الإمام الباقر عليه السلام يحتج على المخالفين
كان عبد الله بن نافع أحد المعادين لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) وكان يقول: لو وجد شخص على وجه الأرض بحيث يستطيع إقناعي بان الحق كان مع علي في قتل « خوارج النهروان » لقصدته وان كان في المشرق أو المغرب.
فقيل له أتظن أن أبناء علي (عليه السلام) لا يستطيعون أيضاً ان يثبتوا لك ذلك ؟
فقال: وهل يوجد في ابنائه عالم ؟
قالوا: ان هذا نفسه دليل على جهلك ! وهل يمكن ان لا يكون في أبناء علي (عليه السلام) عالم ؟!
فسأل: ومن هو عالمهم في هذا الزمان ؟
فقالو له الإمام الباقر (عليه السلام)، فقصد المدينة مع اصحابه وطلب هناك مقابلة الإمام (عليه السلام).
وأمر الإمام (عليه السلام) أحد غلمانه ان ينزله مع متاعه ويخبره بانه سوف يقابل الإمام غداً.
وفي صباح اليوم التالي جاء عبد الله وأصحابه إلى مجلس الإمام، وكان (عليه السلام) قد دعا أبناء وعوائل المهاجرين والأنصار، ولما التأم الجمع بدأ الإمام (عليه السلام) حديثه وكان يرتدي ثوباً فيه حمرة وبدا كأنه البدر فقال:
« الحمد لله الخالق للزمان والمكان والكيفيات، والحمد لله الذي ليس له سِنةٌ ولا نوم وله ملك السماوات والأرض... أشهد ان لا اله إلاّ الله وأشهد ان محمداً عبده المصطفى ونبيه المقرب، الحمد لله الذي شرفنا بنبوته واختصَّنا بولايته.
يا أبناء المهاجرين والأنصار: من كان منكم يتذكر فضيلة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) فليذكرها.
فأخذ كل واحد من الحاضرين يذكر فضيلة له، حتى انتهى الحديث إلى « قضية خيبر » فقالوا: ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اثناء الحرب مع يهود خيبر قال:
« لاعْظِيَنَّ الرّايَةَ غَداً رَجُلاً يُحِبُ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، كَرّاراً غَيْرَ فَرّار لا يَرْجِعُ حَتّى يَفْتَحَ اللهُ عَلى يَدَيْهِ ».
وفي اليوم التالي سلّم الراية لأمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد هزم اليهود في معركة مهيبة مثيرة وفتح حصنهم الضخم.
فالتفت الإمام الباقر (عليه السلام) لعبد الله بن نافع وسأله: ما تقول في هذا الحديث؟.
قال: انه حديث صحيح لكن عليّاً قد كفر بعد ذلك وقتل الخوارج بغير حق !
قال الإمام (عليه السلام): ثكلتك اُمك هل كان الله حين أحب عَليّاً يعلم انه سوف يقتل الخوارج أو لا يعلم ؟
ان قلت ان الله لا يعلم فقد كفرت.
قال: كان يعلم.
قال الإمام (عليه السلام): هل كان الله يحبه لانه مطيع له أم لانه عاص ومذنب ؟
قال: كان الله يحبه لانه مطيع له (بمعنى انه لو كان معرضاً للذنب في المستقبل لكان الله عالماً بذلك ولا يصبح محباً له، ومن هنا يُعلم ان قتل الخوارج كان طاعة لله).
قال الإمام(عليه السلام): قم لقد هزمت ولا تملك جواباً.
فنهض عبد الله وهو يتلو هذه الآية:
« حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الاَْبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الاَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ »(1).
إشارة إلى ان الحقيقة قد اتضحت كالصبح، وقال:
« اللهُ اَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ »(2) و (3).
(1) ـ سورة البقرة: الآية 187.
(2) ـ سورة الأنعام: الآية 124.
(3) ـ بصورة ملخصة من الكافي: ج8 ص349.
(2) ـ سورة الأنعام: الآية 124.
(3) ـ بصورة ملخصة من الكافي: ج8 ص349.