بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على اعدائهم اجمعين الى قيام يوم الدين.
الاسرة اللبنة الاساس في بناء المجتمع الصالح والمخرِّجة للأجيال الصاعدة بقادتها وزعمائها وعلمائها ومفكريها ومجاهديها وعمالها وموظفيها، وبالنتيجة فإن الاسرة الصالحة تولد المجتمع الصالح وبالعكس، وكذا ينبغي للاسرة باعتبارها الارض الخصبة لإنبات رجال الغد أن تهدف الى انبات ابناءها نباتاً حسناً قال تعالى (وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً) آل عمران 37. فكانت مريم العذراء تلك الارض الخصبة الطيبة والطاهرة لاخراج عظيم من عظماء الانسانية عيسى بن مريم عليه السلام.
ومن هنا يأتي السؤال كيف يمكن للأسرة تربية نشأ واخراج قادة وعظماء.
اللبنة الاولى:
مشروع بناء الاسرة يكون بين طرفين الزوج والزوجة يحددان الهدف ويضعان الستراتيجية اللازمة لذلك الهدف بل نستطيع القول هو عقد بناء وايجار آلية اخراج العظماء أو مضادهم او قادة الخير او الضلال وفق ما يتبناه المؤسسون ويطمحون له ويضحون من اجله فالغاية واضحة والهدف محدد والصعوبات تجابه بوعي الزوجين وطموحهما وصبرهما وجهادهما نحو تحقيق الهدف المنشود، ومن الامثلة الجلية الواضحة في تاريخنا الاسلامي هو بيت علي وفاطمة سلام الله عليهما ذلك البيت الطاهر ذي المظهر البسيط بشكله واثاثه، العظيم في عطاءه، ولنلقي نظرة اجمالية على ذلك البيت وتلك الاسرة في استهلال تكونها وبداية تشكلها وسنلحظ ماتقدم وضوحاً لاغبار عليه، نقل ابن شهر آشوب في المناقب قال: وكان تجهيز علي عليه السلام داره: انتشار رمل لين، ونصب خشبة من حائط الى حائط للثياب، وبسط إهاب كبش، ومخدة ليف، وفي طبقات ابن سعد (باسناده) عن عون بن محمد بن علي بن ابي طالب، عن أمه ام جعفر، عن جدتها اسماء بنت عميس قالت: جُهزت جدتك فاطمة الى جدك علي عليه السلام وما كان حشو فراشهما ووسائد هما إلا الليف، ولقد اولم علي عليه السلام على فاطمة عليها السلام فما كانت وليمة في ذلك الزمان افضل من وليمته، دهن درعه عند يهودي بشطر شعير .
وفي سنن ابن ماجة: بإسناده عن عائشة وأمُ سلمه، قالتا: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نجهز فاطمة عليها السلام حتى ندخلها على علي عليه السلام، فعمدنا الى البيت، ففر شناه تراباً ليناً من اعراض البطحاء، ثم حشونا مرفقين ليفاً، فنفشناه بأيدينا، ثم أطعمنا تمراً وزبيباً وسقينا ماءاً عذباً، وعمدنا الى عود فعر ضناه في جانب البيت ليلقى عليه الثوب،ويعلق عليه السقاء، فما رأينا عرساً احسن من عرس فاطمة عليها السلام.
تحديد الهدف:
كان تحديد الاهداف في زواج علي عليه السلام من سيدة النساء عليها السلام امر مفروغ منه ويأتي في مقدمتها ايجاد الامتداد الطبيعي للرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم وامير المؤمنين أي ايجاد الإمامة بمصاديقها ومن ثم انشاء اجيال مدافعة عن الحق ومحافظة على رسالة الاسلام ومبادئ السماء، فبعد ان اوجد الرسول الاعظم بجهاده ومساندة وزيره امير المؤمنين والنخبة الخيرة من المجاهدين الدولة الاسلامية الفتية، كان لابد من ايجاد وسائل المحافظة عليها واخراج عظماء مصلحين وعلماء ربانيين ائمة مهديين قادرين على خلق التوازن ومواجهة الأسر التي انتجت ائمة ضلال ونفاق ورجال انحراف ومحادات عن الصراط المستقيم ولو نظرنا تفحصاً حال تكون تلك الأسر لعلمنا كيف انتجت ائمة الكفر و الظلال اذاً فبعد ان حُدد الهدف ووضعت استراتيجية لذلك وآلية العمل في ذلك البيت المبارك حيث قرر في اول يومٍ ان يكون العمل داخل البيت من نصيب الزهراء سيدة النساء وكل ما في خارج البيت من واجب علي عليه السلام الا انا نجد مساعدة من قبل احدهما للآخر فتصبر فاطمة ان لم تجد ما تتقوت به ويساعد علي فاطمة في بعض شؤون البيت، ليتفرغ الاثنان الزوجان ليلاً الى عبادة الله ودوام ذكره سبحانه وتعالى وإيجاد جو إيماني خلّاب وبيئة ملائمة لتنشأة ذرية طيبة قادة الامم وائمة الحق.
الوالد القدوة:
قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)الاحزاب:31، فالقرآن العظيم امرنا وعلينا الامتثال في اتخاذ الرسول اسوة وقدوة وبالتالي عملياً يجب على المسلمين او المكلفين مراقبة الرسول ومتابعته في سنته وامتثال اخلاقه وتصرفاته، بل الواجب باعتبار الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم الأب للامة بأكملها قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ياعلي انا وانت ابوا هذه الامة).
وهكذا كان امير المؤمنين متابعاً لرسول الله وحاذٍ حذوه في كل شيء فكان القدوة الصالحة للامة بشكل عام ولأسرته على وجه الخصوص يحذون حذوه ويراقبون اقواله وتصرفاته وبالتالي فإن الاولاد وكما هو معروف لدى المتخصصين في التربية وبناء الاسرة يتخذون الوالدين قدوة واسوة لهما وقد ذكر المفسرون في قوله تعالى (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً،وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) الانسان:8، ان سبب النزول ان الحسن والحسين عليهما السلام مرضا فعاد هما جدهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعادهما المسلمون، فقالوا: ياأبا الحسن لونذرت على ولدك نذراً، فقال امير المؤمنين علي عليه السلام: ان برئا مما بهما صمت لله عز وجل ثلاثة أيام شكراً، وقالت فاطمة عليها السلام كذلك، وقالت فضة جاريتها كذلك، فإلبس الحسن والحسين عليهما لسلام العافية، وليس عند آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم قليل ولا كثير،فانطلق امير المؤمنين عليه السلام الى شمعون الخيبري فاستقرض منه ثلاثة أصوع من شعير فجاء بها فوضعها، فقامت سيدة النساء الى صاع فطحنته واختبزته وصلى امير المؤمنين عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب فقال السلام عليكم اهل بيت محمد، مسكين من اولاد المسلمين اطعموني أطعمكم الله عزوجل على موائد الجنة، فسمعه علي عليه السلام فأمرهم فاعطوه حصته من الطعام وكذلك فعلت الصديقة الكبرى وكذا فعل الحسن والحسين عليهما السلام وتكرر الامر ثلاث مرات الاول مع المسكين واليوم الثاني مع يتيم وفي اليوم الثالث مع اسير، فمكثوا ثلاثة ايام ولياليها لم يذوقوا الا الماء، فاتاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأى مابهم من الجوع فأنزل الله تعالى(هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَذْكُوراً) الانسان 1، وكذلك ذكر الواحدي في أسباب النزول ص331 القصة المتقدمة وذكر صاحب الكشاف القصة روياً عن ابن عباس.
استفادة:
والقصة المتقدمة كثيرة العبر والدروس في الايثار وتقديم رضا الله على رضا النفس وتطهيرها أي النفس من شوائب الاخلاق وتهذيبها رغم انهم صلوات الله عليهم معصومون مطهرون الا انهم ابو إلا ضرب اروع الأمثلة للناس لعلهم يتفكرون ويرون الحق في من اكتفى من دنياه بتمريه ومن عيشه بقرصية، وكذا نرى اقتداء الاسرة العلوية المحمدية بامير المؤمنين عليه السلام فكان الاب القدوة، تلك الاسرة خرَّجت من القادة العظماء مالا حصرله عدد جم كثير ابرزهم قادتهم المعصومين سلام الله عليهم، الذين اوصوا ببناء أسر قائمة على التقوى ومبنية على الايمان.
كما وكان لتلك القصة درس لنا في التحمل، والصبر ذلك الصبر الذي نشأت عليه ذرية علي وفاطمة سلام الله عليهما لتضرب لنا تلك الذرية اروع امثلة الثبات على العقيدة والمبدأ والتحمل في ذات الله سبحانه في واقعة الطف التاريخية وغيرها من الحوادث والوقائع.
صراع على المبدأ:
ما بني بيت في الاسلام كبيت علي وفاطمة سلام الله علييهما في الايمان والشرف والتقوى والذرية الطيبة المباركة التي تغذَّت المبدأ ونشأت على العقيدة الحقة واضحت المحامية والمدافعة عن الاسلام الحنيف والمذهب الحق، وفي المقابل نشأت وكما قلنا اسر انتجت ائمة ضلال وذرية تغذَّت على الجاهلية مبدأً وعلى ثقافتها ووحشيتها سلوكاً، فكان العداء بين الثقافتين والأطروحتين، اكتشف الاعداء ان السر يقع في بيتٍ أسس بأمر الله ومباركة الرسول، فكان الهجوم على بيت فاطمة سلام الله عليها في محاولة لاطفاء مصدر النور، (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون) التوبة:32، ذلك البيت الذي اصبح مقدساً لدى المؤمنين والمسلمين والصلاة فيه كما ففي بعض الروايات افضل من الصلاة في الروضة، في الكافي: محمد بن يحي، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن يونس بن يعقوب قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: الصلاة في بيت فاطمة عليها لسلام أفضل او في الروضة؟ قال في بيت فاطمة، وكذلك عن الكافي:عدة من اصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ايوب بن نوح، عن صفوان وابن ابي عمير، وغير واحد، عن جميل بن دراج قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: الصلاة في بيت فاطمة عليها لسلام مثل الصلاة في الروضة؟ قال: وأفضل.
بيت علي وفاطمة من أفضل بيوت الانبياء:
روى الشيخ المجلسي عليه الرحمة عن انس بن مالك وعن بريدة قال: قرأ رسول الله فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) النور36، فقام رجل فقال: أي بيوت هذه يارسول الله؟ فقال بيوت الانبياء.
فقام اليه ابو بكر فقال: يا رسول الله هذا البيت منهما؟ واشار الى بيت علي وفاطمة عليهما السلام، قال نعم من افضلها.
اعتداء على مصدر النور:
من المعروف بل المشهور ماجرى على اهل هذا البيت المقدس من قبل مغتصبي الخلافة وقد امتلئت كتب التاريخ بذلك وهنا لا نود الحديث في مسألة الدار وحرقها بل سنورد ماجرى على البيت ذاته وموقعة من التهديم اثر توسعة المسجد النبوي الشريف حيث روى موسى بن جعفر بن ابي كثير قال: بينما الوليد يخطب على المنبر إذ انكشفت الكلة عن بيت فاطمة عليها السلام، وإذا حسن بن حسن يسرح لحيته، وهو يخطب على المنبر، فلما نزل أمر بهدم بيت فاطمة عليها لسلام.
قال يحى: وحدثني عبد الله بن محمد بن حسن بن حسن بن علي عليهما لسلام (مثله)، وزاد فيه:إن حسن بن حسن وفاطمة بنت الحسين أبو أن يخرجوا منه، فأرسل إليهم الوليد بن عبد الملك: إن لم تخرجوا منه هدمته عليكم، فأبوا أن يخرجوا فأمر بهدمه عليهم وهما فيه وولدهما، فنزع أساس البيت وهم فيه، فلما نزع أساس البيت قالو ا لهم: إن لم تخرجوا قوضناه عليكم، فخرجوا منه حتى أتو دار علي نهاراً.
وروى ابن زبالة، عن منصور مولى الحسن بن علي قال: كان الوليد بن عبد الملك يبعث كل عام رجلاً الى المدينة يأتيه بأخبار الناس وما يحدث بها، قال: فأتاه في عام من ذلك، فسأله، فقال: لقد رأيت أمراً لا والله مالك معه سلطان، ولا رأيت مثله قط، قال: وما هو؟
قال كنت في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا منزل عليه كلة، فلما اقيمت الصلاة رفعت الكلة وصلى صاحبه فيه بصلاة الإمام هو ومن معه، ثم أرخيت الكلة، واتي بالغداء فتغدى هو واصحابه، فلما أُقيمت الصلاة فعل مثل ذلك، وإذا هو يأخذ المرآة والكحل وأنا أنظر، فسألت، فقيل: إن هذا حسن بن حسن، قال: ويحك! فما أصنع هو بيته وبيت اُمه،فما الحيلة في ذلك؟
قال: تزيد في المسجد وتدخل هذا البيت فيه،
قال: فكتب إلى عمر بن العزيز يأمره بالزيادة في المسجد ويشتري هذا المنزل،
قال: فعرض عليهم أن يبتاع منهم فأبوا، وقال حسن:ـ والله ـ لا ناكل له ثمناً أبداً،
قال: وأعطاهم به سبعة آلاف دينار أو ثمانية، فأبوا،
فكتب إلى الوليد بن عبد الملك في ذلك، فأمره بهدمه وإدخاله، وطرح الثمن في البيت المال، ففعل وانتقلت منه فاطمة بيت حسين بن علي إلى موضع دارها بالحرة فابتنتها.
وبذلك دخل بيت علي وفاطمة سلام الله عليهما في المسجد النبوي ومحي أثره في محاولة لإمحاء آثار أولاد الأنبياء والأئمة الطاهرين المعصومين عليهم السلام.
تعليق