آل البيت سلام الله علیهم اجمعین |
||
الكاتب : العلامة الفقيد الشيخ محمد جواد مغنية ( رحمه الله ) دراسة قيمة و مختصرة يتناول فيها سماحة العلامة الفقيد الشيخ محمد جواد مغنية ( رحمه الله ) مكانة آل بيت الرسول ( صلى الله عليه و آله ) و ما قدموه من خدمات جسيمة للدين الإسلامي و الأمة الإسلامية ، و ما لاقوه من الأذى و الاضطهاد من أجل ذلك ، و هي منشورة ضمن مجموعة من مقالات سماحته في كتابه " الشيعة في الميزان " . آل البَيْت تعريف : أهل البيت في اللغة سكانه ، و آل الرجل أهله ، و لا يُستعمل لفظ " آل " إلا في أهل رجل له مكانة . و قد جاء ذكر أهل البيت في آيتين من القرآن ، الأولى الآية 73 من سورة " هود " : ﴿ ... رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ... ﴾ [1] ، و الثانية الآية 33 من سورة " الأحزاب " : ﴿ ... يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [2] . و اتفق المفسرون أن المراد بالآية الأولى أهل بيت إبراهيم الخليل ، و بالآية الثانية أهل بيت محمد بن عبد اللّه ، و تبعاً للقرآن استعمل المسلمون لفظ أهل البيت و آل البيت في أهل بيت محمد خاصة ، و اشتهر هذا الاستعمال حتى صار اللفظ علماً لهم ، بحيث لا يفهم منه غيرهم إلا بالقرينة ، كما اشتهر لفظ المدينة بيثرب مدينة الرسول . اختلف المسلمون في عدد أزواج النبي ، فمن قائل : أنهن ثماني عشرة امرأة ، و منهم من قال : إنهن إحدى عشرة ، و على أي الأحوال فقد أقام مع النساء سبعاً و ثلاثين سنة ، رُزق خلالها بنين و بنات ماتوا كلهم في حياته ، و لم يبق منهم سوى ابنته فاطمة . و قد اتفقت كلمة المسلمين على أن علي بن أبي طالب ، و فاطمة ، و الحسن ، و الحسين من آل البيت في الصميم ، و أن شجرة النسب النبوي تنحصر فروعها في أبناء فاطمة ، لأن النبي لم يُعقب إلا من وُلدها . منزلة آل البيت عند المسلمين : إذا أردنا أن نعرف منزلة آل البيت عند المسلمين ، و الباعث على تكوين الفرق الإسلامية ، و إيمانها بآل البيت فعلينا أن نلاحظ منزلة محمد عند المسلمين ، و سيرته مع آل بيته ، و أن نلاحظ ، مع ذلك ، أخلاق آل البيت أنفسهم ، و ما أصابهم من المحن في سبيل تمسكهم بما يرونه الحق و العدل . و كل ما يرونه حقاً فهو الحق . إن حقيقة الإسلام هي الشهادة للّه بالوحدانية و لمحمد بالرسالة : " لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه " . فمن أقرّ للّه بالوحدانية ، و جحد رسالة محمد ، أو نسب صفات الخالق إلى غير اللّه ، أو صفات النبوّة إلى غير محمد ممن كان في عصره ، أو جحد آية من القرآن ، أو سنّة ثابتة بالضرورة من سنن النبي ، فلا يصحّ عده من المسلمين ، لأنه لا يحمل الطابع الأساسي للإسلام . فالمسلم إذن من آمن باللّه ، و بمحمد ، و قرن طاعته بطاعته ، و بهذا نطقت الآية 59 من سورة " النساء " : ﴿ ... أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ... ﴾ [3] ، و الآية 62 من سورة " التوبة " : ﴿ ... وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ ... ﴾ [4] و الآية 65 من سورة " النساء " : ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ... ﴾ [5] . و الآية 2 من سورة " النجم " : ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [6] و ما إلى ذلك من عشرات الآيات . سيرة النبي مع آل بيته : نقل أصحاب السير و المناقب من السنّة و الشيعة صوراً كثيرة لعطف النبي على آل بيته و حبّه لهم ، نكتفي بالإشارة إلى بعضها : كان النبي إذا سافر ، فآخر بيت يخرج منه بيت فاطمة ، و إذا رجع من سفره فأول بيت يدخله بيتها . يجلس و يضع الحسن على فخذه الأيمن ، و الحسين على فخذه الأيسر ، يُقبِّل هذا مرة و ذاك أخرى ، و يجلس علياً و فاطمة بين يديه . و جاء في الحديث أنه دخل مرة بيت فاطمة و دعاها و دعا علياً ، و الحسن ، و الحسين ، و لفّ عليه و عليهم كساء و تلا الآية : ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [7] . و المسلمون يسمّون هذا الحديث بحديث الكساء ، و يطلقون لفظ " أصحاب الكساء " على محمد ، و علي ، و فاطمة ، و الحسن ، و الحسين . و قال لهم مرة : " أنا سلم لمن سالمكم ، و حرب لمن حاربكم " . و ما إلى ذلك من الأحاديث المشهورة عند جميع الفرق الإسلامية . و قد أوصى النبي أمته بآل بيته ، و أوصاهم بالقرآن ، ففي الحديث : " إني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب اللّه ، فيه الهدى و النور . . . ـ ثم قال ـ : و أهل بيتي ، أذكركم اللّه في أهل بيتي ، أذكركم اللّه في أهل بيتي " . و في الآية 23 من سورة " الشورى " : ﴿ ... قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ... ﴾ [8] . و المراد بالقربى قرابة النبي . و لذا أولاهم المسلمون على اختلاف فرقهم قسطاً كبيراً من الرعاية و التبجيل ، و كان لهم عند أبي بكر من التعظيم و الإكبار ما لم يكن لأحد غيرهم . و كان عمر بن الخطاب يؤثرهم على جميع المسلمين ، فرض لأبناء البدريين من العطاء ألفين ألفين في السنة إلا حسناً و حسيناً فرض لكل واحد منهما خمسة آلاف . و قد ملأ أصحاب التاريخ و التراجم كتبهم بفضائل أهل البيت و مناقبهم . فأهل السنّة يقدّسون علياً و الأئمة من ذرّيته ، و لكنهم لا يعترفون بأنهم أحقّ و أولى بالخلافة من غيرهم ، كما تعتقد الشيعة . [1]القران الكريم : سورة هود ( 11 ) ، الآية : 73 ، الصفحة : 230 . [2]القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 33 ، الصفحة : 422 . [3]القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 59 ، الصفحة : 87 . [4]القران الكريم : سورة التوبة ( 9 ) ، الآية : 62 ، الصفحة : 197 . [5]القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 65 ، الصفحة : 88 . [6]القران الكريم : سورة النجم ( 53 ) ، الآية : 3 و 4 ، الصفحة : 526 . [7]القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 33 ، الصفحة : 422 . [8]القران الكريم : سورة الشورى ( 42 ) ، الآية : 23 ، الصفحة : 486 . [9]القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 57 . |
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
آل البيت سلام الله علیهم اجمعین....
تقليص
X
-
آل البيت سلام الله علیهم اجمعین....
sigpic
-
آل البيت سلام الله علیهم اجمعین قسم الثانی اخلاق آل البیت
آل البيت سلام الله علیهم اجمعین قسم الثانی اخلاق ال بیتالكاتب : العلامة الفقيد الشيخ محمد جواد مغنية ( رحمه الله )
دراسة قيمة و مختصرة يتناول فيها سماحة العلامة الفقيد الشيخ
محمد جواد مغنية ( رحمه الله ) مكانة آل بيت الرسول ( صلى الله عليه و آله ) و ما
قدموه من خدمات جسيمة للدين الإسلامي و الأمة الإسلامية ، و ما لاقوه من الأذى و
الاضطهاد من أجل ذلك ، و هي منشورة ضمن مجموعة من مقالات سماحته في كتابه " الشيعة في الميزان " .
أخلاق أهل البيت :
كان عليّ علیه السلام صلباً في الحق لا تأخذه فيه لومة لائم . و لم يكن الحقّ في مفهومه ما كان
امتداداً لذاته و سلطانه . فقد تساهل في حقوقه الخاصة حتى استغلّ أعداؤه هذا
التساهل . عفا عن مروان بن الحكم بعد أن ظفر به في وقعة الجمل ، و عن عمرو بن العاص
حين تمكن منه يوم صفين ، و سقى أهل الشام من الماء ، بعد أن منعوه منه ، حتى كاد
يهلك جنده عطشاً . و إنما كان الحق في مفهومه أن لا يستأثر إنسان على إنسان بشيء
كائناً من كان .
جاءته امرأتان ذات يوم تشكوان فقرهما ، فأعطاهما . ولكنّ
إحداهما سألته أن يفضلها على صاحبتها ، لأنها عربية ، وصاحبتها من الموالي . فأخذ
قبضة من تراب ، و نظر فيه ، و قال : لا أعلم أن اللّه فضَّل أحداً من الناس على أحد
إلا بالطاعة و التقوى .
و طلب أخوه عقيل ، و هو ابن أمه و أبيه ، شيئاً من بيت
المال ، فمنعه .
و أرادت ابنته أم كلثوم أن تتزيّن يوم العيد بعقد من بيت المال
، على أن تردّه عاريةً مضمونة ، حين كان أبوها خليفة ، فغضب .
و طلب طلحة و
الزبير الوظيفة على أن يناصراه ، و إلا عارضا و أثارا عليه حرباً شعواء ، فأبى ، و
لما أشير عليه أن يخادعهما و يخادع معاوية حتى يستقيم له الأمر ، فقال : لا أداهن
في ديني ، و لا أعطي الدنية في أمري .
و أبى أن ينزل القصر الأبيض بالكوفة
إيثاراً للخصاص التي يسكنها الفقراء . . و كان يلبس المرقّع حتى استحيا من راقعه ،
كما قال ، و كان راقعه ولده الحسن . و يأكل الخبز الشعير تطحنه امرأته بيدها مواساة
للكادحين و المعوزين .
و أثنى عليه رجل من أصحابه ، فأجابه بقوله : إن من أسخف
حالات الولاة عند صالح الناس أن يظنّ بهم حبّ الفخر ، و يوضع أمرهم على الكبر ، و
قد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحبّ الإطراء و استماع الثناء . . . فلا تكلموني
بما تُكلم به الجبابرة .
و كان منكراً لذاته متوجهاً بكل تفكيره إلى خير الجماعة
، لا يبالي بغضب الخاصة إذا رضيت العامة ، و يقول : إن سخط الخاصة يُغتفر مع رضى
العامّة . لذا افتتنت به الجماهير في عصره و بعد عصره ، و بوّأته أعلى مكان ، لأنه
العنوان الكامل لآمالها و أمانيها . و منهم من رفعه إلى مكان الآلهة ، كما فعل
الغلاة ، و بحقّ قال له النبيّ : يا علي إن اللّه قد زيّنك بأحبّ زينة لديه ، وهب
لك حبّ المساكين ، فجعلك ترضى بهم أتباعاً ، و يرضون بك إماماً .
لقد بالغ عليّ
في تمسّكه بالحقّ ، و حاسب عليه نفسه و عمَّاله ، حتى أغضب الكثير منهم ، و بعضهم
تركه و هرب إلى عدوّه معاوية ، و أصبح عوناً له بعد أن كان حرباً عليه .
آمن علي
باللّه و بالإنسان . و قد ورث عنه الأئمة من ولده هذا الإيمان و ساروا بسيرته ، و
تخلّقوا بأخلاقه ، فكل واحد منهم وافر العلم ، محبّ للخير و السلم ، عزوف عن الشرّ
و الحرب ، صارم في الحق . و إنما ظهر بعض هذه الصفات في شخص أحدهم أكثر من الآخرين
تبعاً للظروف و مقتضيات الأحوال . ظهر في الحسن بن علي حبه للسلم و كرهه للحرب ،
لأن عصره كان عصر الفتن و القلاقل ، بايعه أهل العراق بعد وفاة أبيه بالخلافة ، و
كان جيشه يتألف من أربعين ألفاً . و لما رأى أن معاوية مصرّ على الحرب ، تنازل له
عن الخلافة مؤثراً حقن الدماء و صالح الإسلام على كل شيء . . و ظهرت صلابة الحسين
في الحق ، و ضحَّى بنفسه و أهله و أصحابه ، لأن يزيد بن معاوية لم يترك مجالاً
للمهادنة . و ظهرت آثار علوم الإمام محمد الباقر و ولده الإمام جعفر الصادق ، لأن
العلم في عصرهما كثر طلابه و الراغبون فيه ، و قد أفسح لهما المجال للتدريس و بثّ
العلوم .
sigpic
- اقتباس
- تعليق
تعليق