معنىاللقاء الأدبي يعني اجتياز اللحظة المعاشة إلى خطوتين مهمتين؛ إحداهما تعتني بلمِّالماضي، وتقديمه كجذر مؤسس لجميع الخطوات المهمة في حياة المحتفى به، والأخرى مستقبليةتشكل بؤرا استباقية، تعطينا محصلة التجربة النهائية، فكان السؤالُ عن البحث في القيمةالشعورية داخل قصيدة الشاعر (يحيى السماوي)، هو الأقرب لنا، عند استقباله ضيفا علىاعلا م العتبة العباسية، الشاعر السماوي:ـ يصعبُ على كلّ شاعر الحديث عن تجربته الشعريةبتشخيصات نقدية تعطي محصلة انطباعات تعبر عن الملامح المكونة، والشعر مرآة، ثمة منيرى ملامحي، وقد لايرى الآخر شيئا منها، لكني أستطيع أن أبيِّن لك ما أعيشه لحظة الكتابة،فأشعر بوجع خرافي يشعرني بألمي وحزني ومعاناتي، يحاصرني بكاء مرعب، أشعر أن بي جرحاأحمله أكثر اتساعا من جسدي، فألجأ الى القصيدة بحثا عن طمأنينة غائبة، حتى وصل الأمربي أن أبحثَ داخل القصيدة عن وطن مستعار، أبكي، أذرف من الدمع أضعاف ما يسيل من حبر. مشكلتي أني لا أتنفس تنفسا طبيعيا؛ إلا حين أكتبالشعر. أتعرف أني أمارس في الشعر طفولة لم أعشْها، أنا رجل بدأت الشيخوخة في العشرين،أتحايل بالشعر على الحياة دفاعا عن الحياة، أقاوم به الموت، ليعيد لي عافية سرقت مني؛فالقصيدة تعني لي ولادة أخرى، وأحتفي بها لحظة أشيّع بها عمري.
صدىالروضتين:ـ بهذا المعنى تصبح القصيدة تعويضية؟
السماوي:ـفي القصيدة أعوّض ما فاتني من كرامة، نعم حينما أهان بصفعة شرطي، أتعرف ما معنى أنيبصقَ بوجهي شرطي الأمن؟ كل انهزاماتي تذوب في القصيدة، أرسم الحياة التي أريدها بأدقتفاصيلها، أعوّض حطامي، أحلامي الذبيحة، أعوّض الشباب الذي ضاع في المعتقلات، السجون،فصل المطاردة، النقل القسري، ما كان معتما الان صار قوس قزح، الغد أصبح يتسع للفرح،فعلى الأقل أصبح بإمكاني أن أغفو مطمئنا أن أطفالي لن يُجلدوا ذات الجلد الذي جلدتفيه، ولن تعد من ضفيرة أختي مشنقة لمجاهد...
صدىالروضتين :ـ هل كانت القصيدة بالنسبة لك تعنينبوءة التأريخ؟
السماوي:ـفي ديوان زنابق برية كتبت: (لاتقتلوه وإن بدا كهلا *** فغدا عراقنا يعود طفلا). وقديعني الأمل وأراه بحثا عن النبوءة، التفاؤل، اليقين بأن الخبز لولا جمر التنور لن يصبحخبزا، ولا يستعذب طعمه، جمر القهر الذي عشناه الذي جعل رغيف الحاضر شهياً، دقيق قصائديكنت أعجنه بدموع الأسى، اليوم أعجنه بندى الغد الجميل الذي بدأنا نطل على تباشيره.
السماوي في الحالتين موجود، وأما في القصيدة، فالمهمأن يتواجد فيها الناس. أنا ساعي بريد بين وجعي والقصيدة، لست شاعرا دونهم، لم أكتبعن نفسي شيئا، ولا سجنت يوما لقضية تتعلق بي، أو عانيت من أجل مصيري الشخصي، هناك دائماقضية أكبر من قضيتي، وهم أكبر من همي، قلت: (أذلني حبي وجرحي الممتد من جدائل النخلالى أرغفة الشعب) بمعنى انه ليس جرحي الذي يتمدد في جسدي، بل هو جرح أمة، فليس ما عانيتهيوما دفاعا عن يحيى بن الحاج عباس، بل عن شعب أعطاني إنسانيتي، بفقراء طيبين منحونيمعنى المحبة، بأطفال رائعين فرض عليهم أن يحملوا صناديق صبغ الأحذية، بدل الحقائب المدرسية،فاذا عرفنا وظيفة الشعر، ومعناه سنقدر حينها على أن نسهم في إضافة زهرة جديدة الى المحبةالكونية.
صدىالروضتين:ـ أنت تجلس الآن في مكان كل شيء كان فيه مهمّشا، والان تجد فيه هذه المساحةمن الشأن الفكري والثقافي، أدب، اعلام، مكتبة، جريدة، دراسات، مرسم، اذاعة، تصميماتابداعية، ومونتاج أفلام، ومسائل إبداعية كبيرة، هذا التحول ماذا يعني عند السماوي الشاعر.
السماوي:ـ طالما كنا نرفع شأن بعض الرموز الدنيوية،وأعظم رمز فيهم لا يصلح أن يكون مجرد تلميذ صغير عند فخر العطاء والجهاد الامام الحسينوأخيه أبي الفضل العباس (ع) وجميع الذين ساروا على هديهم القويم، فهذه الحومة المقدسةالتي نجلس فيها الآن، هي حومة جهاد وعلم وحضارة، ومنها علت الرايات، ولذلك هي المنبرالحقيقي الحر الذي يكشف للعالم غباء الطغاة، فهم نسوا بأنهم إن امتلكوا المجرفة التيتحفر قبر مجاهد، لا يمكن لهم أن يمتلكوا مجرفة تحفر قبرا للفكر والايمان، ولنور القداسةالبهي.
صدىالروضتين:ـ زيارتك الثانية لصدى الروضتين، وهي تطل على عام جديد ؟
السماوي:ـأبارك لها عيدها المبارك، وأنا من قرّائها المثابرين؛ رغم صعوبة الحصول عليها، فهيتصلني دائما كهدايا تهدى لي من الأصدقاء الذين خبروا محبتي لها، رأيتها يوما وهي فسيلةسرعان ماغدت نخلة جميلة، واليوم أراها وقد أضحت بستانا، وأنا واثق انها في القريب ستغدوغابة كثيفة الأشجار. هناك سببان يجعلانني أثق باتساع أفق صدى الروضتين مستقبلا؛ لأنهاتنهل من نمير نقي أولا، ولوجود فلاحين خيرين في مقدمتهم سماحة السيد احمد الصافي (دامعزه) ثانيا... فتحية حب الى أهل هذا الصدىالمؤمن.
تعليق