برير بن خضير الهمداني المشرفي رضى الله عنه :
منالشيعة المخلصين وكان سيد القراء في الكوفة كانت له مواقف جليلة أيام عاشوراء حتىاستشهاده رضوان الله عليه .
برير بن خضير الهمداني المشرقي ( وبنو مشرق بطن من همدان )
كان برير شيخا تابعيا ناسكا ، قارئا للقرآن ، من شيوخ القراء ، ومن أصحاب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ،
وكان من أشراف أهل الكوفة من الهمدانيين ،
وهو خال أبي إسحاق الهمداني السبعي (1).
قال أهل السير :
أنه لما بلغ خبر الحسين ( عليه السلام )
سار من الكوفة إلى مكة ليجتمع بالحسين ( عليه السلام )
فجاء معه حتى استشهد .
وقال السروي :
لما ضيق الحر على الحسين ( عليه السلام )
جمع أصحابه فخطبهم بخطبته التي يقول فيها : " أما بعد ،
فإن الدنيا قد تغيرت الخ " (2) .
فقام إليه مسلم ونافع فقالا ما قالا في ترجمتيهما ،
ثم قام برير فقال : والله يا بن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك ،
تقطع فيك أعضاؤنا ، حتى يكون جدك يوم القيامة بين أيدينا شفيعا لنا ، فلا أفلح قوم ضيعوا ابن بنت نبيهم ،
وويل لهم ماذا يلقون به الله ، وأف لهم يوم ينادون بالويل والثبور في نار جهنم .
وقال أبو مخنف : أمر الحسين ( عليه السلام ) في اليوم التاسع من المحرم بفسطاط فضرب ، ثم أمر بمسك فميث في جفنة عظيمة فأطلى بالنورة ،
وعبد الرحمن بن عبد ربة ،وبرير على باب الفسطاط تختلف مناكبهما (3) ،
فازدحما أيهما يطلي على أثر الحسين ( عليه السلام ) ،
فجعل برير يهازل عبد الرحمن ويضاحكه ،
فقال عبد الرحمن :
دعنا ، فوالله ما هذه بساعة باطل !
فقال برير : والله لقد علم قومي أني ما أحببت الباطل شابا ولا كهلا ،
ولكني والله لمستبشر بما نحن لاقون ، والله إن بيننا وبين الحور العين إلا أن نحمل على هؤلاء فيميلون علينا بأسيافهم ، ولوددت أن ملوا بها الساعة (4) !
وقال أيضا ، روى الضحاك بن قيس المشرقي -
وكان بايع الحسين على أن يحامي عنه ما ظن أن المحاماة تدفع عن الحسين ( عليه السلام ) فإن لم يجد بدا فهو في حل
- قال : بتنا الليلة العاشرة ،
فقام الحسين وأصحابه الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون يتضرعون ،
فمرت بنا خيل تحرسنا ، وإن الحسين ليقرأ * ( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين * ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ) * (5)
فسمعها رجل ( 6) من تلك الخيل فقال :
نحن ورب الكعبة الطيبون ، ميزنا منكم .
قال : فعرفته ،
فقلت لبرير : أتعرف من هذا ؟
قال : لا . قلت : أبو حريث (7) عبد الله بن شهر السبيعي -
وكان مضحاكا بطالا ، وكان ربما حبسه سعيد بن قيس الهمداني في جناية - فعرفه برير ، فقال له : أما أنت فلن يجعلك الله في الطيبين
! فقال له : من أنت ؟ قال : برير .
فقال : إنا لله عز علي !
هلكت والله ، هلكت والله يا برير !
فقال له برير : هل لك أن تتوب إلى الله من ذنوبك العظام !
فوالله إنا لنحن الطيبون وأنتم الخبيثون ،
قال : وأنا والله على ذلك من الشاهدين ، فقال ويحك أفلا تنفعك معرفتك !
قال : جعلت فداك !
فمن ينادم يزيد بن عذرة العنزي ؟ هاهو ذا معي .
قال : قبح الله رأيك أنت سفيه على كل حال (8) .
قال : ثم انصرف عنا .
وروى بعض المؤرخين أنه لما بلغ من الحسين ( عليه السلام )
العطش ما شاء الله أن يبلغ استأذن برير الحسين ( عليه السلام )
في أن يكلم القوم فأذن له ، فوقف قريبا منهم ،
ونادى : يا معشر الناس ، إن الله بعث بالحق محمدا بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها ،
وقد حيل بينه وبين ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أفجزاء محمد هذا ؟
فقالوا : يا برير ، قد أكثرت الكلام فاكفف ،
فوالله ليعطشن الحسين ( عليه السلام ) كما عطش من كان قبله ،
فقال الحسين ( عليه السلام ) اكفف يا برير ، ثم وثب متوكئا على سيفه ،
فخطبهم هو ( عليه السلام ) بخطبته التي
يقول فيها : " أنشدكم الله هل تعرفوني . . . الخ " .
وروى أبو مخنف عن عفيف بن زهير بن أبي الأخنس
قال : خرج يزيد بن معقل من بني عميرة بن ربيعة
فقال : يا برير بن خضير ، كيف ترى صنع الله بك ؟
قال : صنع الله بي والله خيرا ، وصنع بك شرا ،
فقال : كذبت ، وقبل اليوم ما كنت كذابا ،
أتذكر وأنا أماشيك في سكة بن دودان (9) وأنت
تقول : إن عثمان كان كذا ، وإن معاوية ضال مضل ،
وإن علي بن أبي طالب إمام الحق والهدى ؟
قال برير : أشهد أن هذا رأيي وقولي ،
فقال يزيد : فإني أشهد أنك من الضالين ،
قال برير : فهل لك أن أباهلك ،
ولندع الله أن يلعن الكاذب ، وأن يقتل المحق المبطل ،
ثم أخرج لأبارزك .
قال : فخرجا فرفعا أيديهما بالمباهلة إلى الله ،
يدعوانه أن يلعن الكاذب وأن يقتل المحق المبطل ،
ثم برز كل واحد منهما لصاحبه فاختلفا ضربتين ،
فضرب يزيد بريرا ضربة خفيفة لم تضره شيئا ،
وضرب برير يزيد ضربة قدت المغفر وبلغت الدماغ ،
فخر كأنما هوى من حالق ، وإن سيف برير لثابت في رأسه ، فكأني أنظر إليه ينضنضه من رأسه ، حتى أخرجه وهو يقول :
أنا برير وأبي خضير * وكل خير فله برير
ثم بارزالقوم فحمل عليه رضي بن منقد العبدي ، فاعتنق بريرا
، فاعتركا ساعة ، ثم إن بريرا صرعه وقعد على صدره ،
فجعل رضي يصيح بأصحابه : أين أهل المصاع والدفاع ؟
فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي يحمل عليه ،
فقلت له : إن هذا برير ابن خضير القارئ الذي كان يقرئنا القرآن في المسجد !
وحمل عليه بالرمح حتى وضعه في ظهره ،
فلما وجد برير مس الرمح برك على رضي فعض أنفه حتى قطعه ،
وأنفذ الطعنة كعب حتى ألقاه عنه ،
وقد غيب السنان في ظهره ، ثم أقبل يضربه بسيفه حتى برد ،
فكأني أنظر إلى رضي قام ينفض التراب عنه ،
ويده على أنفه وهو يقول : أنعمت علي يا أخا الأزد نعمة لا أنساها أبدا .
فلما رجع كعب ، قالت له أخته (10)
النوار بنت جابر : أعنت على ابن فاطمة ،
وقتلت سيد القراء ، لقد أتيت عظيما من الأمر ،
والله لا أكلمك من رأسي كلمة أبدا .
فقال كعب في ذلك :
سلي تخبري عني وأنت ذميمة * غداة حسين والرماح شوارع
ألم أت أقصى ما كرهت ولم يخل * علي غداة الروع ما أنا صانع
معي يزني لم تخنه كعوبه * وأبيض مخشوب الغرارين قاطع
فجردته في عصبة ليس دينهم * بديني وإني بابن حرب لقانع
ولم تر عيني مثلهم في زمانهم * ولا قبلهم في الناس إذ أنا يافع
أشد قراعا بالسيوف لدى الوغى * ألا كل من يحمي الذمار مقارع
وقد صبروا للطعن والضرب حسرا * وقد نازلوا لو أن ذلك نافع
فابلغ عبيد الله إما لقيته * بأني مطيع للخليفة سامع
قتلت بريرا ثم حملت نعمة * أبا منقذ لما دعا : من يماصع ؟
قال : فبلغت أبياته رضي بن منقذ ، فقال مجيبا له يرد عليه :
فلو شاء ربي ما شهدت قتالهم * ولا جعل النعماء عند ابن جابر
لقد كان ذاك اليوم عارا وسبة * تعيره الأبناء بعد المعاشر
فيا ليت أني كنت من قبل قتله * ويوم حسين كنت في رمس قابر (11)
وفي برير أقول : جزى الله رب العالمين مباهلا * عن الدين كيما ينهج الحق طالبه
وأزهر من همدان يلقي بنفسه * على الجمع حيث الجمع تخشى مواكبه
أبر على الصيد الكماة بموقف * مناهجه مسدودة ومذاهبه
إلى أن قضى في الله يعلم رمحه * بصدق توخيه ويشهد قاضبه
فقل لصريع قام من غير مارن * عذرتك إن الليث تدمى مخالبه