بسم الله الرحمن الرحيم
ليست دولته (عليه السلام) دولة السيف والرمح والفلاحة والغوص، فالمهدي لا يُرجع الناس إلى الوراء، بل دولته هي أرقى حضارة تكنولوجية عرفها الإنسان على الأرض, وذلك لأنَّ الحضارة الكونية أعلى كمالاً روحياً يصل إليه الإنسان، لأنَّ اكتشاف أسرار الكون سيساهم في ترقّي معرفة المرء بربّه، وحيث إنَّ ذلك كمال يمكن أن يصل إليه الإنسان، فمقتضى لطف الله عز وجل بعبده إيصاله لكلّ كمال يمكنه الوصول إليه، فإنَّ المانع منه إمَّا الجهل وهو عالم بكلّ شيء أو العجز وهو قادر على كلّ شيء أو البخل وهو الجواد المطلق، ويستدلُّ عليه بوجهين أيضاً:
الوجه الأوّل: ما يستفاد من القرآن الكريم:
في عقيدتنا يوم المهدي (عليه السلام) هو اليوم الذي وعد الله به أهل الأرض، قال تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) (القصص: 5)، يعني الوارثين للأرض، بحيث تكون كنوزها وطاقاتها بيد الإنسان، وهناك وعدٌ وَعَدَ الله فيه المؤمنين أنَّهم الوارثون والعاقبة لهم (إِنَّ الأَْرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف: 128)، وهذا الوعد يعتبره الله نعمة يمتنُّ بها على عباده، لأنَّ يوم المهدي (عليه السلام) يوم الكمال الحضاري والكمال الروحي، فإنَّ امتنان الله على عباده بذلك اليوم واعتباره نعمة والوعد به دليل على أنَّ يوم المهدي (عليه السلام) كمال حضاري وروحي لا يرقى إليه كمال، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَْرْضِ) (النور: 55).
وقال تعالى: (وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (الأنبياء: 107)، فقد يقال بأنَّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمة للإنسان، لكن الله تعالى يقول: (رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ)، يعني الجماد والنبات والحيوان والإنسان، فكيف يكون النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) رحمة للعالمين؟ وما هو معناه؟
وإلى الآن لم تتحقَّق هذه الرحمة، لأنَّ الرحمة كما يقول علماء العرفان في فعلية كمال كلّ شيء، فإذا بلغ كلّ شيء كماله نال الرحمة، وإذا لم يبلغ كماله لم ينل الرحمة, يعني أنَّ البذرة بعد زرعها تصبح شجرة فقد نالت الرحمة لأنَّها بلغت كمالها، أمَّا إذا زُرعت وفسدت وماتت لم تنل الرحمة، لأنَّها لم تبلغ كمالها، ومقتضى ذلك أنَّ قوله تعالى: (وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) يعني هناك يوم ستنال الرحمة فيه كلّ العالمين بجمادها ونباتها وحيوانها وإنسانها، وهو يوم يبلغ العالمون كلّهم كمالهم، فإذا بلغوا كمالهم نالوا الرحمة، وذلك يوم إقامة الحضارة الكونية في هذا الوجود على يد المهدي المنتظر الذي هو امتداد لنبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسالته.
الوجه الثاني: الدليل النقلي من الروايات:
الرواية الأولى: عن أبان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (العلم سبعة وعشرون جزءاً فجميع ما جاءت به الرسل جزءان، فلم يعرف الناس حتَّى اليوم غير الجزءين، فإذا قام القائم أخرج الخمسة والعشرين جزءاً فبثّها في الناس، وضمَّ إليها الجزءين، حتَّى يبثّها سبعة وعشرين جزءاً)(1).
الرواية الثانية: روي أنَّ له (عليه السلام) علوماً مذخورة تحت بلاطة في أهرام مصر لا يصل إليها أحد قبله(2)، بمعنى أنَّ الإمام بواسطة اكتشافات جيولوجية معيَّنة سيكتشف كثيراً من الكنوز تحت أهرام مصر لم يصل إليها أحد قبله.
الرواية الثالثة: عن أبي الربيع الشامي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إنَّ قائمنا إذا قام مدَّ الله عز وجل لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتَّى لا يكون بينهم وبين القائم بريد يكلّمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه)(3)، بمعنى أنَّ وسائل الاتّصالات تتطوَّر بشكل أنَّ الناس في كلّ وقت ترى القائم (عليه السلام) وتسمع صوته.
الرواية الرابعة: عن سورة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (إنَّ ذا القرنين قد خيّر السحابين فاختار الذلول وذخر لصاحبكم الصعب)، قال: قلت: وما الصعب؟ قال: (ما كان من سحاب فيه رعد وصاعقة أو برق فصاحبكم يركبه، أمَا إنَّه سيركب السحاب ويرقى في الأسباب أسباب السماوات السبع والأرضين السبع خمس عوامر واثنان خرابان)(4).
إذن سيكون هناك سيطرة على الفضاء، كما ذكرت الآية: (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ) (الرحمن: 33)، وسوف يتحقَّق هذا النفوذ على الفضاء كلّه تحت يده المباركة وتحت سلطانه ودولته.
هذا الموضوع لا يختصّ بكتبنا فقد ذكره أهل السُنّة أيضاً، ففي مستدرك الحاكم عن ابن عبّاس، قال: ... وأمَّا المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وتأمن البهائم والسباع وتلقي الأرض أفلاذ كبدها، قال: قلت: وما أفلاذ كبدها؟ قال: أمثال الأسطوان من الذهب والفضّة)(5).
وفي رواية أخرى عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: (يكون في آخر الزمان خليفة يعطي المال ولا يعدّه عدّاً)(6).
وفي رواية ثالثة قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (أبشّركم بالمهدي يبعث في أمّتي على اختلاف من الناس وزلازل، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، ويرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ويملأ الله قلوب أمّة محمّد غنى فلا يحتاج أحد إلى أحد)7).
إذن هذه كلّها روايات تتحدَّث عن حضارة كونية والسيطرة على الوجود كلّه واكتشاف أسرار الكون وبركاته ومعادنه، لا أنَّها تتحدَّث عن حياة بدائية، قائمة على فلاحة ورمح وسيف، بالنتيجة: يوم المهدي (عليه السلام) يوم الحضارة الكونية، ودولة المهدي (عليه السلام) رمز الحضارة الكونية لا الحضارة الأرضية.
الهوامش :
(1) الخرائج والجرائح 2: 841/ باب 16/ ح 59.
(2) عصر الظهور: 328.
3) الكافي 8 : 241/ ح 329.
(4) بصائر الدرجات: 429/ باب 15/ ح 3.
(5) مستدرك الحاكم 4: 514.
6) مسند أحمد 3: 5؛ مستدرك الحاكم 4: 454.
7)مسند أحمد 3: 52.
ليست دولته (عليه السلام) دولة السيف والرمح والفلاحة والغوص، فالمهدي لا يُرجع الناس إلى الوراء، بل دولته هي أرقى حضارة تكنولوجية عرفها الإنسان على الأرض, وذلك لأنَّ الحضارة الكونية أعلى كمالاً روحياً يصل إليه الإنسان، لأنَّ اكتشاف أسرار الكون سيساهم في ترقّي معرفة المرء بربّه، وحيث إنَّ ذلك كمال يمكن أن يصل إليه الإنسان، فمقتضى لطف الله عز وجل بعبده إيصاله لكلّ كمال يمكنه الوصول إليه، فإنَّ المانع منه إمَّا الجهل وهو عالم بكلّ شيء أو العجز وهو قادر على كلّ شيء أو البخل وهو الجواد المطلق، ويستدلُّ عليه بوجهين أيضاً:
الوجه الأوّل: ما يستفاد من القرآن الكريم:
في عقيدتنا يوم المهدي (عليه السلام) هو اليوم الذي وعد الله به أهل الأرض، قال تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) (القصص: 5)، يعني الوارثين للأرض، بحيث تكون كنوزها وطاقاتها بيد الإنسان، وهناك وعدٌ وَعَدَ الله فيه المؤمنين أنَّهم الوارثون والعاقبة لهم (إِنَّ الأَْرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف: 128)، وهذا الوعد يعتبره الله نعمة يمتنُّ بها على عباده، لأنَّ يوم المهدي (عليه السلام) يوم الكمال الحضاري والكمال الروحي، فإنَّ امتنان الله على عباده بذلك اليوم واعتباره نعمة والوعد به دليل على أنَّ يوم المهدي (عليه السلام) كمال حضاري وروحي لا يرقى إليه كمال، قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَْرْضِ) (النور: 55).
وقال تعالى: (وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (الأنبياء: 107)، فقد يقال بأنَّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمة للإنسان، لكن الله تعالى يقول: (رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ)، يعني الجماد والنبات والحيوان والإنسان، فكيف يكون النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) رحمة للعالمين؟ وما هو معناه؟
وإلى الآن لم تتحقَّق هذه الرحمة، لأنَّ الرحمة كما يقول علماء العرفان في فعلية كمال كلّ شيء، فإذا بلغ كلّ شيء كماله نال الرحمة، وإذا لم يبلغ كماله لم ينل الرحمة, يعني أنَّ البذرة بعد زرعها تصبح شجرة فقد نالت الرحمة لأنَّها بلغت كمالها، أمَّا إذا زُرعت وفسدت وماتت لم تنل الرحمة، لأنَّها لم تبلغ كمالها، ومقتضى ذلك أنَّ قوله تعالى: (وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) يعني هناك يوم ستنال الرحمة فيه كلّ العالمين بجمادها ونباتها وحيوانها وإنسانها، وهو يوم يبلغ العالمون كلّهم كمالهم، فإذا بلغوا كمالهم نالوا الرحمة، وذلك يوم إقامة الحضارة الكونية في هذا الوجود على يد المهدي المنتظر الذي هو امتداد لنبوّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسالته.
الوجه الثاني: الدليل النقلي من الروايات:
الرواية الأولى: عن أبان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (العلم سبعة وعشرون جزءاً فجميع ما جاءت به الرسل جزءان، فلم يعرف الناس حتَّى اليوم غير الجزءين، فإذا قام القائم أخرج الخمسة والعشرين جزءاً فبثّها في الناس، وضمَّ إليها الجزءين، حتَّى يبثّها سبعة وعشرين جزءاً)(1).
الرواية الثانية: روي أنَّ له (عليه السلام) علوماً مذخورة تحت بلاطة في أهرام مصر لا يصل إليها أحد قبله(2)، بمعنى أنَّ الإمام بواسطة اكتشافات جيولوجية معيَّنة سيكتشف كثيراً من الكنوز تحت أهرام مصر لم يصل إليها أحد قبله.
الرواية الثالثة: عن أبي الربيع الشامي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (إنَّ قائمنا إذا قام مدَّ الله عز وجل لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتَّى لا يكون بينهم وبين القائم بريد يكلّمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه)(3)، بمعنى أنَّ وسائل الاتّصالات تتطوَّر بشكل أنَّ الناس في كلّ وقت ترى القائم (عليه السلام) وتسمع صوته.
الرواية الرابعة: عن سورة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (إنَّ ذا القرنين قد خيّر السحابين فاختار الذلول وذخر لصاحبكم الصعب)، قال: قلت: وما الصعب؟ قال: (ما كان من سحاب فيه رعد وصاعقة أو برق فصاحبكم يركبه، أمَا إنَّه سيركب السحاب ويرقى في الأسباب أسباب السماوات السبع والأرضين السبع خمس عوامر واثنان خرابان)(4).
إذن سيكون هناك سيطرة على الفضاء، كما ذكرت الآية: (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالأَْرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ) (الرحمن: 33)، وسوف يتحقَّق هذا النفوذ على الفضاء كلّه تحت يده المباركة وتحت سلطانه ودولته.
هذا الموضوع لا يختصّ بكتبنا فقد ذكره أهل السُنّة أيضاً، ففي مستدرك الحاكم عن ابن عبّاس، قال: ... وأمَّا المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وتأمن البهائم والسباع وتلقي الأرض أفلاذ كبدها، قال: قلت: وما أفلاذ كبدها؟ قال: أمثال الأسطوان من الذهب والفضّة)(5).
وفي رواية أخرى عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: (يكون في آخر الزمان خليفة يعطي المال ولا يعدّه عدّاً)(6).
وفي رواية ثالثة قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (أبشّركم بالمهدي يبعث في أمّتي على اختلاف من الناس وزلازل، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، ويرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ويملأ الله قلوب أمّة محمّد غنى فلا يحتاج أحد إلى أحد)7).
إذن هذه كلّها روايات تتحدَّث عن حضارة كونية والسيطرة على الوجود كلّه واكتشاف أسرار الكون وبركاته ومعادنه، لا أنَّها تتحدَّث عن حياة بدائية، قائمة على فلاحة ورمح وسيف، بالنتيجة: يوم المهدي (عليه السلام) يوم الحضارة الكونية، ودولة المهدي (عليه السلام) رمز الحضارة الكونية لا الحضارة الأرضية.
الهوامش :
(1) الخرائج والجرائح 2: 841/ باب 16/ ح 59.
(2) عصر الظهور: 328.
3) الكافي 8 : 241/ ح 329.
(4) بصائر الدرجات: 429/ باب 15/ ح 3.
(5) مستدرك الحاكم 4: 514.
6) مسند أحمد 3: 5؛ مستدرك الحاكم 4: 454.
7)مسند أحمد 3: 52.
تعليق