قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ
دروس من حياة يوسف (ع) - 9
{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}.. إن يوسف (ع) يذكر في هذه الآية قوام النجاح الوظيفي، فإذا أردنا أن نختار موظفاً لأعمالنا، علينا أن نختار الحفيظ العليم، أي صاحب التخصص وصاحب الأمانة.. فإذا كان الطبيب أو المهندس جامعاً للصفتين: الخبرة في العمل، والأمانة في الأداء.. فهو الإنسان النموذجي، لأداء الأعمال الدنيوية.. {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ}.. أي وزير مالية، ووزير المالية – كما يقول يوسف عليه السلام- لا بد أن يكون حفيظاً وعليماً.
{قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ}.. بمجرد أن اعترفوا بالخطيئة نرى أن أجواء الرحمة تحفهم جميعاً.. وهذا هو أسلوب تعامل رب العالمين مع أوليائه.. ففي بطن الحوت قال يونس (ع) : {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُۆْمِنِينَ}.. وهنا كذلك نلاحظ المغفرة، فيلاحظ أنه في كل مراحل حياة إخوة يوسف، لم ينقطع ارتباطهم بالله عز وجل: فهم يقسمون بالله في بعض الأماكن، وفي سياق سورة يوسف، لم يُرى من كلمات أخوة يوسف، ما يدل على كفرهم.. ولهذا فإن الله عز وجل يغفر الذنوب جميعاً، إلا أن يُشرك به.. فما قاموا به ليس بالأمر الهين، وهو إلقاء صبي بريء في الجب، بنية القتل، وهو ابن نبي، وهو نبي في طريقه إلى الدعوة!.. ولكن الله عز وجل غفر لهم حيث {قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.
وعليه، فإذا كان الله عز وجل يغفر هذا الذنب العظيم، بمجرد استغفارٍ واعترافٍ بالخطيئة!.. فكيف بباقي الذنوب التي هي دون هذا الذنب العظيم؟.. فهذا درسٌ لنا جميعاً أن لا نيأس من رحمة الله عز وجل.. فكما هو معلوم أن قوام التوبة أمران: الندم على ما مضى –أي الإعتراف بالخطيئة- والعزم على عدم العود.. فما أسهله من طريق!.. إن البعض يعقّد عملية التوبة، فيفوّت التوبة على النادمين.. بينما يجب أن نقول لهم: ما عليك إلا الندامة، والعزم على عدم العود، وإذا كانت هناك تبعات: دنيوية، أو عبادية قضائية، أو مالية، إلى آخره.. يجب القيام بها بالإضافة إلى التوبة.
{اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}.. {اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي}.. إن هذا الكلام هو كلام سيدنا يوسف عليه السلام، وإنما خصّ قميصه بالذكر، لأن لهذا القميص خصوصية، وهي الملاصقة لبدن هذا النبي، الذي كان من المخلَصين.. أي أن الإنسان إذا دخل في دائرة الجذب الإلهي، أصبح من شۆون المولى.. وبتعبير العلماء: أصبحت له شرافة انتسابية مضاعفة إلى الله عز وجل.. فكل موجود منتسب إلى الله عز وجل انتساب الخالقية والمخلوقية، ولكن بعض الناس بالإضافة إلى صفة المخلوقية، فإن لهم صفة العابدية، والخضوع لله سبحانه وتعالى.. عندئذ تصبح شۆون هذا الإنسان من شۆون الله سبحانه وتعالى.. إن المهد الذي وضع فيه موسى (ع) من شۆون الله، {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ}.. وكذلك آثار النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فإن هذه الحجارة التي في جبال مكة، لها صفة المخلوقية، ولكن عندما نُحتت هذه الحجارة، وأصبحت عبارة عن لبنات لبناء الكعبة، أصبحت من شۆون الله عز وجل، وهكذا.
فإذن، إن المعصوم أو النبي صحيح أن روحه روحٌ مقدسة، ولكن هذا التقدس في الروح، يسري إلى الوجود المادي لذلك المعصوم.. فلا يمكن أن ندعي بأن قبر النبي كباقي القبور، وبأن جثمانه الشريف كباقي الأجسام التي تموت في هذه الدنيا.. فللأمور المادية المحيطة بذلك المعصوم انتسابٌ إلى الله عز وجل.. وهذا المعنى كان مرتكزاً حتى في أذهان المذاهب.. وقد جاء أبو حنيفة إلى الإمام الصادق (ع) ليسمع منه، وخرج الصادق يتوكأ على عصاً، فقال له أبو حنيفة: يا بن رسول الله!.. ما بلغتَ من السن ما تحتاج معه إلى العصا، قال: هو كذلك، ولكنها عصا رسول الله أردت التبرّك بها.. فوثب أبو حنيفة إليه وقال له: أُقبّلها يا بن رسول الله؟.. فحسر الصادق (ع) عن ذراعه وقال له: والله لقد علمتَ أنّ هذا بَشَرُ رسول الله (ص)، وأنّ هذا من شعره، فما قبّلته وتقبّل عصا!..
وبالتالي، فإن القرآن الكريم يعودنا من خلال آية: {اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا} على هذا النمط من التفكير.. أي أن الأمور المادية المنتسبة إلى الله سبحانه وتعالى ولأوليائه لها خواص.. وكذلك السامري الذي أخذ قبضة من أثر الرسول فعمل ما عمل.
يلاحظ من خلال الآية أن يعقوب عليه السلام، له ما له من الكرامة عند الله عز وجل {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ}.. حيث أن الله سبحانه وتعالى عرفه بتعريف الغيب ذلك.
{فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا}.. بمجرد أن أُلقي ذلك القميص الذي يحمل هذه الخصوصية -أي الانتساب إلى هذا النبي العظيم- ارتد بصيراً مرةً أخرى.
{قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ}.. لقد عاودوا التوبة، هم تابوا ويوسف عليه الاسلام بشرهم بالتوبة، ومع ذلك أحبوا التوبة من لسان الغير.. وقد ورد في الحديث الشريف: (أوحى الله سبحانه وتعالى إلى موسى (ع): يا موسى!.. ادعني على لسانٍ لم تعصني به، فقال: أنّى لي بذلك؟.. فقال: ادعني على لسان غيرك).. فلا بأس أن يستغفر الإنسان وخاصةً من كبار الذنوب، ويطلب من ذوي الوجاهة عند الله عز وجل أن يستغفر له أيضاً.. ومن المناسب أيضاً أن نتوجه بهذه العبارة بعد المعاصي، إلى ذلك الذي هو أبو هذه الأمة -(أنا وعلي أبوا هذه الأمة)- فنستغفر ربنا، ثم نخاطب إمامانا صلوات الله عليه بهذا الخطاب: {يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ}.. فلو قيل: بأن هذا هو الشرك، فيكون الرد: بأن هذه آية من كتاب الله عز وجل، فأولاد يعقوب مرتبطون بيعقوب ارتباطاً جسدياً مادياً، ونحن مرتبطون ارتباطاً معنوياً، فالموجبات أعظم.. أي أن الالتجاء إلى أبينا المعنوي، أقوى فلسفةً، وأقوى إقتناعاً من هذا المورد.. ومن الملاحظ أن يعقوب لم يستنكف، لأنهم عندما قالوا: {إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} فقد اعترفوا بتاريخهم وما جرى عليهم.. ويعقوب بحسب الظاهر في هذه الآية لم ينقل منه عتاباً بليغاً وتقريعاً، بل {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا}.. فقد ميّز الأبوين عن باقي إخوانه حيث {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ}.
{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}.. إن يوسف (ع) يذكر في هذه الآية قوام النجاح الوظيفي، فإذا أردنا أن نختار موظفاً لأعمالنا، علينا أن نختار الحفيظ العليم، أي صاحب التخصص وصاحب الأمانة.. فإذا كان الطبيب أو المهندس جامعاً للصفتين: الخبرة في العمل، والأمانة في الأداء.. فهو الإنسان النموذجي، لأداء الأعمال الدنيوية.. {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ}.. أي وزير مالية، ووزير المالية – كما يقول يوسف عليه السلام- لا بد أن يكون حفيظاً وعليماً.
{قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ}.. بمجرد أن اعترفوا بالخطيئة نرى أن أجواء الرحمة تحفهم جميعاً.. وهذا هو أسلوب تعامل رب العالمين مع أوليائه.. ففي بطن الحوت قال يونس (ع) : {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُۆْمِنِينَ}.. وهنا كذلك نلاحظ المغفرة، فيلاحظ أنه في كل مراحل حياة إخوة يوسف، لم ينقطع ارتباطهم بالله عز وجل: فهم يقسمون بالله في بعض الأماكن، وفي سياق سورة يوسف، لم يُرى من كلمات أخوة يوسف، ما يدل على كفرهم.. ولهذا فإن الله عز وجل يغفر الذنوب جميعاً، إلا أن يُشرك به.. فما قاموا به ليس بالأمر الهين، وهو إلقاء صبي بريء في الجب، بنية القتل، وهو ابن نبي، وهو نبي في طريقه إلى الدعوة!.. ولكن الله عز وجل غفر لهم حيث {قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.
وعليه، فإذا كان الله عز وجل يغفر هذا الذنب العظيم، بمجرد استغفارٍ واعترافٍ بالخطيئة!.. فكيف بباقي الذنوب التي هي دون هذا الذنب العظيم؟.. فهذا درسٌ لنا جميعاً أن لا نيأس من رحمة الله عز وجل.. فكما هو معلوم أن قوام التوبة أمران: الندم على ما مضى –أي الإعتراف بالخطيئة- والعزم على عدم العود.. فما أسهله من طريق!.. إن البعض يعقّد عملية التوبة، فيفوّت التوبة على النادمين.. بينما يجب أن نقول لهم: ما عليك إلا الندامة، والعزم على عدم العود، وإذا كانت هناك تبعات: دنيوية، أو عبادية قضائية، أو مالية، إلى آخره.. يجب القيام بها بالإضافة إلى التوبة.
{اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}.. {اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي}.. إن هذا الكلام هو كلام سيدنا يوسف عليه السلام، وإنما خصّ قميصه بالذكر، لأن لهذا القميص خصوصية، وهي الملاصقة لبدن هذا النبي، الذي كان من المخلَصين.. أي أن الإنسان إذا دخل في دائرة الجذب الإلهي، أصبح من شۆون المولى.. وبتعبير العلماء: أصبحت له شرافة انتسابية مضاعفة إلى الله عز وجل.. فكل موجود منتسب إلى الله عز وجل انتساب الخالقية والمخلوقية، ولكن بعض الناس بالإضافة إلى صفة المخلوقية، فإن لهم صفة العابدية، والخضوع لله سبحانه وتعالى.. عندئذ تصبح شۆون هذا الإنسان من شۆون الله سبحانه وتعالى.. إن المهد الذي وضع فيه موسى (ع) من شۆون الله، {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ}.. وكذلك آثار النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فإن هذه الحجارة التي في جبال مكة، لها صفة المخلوقية، ولكن عندما نُحتت هذه الحجارة، وأصبحت عبارة عن لبنات لبناء الكعبة، أصبحت من شۆون الله عز وجل، وهكذا.
فإذن، إن المعصوم أو النبي صحيح أن روحه روحٌ مقدسة، ولكن هذا التقدس في الروح، يسري إلى الوجود المادي لذلك المعصوم.. فلا يمكن أن ندعي بأن قبر النبي كباقي القبور، وبأن جثمانه الشريف كباقي الأجسام التي تموت في هذه الدنيا.. فللأمور المادية المحيطة بذلك المعصوم انتسابٌ إلى الله عز وجل.. وهذا المعنى كان مرتكزاً حتى في أذهان المذاهب.. وقد جاء أبو حنيفة إلى الإمام الصادق (ع) ليسمع منه، وخرج الصادق يتوكأ على عصاً، فقال له أبو حنيفة: يا بن رسول الله!.. ما بلغتَ من السن ما تحتاج معه إلى العصا، قال: هو كذلك، ولكنها عصا رسول الله أردت التبرّك بها.. فوثب أبو حنيفة إليه وقال له: أُقبّلها يا بن رسول الله؟.. فحسر الصادق (ع) عن ذراعه وقال له: والله لقد علمتَ أنّ هذا بَشَرُ رسول الله (ص)، وأنّ هذا من شعره، فما قبّلته وتقبّل عصا!..
وبالتالي، فإن القرآن الكريم يعودنا من خلال آية: {اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـذَا} على هذا النمط من التفكير.. أي أن الأمور المادية المنتسبة إلى الله سبحانه وتعالى ولأوليائه لها خواص.. وكذلك السامري الذي أخذ قبضة من أثر الرسول فعمل ما عمل.
يلاحظ من خلال الآية أن يعقوب عليه السلام، له ما له من الكرامة عند الله عز وجل {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ}.. حيث أن الله سبحانه وتعالى عرفه بتعريف الغيب ذلك.
{فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا}.. بمجرد أن أُلقي ذلك القميص الذي يحمل هذه الخصوصية -أي الانتساب إلى هذا النبي العظيم- ارتد بصيراً مرةً أخرى.
{قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ}.. لقد عاودوا التوبة، هم تابوا ويوسف عليه الاسلام بشرهم بالتوبة، ومع ذلك أحبوا التوبة من لسان الغير.. وقد ورد في الحديث الشريف: (أوحى الله سبحانه وتعالى إلى موسى (ع): يا موسى!.. ادعني على لسانٍ لم تعصني به، فقال: أنّى لي بذلك؟.. فقال: ادعني على لسان غيرك).. فلا بأس أن يستغفر الإنسان وخاصةً من كبار الذنوب، ويطلب من ذوي الوجاهة عند الله عز وجل أن يستغفر له أيضاً.. ومن المناسب أيضاً أن نتوجه بهذه العبارة بعد المعاصي، إلى ذلك الذي هو أبو هذه الأمة -(أنا وعلي أبوا هذه الأمة)- فنستغفر ربنا، ثم نخاطب إمامانا صلوات الله عليه بهذا الخطاب: {يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ}.. فلو قيل: بأن هذا هو الشرك، فيكون الرد: بأن هذه آية من كتاب الله عز وجل، فأولاد يعقوب مرتبطون بيعقوب ارتباطاً جسدياً مادياً، ونحن مرتبطون ارتباطاً معنوياً، فالموجبات أعظم.. أي أن الالتجاء إلى أبينا المعنوي، أقوى فلسفةً، وأقوى إقتناعاً من هذا المورد.. ومن الملاحظ أن يعقوب لم يستنكف، لأنهم عندما قالوا: {إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} فقد اعترفوا بتاريخهم وما جرى عليهم.. ويعقوب بحسب الظاهر في هذه الآية لم ينقل منه عتاباً بليغاً وتقريعاً، بل {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا}.. فقد ميّز الأبوين عن باقي إخوانه حيث {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ}.
تعليق