بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
يقول الله تعالى في كلامه المجيد: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا﴾1.
ظاهر هذه الآية الكريمة أنها تنهى عن عبادة الأصنام كما جاء في قوله تعالى ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾2، ولكن بعد التأمل والتحليل يظهر أن العلة في المنع من عبادة الأصنام أنها خضوع لغير الله تعالى. وهذا لايختص بعبادة الاصنام بل عبر عز شأنه عن اطاعة الشيطان أيضا بالعبادة حيث قال: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ﴾3.
ومن جهة أخرى يتبين أنه لافرق في الطاعة الممقوتة بين أن تكون للغير او للانسان نفسه، فان اطاعة شهوات النفس أيضا عبادة من دون الله تعالى كما يشير اليه في قوله: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾4.
وبتحليل أدق نرى أنه لابد من عدم التوجه إلى غير الله جل وعلا، لأن التوجه الى غيره معناه الاعتراف باستقلاله والخضوع له، وهذا هو العبادة والطاعة بعينها، يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ﴾ إلى قوله ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾5.
عند التدبر في هذه الآيات الكريمة نرى بالنظرة البدائية في قوله ﴿وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا﴾6 أنه تعالى ينهي عن عبادة الأصنام وعندما نتوسع بعض التوسع نرى النهي عن عبادة غير الله من دون أذنه، ولو توسعنا اكثر من هذا لنرى النهي عن عبادة الانسان نفسه باتباع شهواتها، أما لو ذهبنا إلى توسع اكثر فنرى النهي عن الغفلة عن الله والتوجه إلى غيره.
ان هذا التدرج ونعني به ظهور معنى بدائي من الآية ثم ظهور معنى أوسع وهكذا جار في كل من الآيات الكريمة بلا استثناء.
وبالتأمل في هذا الموضوع يظهر معنى ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله في كتب الحديث والتفسير من قوله: "ان للقرآن ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا إلى سبعة أبطن"7.
وعلى هذا للقرآن ظاهر وباطن أو ظهر وبطن، وكلا المعنيين يرادان من الآيات الكريمة، الا أنهما واقعا في الطول لا في العرض، فان ارادة الظاهر لا تنفي ارادة الباطن وارادة الباطن لاتزاحم ارادة الظاهر.
لماذا تكلم القرآن باسلوب الظاهر والباطن
1- الانسان في حياته البدائية القصيرة الدنيوية يشبه الحبات7 الذي يعلو الماء، اذ ركز أوتاد خباء وجوده في مياه بحر المادية وكل ما يقوم به من المساعي والجهود أعطيت أزمتها بيد ذلك البحر المادي الهائج.
اشتغلت حواسه الظاهرية والباطنية بالمادة، وأفكاره انما تتبع معلوماته الحسية. فان الأكل والشرب والجلوس والقيام والتكلم والاستماع والذهاب والاياب والحركة والسكون وكل ما يقوم به الانسان من الأعمال والأفعال وضعت أسسها على المادة ولا يفكر الا فيها.
وما نراه في بعض الأحيان من الآثار المعنوية كالحب والعداء وعلو الهمة ورفعة المقام وأمثالها انما يدركها بعض الأفهام لأنها تجسم مصاديق مادية، فان الانسان يقيس حلاوة الغلب بحلاوة السكر وجاذبية الصداقة بجاذبية المغناطيس وبعلو الهمة بعلو مكان ما أو علو نجوم السماء وعظم المقام ورفعته بعظم الجبل وما أشبه هذه الأشياء.
ومع هذا تختلف الأفهام في ادراك المعنويات التي هي أوسع نطاقا من الماديات، فان بعض الأفهام في غاية الانحطاط في درك المعنويات، وبعضها تدرك ادراكا قليلا، وهكذا تندرج الى أن تصل بعض الأفهام بسهولة إلى درك أوسع المعنويات غير المادية.
وعلى كل حال فكلما تتقدم الأفهام نحو ادراك المعنويات تقل تعلقها بالمظاهر المادية المغرية، وكلما قل تعلقها بالمادة زادت في ادراكها، ومعنى هذا أن كل انسان بطبيعته الانسانية فيه الاستعداد الذاتي لهذا الادراك، ولو لم يشبه بالشوائب العرضية لأمكن تربيته وتقدمه.
2- نستنتج مما سبق أنه لايمكن حمل مايدركه الذي هو في المرتبة العليا من الفهم والعقل على الذي هو في المرتبة السفلى ولو حاولنا هذا الحمل لكانت نتيجته عكسية، وخاصة في المعنويات التي هي أهم من المحسوسات المادية، فانها لو ألقيت كما هي على العامة لأعطت نتيجة تناقض النتيجة الصحيحة المتوخاة.
ولا بأس أن تمثل ها هنا بالمذهب الوثني. فلو تأمل الباحث في قسم "اوبانيشاد" من كتاب "ويدا" الكتاب البوذي المقدس، لو تأمل الباحث فيه وقارن بين أقواله مقارنة صحيحة ليرى أنه يهدف إلى التوحيد الخالص. ولكنه مع الأسف يستعرض هدفا بلا ستار وعلى مستوى أفكار العامة، فكانت النتيجة أن اتجه ضعفاء العقول من الهنود الى عبادة أوثان شتى.
اذا لايمكن رفع الستار بصورة مكشوفة عن الأسرار الغيبية وما يتعلق بما وراء الطبيعة والمادة للماديين ومن لم يذعن بالحقائق.
3- بالرغم مما نجده في الأديان من حرمان العامة من كثير من المزايا الدينية، كحرمان المرأة في البرهمية واليهودية والمسيحية وحرمان غير رجال الدين من ثقافة الكتاب المقدس في الوثنية والمسيحية.. بالرغم من كل ذلك فان أبواب الدين الاسلامي لم تغلق في وجه أحد، فان المزايا الدينية فيه للجميع وليست ملكا لفئة خاصة، فلافرق بين العامة والخاصة والرجل والمرأة والأبيض والأسود، كلهم مساوون في نظر الاسلام وليس لأحد ميزة على أحد.
قال تعالى: ﴿أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾8.
وقال عز من قائل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾9.
بعد تقديم هذه المقدمات الثلاث نقول: ان القرآن الكريم ينظر في تعاليمه القيمة إلى الانسانية بما أنها انسانية، ونعني أنه يوسع تعاليمه على الانسان باعتباره قابلا للتربية والسير في مدارج الكمال.
ونظرا إلى أن الأفهام والعقول تختلف في ادراك المعنويات ولا يؤمن الخطر عند القاء المعارف العالية كما أسلفنا.. يستعرض القرآن الكريم تعاليمه بأبسط المستويات التي تناسب العامة ويتكلم في حدود فهمهم ومداركهم الساذجة.
ان هذه الطريقة الحكيمة نتيجتها أن تبث المعارف العالية بلغة ساذجة يفهمها عامة الناس، وتؤدي ظواهر الألفاظ في هذه الطريقة عملية الالقاء بشكل محسوس أو مايقرب منه وتبقى الحقائق المعنوية وراء ستار الظواهر فتتجلى حسب الأفهام ويدرك منها كل شخص بقدر عقله ومداركه.
يقول تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾10.
ويقول ممثلا للحق والباطل ومقدار الأفهام: ﴿أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا﴾11.
ويقول الرسول صلى الله عليه وآله في حديث مشهور: "انا معاشر الأنبياء نكلم الناس على قدر عقولهم"12.
ونتيجة أخرى لهذه الطريقة ان ظواهر الآيات تكون كأمثلة بالنسبة إلى البواطن، يعني بالنسبة إلى المعارف الالهية التي هي أعلى مستوى من أفهام العامة، فتكون تلك الظواهر كأمثال تقرب المعارف المذكورة إلى الأفهام، يقول جل جلاله:
﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا﴾13.
ويقول: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾14.
وفي القرآن الكريم كثير من الأمثال، الا أن الآيات المذكورة وما في معناها مطلقة لا تختص بأمثال قرآنية خاصة. فعليه لابد من القول بأن الآيات كلها أمثال بالنسبة إلى المعارف العالية التي هي المقصد الأسمى للقرآن.
1- النساء:36.
2- الحج:30.
3- يس:60.
4- الجاثية:23.
5- الأعراف: 179.
6- النساء:36.
6- الصافي المقدمة الثانة، وسفينة البحار "بطن".
7- الحباب بفتح الحاء:
الفقاقيع التي تعلو الماء.
8- آل عمران: 195.
9- الحجرات:13.
10- الزخرف:3-4.
11- الرعد: 17.
12- بحارالأنوار1/37.
13- الإسراء:89.
14- العنكبوت:43.
لكاتب السيد مهدي الموسوي
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف
يقول الله تعالى في كلامه المجيد: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا﴾1.
ظاهر هذه الآية الكريمة أنها تنهى عن عبادة الأصنام كما جاء في قوله تعالى ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ﴾2، ولكن بعد التأمل والتحليل يظهر أن العلة في المنع من عبادة الأصنام أنها خضوع لغير الله تعالى. وهذا لايختص بعبادة الاصنام بل عبر عز شأنه عن اطاعة الشيطان أيضا بالعبادة حيث قال: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ﴾3.
ومن جهة أخرى يتبين أنه لافرق في الطاعة الممقوتة بين أن تكون للغير او للانسان نفسه، فان اطاعة شهوات النفس أيضا عبادة من دون الله تعالى كما يشير اليه في قوله: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾4.
وبتحليل أدق نرى أنه لابد من عدم التوجه إلى غير الله جل وعلا، لأن التوجه الى غيره معناه الاعتراف باستقلاله والخضوع له، وهذا هو العبادة والطاعة بعينها، يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ﴾ إلى قوله ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾5.
عند التدبر في هذه الآيات الكريمة نرى بالنظرة البدائية في قوله ﴿وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا﴾6 أنه تعالى ينهي عن عبادة الأصنام وعندما نتوسع بعض التوسع نرى النهي عن عبادة غير الله من دون أذنه، ولو توسعنا اكثر من هذا لنرى النهي عن عبادة الانسان نفسه باتباع شهواتها، أما لو ذهبنا إلى توسع اكثر فنرى النهي عن الغفلة عن الله والتوجه إلى غيره.
ان هذا التدرج ونعني به ظهور معنى بدائي من الآية ثم ظهور معنى أوسع وهكذا جار في كل من الآيات الكريمة بلا استثناء.
وبالتأمل في هذا الموضوع يظهر معنى ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله في كتب الحديث والتفسير من قوله: "ان للقرآن ظهرا وبطنا ولبطنه بطنا إلى سبعة أبطن"7.
وعلى هذا للقرآن ظاهر وباطن أو ظهر وبطن، وكلا المعنيين يرادان من الآيات الكريمة، الا أنهما واقعا في الطول لا في العرض، فان ارادة الظاهر لا تنفي ارادة الباطن وارادة الباطن لاتزاحم ارادة الظاهر.
لماذا تكلم القرآن باسلوب الظاهر والباطن
1- الانسان في حياته البدائية القصيرة الدنيوية يشبه الحبات7 الذي يعلو الماء، اذ ركز أوتاد خباء وجوده في مياه بحر المادية وكل ما يقوم به من المساعي والجهود أعطيت أزمتها بيد ذلك البحر المادي الهائج.
اشتغلت حواسه الظاهرية والباطنية بالمادة، وأفكاره انما تتبع معلوماته الحسية. فان الأكل والشرب والجلوس والقيام والتكلم والاستماع والذهاب والاياب والحركة والسكون وكل ما يقوم به الانسان من الأعمال والأفعال وضعت أسسها على المادة ولا يفكر الا فيها.
وما نراه في بعض الأحيان من الآثار المعنوية كالحب والعداء وعلو الهمة ورفعة المقام وأمثالها انما يدركها بعض الأفهام لأنها تجسم مصاديق مادية، فان الانسان يقيس حلاوة الغلب بحلاوة السكر وجاذبية الصداقة بجاذبية المغناطيس وبعلو الهمة بعلو مكان ما أو علو نجوم السماء وعظم المقام ورفعته بعظم الجبل وما أشبه هذه الأشياء.
ومع هذا تختلف الأفهام في ادراك المعنويات التي هي أوسع نطاقا من الماديات، فان بعض الأفهام في غاية الانحطاط في درك المعنويات، وبعضها تدرك ادراكا قليلا، وهكذا تندرج الى أن تصل بعض الأفهام بسهولة إلى درك أوسع المعنويات غير المادية.
وعلى كل حال فكلما تتقدم الأفهام نحو ادراك المعنويات تقل تعلقها بالمظاهر المادية المغرية، وكلما قل تعلقها بالمادة زادت في ادراكها، ومعنى هذا أن كل انسان بطبيعته الانسانية فيه الاستعداد الذاتي لهذا الادراك، ولو لم يشبه بالشوائب العرضية لأمكن تربيته وتقدمه.
2- نستنتج مما سبق أنه لايمكن حمل مايدركه الذي هو في المرتبة العليا من الفهم والعقل على الذي هو في المرتبة السفلى ولو حاولنا هذا الحمل لكانت نتيجته عكسية، وخاصة في المعنويات التي هي أهم من المحسوسات المادية، فانها لو ألقيت كما هي على العامة لأعطت نتيجة تناقض النتيجة الصحيحة المتوخاة.
ولا بأس أن تمثل ها هنا بالمذهب الوثني. فلو تأمل الباحث في قسم "اوبانيشاد" من كتاب "ويدا" الكتاب البوذي المقدس، لو تأمل الباحث فيه وقارن بين أقواله مقارنة صحيحة ليرى أنه يهدف إلى التوحيد الخالص. ولكنه مع الأسف يستعرض هدفا بلا ستار وعلى مستوى أفكار العامة، فكانت النتيجة أن اتجه ضعفاء العقول من الهنود الى عبادة أوثان شتى.
اذا لايمكن رفع الستار بصورة مكشوفة عن الأسرار الغيبية وما يتعلق بما وراء الطبيعة والمادة للماديين ومن لم يذعن بالحقائق.
3- بالرغم مما نجده في الأديان من حرمان العامة من كثير من المزايا الدينية، كحرمان المرأة في البرهمية واليهودية والمسيحية وحرمان غير رجال الدين من ثقافة الكتاب المقدس في الوثنية والمسيحية.. بالرغم من كل ذلك فان أبواب الدين الاسلامي لم تغلق في وجه أحد، فان المزايا الدينية فيه للجميع وليست ملكا لفئة خاصة، فلافرق بين العامة والخاصة والرجل والمرأة والأبيض والأسود، كلهم مساوون في نظر الاسلام وليس لأحد ميزة على أحد.
قال تعالى: ﴿أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾8.
وقال عز من قائل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾9.
بعد تقديم هذه المقدمات الثلاث نقول: ان القرآن الكريم ينظر في تعاليمه القيمة إلى الانسانية بما أنها انسانية، ونعني أنه يوسع تعاليمه على الانسان باعتباره قابلا للتربية والسير في مدارج الكمال.
ونظرا إلى أن الأفهام والعقول تختلف في ادراك المعنويات ولا يؤمن الخطر عند القاء المعارف العالية كما أسلفنا.. يستعرض القرآن الكريم تعاليمه بأبسط المستويات التي تناسب العامة ويتكلم في حدود فهمهم ومداركهم الساذجة.
ان هذه الطريقة الحكيمة نتيجتها أن تبث المعارف العالية بلغة ساذجة يفهمها عامة الناس، وتؤدي ظواهر الألفاظ في هذه الطريقة عملية الالقاء بشكل محسوس أو مايقرب منه وتبقى الحقائق المعنوية وراء ستار الظواهر فتتجلى حسب الأفهام ويدرك منها كل شخص بقدر عقله ومداركه.
يقول تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾10.
ويقول ممثلا للحق والباطل ومقدار الأفهام: ﴿أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا﴾11.
ويقول الرسول صلى الله عليه وآله في حديث مشهور: "انا معاشر الأنبياء نكلم الناس على قدر عقولهم"12.
ونتيجة أخرى لهذه الطريقة ان ظواهر الآيات تكون كأمثلة بالنسبة إلى البواطن، يعني بالنسبة إلى المعارف الالهية التي هي أعلى مستوى من أفهام العامة، فتكون تلك الظواهر كأمثال تقرب المعارف المذكورة إلى الأفهام، يقول جل جلاله:
﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا﴾13.
ويقول: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾14.
وفي القرآن الكريم كثير من الأمثال، الا أن الآيات المذكورة وما في معناها مطلقة لا تختص بأمثال قرآنية خاصة. فعليه لابد من القول بأن الآيات كلها أمثال بالنسبة إلى المعارف العالية التي هي المقصد الأسمى للقرآن.
1- النساء:36.
2- الحج:30.
3- يس:60.
4- الجاثية:23.
5- الأعراف: 179.
6- النساء:36.
6- الصافي المقدمة الثانة، وسفينة البحار "بطن".
7- الحباب بفتح الحاء:
الفقاقيع التي تعلو الماء.
8- آل عمران: 195.
9- الحجرات:13.
10- الزخرف:3-4.
11- الرعد: 17.
12- بحارالأنوار1/37.
13- الإسراء:89.
14- العنكبوت:43.
لكاتب السيد مهدي الموسوي
تعليق