بِسمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعالَمِيْنَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى أشْرَفِ الْأَنْبِياءِ وَالْمُرْسَلِينَ أَبِي الْقاسِمِ مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ الْطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِين ...
كثيرة هي الاستشكالات التي اثيرت ممن ليس لهم رؤيا مستقبلية ولا بعد نظر على صلح الامام الحسن (عليه السلام) مع معاوية غير مدركين لما ستؤول اليه الأمور لو كان الامام (عليه السلام) لم يصالح ودخل الحرب مع معاوية
لذا ينقل لنا التأريخ بعض المواقف ومن بعض المحيطين به والتي تنم عن تذمر وعدم رضا بهذا الصلح غافلين عن أن الامام الحسن(عليه السلام) هو حجة الله في الأرض وأحد الأوصياء المفترضي الطاعة ، وأن اطاعته (عليه السلام) فرض على كل مسلم ومسلمة ، وامتثال أوامره واجب على الجميع لذا فكل ما يصدر منه من قول أو فعل لا يعتريه الشطط ولا تشوبه الغفلة بل على العكس من ذلك ، وهو أنه لا يفعل الا الأصلح لهذه الأمة ، فلا مجال لأن يرد عليه أحد أو يعارضه فيما فعل أو يفعل .
لذا فأن صلح الامام الحسن(عليه السلام) كان فيه مصلحة كبرى وفائدة عظمى للمسلمين عامة وللشيعة والموالين خاصة ، ومنها أنه أعز المؤمنين بالصلح بتجنيبهم الدخول في حرب خاسرة وبكل المقاييس فلو دخلوا الحرب اما أن يقعوا في الأسر بيد أوغاد الناس وأراذل الأمة من الطلقاء وأبنائهم فيذلونهم ويسومونهم سوء العذاب واما أن يُقتَلوا فيبقى ذراريهم وأهاليهم تحت رحمة الآخرين ومن المؤكد ان هذه الحرب لا تُبقي من الأخيار الا ما ندر فكيف لذرية هؤلاء المقتولين أن تعيش بعز وكرامة في مجتمع يسوده الغش والنفاق ويتسوده الظالمون من أهل الشقاق .
والامام الحسن (عليه السلام) أشار الى هذه الحقيقة عندما جاءه أحدهم قائلاً
(عليك السلام يامذل المؤمنين )
فأجابه الإمام (عليه السلام) :
" ما أنا بمذل المؤمنين ولكني معز المؤمنين ،
إني لما رأيتكم ليس بكم عليهم قوة سلمت الامر لأبقى أنا وأنتم بين أظهرهم،
كما عاب العالم السفينة لتبقى لأصحابها وكذلك نفسي وأنتم لنبقى بينهم "(1)
وهذا القول الصريح دليل واضح ومن امام معصوم مفترض الطاعة على وجود المبررات الراجحة التي دعت الأمام(عليه السلام) للصلح رغم كونه كان كارهاً للصلح لكنه فعل لابد منه لدفع ما هو أشر منه ..
ومن اسباب قبول الامام الحسن عليه السلام الصلح مع معاوية :
1 - ان الامام الحسن (عليه السلام) استشار جموع الناس المتخاذلة والملتفة حوله :
عن أبي بكر بن دريد قال: قام الحسن بعد موت أبيه أمير المؤمنين(عليهما السلام) فقال بعد حمد
الله عزوجل:
" إنّا والله ما ثنانا عن أهل الشأم شكّ ولا ندم وانّما كنّا نقاتل أهل الشأم
بالسلامة والصبر، فسلبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم في منتدبكم إلى
صفين ودينكم أمام دنياكم، فاصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم، ألا وإنّا لكم كما كنّا
ولستم لنّا كما كنتم، ألا وقد اصبحتم، بين قتيلين قتيل بصفين تبكون له، وقتيل
بالنهروان تطلبون بثاره، فاما الباقي فخاذل، وأما الباكي فثائر، ألا وان معاوية
دعانا إلى أمر ليس فيه عزّ ولا نصفة، فان اردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله
عزّ وجلّ بظباء السيوف، وان أردّتم الحياة قبلناه واخذنا لكم الرضى "
فناداه القوم من كل جانب: ( البقية .. البقية )
فلما أفردوه امضى الصلح(2)
فساير (عليه السلام) قومه، واختار ما اختاروه من الصلح، فصالح كارهاً كما قبل أبوه أمير المؤمنين (عليه السلام) التحكيم من قبل وهو كاره له .
2 - ان الامام الحسن (عليه السلام) أراد صد جيش معاوية ، ولكن خانه أكثر القواد لجيشه ، وباعوا ضمائرهم وسلموا نفوسهم الى معاوية مقابل أموال ومناصب . الى أن وصل الأمر بالبعض أن يكتب لمعاوية سرّا يقول : ان شئت سلمناك الحسن حياً, وان شئت سلمناه ميتاً !
فاضطر الامام (عليه السلام) االقبول بالصلح وترك الحرب .
3 - أراد الامام الحسن (عليه السلام) من الصلح أن يبقي على نفسه وأهل بيته وأصحابه من الهلاك والفناء فلو حارب لانتصر جيش الأمويين وقتلت الذرية الطيبة للنبي (صلى الله عليه وآله) ، والثلة الصالحة من اعوانهم وان لم يقتلوا فيأسرون ويكونون تحت رحمة معاوية وربما يمن عليهم بأن يطلقهم فتبقى فيهم سبّة فيهم وفي ذريتهم على مر الأجيال يسمونهم الطلقاء وأبناء الطلقاء وهذا ما كان يتمناه معاوية وأشباهه من الطلقاء وأبنائهم .
وكان من أهم نتائج الصلح هي فضح معاوية وبني أمية أمام الناس وكشف مخازهيم لعامة المسلمين ووظهورهم على حقيقتهم وفقدانهم لمكانتهم الدنيوية حتى من المقربين لهم من خلال نكثهم للعهود واستهتارهم بالمقدسات وعبثهم في الدين فأزاح الامام (عليه السلام) بالصلح التظليل الأموي وأبطل التمويه الفكري الذي كان يؤديه معاوية أتباعه من شياطين الانس على الناس .
______________________________________________
(1) تحف العقول - (ص 308)/بحار الأنوار - العلامة المجلسي - (75 / 287)
(2) (بحار الأنوار - العلامة المجلسي - (75 / 107)
عظّم الله تعالى أجورنا وأجوركم بذكرى استشهاد الامام الحسن بن علي (عليهما السلام)
تعليق