إن منشأ مشكلات مجتمعاتنا السفاهة ، وعلاج أمراضنا الفقاهة! فعندما يصير الشخص سفيهاً ، حتى لو كان معمماً ذا لحية عريضة ، فإن عيناه لاترى في الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء صاحبة المقام الرباني الذي لا ينال، سلام الله عليها، لا يرى فيها إلا أنها امرأة عادية! غاية الأمر أنها زوجة ناجحة وربة بيت موفقة، وأنها عابدة لربها وانتهى الأمر !!
فلو كان عنده فقاهة لعرف أنه لا يصح أن يقال لفاطمة إنها امرأة عادية ، بل يجب أن يقال لها (حوراء إنسية) فهذه هي العبارة التي تعرف شخصيتها !
لو كان فقيهاً لعرف أنها ليست امرأة كالنساء ، وأن النبي(ص)عندما عرج به الى الملأ الأعلى رأى الجنة مكتوباً على بابها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله ، عليٌّ حزب الله، والحسن والحسين صفوة الله، فاطمة خيرة الله! إن هذا الحديث لم يروه الشيعة فقط بل رواه السنة أيضاً ! ولا بد للفقيه أن يفهم لماذا يجب أن يفتتح ما كتب على باب الجنة بـ (لا إله إلا الله) ويختم باسم (فاطمة) ! هنا يتميز حد الفقاهة عن حد السفاهة !
والإنسان الذي يقول هذا الكلام لم يبلغ حد الرشد، وعندما يبلغه سيفهم أن فاطمة الزهراء(ع)موجودٌ أبلغ من كل تعبيرنا ، وأن عباراتنا بطبيعتها مفصلة لمعان تبقى قاصرة عن قمة وجود فاطمة الزهراء(ع)، ويفهم معنى اختيار الله اسم فاطمة لها: لأن الناس فطموا عن معرفتها !!
في هذا اليوم نتعرض لرواية واحدة، ونلفتكم جميعاً الى أن أوجب الواجبات عليكم فرداً فرداً أن تعملوا بكل طاقاتكم الفكرية لكي تكونوا علماء فقهاء، في الدين، في أصول الدين، في معرفةالنبي وأهل بيته الطاهرين (ص)،وتنجوا الناس من هذه الضلالات والفتنةالتي أثارها في هذا الزمن بعض المعممين بمساندة جهات ضالة وكافرة، محاولاً التشكيك في أصول المذهب ومبانيه المحكمة
الرواية التي نتكلم حولها اليوم لها أصل في مصادر التفسير السنية والحديثية والتاريخية ، كتفسير السيوطي، ومستدرك الحاكم، والخطيب البغدادي، ولكن هذه المصادر لا تهمنا، والمهم هو الرواية الصحيحة السند التي يعتمد على رجال سندها في الفتوى في مهمات الأحكام الشرعية، وهي عن الإمام الصادق(ع)(كان رسول الله يكثر تقبيل فاطمة فعاتبته عائشة وقالت يارسول الله إنك تكثر من تقبيل فاطمة فقال(ص)إنه لما عرج بي الى السماء مر بي جبرئيل على شجرة طوبى، وناولني من ثمرها فأكلته، فحول الله ذلك ماء الى ظهري، فلما هبطت الى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، فما قبلتها إلا وجدت رائحة شجرة طوبى منها!) (المحتضر للحلي ص135، وفي المناقب:3/114: (فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي) انتهى
لقد عرج بالنبي(ص)الى الملأ الأعلى مرات عديدة ، كما ثبت في محله ، وفي تلك المرة أخذ بيده جبرئيل فأدخله الجنة ، وأخذه الى شجرة طوبى! وقد ورد وصف طوبى في مصادر السنيين بأنه لم يُرَ أحسن من ورقها ، ولا أطيب من ثمرها ! وقد سميت في القرآن (طوبى) وهي مصدر من طاب ، وتسميتها من حمل المصدر على الذات ، والروايات في عظمة هذه الشجرة وأنها الأولى في الجنة والأكبر ، كثيرة في مصادرنا ومصادر غيرنا ، ونحن في غنى عن بحث دلالتها وسندها
ولشجرة طوبى ميزات منها أن جذعها في بيت النبي(ص)، وأن الله تعالى غرسها بيده ، كناية عن أن ملائكة الله بمن فيهم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، لايصلون الى مستوى غرسها !
إن فقه الحديث يكمن في فهم كلماته فتأملوا فيها: تربة شجرة طوبى ومغرسها في بيت الشخص الأول في الوجود(ص) ويجري من تحتها ثلاث عيون: السلسبيل ، والتسنيم ، والمعين وفي أملاك كل مؤمن غصن منها ، هو أعز عليه من كل ما يملك في الجنة ، لأنه مميز بثماره ، وطيوره ، وأنغام حفيف أوراقه، والثياب التي تنبت عليه كل ذلك فوق ما تشتهي الأنفس !
مر بي جبرئيل على شجرة طوبى وناولني من ثمرها، فأكلته فحول الله ذلك ماء الى ظهري ، فلما هبطت الى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ، فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي !
هنا لابد من استعمال أدوات الفقاهة، فالفقيه هو الذي يفهم العلاقة بين البدن والروح بمستوى ابتدائي، وقد بحث الشيخ الرئيس ابن سينا ، والخواجه نصير الدين الطوسي، وقطب الدين الشيرازي، والى حد ما الفخر الرازي ، بحثوا هذه المسألة الى الحد الإبتدائي، في ماهية الإرتباط بين الروح والجسد، والتأثير والتأثر ، والعلاقة الجدلية بينهم
إن خلق الزهراء(ع)من ثمرطوبى يفتح نافذة لفقهاءالبشر والمفكرين في إنسانية الإنسان، ويطرح عليهم سؤالاً: إذا أخذت نطفة بدن إنسان من ثمرة شجرة طوبى، فما هو البدن الذي يتكون من تلك النطفة ؟ ثم ما هي تلكم الروح التي صنعت لتحل فيه، والتي أكرمها الله أن يصل بدنها الى مرحلة: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ، (سورة الحجر: 29 ) ، والى أن يكتب الله تعالى على باب جنته: (فاطمة خيرة الله) ؟
ترى من كان بدنها كهذا البدن ، فما هو نوع روحها؟!
ماذا في تلك الروح ، وما هو مقصدها في الوجود ؟!
إن المصنع الإلهي قائم على الحكمة ، والصانع هو ذلك الحكيم الذي يدير كل منظومة الوجود التي لا يحدها الحس البشري، والذي هو اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ (سورة البقرة:255 ) ، وكل هذه العظمة والحكمة في عالم المادة، الذي لا يساوي بالنسبة الى بقية الوجود أكثر من حصوة المثانة، على حد تعبير المحقق السبزواري&
ذلك الحكيم سبحانه الذي يدير كل تلكم العوالم ، ما غرضه من خلق روح فاطمة الزهراء وبدنها؟! ما غرضه في أن يأخذ الإنسان الأول في الوجود الى شجرة طوبى التي تحدث عنها لعيسى في الإنجيل، وذكرها في القرآن فقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (سورة الرعد: 29)، ويطعمه من ثمرها فيتحول ثمرها الى نطفة في بدنه ، ثم يحل في رحم امرأة أعطت كل ما تملك لربها ، قالوا كانت تجمع ما عندها من حلي وزينة فيبلغ قامة الإنسان ولا يرى الواقف الى جنبه ! لكنها عندما حضرتها الوفاة قالت لرسول الله(ص)ليس عندي ثمن كفن، فأنزل الله تعالى لها كفناً مع جبرئيل(ع)!
أمٌّ كهذه ، وأبٌ كهذا ، وبدنٌ فاطمة من ثمار طوبى ، وروحها تلك الروح العليا فأي موجودة تكون فاطمة(ع)؟!
هذا كله ألف باء المطلب ، أما أوْجهُ وختامه فيحتاج الى فقيه حكيم قد استكمل أصول البحث العقلي والنقلي ، ليدرك نهاية هذا المسار !
وردت هذه الرواية بمضامين مختلفة في مصادر الخاصة والعامة: (خرج رسول الله(ص)وقد أخذ بيد فاطمة(ع)وقال: من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي الذي بين جنبيَّ ، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله جل وعلا )( المحتضر للحلي ص133، وشرح الأخبار:3/30ح970 ، ومناقب ابن شهر آشوب:3/332 وكتاب الأربعين للماحوزي ص316 ، عن الفصول المهمة ص146 ، واللمعة البيضاء للأنصاري ص59 ، عن كشف الغمة:2/94 والبحار:43/54 ح 48 )
أنظروا الى التعبير ، فمجلسنا والحمد لله يكفيه إلفات النظر، ما معنى أن يخرج النبي(ص)آخذاً بيد فاطمة(ع)؟!إن عمله هذا كعمله في حق عليٍّ يوم الغدير، حيث أصعد ذلك الرجل الفريد معه على المنبر، وأخذ بيده ورفعها !
وفي هذا اليوم عندما خرج آخذاً بيد فاطمة المرأة الفريدة في العالم، قال: من عرفها فقد عرفهاومن لم يعرفها فليعرفها !
لاحظوا كيف قدمها النبي(ص)الى الأمة ، وعرفهم مقامها درجةً درجة !
إن لكلامه(ص)في أنفس مستمعيه وقارئيه جاذبيةً خاصة منوعة ! في المرتبة الأولى قال: بضعةٌ مني لاحظوا كلمة (بضعة) ثم انتقل الى الأعلى الى المرتبة الثانية فقال: (وهي قلبي الذي بين جنبي)! وعندما يقول النبي (أنا) فالأنا هنا غير كلمة بدني، فالبدن مضاف وضمير المتكلم مضاف اليه هنا تعابير خاصة: بضعةٌ مني، وهي أبلغ من بضعة من بدني، وقلبي الذي بين جنبي غير قلبي، إنها قلب بين جنبي الشخص الذي (إنيته) مبدأ ومنشأ لكل الفضائل البشرية !
الشخص الذي قال وهو الصادق الأمين: (كنت نبياً وآدم بين الماء والطين) ! (المناقب لابن شهر آشوب :1/214 ، ونحوه في مسند أحمد بن حنبل:4/66 )
معنى أن فاطمة قلب إنسان بهذه الصفة ، أنه لو أخذت مني فاطمة فسأبقى بدناً بلا روح ! فالى أين وصلت الصديقة الزهراء(ع)حتى بلغت مقاماً كهذا ، وصارت قلباً بين جنبي علم وعمل ! فجنب النبي الأيمن علم ، والأيسر عمل!
علمٌ عنده تتلاشى كل علوم الأنبياء(ع)! وعملٌ عنده تتلاشى كل أعمال الأولياء!! والقلب الذي بين هذين الجنبين هو الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (ع)!! وهنا يتضح سر الحديث القدسي في النبي والعترة(ص):
(هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها ) !
سيدتي ، ما ذا فعلت حتى صرت المحور والقطب ؟!
سيدتي ، ما ذا فعلت حتى صرت قلب عالم الوجود ؟!
سيدتي ، حتى صرت في مقام قال عنك خاتم النبيين صلوات الله عليه: (من صلى على فاطمة فهو معي أينما كنت في الجنة) !
إن العمل الذي عملته لايعرف كنهه وقيمته إلا الله تعالى ومن هم خزائن أسرار الله تعالى فأنت تلك العظيمة التي يقول فيك الإمام الصادق(ع)لو حاول الناس جادين أن يعرفوا كنه فاطمة ما عرفوه: لأنهم فطموا عن معرفتها!
وهنا نصل الى مرحلة من كلام الإمام الصادق(ع): (اللهم إني أسألك بفاطمة وأبيها ، وبعلها وبنيها ) !
فكروا وتفهموا سر هذه الكلمات فالسؤال بفاطمة، وأب فاطمة، وبعل فاطمة، وأبناء فاطمة، وختام هذا الدعاءكلمة هي ختم الكلام: والسر المستودع فيها !!
في معراج النبي(ص)أخذوه الى شجرة طوبى، وقطفوا له من ثمرها ، وأطعموه منها ، ومن هذا الثمر انعقدت نطفة فاطمة ، وفي هذه النطفة وضعوا جوهر روح اختارها الله تعالى من أشرف ما في خزائنه من جواهر !!
المسألة هنا: والسر المستودع فيها، فأي سر هذا السر ، الذي كان لابد له من مقدمات ، معراج النبي(ص)، وأن يتناول من ثمار شجرة طوبى، ليتكون البدن الذي يكون محلاً لهذا السر ! هذا السر يحتاج الى فرصة أخرى لبيانه
إنها سرٌّ سر الله الأعظم فقد كان قلبها سراً
وما في ذلك القلب كان سر
ألمها كان سراً ، لونها كان سر
ما تحملته كان سر
قدرها كان سراً ، مقامها ما زال سر
سرٌَ في سر ، وحتى القبر التي حوى جثمانها كان سراً !
ماذا فعلت يا بنت رسول الله حتى صرت سر الله ؟!
والى أي مقام وصلت؟!
الذي أستطيع أن أقوله إن العمل الذي قامت بها فاطمة(ع) أحيت به قيم الأنبياء(ع)من آدم الى النبي الخاتم(ص)!
العمل الذي عملته به أحيت اسم الله تعالى أحيت كل حرمات الله تعالى
عندما يموت المؤمن أول تحفة يقدمونها له في الجنة أنهم يقولون له: كل
من شارك في تشييع جنازتك مغفور له وفاطمة تعرف ذلك ولذا قالت: يا علي لا تُعلم بموتي أحداً منهم !
هذا العمل وما أحدثه ، جدير بأن نفكر فيه كثيراً ، لنعرف ماذا حدث؟!
عندما غادر النبي الدنيا(ص)كانت فاطمة في كامل النشاط وغاية السلامة ، وبعد مضي خمس وسبعين يوماً لحقت به!
وفي الليلة التي غسلوا جثمانها قالوا إنها كانت من ضعفها كالخيال! وأن جسدها على المغتسل كان كالشبح!
فلو كان عنده فقاهة لعرف أنه لا يصح أن يقال لفاطمة إنها امرأة عادية ، بل يجب أن يقال لها (حوراء إنسية) فهذه هي العبارة التي تعرف شخصيتها !
لو كان فقيهاً لعرف أنها ليست امرأة كالنساء ، وأن النبي(ص)عندما عرج به الى الملأ الأعلى رأى الجنة مكتوباً على بابها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله ، عليٌّ حزب الله، والحسن والحسين صفوة الله، فاطمة خيرة الله! إن هذا الحديث لم يروه الشيعة فقط بل رواه السنة أيضاً ! ولا بد للفقيه أن يفهم لماذا يجب أن يفتتح ما كتب على باب الجنة بـ (لا إله إلا الله) ويختم باسم (فاطمة) ! هنا يتميز حد الفقاهة عن حد السفاهة !
والإنسان الذي يقول هذا الكلام لم يبلغ حد الرشد، وعندما يبلغه سيفهم أن فاطمة الزهراء(ع)موجودٌ أبلغ من كل تعبيرنا ، وأن عباراتنا بطبيعتها مفصلة لمعان تبقى قاصرة عن قمة وجود فاطمة الزهراء(ع)، ويفهم معنى اختيار الله اسم فاطمة لها: لأن الناس فطموا عن معرفتها !!
في هذا اليوم نتعرض لرواية واحدة، ونلفتكم جميعاً الى أن أوجب الواجبات عليكم فرداً فرداً أن تعملوا بكل طاقاتكم الفكرية لكي تكونوا علماء فقهاء، في الدين، في أصول الدين، في معرفةالنبي وأهل بيته الطاهرين (ص)،وتنجوا الناس من هذه الضلالات والفتنةالتي أثارها في هذا الزمن بعض المعممين بمساندة جهات ضالة وكافرة، محاولاً التشكيك في أصول المذهب ومبانيه المحكمة
الرواية التي نتكلم حولها اليوم لها أصل في مصادر التفسير السنية والحديثية والتاريخية ، كتفسير السيوطي، ومستدرك الحاكم، والخطيب البغدادي، ولكن هذه المصادر لا تهمنا، والمهم هو الرواية الصحيحة السند التي يعتمد على رجال سندها في الفتوى في مهمات الأحكام الشرعية، وهي عن الإمام الصادق(ع)(كان رسول الله يكثر تقبيل فاطمة فعاتبته عائشة وقالت يارسول الله إنك تكثر من تقبيل فاطمة فقال(ص)إنه لما عرج بي الى السماء مر بي جبرئيل على شجرة طوبى، وناولني من ثمرها فأكلته، فحول الله ذلك ماء الى ظهري، فلما هبطت الى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، فما قبلتها إلا وجدت رائحة شجرة طوبى منها!) (المحتضر للحلي ص135، وفي المناقب:3/114: (فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي) انتهى
لقد عرج بالنبي(ص)الى الملأ الأعلى مرات عديدة ، كما ثبت في محله ، وفي تلك المرة أخذ بيده جبرئيل فأدخله الجنة ، وأخذه الى شجرة طوبى! وقد ورد وصف طوبى في مصادر السنيين بأنه لم يُرَ أحسن من ورقها ، ولا أطيب من ثمرها ! وقد سميت في القرآن (طوبى) وهي مصدر من طاب ، وتسميتها من حمل المصدر على الذات ، والروايات في عظمة هذه الشجرة وأنها الأولى في الجنة والأكبر ، كثيرة في مصادرنا ومصادر غيرنا ، ونحن في غنى عن بحث دلالتها وسندها
ولشجرة طوبى ميزات منها أن جذعها في بيت النبي(ص)، وأن الله تعالى غرسها بيده ، كناية عن أن ملائكة الله بمن فيهم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، لايصلون الى مستوى غرسها !
إن فقه الحديث يكمن في فهم كلماته فتأملوا فيها: تربة شجرة طوبى ومغرسها في بيت الشخص الأول في الوجود(ص) ويجري من تحتها ثلاث عيون: السلسبيل ، والتسنيم ، والمعين وفي أملاك كل مؤمن غصن منها ، هو أعز عليه من كل ما يملك في الجنة ، لأنه مميز بثماره ، وطيوره ، وأنغام حفيف أوراقه، والثياب التي تنبت عليه كل ذلك فوق ما تشتهي الأنفس !
مر بي جبرئيل على شجرة طوبى وناولني من ثمرها، فأكلته فحول الله ذلك ماء الى ظهري ، فلما هبطت الى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ، فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي !
هنا لابد من استعمال أدوات الفقاهة، فالفقيه هو الذي يفهم العلاقة بين البدن والروح بمستوى ابتدائي، وقد بحث الشيخ الرئيس ابن سينا ، والخواجه نصير الدين الطوسي، وقطب الدين الشيرازي، والى حد ما الفخر الرازي ، بحثوا هذه المسألة الى الحد الإبتدائي، في ماهية الإرتباط بين الروح والجسد، والتأثير والتأثر ، والعلاقة الجدلية بينهم
إن خلق الزهراء(ع)من ثمرطوبى يفتح نافذة لفقهاءالبشر والمفكرين في إنسانية الإنسان، ويطرح عليهم سؤالاً: إذا أخذت نطفة بدن إنسان من ثمرة شجرة طوبى، فما هو البدن الذي يتكون من تلك النطفة ؟ ثم ما هي تلكم الروح التي صنعت لتحل فيه، والتي أكرمها الله أن يصل بدنها الى مرحلة: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ، (سورة الحجر: 29 ) ، والى أن يكتب الله تعالى على باب جنته: (فاطمة خيرة الله) ؟
ترى من كان بدنها كهذا البدن ، فما هو نوع روحها؟!
ماذا في تلك الروح ، وما هو مقصدها في الوجود ؟!
إن المصنع الإلهي قائم على الحكمة ، والصانع هو ذلك الحكيم الذي يدير كل منظومة الوجود التي لا يحدها الحس البشري، والذي هو اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ (سورة البقرة:255 ) ، وكل هذه العظمة والحكمة في عالم المادة، الذي لا يساوي بالنسبة الى بقية الوجود أكثر من حصوة المثانة، على حد تعبير المحقق السبزواري&
ذلك الحكيم سبحانه الذي يدير كل تلكم العوالم ، ما غرضه من خلق روح فاطمة الزهراء وبدنها؟! ما غرضه في أن يأخذ الإنسان الأول في الوجود الى شجرة طوبى التي تحدث عنها لعيسى في الإنجيل، وذكرها في القرآن فقال: الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (سورة الرعد: 29)، ويطعمه من ثمرها فيتحول ثمرها الى نطفة في بدنه ، ثم يحل في رحم امرأة أعطت كل ما تملك لربها ، قالوا كانت تجمع ما عندها من حلي وزينة فيبلغ قامة الإنسان ولا يرى الواقف الى جنبه ! لكنها عندما حضرتها الوفاة قالت لرسول الله(ص)ليس عندي ثمن كفن، فأنزل الله تعالى لها كفناً مع جبرئيل(ع)!
أمٌّ كهذه ، وأبٌ كهذا ، وبدنٌ فاطمة من ثمار طوبى ، وروحها تلك الروح العليا فأي موجودة تكون فاطمة(ع)؟!
هذا كله ألف باء المطلب ، أما أوْجهُ وختامه فيحتاج الى فقيه حكيم قد استكمل أصول البحث العقلي والنقلي ، ليدرك نهاية هذا المسار !
وردت هذه الرواية بمضامين مختلفة في مصادر الخاصة والعامة: (خرج رسول الله(ص)وقد أخذ بيد فاطمة(ع)وقال: من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي الذي بين جنبيَّ ، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله جل وعلا )( المحتضر للحلي ص133، وشرح الأخبار:3/30ح970 ، ومناقب ابن شهر آشوب:3/332 وكتاب الأربعين للماحوزي ص316 ، عن الفصول المهمة ص146 ، واللمعة البيضاء للأنصاري ص59 ، عن كشف الغمة:2/94 والبحار:43/54 ح 48 )
أنظروا الى التعبير ، فمجلسنا والحمد لله يكفيه إلفات النظر، ما معنى أن يخرج النبي(ص)آخذاً بيد فاطمة(ع)؟!إن عمله هذا كعمله في حق عليٍّ يوم الغدير، حيث أصعد ذلك الرجل الفريد معه على المنبر، وأخذ بيده ورفعها !
وفي هذا اليوم عندما خرج آخذاً بيد فاطمة المرأة الفريدة في العالم، قال: من عرفها فقد عرفهاومن لم يعرفها فليعرفها !
لاحظوا كيف قدمها النبي(ص)الى الأمة ، وعرفهم مقامها درجةً درجة !
إن لكلامه(ص)في أنفس مستمعيه وقارئيه جاذبيةً خاصة منوعة ! في المرتبة الأولى قال: بضعةٌ مني لاحظوا كلمة (بضعة) ثم انتقل الى الأعلى الى المرتبة الثانية فقال: (وهي قلبي الذي بين جنبي)! وعندما يقول النبي (أنا) فالأنا هنا غير كلمة بدني، فالبدن مضاف وضمير المتكلم مضاف اليه هنا تعابير خاصة: بضعةٌ مني، وهي أبلغ من بضعة من بدني، وقلبي الذي بين جنبي غير قلبي، إنها قلب بين جنبي الشخص الذي (إنيته) مبدأ ومنشأ لكل الفضائل البشرية !
الشخص الذي قال وهو الصادق الأمين: (كنت نبياً وآدم بين الماء والطين) ! (المناقب لابن شهر آشوب :1/214 ، ونحوه في مسند أحمد بن حنبل:4/66 )
معنى أن فاطمة قلب إنسان بهذه الصفة ، أنه لو أخذت مني فاطمة فسأبقى بدناً بلا روح ! فالى أين وصلت الصديقة الزهراء(ع)حتى بلغت مقاماً كهذا ، وصارت قلباً بين جنبي علم وعمل ! فجنب النبي الأيمن علم ، والأيسر عمل!
علمٌ عنده تتلاشى كل علوم الأنبياء(ع)! وعملٌ عنده تتلاشى كل أعمال الأولياء!! والقلب الذي بين هذين الجنبين هو الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (ع)!! وهنا يتضح سر الحديث القدسي في النبي والعترة(ص):
(هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها ) !
سيدتي ، ما ذا فعلت حتى صرت المحور والقطب ؟!
سيدتي ، ما ذا فعلت حتى صرت قلب عالم الوجود ؟!
سيدتي ، حتى صرت في مقام قال عنك خاتم النبيين صلوات الله عليه: (من صلى على فاطمة فهو معي أينما كنت في الجنة) !
إن العمل الذي عملته لايعرف كنهه وقيمته إلا الله تعالى ومن هم خزائن أسرار الله تعالى فأنت تلك العظيمة التي يقول فيك الإمام الصادق(ع)لو حاول الناس جادين أن يعرفوا كنه فاطمة ما عرفوه: لأنهم فطموا عن معرفتها!
وهنا نصل الى مرحلة من كلام الإمام الصادق(ع): (اللهم إني أسألك بفاطمة وأبيها ، وبعلها وبنيها ) !
فكروا وتفهموا سر هذه الكلمات فالسؤال بفاطمة، وأب فاطمة، وبعل فاطمة، وأبناء فاطمة، وختام هذا الدعاءكلمة هي ختم الكلام: والسر المستودع فيها !!
في معراج النبي(ص)أخذوه الى شجرة طوبى، وقطفوا له من ثمرها ، وأطعموه منها ، ومن هذا الثمر انعقدت نطفة فاطمة ، وفي هذه النطفة وضعوا جوهر روح اختارها الله تعالى من أشرف ما في خزائنه من جواهر !!
المسألة هنا: والسر المستودع فيها، فأي سر هذا السر ، الذي كان لابد له من مقدمات ، معراج النبي(ص)، وأن يتناول من ثمار شجرة طوبى، ليتكون البدن الذي يكون محلاً لهذا السر ! هذا السر يحتاج الى فرصة أخرى لبيانه
إنها سرٌّ سر الله الأعظم فقد كان قلبها سراً
وما في ذلك القلب كان سر
ألمها كان سراً ، لونها كان سر
ما تحملته كان سر
قدرها كان سراً ، مقامها ما زال سر
سرٌَ في سر ، وحتى القبر التي حوى جثمانها كان سراً !
ماذا فعلت يا بنت رسول الله حتى صرت سر الله ؟!
والى أي مقام وصلت؟!
الذي أستطيع أن أقوله إن العمل الذي قامت بها فاطمة(ع) أحيت به قيم الأنبياء(ع)من آدم الى النبي الخاتم(ص)!
العمل الذي عملته به أحيت اسم الله تعالى أحيت كل حرمات الله تعالى
عندما يموت المؤمن أول تحفة يقدمونها له في الجنة أنهم يقولون له: كل
من شارك في تشييع جنازتك مغفور له وفاطمة تعرف ذلك ولذا قالت: يا علي لا تُعلم بموتي أحداً منهم !
هذا العمل وما أحدثه ، جدير بأن نفكر فيه كثيراً ، لنعرف ماذا حدث؟!
عندما غادر النبي الدنيا(ص)كانت فاطمة في كامل النشاط وغاية السلامة ، وبعد مضي خمس وسبعين يوماً لحقت به!
وفي الليلة التي غسلوا جثمانها قالوا إنها كانت من ضعفها كالخيال! وأن جسدها على المغتسل كان كالشبح!