارة حتَّى ينفيها هذا الحديث.
وإن كان الإمام (عليه السلام) لا يبذل لقائه لكلّ أحد، بل هو الذي يختار من يلتقي به لمصلحة عامّة أو خاصّة، وإلاَّ لو بذل الإمام لقائه لأيّ شخص لكان ذلك خلاف الحكمة أي نقضاً للغرض من هذا اللقاء، لأنَّه (عليه السلام) لا يلتقي بشخص إلاَّ لأجل مصلحة عامّة أو خاصّة تقتضي هذا اللقاء، فلا بدَّ أن يكون الملاقي أهلاً لهذا اللقاء ولتحقيق هذه المصلحة العامّة أو الخاصّة.
الهوامش:
(1) أنظر: كمال الدين: 516/ باب 45/ ح 44؛ الغيبة للطوسي: 395/ ح 365.
2 المزار لابن المشهدي: 581/ الدعاء للندبة.
3) أنظر كتاب (جنّة المأوى في من فاز بلقاء الحجّة (عليه السلام)) للمحدّث النوري (قدس سره).
ربَّما يقول شخص بأنَّ لقاء الإمام باب مسدود مغلق، لما رواه الشيخ الصدوق في كتابه (كمال الدين)، والشيخ الطوسي في كتابه (الغيبة)، عن الحسن بن أحمد المكتَّب (رضي الله عنه) _ كان من أجلاّء علماء الإماميّة _، يقول في آخر سنة وفي آخر شهر من حياة السفير الرابع وهو (علي بن محمّد السمري) آخر سفراء الإمام المنتظر خرج إليه توقيع من الإمام المنتظر (عليه السلام): (بـِسْم اللهِ الرَّحْمن الرَّحِيم، يَا عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُريَّ أعْظَمَ اللهُ أجْرَ إِخْوَانـِكَ فِيكَ، فَإنَّكَ مَيَّتٌ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ سِتَّةِ أيَّام فَأجْمِعْ أمْرَكَ وَلاَ تُوص إِلَى أحَدٍ يَقُومَ مَقَامَكَ بَعْدَ وَفَاتِكَ، فَقَدْ وَقَعَتِ الْغَيْبَةُ التَّامَّةُ فَلاَ ظُهُورَ إِلاَّ بَعْدَ إِذْن اللهِ عز وجل وَذَلِكَ بَعْدَ طُولِ الأمَدِ وَقَسْوَةِ الْقُلُوبِ وَامْتِلاَءِ الأرْض جَوْراً، وَسَيَأتِي شِيعَتِي مَنْ يَدَّعِي الْمُشَاهَدَةَ ألاَ فَمَن ادَّعَى الْمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوج السُّفْيَانِيّ وَالصَّيْحَةِ فَهُوَ كَذَّابٌ مُفْتَرٍ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيّ الْعَظِيم)(1), حيث يستفاد منه أنَّ لقاء الإمام ممتنع لأنَّه يقول: (من ادَّعى المشاهدة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله).
الجواب: الأمر ليس كذلك لعدّة أمور:
الأمر الأوّل: إنَّ غيبة الإمام ليست غيبة انعزالية وإنَّما هي غيبة اتّصالية بمعنى أنَّ الإمام ليس غائباً عن المجتمع ويعيش في جبل أو في جزيرة أو في مكان وحده، لا، ليس الأمر كذلك، فغيبة الإمام غيبة اتّصالية، بمعنى أنَّ الغائب عنوانه لا شخصه، فهو يعيش مع الناس، يأكل معهم، يشرب معهم، وقد يتزوَّج، هو بين ظهرانينا لكنّا لا نعرف عنوانه، فغيبته غيبة اتّصالية وليست غيبة انعزالية، ولذلك نقرأ في دعاء الندبة: (بِنَفْسِي أنْتَ مِنْ مُغَيَّبٍ لَمْ يَخْلُ مِنَّا، بِنَفْسِي أنْتَ مِنْ نَازِح مَا نَزَحَ عَنَّا، بِنَفْسِي أنْتَ اُمْنِيَّةُ شَائِقٍ يَتَمَنَّى مِنْ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ ذَكَرَا فَحَنَّا)(2), إذن غيبته هي غيبة عنوان لا غيبة شخص فهو متَّصل بنا يعيش معنا، ولذلك فإنَّ لقائه أمر ممكن جدَّاً وأمر متيسّر إذا أراد الإمام ذلك فإنَّ بيده تحديد اللقاء وليس بأيدينا.
الأمر الثاني: تواتر لدى الشيعة الإماميّة لقاء الإمام مع كثير من العلماء بنحو يورث القطع واليقين بأنَّ لقائه ممكن وليس باباً مغلقاً ولا مسدود(3).
الأمر الثالث: هذا التوقيع الشريف الذي قال: (ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله)، يتحدَّث عن السفارة لا عن اللقاء، فالممتنع هو السفارة بمعنى أنَّه بعد السفير الرابع لا توجد سفارة إلى أن يخرج الإمام ويظهر ظهوراً تامّاً، فالمغلق هو السفارة لا اللقاء، والقرينة على ذلك سياق الرواية لأنَّها تتكلَّم عن كتاب إلى سفير الإمام تقول: أنت آخر سفير ولا توص لأحد من بعدك، قد وقعت الغيبة التامّة، وسيأتي شيعتي من يدَّعي المشاهدة بمعنى (من يدَّعي السفارة)، فمن ادّعى المشاهدة يعني السفارة فهو كاذب مفتر, والسفير يختلف عن الإنسان العادي، فإنَّ المواطن يعرف بعض أخبار الدولة لكن سفيرها يعرف أسرارها ويعرف سياستها الداخلية والخارجية ويناط به البحث في قضايا مصيرية وخطيرة.
والإمام المنتظر يقول: (لا سفير لي بعد السفير الرابع) يعني لا أبعث للأمّة سفيراً يعرف أسراري ويبلغ الأمّة القضايا المصيرية والخطيرة فهذا باب مسدود، أمَّا أن يلتقي الإنسان بالإمام ويستنير بأنواره وبإرشاداته فهو أمر ممكن وليست سفارة حتَّى ينفيها هذا الحديث.
وإن كان الإمام (عليه السلام) لا يبذل لقائه لكلّ أحد، بل هو الذي يختار من يلتقي به لمصلحة عامّة أو خاصّة، وإلاَّ لو بذل الإمام لقائه لأيّ شخص لكان ذلك خلاف الحكمة أي نقضاً للغرض من هذا اللقاء، لأنَّه (عليه السلام) لا يلتقي بشخص إلاَّ لأجل مصلحة عامّة أو خاصّة تقتضي هذا اللقاء، فلا بدَّ أن يكون الملاقي أهلاً لهذا اللقاء ولتحقيق هذه المصلحة العامّة أو الخاصّة.
الهوامش:
(1) أنظر: كمال الدين: 516/ باب 45/ ح 44؛ الغيبة للطوسي: 395/ ح 365.
2 المزار لابن المشهدي: 581/ الدعاء للندبة.
3) أنظر كتاب (جنّة المأوى في من فاز بلقاء الحجّة (عليه السلام)) للمحدّث النوري (قدس سره).
تعليق