الإمام الصادق عليه السلام ... مدرسة الفقاهة ورائد العلم
لقد خص الباري سبحانه وتعالى العترة من آل الرسول الأعظم نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله) بجملة كبيرة من الخصائص والمزايا الفريدة التي تميزهم عن غيرهم من سائر بني البشر بل وحتى عن الكثير ممن خصهم تعالى بدرجات الرسل والأولياء والصالحين.
ومن بين مفردات جملة الخصائص والمزايا لأهل البيت عليهم السلام هو أن منحهم ميزة العصمة وجعلهم منابيع الحكمة ومواطن العلم ومدارس المعرفة والتربية ومراجع الحكم والاحتكام التي تحتاجهم الامة وسائر الناس في تشخيص الحقائق وكل ما يتصل بشؤون الحياة الدنيا وعما يرتبط فيها وما بعدها.
ولا غرابة في ذلك حين نرى القرآن الكريم يثبت هذه الحقيقة في الكثير من موارد السور والآيات الشريفة ومنها قوله تعالى: (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، فيما الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله يوصي أمته في حديث الثقلين المعروف ضرورة التمسك بكتاب الله وعترته من أهل بيته باعتبارهم المصدر الأصيل للرسالة السماوية والسنة الشريفةوالامام جعفر الاصادق عليه السلام هو واحد من الشموع المحمدية المنيرة التي ملئت بأشعاعاتها الفكرية والعلمية ساحات الحياة الانسانية والحضارات العامرة.
يُعتبر الإمام الصادق (عليه السلام) صاحب مدرسة فكرية كبرى، كان لها وجود عالمي ، وفضل كبير على الإسلام .
فالإمام الصادق ( عليه السلام ) طلب الحكمة ، وسعى لاكتشاف أسرارها، وغاص في عميق معانيها ، وفجَّر الينابيع بطاقة العقل ، وصفاء النفس ، وأخذ بيد الإنسان وقاده إلى مناهل المعرفة ، بكلِّ ما فيها من عمق وشمول .
تطبّع الإمام الصادق (عليه السلام)
بصفات الفضل ، ومحبة العلم ، وتعلَّم من جَدِّه ( صلى الله عليه وآله ) أن يُطعِم حتى لا يبقى لعياله طعاماً ، وأن يكسو حتى لا تبقى لهم كسوة .
وإن إحصاء فضله (عليه السلام) ، وسعة علمه ، وآفاق فكره ، وعبقريته ، ضَرْبٌ من المستحيل ، كما أنَّ الإحاطة بتاريخ حياته ( عليه السلام ) من الصعوبة بمكان .
ويقول ابن النديم أيضاً : كان جابر بن حيَّان رياضياً ، وفيلسوفاً ، وكيميائياً ، وعالماً بالفلك ، وطبيباً ، له مؤلفات في المنطق ، والفلسفة ، وعلم الباطن ، وغَالى بعضهم فَنَسب إليه اختراع الجبر .
إن هذه الثقافة الموسوعية يصفها جابر في أنه تلقَّاها من سيده الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ، ويردُّها جميعها إلى مُلهِمِه الذي يطلق عليه اسم ( معدن الحكمة ) .
ومن الواضح أنَّ جابر ين حيَّان لم يكن الوحيد الذي تَتَلمذ على يد الإمام الصادق (عليه السلام ) ، فهناك العديد من العلماء ، والفقهاء ، وأصحاب المذاهب ، انتسبوا إلى مدرسته ( عليه السلام ) ، ودرسوا على يده الفقه ، والحديث ، وعلم
الكلام ، والمنطق ، والفلسفة ، واللغة ، والآداب .
والفضل كل الفضل لهذا المُعلِّم الحكيم ، الذي كرَّس حياته لخدمة الإسلام دون تمييزٍ بين فِرَقِه ، وطوائفه ، ومذاهبه .
ركّز الإمام (عليه السلام) في حركته على تمتين وتقوية الأصول والجذور الفكرية والعلمية مع أخذ دوره الرسالي كمعصوم من ال بيت النبوّة
الحركة الفكرية في عصر الإمام (عليه السلام):
ظهرت في تلك الحقبة حركة علمية غير عادية وتهيّأت الأرضية لأن يعرض كل إنسان حصيلة ما يملك من أفكار. ودخلت المجتمع الإسلامي أعراق غريبة وملل مختلفة مما جعل الساحة الإسلامية مشرّعة لتبادل الأفكار والتفاعل مع الأمم والحضارات الأخرى. وتمخضت الحركة الفكرية والنشاط العلمي الواسع عن مذاهب فلسفية متعددة وتفسيرات فقهية مختلفة ومدارس كلامية متأرجحة بين التطرف والاعتدال وظهر الزنادقة والملاحدة في مكّة والمدينة، وانتشرت فرق الصوفية في البلاد، وتوزّع الناس بين أشاعرة ومعتزلة وقدرية وجبرية وخوارج...
جامعة أهل البيت (عليهم السلام):
فجر الإمام الصادق (عليه السلام) ينابيع العلم والحكمة في الأرض وفتح للناس أبواباً من العلوم لم يعهدوها من قبل وقد ملأ الدنيا بعلمه\" كما يقول الجاحظ، وانصبّت اهتمامات الامام (عليه السلام) على إعداد قيادات واعية ودعاة مخلصين يحملون رسالة الإسلام المحمدي الأصيل إلى جميع الحواضر الإسلامية مرشدين ومعلّمين في سبيل نشر مفاهيم العقيدة وأحكام الشريعة وذلك من خلال توسيع نشاط جامعة أهل البيت التي أسس نواتها الامام الباقر (عليه السلام)، كما تركزت الجهود العلمية في مختلف الاختصاصات من فلسفة وعلم الكلام والطب والرياضيات والكيمياء بالاضافة الى وضع القواعد والأصول الاجتهادية والفقهية كركيزة متينة للتشريع الإسلامي تضمن بقاءه واستمراره. ومواجهة خطر الزنادقة والملاحدة بأسلوب مرن وهدوء رسالي رصين أدحض بها حججهم وفنّد ارائهم وأثار في نفوسهم الثقة والاحترام له. وعلى رأس هؤلاء الزنادقة: ابن المقفع وابن ابي العوجاء والديصاني كما تصدّى (عليه السلام) للوضاعّين وأكاذيبهم ونبّه على دورهم الخطير في تشويه الإسلام وشدّد على طرح الأحاديث التي لا تتوافق مع الكتاب والسنّة. وقد اشتهر من طلابه علماء أفذاذ في مختلف العلوم والفنون منهم المفضل بن عمرو وهشام بن الحكم ومحمد بن مسلم وجابر بن حيان وعبد الله بن سنان، كما نهل من علومه مالك بن أنس وشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة ونقل عنه عدد كبير من العلماء أمثال أبي يزيد ومالك والشافعي والبسطامي وابراهيم بن أدهم ومالك بن دينار وأبي عيينة ومحمد بن الحسن الشيباني. وقد بلغ مجموعة تلامذته أربعة الاف تلميذ،
والإمام المعصوم تتوافر له شروط لا تتوافر لغيره منها انه:
1- يتمتع بالعلم الواسع.
2- مطلع على روح وجسم الإنسان ومسائله النفسية.
3- محيط بتاريخ المجتمع البشري.
4- يتمتع بمعرفة العلم المستقبلي ((المغيبات))
- الإمام الصادق وعلم اللغات:
تعتبر اللغة من مرتكزات الثقافات العالمية، فهي طريق التواصل بين الشعوب،وقد قيل في المثل ((اعرف لغة عدوك تأمن شره))، والأمام الصادق عليه السلام ولا غرو رائد في هذا المجال، وكيف لا وهو ينحدر من بيت علم وفضل ((كبيرهم لا يقاس وصغيرهم جمرة لا تداس))، وقد كان والده الامام الباقر عليه السلام عارفاً باللغات العبرية والسريانية....
وإمامنا الصادق عليه السلام قد أتقن جميع اللغات، فقد كان يعرف النبطية والصقلبية والحبشية ويتحدث بها بطلاقة تامة !!!
معرفته عليه السلام باللغة الفارسية:
لقد برع الإمام الصادق عليه السلام، في هضم جميع اللغات وصار يتحدث بها بكل طلاقة، والإمام هو حجة الله على العباد فلابد بل من الواجب عليه، أن يتقن جميع لغات البشر وغير البشر لأنه الإمام المكلف بتوصيل الأحكام الإلهية للناس، فيجب أن يتصل به الناس من غير حجب ولا موانع، ومعرفته عليه السلام بجميع اللغات تؤهله لهذا المنصب الرفيع...
فقد روي في بصائر الدرجات، أنه دخل على أبي عبد الله عليه السلام قوم من أهل خراسان فقال ابتداءً ((من جمع مالا يحرسه، عذبه الله على مقداره)) فقالوا بالفارسية ((لا نفهم العربية)) فقال عليه السلام لهم ((هركه درم اندوزد جزايش ذوزخ باشد))؟؟؟
وبذلك أوضح عليه السلام ما استشكل على الإخوة، والذي منعهم من معرفته هو عدم نطقهم بلغة الضاد....
وعن أبي بصير أنه قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام وعنده رجل من أهل خراسان وهو يكلمه بلسان لا أفهمه ((الاختصاص))، وهذا الحديث يدل على الجلسات الخاصة بين الإمام سلام الله عليه وأناس لا ينطقون العربية.
2- معرفته عليه السلام بلغة الحيوان:
روى أبو بصير قال: جاء رجل إلى أبي عبد الله – عليه السلام – فسأله عن حق المؤمن فقال له ((تأتي ناحية أحد)) يقصد جبل احد، فخرج فإذا أبو عبد الله – عليه السلام – يصلي، ودابته قائمة، وإذا ذئب قد أقبل، فسارّ أبا عبد الله – عليه السلام – كما يسارّ الرّجل، ثم قال له: ((قد فعلت))، فقلت: جئت أسألك عن شيء فرأيت ما هو أعظم من مسألتي فقال:
((إن الذئب أخبرني أن زوجته بين الجبل وقد عسر عليها الولادة فادع الله تعالى لها أن يخلصها مما هي فيه، فقلت قد فعلت، على أن لا يسلّط أحداً من نسلكم على أحد من شيعتنا أبداً)).
فقلت: ما حق المؤمن على الله تعالى؟
قال: فلو قال للجبال ((أوّبي لأوّبت)) فأقبلت الجبال يتداك بعضها ببعض.
فقال أبو عبد الله – عليه السلام – ضربت لها مثلاً ليس إياك نعني ورجعت إلى مكانها. المصدر الثاقب في المناقب.
الإمام الصادق وعلم الطب:
يعتبر الإمام الصادق عليه السلام، أبو الطب ولا منازع له في ذلك فقد ألم إلمام تام بمسائل الطب، ووضع لكل داء دواء ولا نبالغ عندما نقول إن الإمام الصادق عليه السلام، قد اكتشف علاجات لكثير من الأمراض التي يعجز الطب في وقتنا الحاضر على علاجها، فقد عالج الإمام عليه السلام الكثير من الأمراض، وقدم النصائح الوقائية وقدم النموذج السليم لحياة سليمة، خالية من الأمراض والعلل بشرط ان تتبع النصائح بشكل سليم...
فقد روي عن محمد بن مسلم أنه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما وجدنا للحمى مثل الماء البارد وفي حديثا أخر: ((الحمّى من فيح جهنم فأطفؤها بالماء البارد. وسائل الشيعة
وقال عليه السلام ((أن لكل ثمرة سماً، فإذا أتيتم بها فامسكوها واغسلوها بالماء)) كتاب الأطعمة والاشربة.
ويعتبر الامام الصادق عليه السلام أول مشرّح لجسم الإنسان فهو العارف بكل دقائق الجسم البشري ولو لم يكن عارفاً لما شرحها بهذه الدقة !
وقد قدم الإمام عليه السلام حقائق لم تكن لتعرف إلا بعد مدة طويلة من الزمن فقد قدم الإمام عليه السلام حقيقة مهمة للغاية اعتبرت فيما بعد كنظرية عرفت بنظرية انتقال الأمراض عن طريق الضوء !
ويرجع الإمام عليه السلام السبب في بعض الأمراض إلى الضوء وليس البكتيريا أو الرائحة كما كان يعتقد.
ففي مدينة ((نوو- وو- سيبيرسك)) الواقعة في الاتحاد السوفيتي مركزً من أهم مراكز البحوث في العلوم الكيميائية والطبية. وقد استطاع هذا المركز أن يثبت للمرة الأولى بان هناك من الأمراض ما يشع ضوءا، وان هذا الضوء قادر في حد ذاته، ودون ميكروب أو فيروس، على إصابة الخلايا السليمة وإيقاع المرض بها.
الإمام الصادق ملهم الكيمياء:
تميزت مدرسة الإمام الصادق عليه السلام بتخريج أكثر من أربعة آلاف من العلماء، كل يقول حدثنا جعفر بن محمد عليه السلام، وقد تخرج من مدرسة الإمام عليه السلام علماء جهابذة، قدموا النظريات مستلهمينها من علم الإمام الصادق عليه السلام،ومن اؤلائك العلماء هشام بن الحكم المتوفى حوالي سنة (199هـ) صاحب نظرية جسمية الأعراض كاللون والطعم والرائحة، وقد أخذ ابراهيم بن سيّار النّظام المعتزلي هذه النظرية لما تتلمذ على هشام.
ولا ننسى جابر بن حيان وعبقريته في الكيمياء فهو خريج مدرسة الإمام الصادق عليه السلام لا بل جامعة الإمام الصادق عليه السلام وان شئت فقل أكثر.....
وقد برع في علم الكيمياء ودون ألف المصنفات، والتي بلغت خمسمائة رسالة من تقريرات الإمام في علمي الكيمياء والطب في ألف ورقة !
الإمام الصادق عليه السلام مكتشف الأكسجين:
تتكون كلمة الأوكسجين من مقطعين، فهي كلمة يونانية الأصل مركبة من مقطعين، أولهما (الحموضة) وثانيهما (المولد) فتعني الكلمة موّلد الحموضة، وقد اشتهر العالم الانجليزي جوزيف بريستلي، بأنه أول من اكتشف الأوكسجين.
ولكن الحقيقة التاريخية تشير إلى غير ذلك ؟
فالإمام الصادق عليه السلام اهتدى إلى الأوكسجين أو مولد الحموضة إلا انه عليه السلام، لم يأتي بذلك اللفظ وإنما أعطى الأساس.
فقد عّرف الإمام عليه السلام الهواء على انه ((مزيج من عناصر شتى يساعد بعضها على تنفس الكائنات الحية كما يساعد على الاحتراق))
والمتأمل اللبيب في قول الإمام الصادق عليه السلام، يلمس ما يرمز إليه الإمام عليه السلام في قوله ((يساعد بعضها على تنفس الكائنات الحية))
وما هو الذي يساعد على التنفس غير الأكسجين، إذ يحق لنا ان نقول ان الإمام الصادق عليه السلام قد سبق بريستلي (1733- 1804) في شرح الأكسجين قبل ان يهتدي بريستلي ومن بعده إلى الأكسجين واعتباره جزء من الهواء، وما استخدمه بريستلي ليس إلا تغير ألفاظ تفرضها تغير الحضارات.
الإمام الصادق وعلم البيئة:
((ان على الانسان الأ يلوث ما حوله لكي لا يجعل الحياة شاقة له ولغيره)) المصدر (الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب).
تلك هي مقولة إمامنا الصادق عليه الصلاة والسلام، التي تصلح ان تكون دستورا بيئيا ترجع إليها المنظمات البيئية في العالم، فالمتأمل في قوله عليه السلام يرى انه نافذ الفكر واسع الأفق سابقا لعصره بسنوات طويلة فهو عليه السلام يربط بين ما يفعله الإنسان من تلويث ببيئته وبين مصادر الشقاء والحرمان !!!
وتلويث البيئة لم تعرف في زمن الإمام عليه السلام، حتى يتحدث عنها بكل هذا الوضوح، فالعالم المعاصر لم يهتم بالبيئة إلا عندما دقت أجراس الخطر، وبدأ الشقاء الفعلي عندما تم إلقاء القنبلة الذرية على المدينتين اليابانيتين، خلال الحرب العالمية الثانية، حيث ما زلنا نلمس أثارها المدمرة والمستمرة إلى يومنا هذا ..
ناهيك عن المصانع الضخمة في أوروبا وأمريكا، ودورهما في تلويث مياه الأنهار والبيئة، وتملص الولايات المتحدة الأمريكية من التوقيع على اتفاقيات البيئة العالمية، وخير مثال اتفاقية (كيوتو) للحد من انبعاث الغازات التي تؤدي للإحترار الكوني.
لقد خص الباري سبحانه وتعالى العترة من آل الرسول الأعظم نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله) بجملة كبيرة من الخصائص والمزايا الفريدة التي تميزهم عن غيرهم من سائر بني البشر بل وحتى عن الكثير ممن خصهم تعالى بدرجات الرسل والأولياء والصالحين.
ومن بين مفردات جملة الخصائص والمزايا لأهل البيت عليهم السلام هو أن منحهم ميزة العصمة وجعلهم منابيع الحكمة ومواطن العلم ومدارس المعرفة والتربية ومراجع الحكم والاحتكام التي تحتاجهم الامة وسائر الناس في تشخيص الحقائق وكل ما يتصل بشؤون الحياة الدنيا وعما يرتبط فيها وما بعدها.
ولا غرابة في ذلك حين نرى القرآن الكريم يثبت هذه الحقيقة في الكثير من موارد السور والآيات الشريفة ومنها قوله تعالى: (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، فيما الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله يوصي أمته في حديث الثقلين المعروف ضرورة التمسك بكتاب الله وعترته من أهل بيته باعتبارهم المصدر الأصيل للرسالة السماوية والسنة الشريفةوالامام جعفر الاصادق عليه السلام هو واحد من الشموع المحمدية المنيرة التي ملئت بأشعاعاتها الفكرية والعلمية ساحات الحياة الانسانية والحضارات العامرة.
يُعتبر الإمام الصادق (عليه السلام) صاحب مدرسة فكرية كبرى، كان لها وجود عالمي ، وفضل كبير على الإسلام .
فالإمام الصادق ( عليه السلام ) طلب الحكمة ، وسعى لاكتشاف أسرارها، وغاص في عميق معانيها ، وفجَّر الينابيع بطاقة العقل ، وصفاء النفس ، وأخذ بيد الإنسان وقاده إلى مناهل المعرفة ، بكلِّ ما فيها من عمق وشمول .
تطبّع الإمام الصادق (عليه السلام)
بصفات الفضل ، ومحبة العلم ، وتعلَّم من جَدِّه ( صلى الله عليه وآله ) أن يُطعِم حتى لا يبقى لعياله طعاماً ، وأن يكسو حتى لا تبقى لهم كسوة .
وإن إحصاء فضله (عليه السلام) ، وسعة علمه ، وآفاق فكره ، وعبقريته ، ضَرْبٌ من المستحيل ، كما أنَّ الإحاطة بتاريخ حياته ( عليه السلام ) من الصعوبة بمكان .
ويقول ابن النديم أيضاً : كان جابر بن حيَّان رياضياً ، وفيلسوفاً ، وكيميائياً ، وعالماً بالفلك ، وطبيباً ، له مؤلفات في المنطق ، والفلسفة ، وعلم الباطن ، وغَالى بعضهم فَنَسب إليه اختراع الجبر .
إن هذه الثقافة الموسوعية يصفها جابر في أنه تلقَّاها من سيده الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ، ويردُّها جميعها إلى مُلهِمِه الذي يطلق عليه اسم ( معدن الحكمة ) .
ومن الواضح أنَّ جابر ين حيَّان لم يكن الوحيد الذي تَتَلمذ على يد الإمام الصادق (عليه السلام ) ، فهناك العديد من العلماء ، والفقهاء ، وأصحاب المذاهب ، انتسبوا إلى مدرسته ( عليه السلام ) ، ودرسوا على يده الفقه ، والحديث ، وعلم
الكلام ، والمنطق ، والفلسفة ، واللغة ، والآداب .
والفضل كل الفضل لهذا المُعلِّم الحكيم ، الذي كرَّس حياته لخدمة الإسلام دون تمييزٍ بين فِرَقِه ، وطوائفه ، ومذاهبه .
ركّز الإمام (عليه السلام) في حركته على تمتين وتقوية الأصول والجذور الفكرية والعلمية مع أخذ دوره الرسالي كمعصوم من ال بيت النبوّة
الحركة الفكرية في عصر الإمام (عليه السلام):
ظهرت في تلك الحقبة حركة علمية غير عادية وتهيّأت الأرضية لأن يعرض كل إنسان حصيلة ما يملك من أفكار. ودخلت المجتمع الإسلامي أعراق غريبة وملل مختلفة مما جعل الساحة الإسلامية مشرّعة لتبادل الأفكار والتفاعل مع الأمم والحضارات الأخرى. وتمخضت الحركة الفكرية والنشاط العلمي الواسع عن مذاهب فلسفية متعددة وتفسيرات فقهية مختلفة ومدارس كلامية متأرجحة بين التطرف والاعتدال وظهر الزنادقة والملاحدة في مكّة والمدينة، وانتشرت فرق الصوفية في البلاد، وتوزّع الناس بين أشاعرة ومعتزلة وقدرية وجبرية وخوارج...
جامعة أهل البيت (عليهم السلام):
فجر الإمام الصادق (عليه السلام) ينابيع العلم والحكمة في الأرض وفتح للناس أبواباً من العلوم لم يعهدوها من قبل وقد ملأ الدنيا بعلمه\" كما يقول الجاحظ، وانصبّت اهتمامات الامام (عليه السلام) على إعداد قيادات واعية ودعاة مخلصين يحملون رسالة الإسلام المحمدي الأصيل إلى جميع الحواضر الإسلامية مرشدين ومعلّمين في سبيل نشر مفاهيم العقيدة وأحكام الشريعة وذلك من خلال توسيع نشاط جامعة أهل البيت التي أسس نواتها الامام الباقر (عليه السلام)، كما تركزت الجهود العلمية في مختلف الاختصاصات من فلسفة وعلم الكلام والطب والرياضيات والكيمياء بالاضافة الى وضع القواعد والأصول الاجتهادية والفقهية كركيزة متينة للتشريع الإسلامي تضمن بقاءه واستمراره. ومواجهة خطر الزنادقة والملاحدة بأسلوب مرن وهدوء رسالي رصين أدحض بها حججهم وفنّد ارائهم وأثار في نفوسهم الثقة والاحترام له. وعلى رأس هؤلاء الزنادقة: ابن المقفع وابن ابي العوجاء والديصاني كما تصدّى (عليه السلام) للوضاعّين وأكاذيبهم ونبّه على دورهم الخطير في تشويه الإسلام وشدّد على طرح الأحاديث التي لا تتوافق مع الكتاب والسنّة. وقد اشتهر من طلابه علماء أفذاذ في مختلف العلوم والفنون منهم المفضل بن عمرو وهشام بن الحكم ومحمد بن مسلم وجابر بن حيان وعبد الله بن سنان، كما نهل من علومه مالك بن أنس وشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة ونقل عنه عدد كبير من العلماء أمثال أبي يزيد ومالك والشافعي والبسطامي وابراهيم بن أدهم ومالك بن دينار وأبي عيينة ومحمد بن الحسن الشيباني. وقد بلغ مجموعة تلامذته أربعة الاف تلميذ،
والإمام المعصوم تتوافر له شروط لا تتوافر لغيره منها انه:
1- يتمتع بالعلم الواسع.
2- مطلع على روح وجسم الإنسان ومسائله النفسية.
3- محيط بتاريخ المجتمع البشري.
4- يتمتع بمعرفة العلم المستقبلي ((المغيبات))
- الإمام الصادق وعلم اللغات:
تعتبر اللغة من مرتكزات الثقافات العالمية، فهي طريق التواصل بين الشعوب،وقد قيل في المثل ((اعرف لغة عدوك تأمن شره))، والأمام الصادق عليه السلام ولا غرو رائد في هذا المجال، وكيف لا وهو ينحدر من بيت علم وفضل ((كبيرهم لا يقاس وصغيرهم جمرة لا تداس))، وقد كان والده الامام الباقر عليه السلام عارفاً باللغات العبرية والسريانية....
وإمامنا الصادق عليه السلام قد أتقن جميع اللغات، فقد كان يعرف النبطية والصقلبية والحبشية ويتحدث بها بطلاقة تامة !!!
معرفته عليه السلام باللغة الفارسية:
لقد برع الإمام الصادق عليه السلام، في هضم جميع اللغات وصار يتحدث بها بكل طلاقة، والإمام هو حجة الله على العباد فلابد بل من الواجب عليه، أن يتقن جميع لغات البشر وغير البشر لأنه الإمام المكلف بتوصيل الأحكام الإلهية للناس، فيجب أن يتصل به الناس من غير حجب ولا موانع، ومعرفته عليه السلام بجميع اللغات تؤهله لهذا المنصب الرفيع...
فقد روي في بصائر الدرجات، أنه دخل على أبي عبد الله عليه السلام قوم من أهل خراسان فقال ابتداءً ((من جمع مالا يحرسه، عذبه الله على مقداره)) فقالوا بالفارسية ((لا نفهم العربية)) فقال عليه السلام لهم ((هركه درم اندوزد جزايش ذوزخ باشد))؟؟؟
وبذلك أوضح عليه السلام ما استشكل على الإخوة، والذي منعهم من معرفته هو عدم نطقهم بلغة الضاد....
وعن أبي بصير أنه قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام وعنده رجل من أهل خراسان وهو يكلمه بلسان لا أفهمه ((الاختصاص))، وهذا الحديث يدل على الجلسات الخاصة بين الإمام سلام الله عليه وأناس لا ينطقون العربية.
2- معرفته عليه السلام بلغة الحيوان:
روى أبو بصير قال: جاء رجل إلى أبي عبد الله – عليه السلام – فسأله عن حق المؤمن فقال له ((تأتي ناحية أحد)) يقصد جبل احد، فخرج فإذا أبو عبد الله – عليه السلام – يصلي، ودابته قائمة، وإذا ذئب قد أقبل، فسارّ أبا عبد الله – عليه السلام – كما يسارّ الرّجل، ثم قال له: ((قد فعلت))، فقلت: جئت أسألك عن شيء فرأيت ما هو أعظم من مسألتي فقال:
((إن الذئب أخبرني أن زوجته بين الجبل وقد عسر عليها الولادة فادع الله تعالى لها أن يخلصها مما هي فيه، فقلت قد فعلت، على أن لا يسلّط أحداً من نسلكم على أحد من شيعتنا أبداً)).
فقلت: ما حق المؤمن على الله تعالى؟
قال: فلو قال للجبال ((أوّبي لأوّبت)) فأقبلت الجبال يتداك بعضها ببعض.
فقال أبو عبد الله – عليه السلام – ضربت لها مثلاً ليس إياك نعني ورجعت إلى مكانها. المصدر الثاقب في المناقب.
الإمام الصادق وعلم الطب:
يعتبر الإمام الصادق عليه السلام، أبو الطب ولا منازع له في ذلك فقد ألم إلمام تام بمسائل الطب، ووضع لكل داء دواء ولا نبالغ عندما نقول إن الإمام الصادق عليه السلام، قد اكتشف علاجات لكثير من الأمراض التي يعجز الطب في وقتنا الحاضر على علاجها، فقد عالج الإمام عليه السلام الكثير من الأمراض، وقدم النصائح الوقائية وقدم النموذج السليم لحياة سليمة، خالية من الأمراض والعلل بشرط ان تتبع النصائح بشكل سليم...
فقد روي عن محمد بن مسلم أنه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما وجدنا للحمى مثل الماء البارد وفي حديثا أخر: ((الحمّى من فيح جهنم فأطفؤها بالماء البارد. وسائل الشيعة
وقال عليه السلام ((أن لكل ثمرة سماً، فإذا أتيتم بها فامسكوها واغسلوها بالماء)) كتاب الأطعمة والاشربة.
ويعتبر الامام الصادق عليه السلام أول مشرّح لجسم الإنسان فهو العارف بكل دقائق الجسم البشري ولو لم يكن عارفاً لما شرحها بهذه الدقة !
وقد قدم الإمام عليه السلام حقائق لم تكن لتعرف إلا بعد مدة طويلة من الزمن فقد قدم الإمام عليه السلام حقيقة مهمة للغاية اعتبرت فيما بعد كنظرية عرفت بنظرية انتقال الأمراض عن طريق الضوء !
ويرجع الإمام عليه السلام السبب في بعض الأمراض إلى الضوء وليس البكتيريا أو الرائحة كما كان يعتقد.
ففي مدينة ((نوو- وو- سيبيرسك)) الواقعة في الاتحاد السوفيتي مركزً من أهم مراكز البحوث في العلوم الكيميائية والطبية. وقد استطاع هذا المركز أن يثبت للمرة الأولى بان هناك من الأمراض ما يشع ضوءا، وان هذا الضوء قادر في حد ذاته، ودون ميكروب أو فيروس، على إصابة الخلايا السليمة وإيقاع المرض بها.
الإمام الصادق ملهم الكيمياء:
تميزت مدرسة الإمام الصادق عليه السلام بتخريج أكثر من أربعة آلاف من العلماء، كل يقول حدثنا جعفر بن محمد عليه السلام، وقد تخرج من مدرسة الإمام عليه السلام علماء جهابذة، قدموا النظريات مستلهمينها من علم الإمام الصادق عليه السلام،ومن اؤلائك العلماء هشام بن الحكم المتوفى حوالي سنة (199هـ) صاحب نظرية جسمية الأعراض كاللون والطعم والرائحة، وقد أخذ ابراهيم بن سيّار النّظام المعتزلي هذه النظرية لما تتلمذ على هشام.
ولا ننسى جابر بن حيان وعبقريته في الكيمياء فهو خريج مدرسة الإمام الصادق عليه السلام لا بل جامعة الإمام الصادق عليه السلام وان شئت فقل أكثر.....
وقد برع في علم الكيمياء ودون ألف المصنفات، والتي بلغت خمسمائة رسالة من تقريرات الإمام في علمي الكيمياء والطب في ألف ورقة !
الإمام الصادق عليه السلام مكتشف الأكسجين:
تتكون كلمة الأوكسجين من مقطعين، فهي كلمة يونانية الأصل مركبة من مقطعين، أولهما (الحموضة) وثانيهما (المولد) فتعني الكلمة موّلد الحموضة، وقد اشتهر العالم الانجليزي جوزيف بريستلي، بأنه أول من اكتشف الأوكسجين.
ولكن الحقيقة التاريخية تشير إلى غير ذلك ؟
فالإمام الصادق عليه السلام اهتدى إلى الأوكسجين أو مولد الحموضة إلا انه عليه السلام، لم يأتي بذلك اللفظ وإنما أعطى الأساس.
فقد عّرف الإمام عليه السلام الهواء على انه ((مزيج من عناصر شتى يساعد بعضها على تنفس الكائنات الحية كما يساعد على الاحتراق))
والمتأمل اللبيب في قول الإمام الصادق عليه السلام، يلمس ما يرمز إليه الإمام عليه السلام في قوله ((يساعد بعضها على تنفس الكائنات الحية))
وما هو الذي يساعد على التنفس غير الأكسجين، إذ يحق لنا ان نقول ان الإمام الصادق عليه السلام قد سبق بريستلي (1733- 1804) في شرح الأكسجين قبل ان يهتدي بريستلي ومن بعده إلى الأكسجين واعتباره جزء من الهواء، وما استخدمه بريستلي ليس إلا تغير ألفاظ تفرضها تغير الحضارات.
الإمام الصادق وعلم البيئة:
((ان على الانسان الأ يلوث ما حوله لكي لا يجعل الحياة شاقة له ولغيره)) المصدر (الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب).
تلك هي مقولة إمامنا الصادق عليه الصلاة والسلام، التي تصلح ان تكون دستورا بيئيا ترجع إليها المنظمات البيئية في العالم، فالمتأمل في قوله عليه السلام يرى انه نافذ الفكر واسع الأفق سابقا لعصره بسنوات طويلة فهو عليه السلام يربط بين ما يفعله الإنسان من تلويث ببيئته وبين مصادر الشقاء والحرمان !!!
وتلويث البيئة لم تعرف في زمن الإمام عليه السلام، حتى يتحدث عنها بكل هذا الوضوح، فالعالم المعاصر لم يهتم بالبيئة إلا عندما دقت أجراس الخطر، وبدأ الشقاء الفعلي عندما تم إلقاء القنبلة الذرية على المدينتين اليابانيتين، خلال الحرب العالمية الثانية، حيث ما زلنا نلمس أثارها المدمرة والمستمرة إلى يومنا هذا ..
ناهيك عن المصانع الضخمة في أوروبا وأمريكا، ودورهما في تلويث مياه الأنهار والبيئة، وتملص الولايات المتحدة الأمريكية من التوقيع على اتفاقيات البيئة العالمية، وخير مثال اتفاقية (كيوتو) للحد من انبعاث الغازات التي تؤدي للإحترار الكوني.
تعليق