يحتل المقال التهكمي الساخر مجالاً واسعاً فيالصحافة، وهو أسلوب متمكن يركز دائماً على المفارقات التي يتم تشخيصها بالمضحكة،ولو نتأمل مثلاً بعض ما ورد في فقرات (دبابيس) المنشورة في صدى الروضتين، كمقالثابت يتحرك باتجاهات لاذعة، فنقرأ تحت شعار (نحو عراق أنحف): ونظراً للتضخم الحاصلفي مفردات العزيزة تموينية، تقرر إخضاعها لعمليات ترشيق وترشيد حفاظاً على صحةوسلامة المواطن. وفي فقرة أخرى نجد أن إقرار مشروع إنشاء جسور معلقة في مركزالمدينة القديمة والجديدة وما بينهما، وذلك لتقليل الإزدحامات التي تحصل أيامالأمطار. أو لنقف عند هذه الفقرة المتهكمة: بعد فشل أغلب سلسلة أفلام الأكشن(الأجزاء)، قررت شركات صناعة الأفلام الإستعانة بالكوادر المتخصصة بإعمار مدينتناالعزيزة؛ وذلك إثر نجاح الأجزاء الثانية والثالثة...الخ. والمقال التهكمي هو مقال دلالي يعتمد على النظيرالموضوعي، فيتم إزاحة الواقع ليضع الكاتب هذا النظير وكأنه هو الموضوع، ليتركمساحة تأويلية واسعة للتلقي، فنقرأ: بعد زيادة المطبّات الإصطناعية في شوراعنا،تقرر نصب ورش تبديل دبلات وفتح (صدر سيارات) عند كل مطب إصطناعي خدمة للصالح العام.أو خبر منح أصحاب الدراجات الهوائية والنارية إجازة سوق خصوصي، وأصحاب (الستوتات)إجازة عمومي، وبشرط أن يجتاز صاحب الطلب الإختبار المخصص لذلك، وهو السير في شوارعحي العباس، وحي الأنصار، وحي الشهداء، دون السقوط في الحفر والبحيرات..! وأعتقدأن الأمر لا يحتاج الى تفسير أو تعريف بما كتب من هذه الدبابيس، رغم كل هذهالمفارقات التي تشخص على أنها مضحكة تجد فيها الكثير من الأسى والألم، وتحسس بمعنىأن تكون الكوميديا سوداء تضحك وتبكي، كتب رضوان السلامي في إحدى (قفشاته): توفيمواطن عراقي بسيط (فقير) إثر نوبة قلبية جاءته بسبب تصريحات مسؤول، فتولت وزاراتناالمراسيم وكالتالي: الدفن من نصيب وزارة النفط، الداخلية تولت التشييع، التجارةتولت اقامة المأتم، أما كلمة العزاء فكانت بلا منازع. فلنتأمل عمق هذه المأساةالتي تعرض بإمكانية التهكم، فنجده يتناول مسألة اشغال البناية لعدد من المدارس، فهويرى أن بناية المدرسة تعمل الصبح إعدادية، والعصر روضة، وفي الليل (سنتر مول)وأحيانا شقق سكنية حسب الحاجة وعند الطلب.اوتراه يرسم تشكيلة شعبية، معتبراً أنها هي الفئة التي ترد الزيارات، وبهذا يفتحالدرب أمام أكثر من تأويل اجتماعي سياسي، ففئة الزائرين التي أشاعها السلامي تتكونمن: 25% متقاعدين ومن مختلف الفئات، 35% مهجرين من مختلف المحافظات، 35% عوائلأيتام لم يستلموا مخصصات، 5% موظفين لم يستلموا إيفادات. هذا الاسلوب لا يكتب من أجل إضحاك المتلقي، بلله مهام اخرى في عملية التدوين لو عرفنا أولا كيف تتكون قابلية التهكم لأدركناماهية الكتابة، فهو أسلوب فطري غير مقصود نشأته أو خلقه لأجل التدوين، بل هو فيروح الكاتب نفسه. وبعد هذا نذهب الى تقنية الكتابة، فالتهكم أسلوبله القدرة على جذب ذهنية التلقي حول مرتكز الاشتغال، وخاصة عندما تكون جميع دبابيسالسلامي مفهومة القصد، كتهكمه بالحركة العمرانية في كربلاء: (المجمعات العملاقةذات الطوابق العشر المزمع إنشاؤها مطلع القرن المقبل، والتي خصصت للزائرينوالوافدين الى مدينة كربلاء المقدسة في موسم الزيارات المخصوصة). أو لنتذاكر فيموضوعة الاستيراد المنفلت، فالسلامي يقف عند هذه النقطة متهكماً: (مستوردو الموادالغذائية (اللحوم والدواجن) قرروا رفع أسعارها دعماً للمحرومين... علماً أن أغلبتلك المواد لا تخضع للرقابة الشرعية.فمايحتاجه الكاتب من الأسلوب التهكمي هو الاستحواذ على ذهنية متلقيه، ودفعه باتجاهعملية المشاركة الفاعلة، إذ كتب: (دعماً للسلم، وحفاظاً على البيئة، إلغاء قرارإبادة الكلاب السائبة، واستبداله بقرار جلب كلاب مستوردة، وإدخال البقية دورات تثقيفية.وتقرر إلغاء عمليات المعالجة الكيمياوية للأشجار، وتوزيع المبيدات على دول الجواردعماً للوحدة والحوار. واستبدال العبارات الترحيبية الحارة بالزائرين والوافدينالى مدينة الإمام الحسين (ع): (أهلاً وسهلاً.. مرحبا بالزائرين الكرام،الــــــــــ... في خدمة الشعب، من رخصتك، بلا زحمة عليك...)، بعبارات أكثر سخونة(منين جاي - وين رايح – ارجع...). والكتابة التهكمية تمتلك عنصر التشويق والإمتاع،ويعالج القضية معالجة جادة عميقة، وهذا التهكم هو التزام مبدئي واجتماعي ووطني وأخلاقي

تعليق