في أنّه سلام الله عليه حامل اللواء
لقد عقد الإمام الحسين سلام الله عليه لأخيه أبي الفضل العباس لواءاً ودفعه إليه منذ خروجه من الحجاز متوجهاً إلى العراق، وكان اللواء الأعظم يوم عاشوراء بيده سلام الله عليه، ولذلك كلّما استأذن للبراز قال له الإمام الحسين سلام الله عليه: أنت صاحب لوائي، وإذا مضيت تفرّق عسكري، وقال بعض الشعراءعن لسان حال الإمام الحسين سلام الله عليه حين وقف على أخيه العباس سلام الله عليه:
لمن اللوى أعطي ومن هو جامع &&& شملي وفي ظنك الزحام يقيني
أمــنـازل الأقــران حـامـل رايــــتي &&& ورواق أخـــبيتي وبــاب شـــؤنـي
لــك مــوقـف بالـطفّ أنسى أهله &&& حرب الــعراق بمـــلتـقى صفّيــن
وجاء في المناقب لابن شهر آشوب ما مضمونه:كان العباس السقاء، قمر بني هاشم، صاحب لواء الإمام الحسين سلام الله عليه وأكبر إخوته.
من مواصفات حملة الألوية
ومن المعلوم: أنّ اللواء لا يعقد إلاّ لمنعرف بالشجاعة والشهامة، والنبل والشرف: لأنّ حامل اللواء هو من يريد ضمّ كلّ أفرادالجيش تحت لوائه، ودرجهم في سلكه وظلاله، فلابدّ أن يكون ممّن يقبله الجميع، ويرتضيه الكلّ، من حيث الشرف والشجاعة، حتّى ينتظموا في سلكه، وينضووا تحت لوائه.
هذا مع أنّ حمل اللواء في نفسه مفخرة كبيرة،ومكرمة عظيمة، ووسام شريف، وله منزلة في نفوس الناس، ولدى جميع الأمم والشعوب، وعلىمرّ الأزمنة والعصور، كما أنّ لحامل اللواء مكانة راقية، ودرجة رفيعة، ومرتبة سامية،لا من حيث شجاعة حامل اللواء وشهامته فحسب، بل من حيث انتظام الجيش واستماتته مقابل العدو، فإنّه مادام اللواء قائماً، والعَلَم مرفرفاً، يكون الجيش منتظماً، وشمله ملتئماً،وأفراده مقاومين، ورجاله مستميتين، حيث انّ اهتزاز اللواء ورفرفته بيد حامله، يعطي الأمل للمقاتلين، ويبعث في نفوسهم القوّة والشجاعة، ويرفع فيهم المعنويات القتاليةالعالية، ويقرّبهم من الغلبة والنصر، بينما إذا سقط اللواء انكسر الجيش وانهزم، وتبدّدالعسكر وتفرّق، وآل أمرهم إلى الإندحار والموت، أو الأسر والسبي.
ومن أجل ذلك كلّه يأتي انتخاب حملة اللواء،واختيار أصحاب الألوية، من وسط الشجعان والأعيان، ومن خلال ذوي البيوتات والشرف، ومنبين المعروفين بالنبل والكرم، والدين والتقوى، كما أنّ ذلك كلّه كان هو الّذي يدعو حامل اللواء إلى أن يبذل ما في وسعه للحفاظ على سلامة اللواء، والإستماتة من أجل بقاءاللواء، مرفرفاً عالياً، خفّاقاً منشوراً على رؤوس أفراد الجيش ورجاله، ومن أجل ذلككلّه أيضاً نرى أن حملة اللواء وأصحاب الألوية في الإسلام، كانوا غالباً ما يقون اللواءبأنفسهم، فلا يدعون اللواء يسقط من أيدهم مادام في أجسادهم حياة، وفي أبدانهم رمق،وفي قلوبهم ضربان، وفي شرايينهم دم ينزف، فإذا قُطعت يُمناهم، أخذوا اللواء بيسارهم،وإذا قطعت يسارهم أخذوا اللواء بركبتيهم، وهكذا كانوا يحمون اللواء بأنفسهم عن السقوط،حتّى يلسّموه إلى كفوٍ آخر غيرهم – كما اشتهر ذلك في حقّ جعفر بن أبي طالب سلام اللهعليه في حرب مؤتة - .
مع أصحاب الرايات
ولقد جاء في تعليمات الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه فيما يخصّ آداب الحرب والقتال – كما في نهج البلاغة – حيث يقول سلامالله عليه: «... ورايتكم فلا تُميلوها ولا تُخُلّوها، ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم،والمانعين الذمار منكم، فإنّ الصابرين على نزول الحقائق، هم الّذين يحفّون براياتهم،ويكتنفونها حفافيها، ووراءها وأمامها، لا يتأخّرون عنها فيُسلموها، ولا يتقدّمون عنها فيُفردوها...».
وما كان الإمام الحسين سلام الله عليه لا يتخطّى تعليمات أبيه الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه فيما يخصّ حامل اللواء، ولذلك اختارلحمل لوائه أخاه الأكبر أبا الفضل العباس سلام الله عليه، وكان كما اختاره الإمام الحسين سلام الله عليه كفوءاً بحمل اللواء، وأهلاً للقيام بحقّه، حيث أنّه سلام الله عليه وحفاظاً على سلامة اللواء، وبقائه مرفراً خفاقاً، بقي في آخر من بقي مع الإمام الحسين سلام الله عليه مع شدّة ضيق صدره، وكثرة اسفه وهمّه، من فقد إخوته وأبناء إخوته، وعظيم اشتياقه للقاء العدوّ ومنازلتهم، وكبير تلهّفه على الإنتقام منهم ومقاتلتهم، فإنّه سلام الله عليه مع كلّ ذلك لم يشف قلبه من الأعداء بالبراز: أنت صاحب لوائي، وإذا مضيت تفرّق عسكري.
كما أنّه لمّا استسقى لأطفال أخيه الإمام الحسين سلام الله عليه الذين اضرّ بهم العطش، وذلك في المرّة الأخيرة التي انجرّت إلى شهادته، لم يسمح لنفسه مادام له رمق بترك اللواء وسقوطه، فإنّه لما قطعوا يديه: يمينه وشماله، احتفظ باللواء من السقوط بساعديه وعضديه، وألصقه بهما إلى صدره، وإنّما سقط اللواء بسقوطه سلام الله عليه من على جواده، وذلك يعد أن رشقوه بالنبال كالمطر، وخاصةعندما خسفوا هامته بعمدْ من حديد، فهوى إلى الأرض مع اللواء منادياً: يا أخي أدرك أخاك.
أوّل من عقد له اللواء
نعم لقد كان أبو الفضل العباس سلام الله عليه حامل لواء أخيه الإمام الحسين سلام الله عليه كما كان أبوه الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه حامل لواء أخيه وابن عمّه رسول الله صلى الله عليه وآله، فلقد كان لواءالحقّ بيد أنبياء الله وأوليائه، حيث كان أوّل من عقد اللواء وحمله هو: شيث بن آدم سلام الله عليه – على ما قيل – ثم انتقل إلى خليل الرحمن: النبي إبراهيم سلام الله عليه، ومنه إلى ابنه إسماعيل الذبيح سلام الله عليه، ومنه إلى ابنه نابت بن إسماعيل سلام الله عليه، ومنه إلى أبنائه وأحفاده، أجداد النبي صلى الله عليه وآله وابائه،حتىّ انتقل إلى قصي بن كلاب، ومنه إلى عبد مناف، ثم ورثه منه ابنه هاشم، ثمّ ابنه عبدالمطلب، ثم ابنه أبو طالب، ثم صار اللواء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فدفعها إلى علي أمير المؤمنين سلام الله عليه، فأصبح هو سلام الله عليه حامل لواء الرسول صلى الله عليه وآله، واصبح من بعده ابنه العباس سلام الله عليه حامل لواء الإمام الحسين سلام الله عليه وعرف بذلك، أعني: عرف بأنّه سلام الله عليه حامل اللواء.
اللواء مع الغنائم في الشام
ولقد جاء في التاريخ أنّ جيش بني أميّة بقيادة ابن سعد، لمّا أغاروا على مخيّم الإمام الحسين سلام الله عليه بعد الظهر من يوم عاشوراء ونهبوا ما فيه، وكذلك جمعوا ما في ساحة الحرب من غنائم، وبعثوا بها إلى الشام، كان في جملتها اللواء الّذي كان يحمله العباس سلام الله عليه، فلمّا وقع عين يزيد عليه وأجال بصره فيه تعجّب هو ومن كان معه، حيث رأوا أنّ هذا اللواء لم يسلم منه مكان إلا محل قبضته وموضع اليد منه، فسأل يزيد متعجّباً وهو يقول: من كان يحمل هذا اللواء في كربلاء؟ قالوا: العباس بن علي سلام الله عليه، فلمّا سمع يزيد بأن حامله كان هو العباس سلام الله عليه قام من مكانه وجلس ثلاث مرّات تعجباًَ من شجاعة العباس سلام الله عليه واندهاشاً من شهامته وبطولته، ثمّ التفت إلى من حضره وقال: أنظروا إلى هذا العَلَم، فإنّه لم يسلم من الطعن والضرب إلا مقبض اليد التي تحمله، إشارة إلى أنّ سلامة المقبض دليل على شجاعة حامله وشهامته حيث كان يتلقّى كلّ الضربات والرشقات، بصبروصمود، دون أن يترك اللواء لينتكس، أو يدعه ليسقط، ثمّ قال:
أبيت اللعن يا عباس
هكذايكون وفاء الأخ لأخيه، وهذا اعتراف من العدوّ، في حقّ العباس سلام الله عليه، والفضل ما شهدت به الأعداء.
الألوية في الشعائر الحسينية
ثمّ انّ هذا اللواء أعني لواء الحقّ الذي كان بيد الأنبياء والأولياء، وحمله أبو الفضل العباس سلام الله عليه في كربلاء، وهواليوم بيد إمام العصر، وبقيّة الله في أرضه، الإمام المهدي الحجّة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف قد أرمز إليه بالألوية والأعلام التي ترفع في الشعائر الحسينية،وتنصب على الحسينيات، وتقام بباب المجالس والمحافل الدينية، ويطاف بها في المواكب والمآتم الحسينية، إحياءاً لسنن الحقّ، وإبقاءاً على معالم الإسلام ولوائه عالياً خفاقاً على رؤس المسلمين، حتّى يأتي يوم تتوحّد فيها الأعلام والألوية، وتذاب معها القوميّات والتعصّبات الجاهلية، ولا يبقى لواء إلا لواء الإسلام، ولا شعب غير شعوب المسلمين، بل يدخلون الناس كلّهم في دين الله أفواجاً، برغبة وطواعية، لما يرونه في الإسلام من منطق وعدل، واحترام وسواسيّة، فإلى ذلك اليوم المأمول، والأمل المنشود.
وهنا لا بأس بذكر هذه القطعة التاريخية،فإنّه قد جاء في التاريخ: أنّ الفاطميين كانوا يهتمّون اهتماماً كبيراً بالألوية، والرايات،والدرق، حتّى أنّهم خصّصوا مكاناً في مصر يقال له: «خزانة البنود» اختزنوا فيها الأعلام،والرايات، والأسلحة، والسروج، واللجم المذهبة والمفضّضة، وكانوا ينفقون عليها في كلّ سنة ثمانين ألف دينار، ولمّا احترق ذلك المكان بما فيه، قدرت الخسارة الناجمة عن هذاالحريق بثمانية ملايين دينار، وكان في جملة الألوية والرايات، لواء يسمّونه: «لواءالحمد».
في أنّه بطل العلقمي
وهوى بجنب العلقمي فليته &&& للشـاربين به يـــداف العـلقم
وقال السيّد الطحّان:
جــرّعــت أعـــداءك يـوم الوغى &&& فـي حدّ ماضـــيك من العــلقم
وقد بذلت النفس دون الحمى &&& مــجاهداً يا بطــل العــلـقــمي
الياء في العلقمي ياء النسبة، والمراد به نهر علقمة، وهو نهر كان متفرّعاً من الفرات ومنشعباً منه، وكان يمرّ بأرض كربلاء وضواحيها،ويسقيها جميعاً، وعلى مقربة منه صُرع أبو الفضل العباس سلام الله عليه وسقط شهيداً،وذلك حيث يكون مرقده الشريف الآن:
قيل: إنّ هذا النهر – أي: نهر العلقمي– كان هو النهر الوحيد الّذي يجري في كربلاء أيام نزل الإمام الحسين سلام الله عليه وأهل بيته بها، وقد شهد هذا النهر بطولات كثيرة من أبي الفضل العباس سلام الله عليه،بطولات روحية وجسمية معاً.
العلقمي وبطولات العباس سلام الله عليهالجسمية
أما بطولات أبي الفضل العباس سلام الله عليه الجسمية التي شهدها العلقمي منه سلام الله عليه فحدّث ولا خرج، فلقد كان أوكل ابن سعد عمرو بن الحجاج مع أربعة آلاف فارس، على العلقمي يحموا ماءه ذريّة رسول الله صلى الله عليه وآله ، ويمنعوه من الامام الحسين سلام الله عليه وأصحابه وأهل بيته ،فاستقى العباس سلام الله عليه منه لمعسكر الامام الحسين سلام الله عليه مرّات عديدة، وذلك بعد ان فرّق جموع الموكّلين به وبدّد شملهم . ومن العلوم ان تفريق اربعة آلاف فارس عن العلقمي ، مع أنّ مهمّة هؤلاء الفرسان كان هو الحيلولة بينه وبين كلّ وارد إليه من أصحاب الامام الحسين سلام الله عليه وذلك بكلّ ما يملكونه من أسلحة و عتاد، و جزم و عزم ، هو أمر عظيم ، لا يقدر عليه احد سوى مثل ابي الفضل العباس سلام الله عليه ، حيث كان يحمل عليهم كالليث الغضبان ، ولا يعبأ بالسهام الّتي كانت تقبل نحوه كالمطر ، فكان جسمه الشريف يصبح من كثرة ما يصيبه من النبل و السهام كالقنفذ ، وهولايكترث بشيء من ذلك ، بل كان كلّ همّه اقتحام العلقمي والدخول فيه ، وحمل الماء إلى مخيّم الامام الحسين سلام الله عليه ومعسكره ، و كان يفعل في كل مرة ذلك وبكلّ جدارة.
&&& موضوع راق لي وشدني اليه فاحببت ان انقله اليكم &&&
السلام على ابي الفضل العباس حامل اللواء
ورحمة الله وبركاته
لقد عقد الإمام الحسين سلام الله عليه لأخيه أبي الفضل العباس لواءاً ودفعه إليه منذ خروجه من الحجاز متوجهاً إلى العراق، وكان اللواء الأعظم يوم عاشوراء بيده سلام الله عليه، ولذلك كلّما استأذن للبراز قال له الإمام الحسين سلام الله عليه: أنت صاحب لوائي، وإذا مضيت تفرّق عسكري، وقال بعض الشعراءعن لسان حال الإمام الحسين سلام الله عليه حين وقف على أخيه العباس سلام الله عليه:
لمن اللوى أعطي ومن هو جامع &&& شملي وفي ظنك الزحام يقيني
أمــنـازل الأقــران حـامـل رايــــتي &&& ورواق أخـــبيتي وبــاب شـــؤنـي
لــك مــوقـف بالـطفّ أنسى أهله &&& حرب الــعراق بمـــلتـقى صفّيــن
وجاء في المناقب لابن شهر آشوب ما مضمونه:كان العباس السقاء، قمر بني هاشم، صاحب لواء الإمام الحسين سلام الله عليه وأكبر إخوته.
من مواصفات حملة الألوية
ومن المعلوم: أنّ اللواء لا يعقد إلاّ لمنعرف بالشجاعة والشهامة، والنبل والشرف: لأنّ حامل اللواء هو من يريد ضمّ كلّ أفرادالجيش تحت لوائه، ودرجهم في سلكه وظلاله، فلابدّ أن يكون ممّن يقبله الجميع، ويرتضيه الكلّ، من حيث الشرف والشجاعة، حتّى ينتظموا في سلكه، وينضووا تحت لوائه.
هذا مع أنّ حمل اللواء في نفسه مفخرة كبيرة،ومكرمة عظيمة، ووسام شريف، وله منزلة في نفوس الناس، ولدى جميع الأمم والشعوب، وعلىمرّ الأزمنة والعصور، كما أنّ لحامل اللواء مكانة راقية، ودرجة رفيعة، ومرتبة سامية،لا من حيث شجاعة حامل اللواء وشهامته فحسب، بل من حيث انتظام الجيش واستماتته مقابل العدو، فإنّه مادام اللواء قائماً، والعَلَم مرفرفاً، يكون الجيش منتظماً، وشمله ملتئماً،وأفراده مقاومين، ورجاله مستميتين، حيث انّ اهتزاز اللواء ورفرفته بيد حامله، يعطي الأمل للمقاتلين، ويبعث في نفوسهم القوّة والشجاعة، ويرفع فيهم المعنويات القتاليةالعالية، ويقرّبهم من الغلبة والنصر، بينما إذا سقط اللواء انكسر الجيش وانهزم، وتبدّدالعسكر وتفرّق، وآل أمرهم إلى الإندحار والموت، أو الأسر والسبي.
ومن أجل ذلك كلّه يأتي انتخاب حملة اللواء،واختيار أصحاب الألوية، من وسط الشجعان والأعيان، ومن خلال ذوي البيوتات والشرف، ومنبين المعروفين بالنبل والكرم، والدين والتقوى، كما أنّ ذلك كلّه كان هو الّذي يدعو حامل اللواء إلى أن يبذل ما في وسعه للحفاظ على سلامة اللواء، والإستماتة من أجل بقاءاللواء، مرفرفاً عالياً، خفّاقاً منشوراً على رؤوس أفراد الجيش ورجاله، ومن أجل ذلككلّه أيضاً نرى أن حملة اللواء وأصحاب الألوية في الإسلام، كانوا غالباً ما يقون اللواءبأنفسهم، فلا يدعون اللواء يسقط من أيدهم مادام في أجسادهم حياة، وفي أبدانهم رمق،وفي قلوبهم ضربان، وفي شرايينهم دم ينزف، فإذا قُطعت يُمناهم، أخذوا اللواء بيسارهم،وإذا قطعت يسارهم أخذوا اللواء بركبتيهم، وهكذا كانوا يحمون اللواء بأنفسهم عن السقوط،حتّى يلسّموه إلى كفوٍ آخر غيرهم – كما اشتهر ذلك في حقّ جعفر بن أبي طالب سلام اللهعليه في حرب مؤتة - .
مع أصحاب الرايات
ولقد جاء في تعليمات الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه فيما يخصّ آداب الحرب والقتال – كما في نهج البلاغة – حيث يقول سلامالله عليه: «... ورايتكم فلا تُميلوها ولا تُخُلّوها، ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم،والمانعين الذمار منكم، فإنّ الصابرين على نزول الحقائق، هم الّذين يحفّون براياتهم،ويكتنفونها حفافيها، ووراءها وأمامها، لا يتأخّرون عنها فيُسلموها، ولا يتقدّمون عنها فيُفردوها...».
وما كان الإمام الحسين سلام الله عليه لا يتخطّى تعليمات أبيه الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه فيما يخصّ حامل اللواء، ولذلك اختارلحمل لوائه أخاه الأكبر أبا الفضل العباس سلام الله عليه، وكان كما اختاره الإمام الحسين سلام الله عليه كفوءاً بحمل اللواء، وأهلاً للقيام بحقّه، حيث أنّه سلام الله عليه وحفاظاً على سلامة اللواء، وبقائه مرفراً خفاقاً، بقي في آخر من بقي مع الإمام الحسين سلام الله عليه مع شدّة ضيق صدره، وكثرة اسفه وهمّه، من فقد إخوته وأبناء إخوته، وعظيم اشتياقه للقاء العدوّ ومنازلتهم، وكبير تلهّفه على الإنتقام منهم ومقاتلتهم، فإنّه سلام الله عليه مع كلّ ذلك لم يشف قلبه من الأعداء بالبراز: أنت صاحب لوائي، وإذا مضيت تفرّق عسكري.
كما أنّه لمّا استسقى لأطفال أخيه الإمام الحسين سلام الله عليه الذين اضرّ بهم العطش، وذلك في المرّة الأخيرة التي انجرّت إلى شهادته، لم يسمح لنفسه مادام له رمق بترك اللواء وسقوطه، فإنّه لما قطعوا يديه: يمينه وشماله، احتفظ باللواء من السقوط بساعديه وعضديه، وألصقه بهما إلى صدره، وإنّما سقط اللواء بسقوطه سلام الله عليه من على جواده، وذلك يعد أن رشقوه بالنبال كالمطر، وخاصةعندما خسفوا هامته بعمدْ من حديد، فهوى إلى الأرض مع اللواء منادياً: يا أخي أدرك أخاك.
أوّل من عقد له اللواء
نعم لقد كان أبو الفضل العباس سلام الله عليه حامل لواء أخيه الإمام الحسين سلام الله عليه كما كان أبوه الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه حامل لواء أخيه وابن عمّه رسول الله صلى الله عليه وآله، فلقد كان لواءالحقّ بيد أنبياء الله وأوليائه، حيث كان أوّل من عقد اللواء وحمله هو: شيث بن آدم سلام الله عليه – على ما قيل – ثم انتقل إلى خليل الرحمن: النبي إبراهيم سلام الله عليه، ومنه إلى ابنه إسماعيل الذبيح سلام الله عليه، ومنه إلى ابنه نابت بن إسماعيل سلام الله عليه، ومنه إلى أبنائه وأحفاده، أجداد النبي صلى الله عليه وآله وابائه،حتىّ انتقل إلى قصي بن كلاب، ومنه إلى عبد مناف، ثم ورثه منه ابنه هاشم، ثمّ ابنه عبدالمطلب، ثم ابنه أبو طالب، ثم صار اللواء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فدفعها إلى علي أمير المؤمنين سلام الله عليه، فأصبح هو سلام الله عليه حامل لواء الرسول صلى الله عليه وآله، واصبح من بعده ابنه العباس سلام الله عليه حامل لواء الإمام الحسين سلام الله عليه وعرف بذلك، أعني: عرف بأنّه سلام الله عليه حامل اللواء.
اللواء مع الغنائم في الشام
ولقد جاء في التاريخ أنّ جيش بني أميّة بقيادة ابن سعد، لمّا أغاروا على مخيّم الإمام الحسين سلام الله عليه بعد الظهر من يوم عاشوراء ونهبوا ما فيه، وكذلك جمعوا ما في ساحة الحرب من غنائم، وبعثوا بها إلى الشام، كان في جملتها اللواء الّذي كان يحمله العباس سلام الله عليه، فلمّا وقع عين يزيد عليه وأجال بصره فيه تعجّب هو ومن كان معه، حيث رأوا أنّ هذا اللواء لم يسلم منه مكان إلا محل قبضته وموضع اليد منه، فسأل يزيد متعجّباً وهو يقول: من كان يحمل هذا اللواء في كربلاء؟ قالوا: العباس بن علي سلام الله عليه، فلمّا سمع يزيد بأن حامله كان هو العباس سلام الله عليه قام من مكانه وجلس ثلاث مرّات تعجباًَ من شجاعة العباس سلام الله عليه واندهاشاً من شهامته وبطولته، ثمّ التفت إلى من حضره وقال: أنظروا إلى هذا العَلَم، فإنّه لم يسلم من الطعن والضرب إلا مقبض اليد التي تحمله، إشارة إلى أنّ سلامة المقبض دليل على شجاعة حامله وشهامته حيث كان يتلقّى كلّ الضربات والرشقات، بصبروصمود، دون أن يترك اللواء لينتكس، أو يدعه ليسقط، ثمّ قال:
أبيت اللعن يا عباس
هكذايكون وفاء الأخ لأخيه، وهذا اعتراف من العدوّ، في حقّ العباس سلام الله عليه، والفضل ما شهدت به الأعداء.
الألوية في الشعائر الحسينية
ثمّ انّ هذا اللواء أعني لواء الحقّ الذي كان بيد الأنبياء والأولياء، وحمله أبو الفضل العباس سلام الله عليه في كربلاء، وهواليوم بيد إمام العصر، وبقيّة الله في أرضه، الإمام المهدي الحجّة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه الشريف قد أرمز إليه بالألوية والأعلام التي ترفع في الشعائر الحسينية،وتنصب على الحسينيات، وتقام بباب المجالس والمحافل الدينية، ويطاف بها في المواكب والمآتم الحسينية، إحياءاً لسنن الحقّ، وإبقاءاً على معالم الإسلام ولوائه عالياً خفاقاً على رؤس المسلمين، حتّى يأتي يوم تتوحّد فيها الأعلام والألوية، وتذاب معها القوميّات والتعصّبات الجاهلية، ولا يبقى لواء إلا لواء الإسلام، ولا شعب غير شعوب المسلمين، بل يدخلون الناس كلّهم في دين الله أفواجاً، برغبة وطواعية، لما يرونه في الإسلام من منطق وعدل، واحترام وسواسيّة، فإلى ذلك اليوم المأمول، والأمل المنشود.
وهنا لا بأس بذكر هذه القطعة التاريخية،فإنّه قد جاء في التاريخ: أنّ الفاطميين كانوا يهتمّون اهتماماً كبيراً بالألوية، والرايات،والدرق، حتّى أنّهم خصّصوا مكاناً في مصر يقال له: «خزانة البنود» اختزنوا فيها الأعلام،والرايات، والأسلحة، والسروج، واللجم المذهبة والمفضّضة، وكانوا ينفقون عليها في كلّ سنة ثمانين ألف دينار، ولمّا احترق ذلك المكان بما فيه، قدرت الخسارة الناجمة عن هذاالحريق بثمانية ملايين دينار، وكان في جملة الألوية والرايات، لواء يسمّونه: «لواءالحمد».
في أنّه بطل العلقمي
وهوى بجنب العلقمي فليته &&& للشـاربين به يـــداف العـلقم
وقال السيّد الطحّان:
جــرّعــت أعـــداءك يـوم الوغى &&& فـي حدّ ماضـــيك من العــلقم
وقد بذلت النفس دون الحمى &&& مــجاهداً يا بطــل العــلـقــمي
الياء في العلقمي ياء النسبة، والمراد به نهر علقمة، وهو نهر كان متفرّعاً من الفرات ومنشعباً منه، وكان يمرّ بأرض كربلاء وضواحيها،ويسقيها جميعاً، وعلى مقربة منه صُرع أبو الفضل العباس سلام الله عليه وسقط شهيداً،وذلك حيث يكون مرقده الشريف الآن:
قيل: إنّ هذا النهر – أي: نهر العلقمي– كان هو النهر الوحيد الّذي يجري في كربلاء أيام نزل الإمام الحسين سلام الله عليه وأهل بيته بها، وقد شهد هذا النهر بطولات كثيرة من أبي الفضل العباس سلام الله عليه،بطولات روحية وجسمية معاً.
العلقمي وبطولات العباس سلام الله عليهالجسمية
أما بطولات أبي الفضل العباس سلام الله عليه الجسمية التي شهدها العلقمي منه سلام الله عليه فحدّث ولا خرج، فلقد كان أوكل ابن سعد عمرو بن الحجاج مع أربعة آلاف فارس، على العلقمي يحموا ماءه ذريّة رسول الله صلى الله عليه وآله ، ويمنعوه من الامام الحسين سلام الله عليه وأصحابه وأهل بيته ،فاستقى العباس سلام الله عليه منه لمعسكر الامام الحسين سلام الله عليه مرّات عديدة، وذلك بعد ان فرّق جموع الموكّلين به وبدّد شملهم . ومن العلوم ان تفريق اربعة آلاف فارس عن العلقمي ، مع أنّ مهمّة هؤلاء الفرسان كان هو الحيلولة بينه وبين كلّ وارد إليه من أصحاب الامام الحسين سلام الله عليه وذلك بكلّ ما يملكونه من أسلحة و عتاد، و جزم و عزم ، هو أمر عظيم ، لا يقدر عليه احد سوى مثل ابي الفضل العباس سلام الله عليه ، حيث كان يحمل عليهم كالليث الغضبان ، ولا يعبأ بالسهام الّتي كانت تقبل نحوه كالمطر ، فكان جسمه الشريف يصبح من كثرة ما يصيبه من النبل و السهام كالقنفذ ، وهولايكترث بشيء من ذلك ، بل كان كلّ همّه اقتحام العلقمي والدخول فيه ، وحمل الماء إلى مخيّم الامام الحسين سلام الله عليه ومعسكره ، و كان يفعل في كل مرة ذلك وبكلّ جدارة.
&&& موضوع راق لي وشدني اليه فاحببت ان انقله اليكم &&&
السلام على ابي الفضل العباس حامل اللواء
ورحمة الله وبركاته
تعليق