(وَلاَ تَكُونُوا كَالّتي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّة أنْكَاثاً تَتَّخِذُونَ أيْمَانَكُم دَخَلا بَيْنَكُمْ أنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أرْبَى مِنْ أمَّة إنَّمَا يَبْلُوَكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبينّنّ لَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيْهِ تَخْتَلِفُونَ).
كان المسلمون في صدر الإسلام أقلية والمشركون يشكلون الأكثرية. وتلك الثلة من الشباب، الذين عشقوا الرسول وآمنوا به، كانوا يواجهون ضغوطاً من قبل عوائلهم وأصدقائهم والمجتمع المشرك عموماً، فبعض منهم مثل أبي ذر وبلال وعمار قاوموا جميع الضغوط وثبتوا على عقيدتهم وضحّوا لأجلها وماتوا وهم مسلمون، إلاّ أنّ البعض الآخر لم يطق ملامة المحيطين به (وهم الاكثرية) واعتراضاتهم، وارتدّوا بعد ما اجتازوا مراحل الإسلام والايمان الصعبة، والآية هذه تعرضت للثلة الاخيرة من المسلمين المتزلزل إيمانهم.
(وَلاَ تَكُونُوا كَالّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّة أنْكَاثَاً) يخاطب الله في هذه الآية حديثي العهد بالإسلام الذين تحمّلوا مشاق الإسلام والايمان وتخطّوا مشاكل هذه المرحلة وتتوجوا
بالإسلام أفضل دين سماوي، ويحذّرهم دون أن يكونوا كتلك التي نقضت غزلها بعد أن تحملت مشاق ومتاعب الغزل والحياكة.
فإنَّ مثل الذي يرتد عن الإسلام والايمان إلى الشرك كمثل تلك السفيهة أو البلهاء.
اختلف العلماء في اسم تلك السفيهة، فبعض قال: انها رائطة، وبعض قال: انها ربطة، وبعض آخر قال: إنّها رابطة. المهم أنها امرأة كانت تعيش في عهد الجاهلية ولشدة غبائها وبلهها كانوا يسمونها حمقاء.
إنَّ ما كانت تعمله هذه الحمقاء المتموّلة هو أنّها في صباح كل يوم كانت تعدُّ صوفاً وتأمر جارياتها بغزل الصوف، ثم تأمر الجاريات عصر ذلك اليوم بارجاع الغزل إلى الصوف، أي تأمر بنقض الغزل. وعملها هذا كان يتكرر كل يوم.
يحذّر القرآن الكريم حديثي العهد بالإسلام أن لا يعملوا بايمانهم واسلامهم كما كانت تعمل هذه المرأة الحمقاء بغزلها.
(تَتَّخِذُونَ أيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ) أي لا تتخذوا قسمكم ذريعة للخيانة والفساد ولا تتماطلوا في بيعتكم مع الله.
(أنْ تكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أرْبَى مِنْ أمَّة) أي لا تتخذوا قلتكم وكثرة المشركين ذريعة لنقض بيعتكم مع الله ورسوله، فإنَّ القلة والكثرة ليستا إلاّ ذرائع وتبريرات.
(إنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ) أي أنَّ هذه القلة في العدد هي امتحان لكم، وما عليكم إلاّ السعي لأجل اجتيازه بنجاح.
(وَلَيُبَيِّننَّ لَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيْهِ تَخْتَلِفُونَ) لا شك أنّ الله سيبّين للجميع يوم القيامة ما كان يختلف فيه الناس، وآنذاك سيندم الكفار والمشركون على عدم إيمانهم.
هذا المثل جميل وبليغ وجذّاب جداً، كما أنَّه تحذير للمسلمين على أن يغزلوا حبال إيمانهم باستحكام وقوة خوف النقض بعد هذه المشاق والمتاعب وخوف الوقوع في الشرك تارة اخرى.
تعليق