اللهم اجعلنا فقراء !!
حملت آمال حقيبتها بعد أن أتقنت لبس حجابها واتجهت نحو الباب بخطوات ثابتة وهي تردد: ـ أنا ذاهبة يا أماه .. مع السلامة .
أجابت الأم بصوت ضعيف : وهل ستمرين بزوجة عمك لرؤيتها ؟ أجابت آمال وقد همّت بفتح الباب للخروج : سأفعل ذلك بإذن الله .
وكما وعدت الفتاة أمها فما أن انتهى وقت العمل في ذلك المصنع الصغير حتى لملمت حاجياتها واتجهت نحو منزل عمها الذي لا يبعد عن مصنع الخياطة الذي تعمل فيه إلاّ بضع أمتار .
طرقت الباب ، ففتحت لها فتاة في سن السابعة عشر تقريباً وقد بان على وجهها ملامح الغضب كالعادة ! قالت آمال :
ـ مساء الخير يا عزيزتي ... هل أمّكِ في الدار ؟
ـ وأين تكون ... وأنت تعرفين تماماً إنها طريحة الفراش !
لم تأبه آمال لذلك الأسلوب الجاف من أبنة عمها ، فهو أسلوب متّبع من قبل جميع أفراد هذه العائلة ! سارت الفتاة وكانت آمال تسير خلفها وهي تتطلع لذلك البناء الضخم ... سلّمت على زوجة عمها ورأت أن حالتها تحولت نحو الأسوأ ... ولم تمضِ سوى عدّة دقائق من تواجد آمال في ذلك المنزل حتى تعالت أصوات صراخ وصياح من داخل الغرف ، عرفت إنه لتلك الفتاة ذاتها فمن غيرها يمتلك ذلك الصوت الخارق ! جاءت بعد قليل وقد أمسكت بعدّة قطع من الملابس والثياب ، رمتها على وجه أمها وهي تردد بعصبية :
ـ انظري إلى ثيابي ... جميعها قد لبستها من قبل ، ما الذي أرتديه اليوم في حفلة ميلاد صديقتي ؟!
نظرت آمال إلى تلك القطع ... إنها من أرقى وأغلى الملابس ! ثم نظرت إلى زوجة عمها ، فلمحت الدموع في عينيها وكانت تحاول التحدث مع أبنتها فقالت بعد هُنيهة :
ـ أتصلي بوالدك ليحضر لك ما تريدين .
صرخت الفتاة في وجه أمها وكأنها تخاطب إحدى خادماتها : ألا تعرفين بأن الهاتف الأرضي معطل ؟ كما إن رصيد ( الموبايل ) انتهى ولا أملك الآن أي رصيد ، كيف أتصل به ... ها ؟!
وبحركة سريعة اتجهت نحو ذلك الهاتف النقال وسحبته من على الطاولة لترميه أرضاً وهي تصيح : لقد مللته .. اشتروا لي غيره !
اتجهت تلك الفتاة إلى غرفتها وتبعتها آمال في محاولة منها لتهدئة الموقف ، قالت لها بهدوء :
ـ ما بها ملابسك يا عزيزتي ؟ كلها راقية وفاخرة ..
ـ أنا اعرف ذلك فمتى رأيتني قد اشتريت فستاناً عادياً !
ـ إذا لماذا كل هذا الصراخ ؟!
ـ أنا لم أعتاد لبس نفس الثياب أمام نفس الأشخاص لعدّة مرات ! وصديقاتي قد رأين جميع هذه الفساتين ولن أرتديها أمامهن ثانية ... هل فهمتي !
ـ حسناً إن كان الأمرُ لابُدّ منه ، فتوجهي إلى الله بالدعاء عسى أن يحضر والدك مبكراً لتشترين فستاناً جديداً .
ـ ماذا ؟ أدعو الله ! أنا لست بحاجة إلى أن أتوسل بأي أحد ، إننا نملك من المال ما لا يجعلنا نحتاج إلى أياً كان !
ـ وأمك هذه ! أليست بحاجة إلى الشفاء ؟ لماذا لا يشفيها المال ؟ لماذا حالها يسوء يوماً بعد يوم ولا يستطيع أفضل أطباء البلد من شفاءها ؟ أرأيت أن المال ليس كل شيء وبأننا شئنا أم أبينا سنبقى بحاجة إلى الله . ثم ماذا تفعلون لو إن أباك قد خسر جميع أمواله في إحدى الصفقات ؟ لماذا تصمتين ! أنا سأقول لك ... ستضطرون لبيع كل هذا الأثاث الضخم وقد تضطرون لبيع هذا القصر بل قد يجركم الأمر إلى بيع حتى هذه الملابس لتسدّون بها رمقكم ! حينها ألا تحتاجون إلى الله ؟!
قامت الفتاة من مكانها كالمسعورة بعد سماعها هذا الكلام من آمال ، أشارت إلى الباب قائلة : أخرجي من منزلنا حالاً ، لا أريد رؤيتك هنا مرةً أخرى !
قامت آمال من مكانها مستعدة للرحيل وهي تدعو لهذه الفتاة المسكينة بالهداية ولتلك المرأة بالشفاء . رجعت إلى دارها وما أن أغلقت الباب بهدوء حتى سمعت صوت ملائكي يخرج من إحدى الغرف اتجهت نحو مصدر ذلك الصوت فإذا بأختيها الصغيرتين قد اتجهتا نحو القبلة بعد إكمال صلاة الظهر وصارتا تدعوان الله وتتضرعان إليه ... لم تحاول آمال إصدار أي صوت حتى لا تلتفتان إلى مجيئها ، سمعت إحداهما تتكلم ببعض الكلمات والأخرى تردد بعدها ، حاولت آمال أن تُميّز ما كانت تدعو بهِ أختها ذات العشر سنوات فسمعتها تقول : (إلهي .. ساعد أختنا آمال على تحمّل مسئوليتنا وساعدنا على ردّ جميلها وكذلك رد جميل أمي التي نحبها كثيراً ..يا الله أوصل سلامنا إلى روح أبينا العزيز وأرحمه برحمتك الواسعة لأنه أحسن تربية أختنا فصارت تعلمّنا الكثير من أمور ديننا ودُنيانا )
صارت آمال ـ والدموع تغسل وجهها ـ تُقارن بين المنظر الذي شهدته قبل قليل في بيت عمّها وبين ما تراهُ الآن أمامها ، حينها رفعت يديها إلى الله وصارت تدعو اللهم اجعلنا فقراء .. قريبين منك ، ولا تجعلنا أغنياء .. بعيدين عنك ) .
وبعد هذه الحادثة صارت آمال تُدرك جيداً لماذا أوصى الله إلى موسى (عليه السلام) بقوله : يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلاً فقل مرحباً بشعار الصالحين ..
حملت آمال حقيبتها بعد أن أتقنت لبس حجابها واتجهت نحو الباب بخطوات ثابتة وهي تردد: ـ أنا ذاهبة يا أماه .. مع السلامة .
أجابت الأم بصوت ضعيف : وهل ستمرين بزوجة عمك لرؤيتها ؟ أجابت آمال وقد همّت بفتح الباب للخروج : سأفعل ذلك بإذن الله .
وكما وعدت الفتاة أمها فما أن انتهى وقت العمل في ذلك المصنع الصغير حتى لملمت حاجياتها واتجهت نحو منزل عمها الذي لا يبعد عن مصنع الخياطة الذي تعمل فيه إلاّ بضع أمتار .
طرقت الباب ، ففتحت لها فتاة في سن السابعة عشر تقريباً وقد بان على وجهها ملامح الغضب كالعادة ! قالت آمال :
ـ مساء الخير يا عزيزتي ... هل أمّكِ في الدار ؟
ـ وأين تكون ... وأنت تعرفين تماماً إنها طريحة الفراش !
لم تأبه آمال لذلك الأسلوب الجاف من أبنة عمها ، فهو أسلوب متّبع من قبل جميع أفراد هذه العائلة ! سارت الفتاة وكانت آمال تسير خلفها وهي تتطلع لذلك البناء الضخم ... سلّمت على زوجة عمها ورأت أن حالتها تحولت نحو الأسوأ ... ولم تمضِ سوى عدّة دقائق من تواجد آمال في ذلك المنزل حتى تعالت أصوات صراخ وصياح من داخل الغرف ، عرفت إنه لتلك الفتاة ذاتها فمن غيرها يمتلك ذلك الصوت الخارق ! جاءت بعد قليل وقد أمسكت بعدّة قطع من الملابس والثياب ، رمتها على وجه أمها وهي تردد بعصبية :
ـ انظري إلى ثيابي ... جميعها قد لبستها من قبل ، ما الذي أرتديه اليوم في حفلة ميلاد صديقتي ؟!
نظرت آمال إلى تلك القطع ... إنها من أرقى وأغلى الملابس ! ثم نظرت إلى زوجة عمها ، فلمحت الدموع في عينيها وكانت تحاول التحدث مع أبنتها فقالت بعد هُنيهة :
ـ أتصلي بوالدك ليحضر لك ما تريدين .
صرخت الفتاة في وجه أمها وكأنها تخاطب إحدى خادماتها : ألا تعرفين بأن الهاتف الأرضي معطل ؟ كما إن رصيد ( الموبايل ) انتهى ولا أملك الآن أي رصيد ، كيف أتصل به ... ها ؟!
وبحركة سريعة اتجهت نحو ذلك الهاتف النقال وسحبته من على الطاولة لترميه أرضاً وهي تصيح : لقد مللته .. اشتروا لي غيره !
اتجهت تلك الفتاة إلى غرفتها وتبعتها آمال في محاولة منها لتهدئة الموقف ، قالت لها بهدوء :
ـ ما بها ملابسك يا عزيزتي ؟ كلها راقية وفاخرة ..
ـ أنا اعرف ذلك فمتى رأيتني قد اشتريت فستاناً عادياً !
ـ إذا لماذا كل هذا الصراخ ؟!
ـ أنا لم أعتاد لبس نفس الثياب أمام نفس الأشخاص لعدّة مرات ! وصديقاتي قد رأين جميع هذه الفساتين ولن أرتديها أمامهن ثانية ... هل فهمتي !
ـ حسناً إن كان الأمرُ لابُدّ منه ، فتوجهي إلى الله بالدعاء عسى أن يحضر والدك مبكراً لتشترين فستاناً جديداً .
ـ ماذا ؟ أدعو الله ! أنا لست بحاجة إلى أن أتوسل بأي أحد ، إننا نملك من المال ما لا يجعلنا نحتاج إلى أياً كان !
ـ وأمك هذه ! أليست بحاجة إلى الشفاء ؟ لماذا لا يشفيها المال ؟ لماذا حالها يسوء يوماً بعد يوم ولا يستطيع أفضل أطباء البلد من شفاءها ؟ أرأيت أن المال ليس كل شيء وبأننا شئنا أم أبينا سنبقى بحاجة إلى الله . ثم ماذا تفعلون لو إن أباك قد خسر جميع أمواله في إحدى الصفقات ؟ لماذا تصمتين ! أنا سأقول لك ... ستضطرون لبيع كل هذا الأثاث الضخم وقد تضطرون لبيع هذا القصر بل قد يجركم الأمر إلى بيع حتى هذه الملابس لتسدّون بها رمقكم ! حينها ألا تحتاجون إلى الله ؟!
قامت الفتاة من مكانها كالمسعورة بعد سماعها هذا الكلام من آمال ، أشارت إلى الباب قائلة : أخرجي من منزلنا حالاً ، لا أريد رؤيتك هنا مرةً أخرى !
قامت آمال من مكانها مستعدة للرحيل وهي تدعو لهذه الفتاة المسكينة بالهداية ولتلك المرأة بالشفاء . رجعت إلى دارها وما أن أغلقت الباب بهدوء حتى سمعت صوت ملائكي يخرج من إحدى الغرف اتجهت نحو مصدر ذلك الصوت فإذا بأختيها الصغيرتين قد اتجهتا نحو القبلة بعد إكمال صلاة الظهر وصارتا تدعوان الله وتتضرعان إليه ... لم تحاول آمال إصدار أي صوت حتى لا تلتفتان إلى مجيئها ، سمعت إحداهما تتكلم ببعض الكلمات والأخرى تردد بعدها ، حاولت آمال أن تُميّز ما كانت تدعو بهِ أختها ذات العشر سنوات فسمعتها تقول : (إلهي .. ساعد أختنا آمال على تحمّل مسئوليتنا وساعدنا على ردّ جميلها وكذلك رد جميل أمي التي نحبها كثيراً ..يا الله أوصل سلامنا إلى روح أبينا العزيز وأرحمه برحمتك الواسعة لأنه أحسن تربية أختنا فصارت تعلمّنا الكثير من أمور ديننا ودُنيانا )
صارت آمال ـ والدموع تغسل وجهها ـ تُقارن بين المنظر الذي شهدته قبل قليل في بيت عمّها وبين ما تراهُ الآن أمامها ، حينها رفعت يديها إلى الله وصارت تدعو اللهم اجعلنا فقراء .. قريبين منك ، ولا تجعلنا أغنياء .. بعيدين عنك ) .
وبعد هذه الحادثة صارت آمال تُدرك جيداً لماذا أوصى الله إلى موسى (عليه السلام) بقوله : يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلاً فقل مرحباً بشعار الصالحين ..
تعليق