إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الإمامة وعلم الأنبياء

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإمامة وعلم الأنبياء

    الإمامة وعلم الأنبياء
    مكتب المرجع الديني آية الله العظمى المدرسي (دام ظلّه)
    ا
    عندما آلت شمس بني أمية إلى المغيب، وضعفت سلطتهم بفعل الثورات الرسالية المتلاحقة، وجد الإمام الباقر عليه السلام فرصة لنشر معارف القرآن التي كانت مستوعبة في الصحيفة التي توارثها أهل البيت عليهم السلام من رسول الله.
    في ذلك اليوم كان المجتمع الإسلامي بحاجة إلى معارف القرآن، إنـَّه كان قد اتسع في كل أفق، وأصبح خيمة تشمل شعوباً مختلفة وبقايا حضارات، فعلى أيّ أساس يقوم هذا المجتمع الجديد؟ وماهي قِيَمه التوحيدية، وأطر الثقافة العامة، وروح قوانينه في مختلف الحقول؟
    بالأمس نشر الإمام السجاد عليه السلام راية التوحيد عَبر أدعيته وابتهالاته، وصنع بها حياة المجتمع المسلم، وبالذات المجتمع الرسالي التابع لخط أهل البيت عليهم السلام.
    أمَّا اليوم، فإنَّ تلك القاعدة التوحيدية الرصينة قد رست، ويأتي الإمام ‌الباقر عليه السلام ليبني عليها صرح المعارف، ثم يكمله الإمام الصادق عليه السلام، ببيان المزيد من التفاصيل في الحكمة الإلهية، والتفسير، والفقه، و...
    فماهي المعارف التي نشرها الإمام الباقر عليه السلام؟ وكيف استطاع إليها سبيلاً ؟
    قد نسلك في طريق العلم من التجارب الجزئية صعوداً إلى القواعد العامة، وقد ننطلق من تلك القواعد إلى المفردات الجزئية. وبينما السبيل الأول هو منهج عموم الناس في بلوغ العلم، فإن المنهج الثاني هو سبيل علم الأنبياء وأوصيائهم المتـَّصِلِين بالوحي. ومن هنا جاء في الحكمة المأثورة عن الإمام أمير المؤمنين: «العلم نقطة كثَّرها الجاهلون».
    والأساس الظاهر لعلم الرسول وخلفائه المعصومين عليهم السلام، هو القرآن المفسـَّر بالحديث النبوي، ولكن الأساس الحقيقي هو نور العقل الذي يتوهج بالإيمان والإلهام في أفئدة العارفين بالله. ذلك العقل الذي أوتي الناس منه قدراً ضئيلاً، وأكمله الله لنبيِّه وأوصياء نبيّه . وإنّ توهج نور العقل عند أبناء البشر ، وتجليــــه في تلك المعارف الأولية التي يعرفها كل شخص، وفي تلك القيم التي يتحاكم الناس إليها فيما بينهــم ، وفي تلك الإضاءات التي نجدها عند طائفة من الناس دون غيرهم مما تجعلهم نوابغ وعظماء كبار ..
    كل ذلك يهدينا إلى معنى العلم الكوني الذي يلقيه ربنا في روع الصفوة من أوليائه. وجاء في الحديث الشريف: «العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء».
    وترى بعض الناس يتشكـَّك في مثل هذا العلم عند الأنبياء، والأئمة، والمحدَّثين من فقهاء الأمة، مستشهداً بقول الله سبحانه: ﴿ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَيَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ ﴾ (الانعام: 59).
    وقوله تعالى: ﴿قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ الله﴾ (النمل: 65).
    حقّاً، إذا كان مراد هؤلاء أنَّ الإنسان لايعلم الغيب بصفة ذاتية، فإنـَّه حق لاريب فيه، ولكن إذا أرادوا أنَّ الله لايقدر على تعليم الغيب لبعضهم، نقول: بلى هو قادر. أليس كلـّنا يعرف قدراً من العلم بالمستقبل، فمثلاً: أولسنا نعرف أننا نموت، وأنَّ الساعة آتية لاريب فيها، وأنَّ الله يبعث من في القبور، وأن الشمس تشرق غداً، وهي لابدّ غاربة اليوم؟ وعشرات من المعارف المستقبلية التي تشكل أكثر من نصف معلوماتنا، وهي أساس العلم، والهدف الأساسي منه.
    والله سبحانه علّم الإنسان ما لم يعلم، والوحي جزء من علم الغيب الذي علّمه ربنا لمن ارتضاه من عباده، وقد قال ربنا سبحانه: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ﴾ (الجن:26-27).
    وقال: ﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ الله يَجْتَبِي مِن رُسُلِهِ مَن يَشَآءُ فَاَمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ وإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ (آل عمران: 179).
    وقال: ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ (آل عمران: 44).
    وأخيراً: إنَّ هؤلاء الذين شكـَّكوا في «مدى» علم الأنبياء والأوصياء، إنـَّهم لم يستوعبوا كيف يمكن لبشر محدود أن يبلغ علم الحقائق من لدن رب العزة، فهم ينطلقون في تكذيب هذا « المدى» من العلم من ذات المنطلق الذي كذّب الأولون بالنبوة، وهو الجهل بالمقام الذي جُعِل للإنسان الذي يتوجه إلى الله ويخلص له وجهه، بَيد أنَّ هؤلاء «اضطرُّوا» إلى الإعتراف بالنبوة، ولمَّا يعرفوا أبعادها، فقلـَّصوها إلى أقلِّ قدر ممكن، وحاولوا الكفر بمعاجز الأنبياء وبمقاماتهم الرفيعة أنـّى استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وإذ أعجزتهم الحيلة في ذلك، عمدوا إلى الأوصياء فنفوا كرامتهم على الله، وإمكانية تلقـّيهم العلم من مصدر الغيب إلهاماً، وإذا أنصفوا أنفسهم وأنصفوا للحق، لَمـَا وجدوا مانعاً عقلياً من الإعتراف بذلك، بعد أن توافرت أدلة بالغة القوة تهديهــــم إليه من خلال دراستهم لكلماتهم من دون تعصُّب أعمى أو أحكام مسبقة.
    وقد ابتلي الإمام الباقر عليه السلام، شأنه شأن سائر الأئمة عليهم السلام، بنمطين متنافرين من الناس، فبينما زعم بعضهم أنـَّه ليس من البشر وبذلك مرق من الدين بسبب غلوِّه، نجد كثيراً من الناس لم يعترفوا بمقامه الكريم .
    من النمط الأول، كان المغيرة بن سعيد الذي غلا في الدين وكذب على الإمام الباقر عليه السلام حتى قال عنه الإمام لبعض أصحابه: أتدري ما مثل المغيرة بن سعيد: قال: لا.
    قال: مَثــَله مَثلُ بلعم الذي أوتي الإسم الأعظم الذي قال الله ﴿ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَاَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾. (الاعراف: 175) .
    أمّا النمط الثاني فهم أغلب الذين لم يحتملوا علم الإمام ومعرفته بما لا يعرفون، وكرامته على الله، واستجابة الله دعاءه في الأمور.
    فهؤلاء لاينكرون فضائل أهل البيت عليهم السلام فقط، بل ويرون أنـَّها من المستحيلات، لماذا؟ لأنـَّهم لمّا يبلغوا معرفة أنبياء الله وأوليائه عليهم صلوات الله، ومعرفة كرامتهم على الله. ولو كانوا يتفكـَّرون في خلق الإنسان وكيف استخلفه الله في الأرض، وسخـَّر له ما فيها بما آتاه من علم وقدرة، لعرفوا أنَّ من حكمة الله سبحانه أن يفضِّل بعض الناس على بعض في العلم، ويهب لمن أطاعه وأخلص له المزيد من المعرفة، سواء عبر الوحي كالرسل، أو عبر الإلهام، كما فعل بأوصياء الرسل.
    ثم إنَّ ما أوحى به الله من الكتاب فيه آفاق من العلم لا يبلغها إلاّ من امتحن الله قلبه بالإيمان، لأنـَّه نور الله الذي يشعُّ من مشكاة النبوة، إنـَّه ذكر الله الذي يرتفع من بيوت الأوصياء كما قال سبحانه:
    ﴿ الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ﴾ (النور: 35) .
    وقال: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله﴾} (النور: 36-37) .
    ثم قال:﴿ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ﴾ (النور: 40).
    هكذا هو نور الله الذي منح جزءاً بسيطاً منه للإنسان، فإذا به يعرف علما يسخـِّر به كل شيء من حوله، إنَّه لو سُلِب منه ترى ماذا يبقى له؟ هل يستطيع آنئذٍ أن يعرف شيئاً. فلو اجتمعت البشرية وحاولوا إعادة مجنون إلى رشده، أو شيخ مخرف إلى سابق علمه، أو تعليم هرة دروس الرياضيات، هل استطاعوا إلى ذلك سبيلاً ؟ كلاّ.. فلماذا ينكرون على الله الذي منح البشر هذا النور أن يكون قادراً على مضاعفته لخيرة عباده؟ هكذا نعرف أنَّ الوحي والإلهام هما في إطار سنن الله في خلقه، يقبلهما العقل ويطمئنُّ إليهما القلب.
    وعـِلْم أئمة أهل البيت عليهم السلام لايخرج من دائرة هذه السنن أيضاً، فإمـّا أنَّه مستوحىً من الوحي أو بالإلهام.
    ويتصل علم الأئمة بالوحي عبر السبل التالية:
    أولاً: العلم من كتاب الله. بالتدبـُّر فيه، وتأويل آياته على الحقائق والوقائع. أليس في القرآن علم ما كــــان وما يكون، وفصل ما هو كائن؟ ومَنْ أولى بكتاب الله ممن أُنزل في بيوتهم وزقـُّوا علمه مع اللبن زقـّـاً ؟
    وقد كان الأئمة عليهم السلام شديدي الوله بالقرآن، عظيمي الإحترام له، وكانوا يختمونه في كل ثلاثة أيام مرَّةً، وربَّما في كل يوم، وكانوا يقولون أنـَّهم يستفيدون منه علماً جديداً كلـَّما أعادوا قراءته، حتى أنـَّهم استفادوا علم الآفاق من آياته الكريمة، فقد قال الإمام الصادق عليه السلام - فيما روي عنه -:
    والله إنـِّي أعلم ما في السماوات، وأعلم ما في الأرض، وأعلم ما في الدنيا، وأعلم ما في الآخرة.
    فرأى تغيّر جماعة، فقال وهو يخاطب بُكـَيْر بن أعين: يا بُكَيـْر، إنـّي لأعلم ذلك من كتاب الله تعالى إذ يقول: ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾
    ثانيا: أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله والتي توارثوها من آبائهم عبر جدِّهم الأعلى الإمام أمير المؤمنين، وجدَّتهم الطاهرة فاطمة الزهراء عليهم السلام جميعاً.
    فقد جاء في الحديث المأثور عن الإمام الباقر عليه السلام أنـَّه قال لجابر بن عبد الله:
    يا جابر، إنّا لو كنا نحدِّثكم برأينا وهوانا لكنـَّا من الهالكين، ولكنّا نحدثكم بأحاديث نكنزها عن رسول الله كما يكنز هؤلاء ذهبهم وورقهم.
    ومعروف أنَّ خزائن علم النبوة كانت قد انتقلت إلى رسول الله، وورثها أهل بيته، عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام . ويبدو أنَّها كانت مكنونة في جفر عظيم، حيث جاء في الحديث المروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: إن عندي الجفر الأبيض.
    فلمّا سأله الراوي وأي شيء فيه؟ قال: زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم، والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما أزعم أنَّ فيه قرآناً، وفيه ما يحتاج الناس إلينا، ولا نحتاج إلى أحد، حتى أنَّ فيه الْجَلدة، ونصف الْجَلدة، وثُلث الْجَلدة، وربع الْجَلدة، وأَرشُ الخدش، الى آخرالحديث.
    وكان في هذا الجفر مجموعة تراث أهل البيت من أحاديث النبي.
    منها مصحف فاطمة، وهو مجموعة أحاديثها التي كتبها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في صحيفة، وحسب ما جاء في رواية أن فيه ما يكون من حوادث وأسماء من يملك إلى أن تقوم الساعة.
    كما أنَّ من تراثهم كتاب يسمَّى بالجامعة، وهو من إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله، وكتابة أمير المؤمنين عليه السلام طوله سبعون ذراعاً وفيه أحكام الشريعة كلّها.
    هكذا جاء في حديث مروي عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: سمعته يقول وذكَر إبن شبرمة: أين هو من الجامعة، إملاء رسول الله، وخط علي، فيها الحلال والحرام، حتى أرش الخدش.
    وهذا التراث العلمي كان ينتقل من أئمة أهل البيت عليهم السلام من كابر لكابر، ووجوده عند واحد من أبناء الإمام الراحل كان شاهداً على أنـّه وصيه. لذلك نقرأ في تاريخ الإمام الباقر عليه السلام أنَّ والده الإمام السجاد عليه السلام إلتفت إلى وُلْدِه وهو في مرض الموت وهم مجتمعون عنده، ثم إلتفت إلى محمد بن علي إبنه. فقال: يا محمد، هذا الصندوق فاذهب به إلى بيتك. ثم قال: أما إنـّه لم يكن فيه دينار ولا درهم ولكنـَّه كان مملوءاً علماً.
    ونتساءل: كيف تجتمع أحكام الشريعة كلـّها في كتاب محدود طوله سبعون ذراعا؟ لعل ذلك الكتاب كان محتوياً على أصول العلم ومعاقله وضيائه، حيث كان الأئمة عليهم السلام يستلهمون منها سائر أبواب العلم. كما علَّم النبي صلى الله عليه وآله الإمام علياً عليه السلام أبواب العلم جميعاً بهذه الطريقة، حيث جاء في الحديث المأثور عن الإمام الصادق عليه السلام: أوصى رسول الله إلى علي بألف كلمة، يفتح كل كلمة ألـــف كلمـــة. وفي تعبير آخر جاء على لسان الإمام الباقر عليه السلام عن جده أمير المؤمنين أنه قال: لقد علـَّمني رسول الله ألف باب، يفتح كل باب ألف باب .
    وهكذا بيَّن الأئمة أنَّ عندهم أصول العلم ومعاقله مما يظهر أنـَّها هيَ التي في تراثهم من الرسول صلى الله عليه وآله، فقد جاء في الحديث المأثور عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: «إن رسول الله أنال في الناس وأنال وأنال، وإنَّا أهل بيت عندنا معاقل العلم، وأبواب الحكم، وضياء الأمر ».
    وفــي حديث مأثور عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: «إن رسول الله قد أنال في الناس وأنــال وأنــــال، - يشير كذا وكذا - وعندنا أهل البيت أصول العلم وعراه وضياؤه وأواخيه » .
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X