كوكب مشرق من بيت النبوة، ازدهت الدنيا به، وافتخرت ربى المجد وأشرقت فيطلعته البهية في مدارج يثرب المنورة بأنوار النبوة، وتربى في مرابع الفضيلة والسمو(فِي بُيُوتٍأَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) بيوت تربع اهلها على قمم النبل والرفعة، فكانت اشراقات فضائلهم تنيرالدياجير وتزيل العتمة.تميز سيدنا الامام محمد الجواد عليه السلام بأنه تحمّل أعباء الامامة في سنالفتوة، وتحمّل مالا يحتمل ممن حسبوا على الدين الحنيف، وتسلقوا كراسي النفوذ بلاكفاءة ولا قدرة، واصبحوا يسومون الناس العسف والهوان، وهم لا يستحقون ان يكونواحتى في اسفل السلم.كان سيدنا الامام الرضا عليه السلام يُسأل: من للأمر بعدك؟ فيقول: (ابني...)علما إن الامام آنذاك لم يولد بعد. وذكر بعض أصحاب الامام الرضا عليه السلام أنه كتباحدهم الى الامام كيف تكون اماما وليس لك ولد؟فأجابه الامام الرضا عليه السلام: (وما علمك انه لا يكون لي ولد؟ والله لاتمضي الايام والليالي حتى يرزقني الله ذكرا يفرق بين الحق والباطل).وعندما ولِدَ الامام الجواد عليه السلام ونشأ يقول صفوان بن يحيى: سألتالامام الرضا عليه السلام عمّن يخلفه؟ فأشار الى ولده ابي جعفر عليه السلام، وهوقائم بين يديه، فقلت: جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين؟ قال: (ما يضره من ذلك، قد قامعيسى بالحجة وهو ابن اقل من ثلاث سنين... وقال عليه السلام: انا اهل بيت يتوارثونأصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة).احتضن الامام الرضا عليه السلام ولده الامام الجواد عليه السلام، وضمه بينجوانحه، وكان يغذيه ويربيه وكأنه رجل كبير، وهو كذلك... وكان الامام ينظر الى ولدهبالإكبار والإجلال ويسلك معه مسلكا غاية في التكريم والاحترام، فكان يخاطب ولدهالامام الجواد عليه السلام بعبارات عالية، مما ترك ذلك التعامل انطباعا عاليا فيكيان الامام عليه السلام. وعندما غادر سيدنا الامام الرضا عليه السلام هذه الدنيا الفانية مسمومامظلوما (وَسَيَعْلَمُالَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) كان الامام الجواد (ع) مؤهلا لاستلام الامامة، وهو ابن التاسعة من العمر؛لأنه تربى في حجور طابت وطهرت، ولا ضير في صغر السن؛ فالائمة الاطهار عليهم السلامكبار في القدر والمنزلة منذ ولادتهم وهم يتوارثون العلم (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ماكانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) سورة القصص: 68 وقال عزمن قائل: (وَلَقَدِاخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) سورة الدخان:32.وبدأ كيد الكائدين الى الامام (ع) من البطانة المحيطة بعرش السلطان المأمون،وكان الله تعالى ناصره ويرد كيدهم الى نحورهم، فكانت المحاورة مع يحيى بن اكثمقاضي القضاة الشهير، والتي ألقمت الاعداء حجرا، واثبتت جدارة الامام (ع) كيف لا...وهو من نسل الائمة الاطياب عليهم السلام. وقد فرضت الاحداث على الخليفة المأمون أنيزوِّج الامام ابنته (أم الفضل) وشاءت ارادة الرحمن ان لا تخلف ام الفضل ذرية منالامام عليه السلام (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) وكانت ذرية الامام منزوجته الطاهرة (سمانة المغربية) رضي الله عنها، فولدت له: (الإمام علي الهادي عليهالسلام، موسى المبرقع، الحسين، عمران... والسيدات الفاضلات: فاطمة، خديجة، امكلثوم، حكيمة...) سلام الله عليهم أجمعين.وينحصر عقب الامام (ع) في ولديه الامام علي الهادي عليه السلام والسيد موسىالمبرقع.عندما هلك المأمون وتربع على عرش السلطنة الظالم المعتصم، عاش الامام (ع) فترةشديدة عليه؛ فقد ضيّقت السلطة على الامام عليه السلام، وثبّت حوله العيونوالجواسيس، وغلقت عليه السبل، وأصبح أتباع الامام في ضيق وحرج، وصار الوصول اليهواللقاء به مخاطرة، ولعب المنافقون أصحاب مجالس السوء دورا في تأليب السلطان علىالامام وأصحابه، ومهما اسدلت السجن والموانع فانها لا تحجب نور الامامة الذي وضعهالله تبارك وتعالى في محيا أوليائه: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئوا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْوَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ).وظل الامام الجواد عليه السلام يسعى كل ما سنحت له الفرصة ليبلغ تعاليمالدين الحنيف، ويقود مسيرة الهداية، لكن عهد المعتصم كان بلاء على أهل العلموالعلماء، وأوغر صدر السلطان المتجبر على الامام عليه السلام بواسطة سعاة السوء منالحاشية التي تتظاهر بالاسلام، والاسلام منهم براء، فدس السلطان السم للامام عليهالسلام، فكانت وفاته (سلام الله عليه) بعد يوم وليلة... سيدي فدتك النفس لماذا يدسلك السلطان السم وهو قوي في العدة والعدد، وأنت لا تملك الجيوش، ولا تنازعه كرسيالملك، ألا يدل هذا على عظمتك وانت في محرابك، وصغر هذا السلطان وهو على عرش ملكه....سيدي ان متسافل الدرجات يحسد من علا... سلام عليك سيدي يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم تبعث حيا، لينال الظالم جزاءما فعل.
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
ساعي البريد ....عبد الحمزة المشهداني...
تقليص