عن حذيفة بن اليمان قال: بينا رسول الله (ص) في جبل أظنه حرى أو غيره ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي (ع) وجماعة من المهاجرين والانصار وأنس حاضر لهذا الحديث وحذيفة يحدث به إذ أقبل الحسن بن علي (ع) يمشي على هدوء ووقار فنظر إليه رسول الله (ص) وقال: إن جبرئيل يهديه وميكائيل يسدده وهو ولدي والطاهر من نفسي وضلع من أضلاعي هذا سبطي وقرة عيني بأبي هو, فقام رسول الله (ص) وقمنا معه وهو يقول له: أنت تفاحتي وأنت حبيبي ومهجة قلبي وأخذ بيده فمشى معه ونحن نمشي حتى جلس وجلسنا حوله ننظر إلى رسول الله (ص) وهو لا يرفع بصره عنه! ثم قال: أما إنه سيكون بعدي هادياً مهدياً, هذا هدية من رب العالمين لي, ينبئ عني ويعرف الناس آثاري ويُحيي سنتي، ويتولى أموري في فعله، ينظر الله إليه فيرحمه، رحم الله من عرف له ذلك وبرني فيه وأكرمني فيه, فما قطع رسول الله (ص) كلامه حتى أقبل إلينا أعرابي يجر هراوة له فلما نظر رسول الله (ص) إليه قال: قد جاءكم رجل يكلمكم بكلام غليظ تقشعر منه جلودكم، وإنه يسألكم من أمور، إن لكلامه جفوة , فجاء الاعرابي فلم يسلم وقال: أيكم محمد؟ قلنا: وما تريد؟ قال رسول الله (ص): مهلاً، فقال: يا محمد لقد كنتُ أبغضك ولم أرك والآن فقد ازددت لك بغضاً! قال: فتبسم رسول الله (ص) وغضبنا لذلك وأردنا بالاعرابي إرادة فأومأ إلينا رسول الله أن: اسكتوا! فقال الاعرابي: يا محمد إنك تزعم أنك نبي, وإنك قد كذبت على الانبياء وما معك من برهانك شيء! قال له: يا أعرابي وما يدريك؟ قال: فخبرني ببرهانك؟ قال: إن أحببت أخبَركَ عضو من أعضائي فيكون ذلك أوكد لبرهاني, قال: أويتكلم العضو؟ قال: نعم، يا حسن قم! فازدرى الاعرابي نفسه وقال: هو ما يأتي ويقيم صبياً ليكلمني! قال: إنك ستجده عالماً بما تريد, فابتدره الحسن (ع) وقال: مهلاً يا أعرابي!
ما غبياً سألت وابن غبي * بل فقيهاً إذن وأنت الجهول
فإن تك قد جهلت فإن عندي * شفاء الجهل ما سأل السؤل
وبحراً لا تقسمه الدوالي * تراثاً كان أورثه الرسول
لقد بسطت لسانك، وعدوت طورك، وخادعت نفسك، غير أنك لا تبرح حتى تؤمن إنشاء الله، فتبسم الاعرابي وقال: هيه! فقال له الحسن (ع): نعم اجتمعتم في نادي قومك، وتذاكرتم ما جرى بينكم على جهل وخرق منكم، فزعمتم أن محمداً صنبور والعرب قاطبة تبغضه، ولا طالب له بثاره، وزعمت أنك قاتله وكان في قومك مؤنته، فحَمِلتَ نفسك على ذلك، وقد أخذتَ قناتك بيدك تؤمه تريد قتله، فعسر عليك مسلكك، وعمي عليك بصرك، وأبيت إلا ذلك فأتيتنا خوفاً من أن يشتهر وإنك إنما جئت بخير يراد بك, أنبئك عن سفرك: خرجت في ليلة ضحياء إذ عصفت ريح شديدة اشتد منها ظلماؤها وأطلت سماؤها، وأعصر سحابها، فبقيت محر نجماً كالاشقر إن تقدم نحر وإن تأخر عقر، لا تسمع لواطئ حساً ولا لنافخ نار جرساً، تراكمت عليك غيومها، وتوارت عنك نجومها, فلا تهتدي بنجم طالع، ولا بعَلَم لامع، تقطع محجة وتهبط لجة في ديمومة قفر بعيدة القعر، مجحفة بالسفر إذا علوت مصعداً ازددت بعداً، الريح تخطفك، والشوك تخبطك، في ريح عاصف، وبرق خاطف، قد أوحشتك آكامها، وقطعتك سلامها، فأبصرت فإذا أنت عندنا فقرّت عينُك، وظهر رينُك، وذهب أنينُك, قال: من أين قلت يا غلام هذا؟! كأنك كشفت عن سويد قلبي! ولقد كنت كأنك شاهدتني! وما خفي عليك شيء من أمري وكأنه علم الغيب! فقال له: ما الاسلام؟ فقال الحسن (ع): الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، فأسلم وحسن إسلامه، وعلمه رسول الله (ص) شيئاً من القرآن فقال: يا رسول الله أرجع إلى قومي فأعرفهم ذلك؟ فأذن له، فانصرف ورجع ومعه جماعة من قومه، فدخلوا في الاسلام فكان الناس إذا نظروا إلى الحسن (ع) قالوا: لقد أعطي ما لم يعط أحد من الناس.
البحار ج43 ص333, عن العدد القوية ص42, الثاقب في المناقب ص316 نحوه, وعنه مدينة المعاجز ج3 ص359, وينابيع المعاجز ص59.
ما غبياً سألت وابن غبي * بل فقيهاً إذن وأنت الجهول
فإن تك قد جهلت فإن عندي * شفاء الجهل ما سأل السؤل
وبحراً لا تقسمه الدوالي * تراثاً كان أورثه الرسول
لقد بسطت لسانك، وعدوت طورك، وخادعت نفسك، غير أنك لا تبرح حتى تؤمن إنشاء الله، فتبسم الاعرابي وقال: هيه! فقال له الحسن (ع): نعم اجتمعتم في نادي قومك، وتذاكرتم ما جرى بينكم على جهل وخرق منكم، فزعمتم أن محمداً صنبور والعرب قاطبة تبغضه، ولا طالب له بثاره، وزعمت أنك قاتله وكان في قومك مؤنته، فحَمِلتَ نفسك على ذلك، وقد أخذتَ قناتك بيدك تؤمه تريد قتله، فعسر عليك مسلكك، وعمي عليك بصرك، وأبيت إلا ذلك فأتيتنا خوفاً من أن يشتهر وإنك إنما جئت بخير يراد بك, أنبئك عن سفرك: خرجت في ليلة ضحياء إذ عصفت ريح شديدة اشتد منها ظلماؤها وأطلت سماؤها، وأعصر سحابها، فبقيت محر نجماً كالاشقر إن تقدم نحر وإن تأخر عقر، لا تسمع لواطئ حساً ولا لنافخ نار جرساً، تراكمت عليك غيومها، وتوارت عنك نجومها, فلا تهتدي بنجم طالع، ولا بعَلَم لامع، تقطع محجة وتهبط لجة في ديمومة قفر بعيدة القعر، مجحفة بالسفر إذا علوت مصعداً ازددت بعداً، الريح تخطفك، والشوك تخبطك، في ريح عاصف، وبرق خاطف، قد أوحشتك آكامها، وقطعتك سلامها، فأبصرت فإذا أنت عندنا فقرّت عينُك، وظهر رينُك، وذهب أنينُك, قال: من أين قلت يا غلام هذا؟! كأنك كشفت عن سويد قلبي! ولقد كنت كأنك شاهدتني! وما خفي عليك شيء من أمري وكأنه علم الغيب! فقال له: ما الاسلام؟ فقال الحسن (ع): الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، فأسلم وحسن إسلامه، وعلمه رسول الله (ص) شيئاً من القرآن فقال: يا رسول الله أرجع إلى قومي فأعرفهم ذلك؟ فأذن له، فانصرف ورجع ومعه جماعة من قومه، فدخلوا في الاسلام فكان الناس إذا نظروا إلى الحسن (ع) قالوا: لقد أعطي ما لم يعط أحد من الناس.
البحار ج43 ص333, عن العدد القوية ص42, الثاقب في المناقب ص316 نحوه, وعنه مدينة المعاجز ج3 ص359, وينابيع المعاجز ص59.
تعليق