تفسير قوله تعالى (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (2) وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا )
قوله تعالى: «ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك و ما تأخر و يتم نعمته عليك و يهديك صراطا مستقيما و ينصرك الله نصرا عزيزا» اللام في قوله: «ليغفر» للتعليل على ما هو ظاهر اللفظ فظاهره أن الغرض من هذا الفتح المبين هو مغفرة ما تقدم من ذنبك و ما تأخر، و من المعلوم أن لا رابطة بين الفتح و بين مغفرة الذنب و لا معنى معقولا لتعليله بالمغفرة.
و قول بعضهم فرارا عن الإشكال: أن اللام المكسورة في «ليغفر» لام القسم و الأصل ليغفرن حذفت نون التوكيد و بقي ما قبلها مفتوحا للدلالة على المحذوف غلط لا شاهد عليه من الاستعمال.
و كذا قول بعض آخر فرارا عن الإشكال: «أن العلة هو مجموع المغفرة و ما عطف عليه من إتمام النعمة و الهداية و النصر العزيز من حيث المجموع فلا ينافي عدم كون البعض أي مغفرة الذنب في نفسه علة للفتح» كلام سخيف لا يغني طائلا فإن مغفرة الذنب لا هي علة أو جزء علة للفتح و لا مرتبطة نوع ارتباط بما عطف عليها حتى يوجه دخولها في ضمن علله فلا مصحح لذكرها وحدها و لا مع العلل و في ضمنها.
و بالجملة هذا الإشكال نعم الشاهد على أن ليس المراد بالذنب في الآية هو الذنب المعروف و هو مخالفة التكليف المولوي، و لا المراد بالمغفرة معناها المعروف و هو ترك العقاب على المخالفة المذكورة فالذنب في اللغة على ما يستفاد من موارد استعمالاته هو العمل الذي له تبعة سيئة كيفما كان، و المغفرة هي الستر على الشيء، و أما المعنيان المذكوران المتبادران من لفظي الذنب و المغفرة إلى أذهاننا اليوم أعني مخالفة الأمر المولوي المستتبع للعقاب و ترك العقاب عليها فإنما لزماهما بحسب عرف المتشرعين.
و قيام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالدعوة و نهضته على الكفر و الوثنية فيما تقدم على الهجرة و إدامته ذلك و ما وقع له من الحروب و المغازي مع الكفار و المشركين فيما تأخر عن الهجرة كان عملا منه (صلى الله عليه وآله وسلم) ذا تبعة سيئة عند الكفار و المشركين و ما كانوا ليغفروا له ذلك ما كانت لهم شوكة و مقدرة، و ما كانوا لينسوا زهوق ملتهم و انهدام سنتهم و طريقتهم، و لا ثارات من قتل من صناديدهم دون أن يشفوا غليل صدورهم بالانتقام منه و إمحاء اسمه و إعفاء رسمه غير أن الله سبحانه رزقه (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الفتح و هو فتح مكة أو فتح الحديبية المنتهي إلى فتح مكة فذهب بشوكتهم و أخمد نارهم فستر بذلك عليه ما كان لهم عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) من الذنب و آمنه منهم.
فالمراد بالذنب - و الله أعلم - التبعة السيئة التي لدعوته (صلى الله عليه وآله وسلم) عند الكفار و المشركين و هو ذنب لهم عليه كما في قول موسى لربه: «و لهم علي ذنب فأخاف أن يقتلون»: الشعراء: 14، و ما تقدم من ذنبه هو ما كان منه (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة قبل الهجرة، و ما تأخر من ذنبه هو ما كان منه بعد الهجرة، و مغفرته تعالى لذنبه هي سترة عليه بإبطال تبعته بإذهاب شوكتهم و هدم بنيتهم، و يؤيد ذلك ما يتلوه من قوله: «و يتم نعمته عليك - إلى أن قال - و ينصرك الله نصرا عزيزا».
منقول من تفسير اليزان للعلامة الطبطبائي
تعليق