ما معنى قوله تعالى: (الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ)؟ و(الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ)؟
الجواب:
الفقرتان واقعتان في سياق هاتين الآيتين من سورة هود وهما قوله تعالى: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ / وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾(1).
فالآية الأولى وكذلك الثانية تصفان الحال التي سيكون عليها فرعونُ وقومه يوم القيامة وانَّه يَتقدم قومه فيدخلون جميعاً إلى النار، ثم إنَّ الآية الأولى وصفت النار التي يرِدونها بأنَّها بئس الورد المورود.
فكلمة (بِئْسَ) فِعلٌ يُراد منه التعبير عن الذم، ومعنى الوِرد في الآية هو النار التي يُرغَمُ فرعون وقومه على الولوج فيها يوم القيامة لذلك صحَّ نعتها بما يُعبِّر عن الذم، إذ إنَّ دخول الإنسان إلى النار أمرٌ يسوءه ويؤذيه ويُخزيه.
والأصل اللغوي لكلمة الوِرد هو الماء الذي يقصده الإنسان أو الحيوان فإذا وصل إليه شرِبَ منه، فالوصول إلى موضع الماء يُعبَّر عنه بالورود قال تعالى حكاية عن موسى (ع): ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ﴾(2).
فالورود هو الوصول للماء والوِرد هو نفس الماء الذي يرِد إليه طالبُه، والمورود هو الماء أيضاً بلِحاظ وصول الظامئ إليه للشرب منه، فالمورود اسم مفعول وفاعله الظامئ الذي يَرِد عليه، فالظامئ واردٌ والماء مورود، كما يقال آكلٌ ومأكول، فالآكل وصفٌ للفاعل والمأكول وصفٌ للطعام.
وكما يوصفُ الطعام بأنَّه مأكول كذلك يوصف بأنَّه أكْلٌ فيُشار إليه فيقال هذا أكلٌ مأكول، وهكذا الأمر في الماء فإنَّه يصح انْ يُشار إليه فيقال: وِرد مورود.
ثم إنَّ القرآن الكريم استعار لفظ الوِرد الذي يُوصف به الماء فاستعمله في النار، فالمراد من قوله تعالى: ﴿وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ﴾ هو انَّه بئس النار التي يرِدون عليها ويلِجون فيها.
ولعلَّ الغرض من هذه الاستعارة هو التهكم والإمعان في الإيذاء النفسي لِمَن هم على شاكلة فرعون وقومه، إذ انَّ المُنتظَر من ورود الماء هو إرواء الغليل وهو أمر تهفو إليه النفس وتشرأب إليه خصوصاً إذا اشتدَّ بها الظمأ.
فكأنَّ القرآن أراد التعبير عن انَّ فرعونَ وقومه وبعد انْ ينتابهم النصَب والجهد الجهيد في موقف القيامة يُساقون ولكن ليس إلى ما يُذهب عنهم العناء والظمأ بل إلى ما يزيد في عنائهم وجهدهم وظمئنهم، فهم يُساقون إلى النار وقد كانوا يأملون انْ ينتهي الحساب والمساءلة فتنتهي عند ذلك معاناتهم فإذا بهم يُساقون إلى ما هو أشدُّ وانْكى، فالوِرد المنتظر انْ يكون ماءً يجدونه ناراً تستعر لذلك فهو بئس الورد المورود.
فمساق الآية بناءً على ما ذكرناه هو مساق قوله تعالى : ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾(3). فالبشارة انَّما تكون بالشيء المرغوب في تحصيله، فحينما يقول القائل (جئتك ببشارة) فإنَّ المتلقَّي لهذا الخطاب ينتظر من هذه البشارة أمراً يَبعث على السرور والابتهاج فإذا فُوجئ انَّ الأمر المُبشَّر به كان سيئاً يفهم من خطاب المُتكلِّم انَّه كان يتهكم به ويسخرُ منه، فيكون ذلك أبلغُ في شعوره بالأذى.
وهكذا حينما يُقال لآل فرعون إنَّ لكم وِرداً ترِدون عليه إلا انَّه ليس ماءً بل هو جحيم وعذاب فإنَّ ذلك أبلغ في النكاية بهم.
وأما قوله تعالى: ﴿بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾ فمعنى الرِّفد هو العطية التي يُستعان بها على قضاء الحوائج ودفعِ البلاء، فيكون معنى الآية هو انَّه بِئْسَ العطيةُ التي يُعطاها فرعون وقومه، إذ انَّ العطية التي يُعطونها هي النار.
وفي الآية مزيدٌ من السخرية والتهكُّم بفرعون وقومه، فالرِّفد هو العطية التي يُستعان بها، وقد استعارها القرآن ليس لما هو ضد العون وحَسْب بل لِما هو مصدر النكال اعني النار وبئس القرار.
فمساق الآية هو مساق قوله تعالى: ﴿وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا﴾(4).
فالمستغيثُ هو مَن يَطلب المدَد والرِّفد والعون فهو إمَّا انْ يُغاث وتلك هي رغبته، وإمَّا انْ يُخذل فيشعر بالانكسار والهوان والآية تُشير إلى انَّ الأمر لا يقف عند حدِّ الخذلان بل إنَّه يُغاث ولكن بما يزيد في بلائه وعذابه.
فهو حين استغاثته كان ينتظر انْ يُخفَّف عنه العذاب فإذا به يُفاجئ بنقيض ما كان يُؤمَّله، وذلك هو ما يزيد في حسرته واستشعاره بالهوان.
وهكذا هو الحال في قوله تعالى: ﴿بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾ فهم بمقتضى الطبع يُمنُّون أنفسهم انْ يُرحموا ويُرأفَ بهم فيتلقون خطاباً ساخراً: إنَّ لكم عطيةً تُعطونها ولكنها ليست من جنس ما تأملون بل هي النار التي تحذرون لذلك فهي بِئْسَ الرِّفد المرفود والعطية المعطاة.
والحمد لله رب العالمين
1- سورة هود آية رقم 98-99.
2- سورة القصص آية رقم 23.
3- سورة النساء آية رقم 138.
4- سورة الكهف آية رقم 29.
الجواب:
الفقرتان واقعتان في سياق هاتين الآيتين من سورة هود وهما قوله تعالى: ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ / وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾(1).
فالآية الأولى وكذلك الثانية تصفان الحال التي سيكون عليها فرعونُ وقومه يوم القيامة وانَّه يَتقدم قومه فيدخلون جميعاً إلى النار، ثم إنَّ الآية الأولى وصفت النار التي يرِدونها بأنَّها بئس الورد المورود.
فكلمة (بِئْسَ) فِعلٌ يُراد منه التعبير عن الذم، ومعنى الوِرد في الآية هو النار التي يُرغَمُ فرعون وقومه على الولوج فيها يوم القيامة لذلك صحَّ نعتها بما يُعبِّر عن الذم، إذ إنَّ دخول الإنسان إلى النار أمرٌ يسوءه ويؤذيه ويُخزيه.
والأصل اللغوي لكلمة الوِرد هو الماء الذي يقصده الإنسان أو الحيوان فإذا وصل إليه شرِبَ منه، فالوصول إلى موضع الماء يُعبَّر عنه بالورود قال تعالى حكاية عن موسى (ع): ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ﴾(2).
فالورود هو الوصول للماء والوِرد هو نفس الماء الذي يرِد إليه طالبُه، والمورود هو الماء أيضاً بلِحاظ وصول الظامئ إليه للشرب منه، فالمورود اسم مفعول وفاعله الظامئ الذي يَرِد عليه، فالظامئ واردٌ والماء مورود، كما يقال آكلٌ ومأكول، فالآكل وصفٌ للفاعل والمأكول وصفٌ للطعام.
وكما يوصفُ الطعام بأنَّه مأكول كذلك يوصف بأنَّه أكْلٌ فيُشار إليه فيقال هذا أكلٌ مأكول، وهكذا الأمر في الماء فإنَّه يصح انْ يُشار إليه فيقال: وِرد مورود.
ثم إنَّ القرآن الكريم استعار لفظ الوِرد الذي يُوصف به الماء فاستعمله في النار، فالمراد من قوله تعالى: ﴿وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ﴾ هو انَّه بئس النار التي يرِدون عليها ويلِجون فيها.
ولعلَّ الغرض من هذه الاستعارة هو التهكم والإمعان في الإيذاء النفسي لِمَن هم على شاكلة فرعون وقومه، إذ انَّ المُنتظَر من ورود الماء هو إرواء الغليل وهو أمر تهفو إليه النفس وتشرأب إليه خصوصاً إذا اشتدَّ بها الظمأ.
فكأنَّ القرآن أراد التعبير عن انَّ فرعونَ وقومه وبعد انْ ينتابهم النصَب والجهد الجهيد في موقف القيامة يُساقون ولكن ليس إلى ما يُذهب عنهم العناء والظمأ بل إلى ما يزيد في عنائهم وجهدهم وظمئنهم، فهم يُساقون إلى النار وقد كانوا يأملون انْ ينتهي الحساب والمساءلة فتنتهي عند ذلك معاناتهم فإذا بهم يُساقون إلى ما هو أشدُّ وانْكى، فالوِرد المنتظر انْ يكون ماءً يجدونه ناراً تستعر لذلك فهو بئس الورد المورود.
فمساق الآية بناءً على ما ذكرناه هو مساق قوله تعالى : ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾(3). فالبشارة انَّما تكون بالشيء المرغوب في تحصيله، فحينما يقول القائل (جئتك ببشارة) فإنَّ المتلقَّي لهذا الخطاب ينتظر من هذه البشارة أمراً يَبعث على السرور والابتهاج فإذا فُوجئ انَّ الأمر المُبشَّر به كان سيئاً يفهم من خطاب المُتكلِّم انَّه كان يتهكم به ويسخرُ منه، فيكون ذلك أبلغُ في شعوره بالأذى.
وهكذا حينما يُقال لآل فرعون إنَّ لكم وِرداً ترِدون عليه إلا انَّه ليس ماءً بل هو جحيم وعذاب فإنَّ ذلك أبلغ في النكاية بهم.
وأما قوله تعالى: ﴿بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾ فمعنى الرِّفد هو العطية التي يُستعان بها على قضاء الحوائج ودفعِ البلاء، فيكون معنى الآية هو انَّه بِئْسَ العطيةُ التي يُعطاها فرعون وقومه، إذ انَّ العطية التي يُعطونها هي النار.
وفي الآية مزيدٌ من السخرية والتهكُّم بفرعون وقومه، فالرِّفد هو العطية التي يُستعان بها، وقد استعارها القرآن ليس لما هو ضد العون وحَسْب بل لِما هو مصدر النكال اعني النار وبئس القرار.
فمساق الآية هو مساق قوله تعالى: ﴿وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا﴾(4).
فالمستغيثُ هو مَن يَطلب المدَد والرِّفد والعون فهو إمَّا انْ يُغاث وتلك هي رغبته، وإمَّا انْ يُخذل فيشعر بالانكسار والهوان والآية تُشير إلى انَّ الأمر لا يقف عند حدِّ الخذلان بل إنَّه يُغاث ولكن بما يزيد في بلائه وعذابه.
فهو حين استغاثته كان ينتظر انْ يُخفَّف عنه العذاب فإذا به يُفاجئ بنقيض ما كان يُؤمَّله، وذلك هو ما يزيد في حسرته واستشعاره بالهوان.
وهكذا هو الحال في قوله تعالى: ﴿بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾ فهم بمقتضى الطبع يُمنُّون أنفسهم انْ يُرحموا ويُرأفَ بهم فيتلقون خطاباً ساخراً: إنَّ لكم عطيةً تُعطونها ولكنها ليست من جنس ما تأملون بل هي النار التي تحذرون لذلك فهي بِئْسَ الرِّفد المرفود والعطية المعطاة.
والحمد لله رب العالمين
1- سورة هود آية رقم 98-99.
2- سورة القصص آية رقم 23.
3- سورة النساء آية رقم 138.
4- سورة الكهف آية رقم 29.
تعليق