ـ وهب بن عبدألله بن حباب الكلبي :
ورد ذكره في المناقب والخوارزمي وتسلية المجالس والبحار والملهوف وأسرار الشهادة ومقتل إبن أعثم ومنتهى ألآمال للقمي .
جاء في الناسخ أن الطريحي ذكر مبارزين يوم الطف بإسم وهب ،
وكان نصرانيا وكانت أمه معه ،
آمن على يد الحسين عليه السلام ولازمه حتى إستشهد معه في كربلاء ، وألآخر وهب بن عبدألله وكان حاضرا مع أمه أيضا ،
وإني فحصت فلم أجد سوى وهب واحد ،
وقد ذكر الطريحي أحوال وهب هذا وقسمها على ألإسمين فذكر قسم منها بإسم وهب بن وهب والقسم ألآخر بإسم وهب بن عبدألله والعلم عند ألله(4). قال الخوارزمي : ذكر مجد ألأئمة السرخسكي ،
عن ابي عبدألله الحداد : أن وهب بن عبدألله هذا ، كان نصرانيا ، فأسلم هو وأمه على يد
(1) ألأنصار : ص 97 .
(2) المناقب : ص 110 .
(3) بحار ألأنوار : ج18 ص 519 .
(4) ناسخ التواريخ : ج2 ص 386 .
البالغون الفتح في كربلاء393
الحسين عليه السلام ، وأنه قتل في المبارزة أربعة وعشرين رجلا ،
وإثني عشر فارسا ، فأُخذ أسيرا ، وأُتي به عمر بن سعد (لع)
فقال له : ما أشد صولتك ! ثم أمر فضرب عنقه ، ورمي برأسه إلى عسكر الحسين عليه السلام ، فأخذت أمه الرأس فقبلته ،
ثم شدت بعمود الفسطاط ، فقتلت به رجلين ، فقال لها الحسين : إرجعي أم وهب ! فإن الجهاد مرفوع عن النساء فرجعت ،
وهي تقول : إلهي لا تقطع رجائي ، فقال لها الحسين عليه السلام : (لا يقطع ألله رجاك ، يا أم وهب ! أنت وولدك مع رسول ألله وذريته في الجنة)(1).
قال الشيخ شمس الدين : نرجح أن وهبا هذا هو إبن لأم وهب زوجة عبدألله بن عمير بن جناب الكلبي الذي تقدم ذكره ، فقد قتلت زوجته (أم وهب بنت عبد) وهي عند زوجها بعدما قتل ، فتكون المقتولة أم وهب كما عند الخوارزمي ، لا زوجته(2).قال إبن شهر آشوب : برز وهب بن عبدألله الكلبي وهو يرتجز :
إن تنكروني فأنا إبن الكلب
سوف تروني وترون ضربي
وحملتي وصولتي في الحرب
أدرك ثاري بعد ثار صحبي
وأدفع الكرب أمام الكرب
ليس جهادي في الوغى باللعب
قال السيد إبن طاوُس : فأحسن في الجلاد وبالغ في الجهاد وكان معه زوجته ووالدته (3)
فقالت : ما أرضى أو تقتل بين يدي الحسين عليه السلام ، فرجع قائلا :
إني زعيم لك أم وهب
بالطعن فيهم تارة والضرب
(1) مقتل الخوارزمي : ج2 ص 16 : بحار ألأنوار : ج18 ص 516 .
(2) ألأنصار : ص 110 .
(3) الملهوف : ص 161 .
البالغون الفتح في كربلاء394
ضرب غلام موقن بالرب
حتى يذوق القوم مر الحرب
إني إمرؤ ذو مرة وغضب
حسبي إلهي من عليم حسبي
فلم يزل يقاتل حتى قتل تسعة عشر فارسا وإثني عشر راجلا ثم قطعت يمينه وأخذ أسيرا (1).
وجاء في الناسخ : ثم حمل فلم يزل يقاتل حتى قتل منهم جماعة ، فرجع إلى أمه وكان إسمها قمر ،
فوقف عليها فقال : يا أماه أرضيت ؟ فقالت : ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين عليه السلام ،
فقالت إمرأته : بألله لا تفجعني في نفسك ،
فقالت امه : يا بني لا تقبل قولها وإرجع فقاتل بين يدي إبن رسول ألله فيكون غدا في القيامة شفيعا لك بين يدي ألله .
وكان بين عرس وهب وبين يوم الطف سبعة عشر يوما وكان يصعب على إمرأته فراقه فقالت : يا وهب إني أعلم أنك إذا قتلت في نصرة إبن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخلت الجنة وضاجعت الحور فتنساني ،
فيجب أن آخذ منك عهدا بمحضر الحسين عليه السلام في ذلك فأقبل وهب وإمرأته إلى
الحسين عليه السلام فقالت يابن رسول ألله لي جاجتان :
ألأولى : إنه إذا مضى عني وهب فأبقى بلا محام ولا كفيل فسلمني إلى أهل بيتك ، والثانية :
إذا قتل وهب فيضاجع الحور فتكون شاهدا على أن لا ينساني ، فلما سمع الحسين عليه السلام كلامها بكى بكاءً شديدا ،
ثم أجاب سؤلها وطيب خاطرها ، فبرز وهب إلى القتال وهو يرتجز :
إني زعيم لك أو وهب
بالطعن فيهم تارة والضرب
ضرب غلام مؤمن بالرب
حتى يذوق القوم مر الحرب
إني إمرؤ ذو مرة وغضب
حسبي إلهي من عليم حسبي
(1) المناقب : ج4 ص 109 .
البالغون الفتح في كربلاء395
فلم يزل يقاتل يمينا وشمالا حتى قتل تسعة عشر فارسا وإثنيي عشر راجلا ، ثم قطع رجل يمينه فأخذ السيف بشماله فقطع رجل من كندة شماله ، فأخذت إمرأته عمودا وأقبلت نحوه وهي تقول :
فداك ابي وأمي قاتل دون الطيبين حرم رسول الله ،
فقال لها : كنت تنهيني عن نصرة الحسين عليه السلام وألآن جئت تحرضيني ؟ قالت : لا تلمني يا وهب ،
فإني عفت الحياة وتركت الدنيا منذ سمعت نداء الحسين عليه السلام وهو ينادي : واغربتاه واقلة ناصراه واوحدتاه ،
أما من ذاب يذب عنا ؟ اما من مجير يجيرنا؟
قال وهب :
إرجعي فإن الجهاد مرفوع عن النساء قالت :
لن أعود أو أموت معك ، ولما كان وهب قد قطعت يداه فأخذ طرف ثوبها باسنانه ليرجعها فأفلتت منه
فإستغاث وهب بالحسين عليه السلام وناداه ،
فقال الحسين عليه السلام : جزيتم من أهل بيتي خيرا إرجعي إلى النساء بارك ألله فيك ، فإنه ليس عليكن قتال ،
قالت : سيدي دعني فإن القتل أهون من ألأسر في أيدي بني أمية ،
فقال عليه السلام : يصيبك ما يصيب أهل بيتي وحالك كحالهم ،
وردها بلين الكلام ، فإنصرفت وجعل يقاتل حتى سقط على ألأرض مثقلا بالجراح ، فذهبت إمرأته تمسح الدم عن وجهه فبصر بها شمر فأمر غلاما له فضربها بعمود كان معه فشدخها وقتلها ،
وهي أول إمرأة قتلت في عسكر الحسين عليه السلام . ثم أخذ اسيرا فأتي به عمر بن سعد (لع) فقال :
ما أشد صولتك ؟ ثم أمر فضربت عنقه ،
ورمي برأسه إلى عسكر الحسين عليه السلام ، فأخذت أمه الراس فقبلته وقالت : الحمد لله الذي بيض وجهي بشهادتك بين يدي أبي عبدألله ،
ثم قالت : الحكم لله يا أمة السوء أشهد أن النصارى في بيَّعها والمجوس في كنائسها خير منكم ،
ثم رمت بالرأس إلى عسكر إبن سعد فأصابت بصدر قاتله فقتله ، ثم شدت بعمود الفسطاط فقتلت رجلين ،
فقال لها الحسين عليه السلام : إجلسي فقد وضع الجهاد عن النساء ،
فإنك وإبنك مع نجدي في الجنة ،
فرجعت وهي
البالغون الفتح في كربلاء396
تقول : إلهي لا تقطع رجائي ، فقال لها الحسين عليه السلام لا يقطع الله رجاك يا أم وهب(1).
رأي :
المتأمل في ما أورده إبن شهر آشوب والخوارزمي والسيد إبن طاوُس وصاحب البحار والدربندي ولسان الملك في الناسخ ،
يرى بوضوح التقارب الشديد ،
بل والتطابق مع ما رواه الطبري في ج4 ص 628 وما ساقه إلينا المذكورين في ما يتعلق بإستشهاد (أم وهب زوجة عبدألله بن الحباب الكلبي) ومن هنا يتبين لنا بوضوح أن وهب المذكور هو إبن عبدالله بن حباب الكلبي المترجم له في الفصل السادس من هذا الكتاب للأسباب أدناه :
1 ـ الرجز الذي أورده إبن شهر آشوب والخوارزمي وغيرهما عن لسان وهب يشير صراحة إنتسابه إلى كلب في الرجز ألأول :
إن تنكروني فأنا إبن الكلب
سوف تروني وترون ضربي
وحملتي وصولتي في الحرب
أدرك ثاري بعد ثار صحبي
وأدفع الكرب أمام الكرب
ليس جهادي في الوغى باللعب
وكذلك تأكيده ألإنتساب إلى عليم في الرجز الثاني الوارد ص 110 من
المناقب بقوله :
إني زعيم لك أم وهب
بالطعن فيهم تارة والضرب
ضرب غلام مؤمن بالرب
حتى يذوق القوم مر الحرب
إني إمرؤ ذو مرة وغضب
حسبي إلهي من عليم حسبي
والحال هذا لا يدع شكا في كون وهب هو إبن عبدألله بن حباب
(1) ناسخ التواريخ : ج2 ص 388 .
البالغون الفتح في كربلاء397
الكلبي خاصة وإن المحقق المرحوم الشيخ السماوي رحمه ألله عند ترجمته لعبدألله الكلبي ص 139 في ألإبصار كنّاه بأبي وهب .
2 ـ تحدثت المصادر من أن أمه وزوجته كانتا معه وفي بعضها أن زوجته هي التي قتلت وعند الخوارزمي أن التي قتلت هي أمه ونرجح ذلك لتطابق الروايات عن كيفية إستشهادها مع ما ورد عن الطبري في ج4 ص 635 وغيره وألأكثر من ذلك تطابقت الروايات حتى في إسم قاتلها .
قال أبو مخنف : وخرجت إمرأة الكلبي تمشي إلى زوجها حتى جلست إلى رأسه تمسح عنه التراب وتقول : هنيئا لك الجنة . فقال شمر إبن ذي الجوشن لغلام يسمى رستم : إضرب رأسها بالعمود ، فضرب رأسها فشدخه ، فماتت مكانها (رحمها ألله وجزاها عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته خيرا).
ولكل ما تقدم نرجح وبدرجة عالية أن وهب هذا هو إبن عبدألله إبن عمير بن حباب الكلبي ، وألله العالم .
الجهنيين الثلاثة:
يروي لنا التاريخ من وقائع الطريق من المدينة إلى مكة أيضا أن جماعة من ألأعراب كانوا يلتحقون بالركب الحسيني عند مروره بمنازلهم ومن تلك المنازل منازل جهينة (مياه جهينة) حول المدينة ، يقال : وادي الصفراء وهو وادي كثير النخل والزرع ، وماؤها عيون كلها ، وهي فوق ينبع مما يلي المدينة ، وماؤها يجري إلى ينبع وهي لجهينة وألأنصار ، ولبني فهر ونهد (1)وقد إلتحق بألإمام عليه السلام منها جماعة ، منهم ثلاثة رجال
(1) ذخيرة الدارين : ص 456 .
البالغون الفتح في كربلاء398
لم ينفضوا عنه فيمن إنفض من ألأعراب عنه بعد ذلك ، بل أقاموا معه ولازموه ولم يتجلوا عنه حتى فازوا بأسمى مراتب الشرف في الدنيا وألآخرة حيث إستشهدوا بين يديه في الطف يوم عاشوراء.
ذكرهم الفضيل بن الزبير كوفي ألأسدي وهو من أصحاب ألإمامين الباقر والصادق عليهما السلام في تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام
(1)
والسماوي في ألإبصار والمامقاني في تنقيح المقال وهم :
تعليق