يسلط القرآن الكريم الأضواء على جانب من مناطق الضعف وموارد الخلل في شخصية الإنسان
وسلوكه، وذلك حتى يتلافاها ويتجاوزها، مستهدفا ترشيد سلوك هذا الإنسان وصناعة شخصيته السوية
المستقيمة.
ومن نقاط الضعف التي تطرأ على سلوك الإنسان ما أشارت إليه الآية الكريمة بمصطلح "التكلف"، في قوله
تعالى: ﴿قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين﴾ وذلك بأن يكون الإنسان متكلفا في سلوكه.
يقول الله تعالى على لسان نبيه : ﴿قل ما أسألكم عليه من أجر﴾ أي على تبليغ الرسالة، ثم ينفي عن
نفسه صفة "التكلف" لغرض لفت النظر إلى سلبية هذه الصفة فيقول ﴿وما أنا من المتكلفين﴾.
فالتكلف صفة مذمومة في شخصية الإنسان وقد وردت نصوص كثيرة تحذر الإنسان من هذه الصفة، منها ما
ورد عن النبي (ص): (أنا وأتقياء أمتي براء من التكلف).
والتكلف في معناه هو التصنع والتظاهر بشخصية على غير الحقيقة، كأن يدعي الإنسان مكانة ليست له، أو
يتبوأ مقاما في غير محله. ومن معاني التكلف أن يتحمل الإنسان مشقة في تعامله مع الآخرين دونما داع
ومبرر، وهذا محل حديثنا. إذ ينبغي أن يتسم تعامل الإنسان مع الآخرين من حيث الأصل بالبساطة والبعد
عن التكلف وتكبد المشقة.
هنا لابد من التوضيح بأن هذا لا يعني بأي حال عدم إيثار الآخرين على النفس والمبادرة في قضاء حوائجهم،
فهذا التصرف لا يطلق عليه تكلفا بل يسمى إيثارا ﴿ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة﴾، وهذا في
الشريعة أمر ممدوح. بل المقصود من التكلف هنا، هو التكلف في التعامل مع الآخرين عبر تحميل الذات
مشاق من دون داع سوى الرياء وطلب السمعة، فهذا منهي عنه شرعًا.
ذلك على غرار المريض الذي يوصيه الأطباء بالتزام الفراش وطلب الراحة التامة لكنه مع ذلك يخالف رأي
الأطباء، فيلتزم باستقبال ضيوفه لا لشيء إلا ليجامل أصدقاءه على حساب صحته، هذا من التكلف المذموم
في بعض صوره.
وكذلك ما يرتبط بأمور الضيافة مثلًا، فالضيافة شيء محبوب ومندوب ولكن التكلف فيها مذموم، وعندنا نصوص
كثيرة تعالج هذا الأمر، فقد روي عن أمير المؤمنين : (شر الأخوان من تكلف له)، وورد عن الإمام الصادق (ع)
(المؤمن لا يحتشم من أخيه ـ والاحتشام بمعنى تحمل الحرج ـ وما أدري أيهما أعجب الذي يكلف أخاه إذا
دخل عليه أن يتكلف له، أو المتكلف لأخيه).
فهناك بعض الضيوف يكلفون على غيرهم فلا يقبلون إلا ببرتوكول معين، والإمام الصادق يتساءل هنا أيهما
أعجب هذا الذي يكلف غيره، أم الشخص الذي يكلف نفسه في حين يمكن للآخر أن يقبل منه اليسير
الممكن.
وروي عن الإمام الحسن العسكري (ع) : (لا تكرم الرجل بما يشق عليه) وذلك كما يحدث في بعض الأحيان
من إصرار على شخص ما بقبول الدعوة أو شيء ما بخلاف رغبته، وقد يكون في ذلك ضررا عليه، من هنا
يوصي الإمام بألا تشق على أحد وإن كنت تريد إكرامه.
هكذا ينبغي أن يكون الإنسان عفويا ومنبسطا في تعامله مع الآخرين، فقد ورد عن النبي أنه قال: (من
تكرمة الرجل لأخيه المسلم أن يقبل تحفته ويتحفه بما عنده ولا يتكلف له شيئًا).
وعن الحارث الأعور قال أتاني أمير المؤمنين فقلت له يا أمير المؤمنين: ادخل منزلي، فقال : أدخل شرط ألا
تذخر عني شيئا مما في بيتك، ولا تتكلف شيئا مما وراء بابك). وفي رواية (ولا تجف بالعيال) أي لا يكون إكرام
الضيف على حساب أهل الدار.
وهناك في السياق ذاته رواية لافتة عن أبي وائل قال دخلت أنا وصاحب لي على سلمان الفارسي، فقال لولا
أن رسول الله نهى عن التكلف لتكلفت لكم، ثم جاء بخبز وملح ساذج لا إدام عليه، فقال صاحبي: لو كان
في ملحنا هذا سعتر، فبعث سلمان بمطهرته ليرهنها عند البقال ليشتري سعترًا، فلما أكلنا قال صاحبي:
الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا، فقال سلمان: لو قنعت بما رزقك الله لم تكن مطهرتي مرهونة عند البقال.
إن علينا أن ننشر ثقافة عدم التكلف في مجتمعنا، خصوصا في مجال العادات الاجتماعية ومنها ما يرتبط
بالعادات المتعلقة بحفلات الزواج كما سبق لنا الحديث.
فجميعنا يدرك حجم الكلفة القائمة في حفلات الزفاف النسائية تحديدا، وهي كلفة مرهقة لأصحاب المناسبة
والضيوف المشاركين فيها على حد سواء، لكننا جميعا متواطئون على هذا النهج مع شديد الأسف.
فعادة ما ينتهي حفل استقبال المهنئين ويبدأ زفاف العريس في وقت مبكر نسبيا قد لا يتعدى الساعة
العاشرة والنصف مثلًا.
وقد درجت مجتمعاتنا في السابق على زفاف العريس إلى بيت الزوجية وقد سبقته عروسه فيدخل بيته وهي
بانتظاره، لكن الأمر الآن انقلب، فحفلات الزفاف لدى النساء باتت تستمر حتى ساعات قريبة من الفجر مع
الأسف، بل إن وجبة العشاء لا تقدم للضيوف إلا بعد منتصف الليل!، وهذا برنامج مكلف ومزعج لجميع
الأطراف، خصوصا في ظل تزايد حفلات الزواج في العطل الصيفية، فكثير من المدعوات مضطرات تحت وقع
الالتزام الاجتماعي لتلبية الدعوة لحضور أكثر من حفلة زواج في أوقات متقاربة، ما يعني ذلك تأخر الكثير من
النساء عن العودة لبيوتهن وأزوجهن وعيالهن، الأمر الذي ولد مشاكل كثيرة بين العوائل وقد بلغنا الكثير منها،
لا لشيء سوى نتيجة هذا التكلف المبالغ فيه.
إننا مدعون لإعادة النظر في هذه السلوكيات حتى تكون بعيدة عن التكلف دون أن نحرم أنفسنا فرصة
مشاركة بعضنا أفراح بعض. نسأل الله تعالى أن يوفقنا للالتزام بتعاليم الدين.
وسلوكه، وذلك حتى يتلافاها ويتجاوزها، مستهدفا ترشيد سلوك هذا الإنسان وصناعة شخصيته السوية
المستقيمة.
ومن نقاط الضعف التي تطرأ على سلوك الإنسان ما أشارت إليه الآية الكريمة بمصطلح "التكلف"، في قوله
تعالى: ﴿قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين﴾ وذلك بأن يكون الإنسان متكلفا في سلوكه.
يقول الله تعالى على لسان نبيه : ﴿قل ما أسألكم عليه من أجر﴾ أي على تبليغ الرسالة، ثم ينفي عن
نفسه صفة "التكلف" لغرض لفت النظر إلى سلبية هذه الصفة فيقول ﴿وما أنا من المتكلفين﴾.
فالتكلف صفة مذمومة في شخصية الإنسان وقد وردت نصوص كثيرة تحذر الإنسان من هذه الصفة، منها ما
ورد عن النبي (ص): (أنا وأتقياء أمتي براء من التكلف).
والتكلف في معناه هو التصنع والتظاهر بشخصية على غير الحقيقة، كأن يدعي الإنسان مكانة ليست له، أو
يتبوأ مقاما في غير محله. ومن معاني التكلف أن يتحمل الإنسان مشقة في تعامله مع الآخرين دونما داع
ومبرر، وهذا محل حديثنا. إذ ينبغي أن يتسم تعامل الإنسان مع الآخرين من حيث الأصل بالبساطة والبعد
عن التكلف وتكبد المشقة.
هنا لابد من التوضيح بأن هذا لا يعني بأي حال عدم إيثار الآخرين على النفس والمبادرة في قضاء حوائجهم،
فهذا التصرف لا يطلق عليه تكلفا بل يسمى إيثارا ﴿ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة﴾، وهذا في
الشريعة أمر ممدوح. بل المقصود من التكلف هنا، هو التكلف في التعامل مع الآخرين عبر تحميل الذات
مشاق من دون داع سوى الرياء وطلب السمعة، فهذا منهي عنه شرعًا.
ذلك على غرار المريض الذي يوصيه الأطباء بالتزام الفراش وطلب الراحة التامة لكنه مع ذلك يخالف رأي
الأطباء، فيلتزم باستقبال ضيوفه لا لشيء إلا ليجامل أصدقاءه على حساب صحته، هذا من التكلف المذموم
في بعض صوره.
وكذلك ما يرتبط بأمور الضيافة مثلًا، فالضيافة شيء محبوب ومندوب ولكن التكلف فيها مذموم، وعندنا نصوص
كثيرة تعالج هذا الأمر، فقد روي عن أمير المؤمنين : (شر الأخوان من تكلف له)، وورد عن الإمام الصادق (ع)
(المؤمن لا يحتشم من أخيه ـ والاحتشام بمعنى تحمل الحرج ـ وما أدري أيهما أعجب الذي يكلف أخاه إذا
دخل عليه أن يتكلف له، أو المتكلف لأخيه).
فهناك بعض الضيوف يكلفون على غيرهم فلا يقبلون إلا ببرتوكول معين، والإمام الصادق يتساءل هنا أيهما
أعجب هذا الذي يكلف غيره، أم الشخص الذي يكلف نفسه في حين يمكن للآخر أن يقبل منه اليسير
الممكن.
وروي عن الإمام الحسن العسكري (ع) : (لا تكرم الرجل بما يشق عليه) وذلك كما يحدث في بعض الأحيان
من إصرار على شخص ما بقبول الدعوة أو شيء ما بخلاف رغبته، وقد يكون في ذلك ضررا عليه، من هنا
يوصي الإمام بألا تشق على أحد وإن كنت تريد إكرامه.
هكذا ينبغي أن يكون الإنسان عفويا ومنبسطا في تعامله مع الآخرين، فقد ورد عن النبي أنه قال: (من
تكرمة الرجل لأخيه المسلم أن يقبل تحفته ويتحفه بما عنده ولا يتكلف له شيئًا).
وعن الحارث الأعور قال أتاني أمير المؤمنين فقلت له يا أمير المؤمنين: ادخل منزلي، فقال : أدخل شرط ألا
تذخر عني شيئا مما في بيتك، ولا تتكلف شيئا مما وراء بابك). وفي رواية (ولا تجف بالعيال) أي لا يكون إكرام
الضيف على حساب أهل الدار.
وهناك في السياق ذاته رواية لافتة عن أبي وائل قال دخلت أنا وصاحب لي على سلمان الفارسي، فقال لولا
أن رسول الله نهى عن التكلف لتكلفت لكم، ثم جاء بخبز وملح ساذج لا إدام عليه، فقال صاحبي: لو كان
في ملحنا هذا سعتر، فبعث سلمان بمطهرته ليرهنها عند البقال ليشتري سعترًا، فلما أكلنا قال صاحبي:
الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا، فقال سلمان: لو قنعت بما رزقك الله لم تكن مطهرتي مرهونة عند البقال.
إن علينا أن ننشر ثقافة عدم التكلف في مجتمعنا، خصوصا في مجال العادات الاجتماعية ومنها ما يرتبط
بالعادات المتعلقة بحفلات الزواج كما سبق لنا الحديث.
فجميعنا يدرك حجم الكلفة القائمة في حفلات الزفاف النسائية تحديدا، وهي كلفة مرهقة لأصحاب المناسبة
والضيوف المشاركين فيها على حد سواء، لكننا جميعا متواطئون على هذا النهج مع شديد الأسف.
فعادة ما ينتهي حفل استقبال المهنئين ويبدأ زفاف العريس في وقت مبكر نسبيا قد لا يتعدى الساعة
العاشرة والنصف مثلًا.
وقد درجت مجتمعاتنا في السابق على زفاف العريس إلى بيت الزوجية وقد سبقته عروسه فيدخل بيته وهي
بانتظاره، لكن الأمر الآن انقلب، فحفلات الزفاف لدى النساء باتت تستمر حتى ساعات قريبة من الفجر مع
الأسف، بل إن وجبة العشاء لا تقدم للضيوف إلا بعد منتصف الليل!، وهذا برنامج مكلف ومزعج لجميع
الأطراف، خصوصا في ظل تزايد حفلات الزواج في العطل الصيفية، فكثير من المدعوات مضطرات تحت وقع
الالتزام الاجتماعي لتلبية الدعوة لحضور أكثر من حفلة زواج في أوقات متقاربة، ما يعني ذلك تأخر الكثير من
النساء عن العودة لبيوتهن وأزوجهن وعيالهن، الأمر الذي ولد مشاكل كثيرة بين العوائل وقد بلغنا الكثير منها،
لا لشيء سوى نتيجة هذا التكلف المبالغ فيه.
إننا مدعون لإعادة النظر في هذه السلوكيات حتى تكون بعيدة عن التكلف دون أن نحرم أنفسنا فرصة
مشاركة بعضنا أفراح بعض. نسأل الله تعالى أن يوفقنا للالتزام بتعاليم الدين.
تعليق