ان المولى الحكيم جل جلاله اختار بحكمته من بين خلقه الحفظة على دينه والامناء على خلقه لكي يحفظوا اموال وانفس العباد ويسيّرواامور البلاد ويقتصوا من الظالم وينصفوا المظلوم ويساووا بين القوي والضعيف والدنيوالشريف في الحكم والنظرة والكلام الا بما يقتضيه التفضيل
وبخلاف ذلك لا يرضى ان سيسود الظالمون ويحكم الغاشمون لانه ستضيع الحقوق وتنتهك الحرمات فليس للظالمين مروءة ولا عفة ولا احسان.
واليكم قصة معاوية ومروان مع الاعرابي كما ذكرها ابن الجوزي في اول كتابه أخبار النساء :
انقل لكم القصة كما ذكرت واعتذر سلفا عن حذف او اقتطاع بعض ابيات الشعر التي قد لا تناسب المقام والمنتدى :
قال ابن الجوزي :
من جور مروان
ذكر أنّ معاويةبن أبي سفيان جلس ذات يومٍ بمجلسٍ كان له بدمشق على قارعة الطّريق، وكان المجلس مفتّح الجوانب لدخول النّسيم، فبينما هو على فراشه وأهل مملكته بين يديه، إذ نظر إلى رجلٍ يمشي نحوه وهو يسرع في مشيته راجلاً حافياً، وكان ذلك اليوم شديد الحرّ، فتأمّله معاوية ثمّ قال لجلسائه: لم يخلق الله ممّن أحتاج إلى نفسه في مثل هذا اليوم. ثمّ قال: ياغلام سر إليه واكشف عن حاله وقصّته
فوالله لئن كان فقيراً لأغنينّه، ولئن كان شاكياًلأنصفنّه، ولئن كان مظلوماً لأنصرنّه، ولئن كان غنياً لأفقرنّه.
( وقفة للتأمل:
لاحظ ايمان معاوية وحلفه وتذكرها فيما بعد هل التزم بما اقسم ام لا )
فخرج إليه الرسول متلقياً فسلّم عليه فردّ عليه السّلام. ثمّ قال له: ممّن الرّجل؟ قال: سيّدي أنا رجلٌ أعرابيٌّمن بني عذرة، أقبلت إلى أمير المؤمنين مشتكياً إليه بظلامةٍ نزلت بي من بعض عمّاله.فقال له الرّسول: أصبحت يا أعرابي؟ ثمّ سار به حتّى وقف بين يديه فسلّم عليه بالخلافةثمّ أنشأ يقول:
معاوي يا ذا العلم والحلم والفضل ... ويا ذا النّدى والجود والنّابل الجزل
أتيتك لمّا ضاق في الأرض مذهبي ... فيا غيث لا تقطع رجائي من العدل
وجد لي بإنصافٍ من الجّائر الذي ... شواني شيّاً كان أيسره قتلي
سباني سعدى وانبرى لخصومتي ... وجار ولم يعدل، وأغصبني أهلي
قصدت لأرجو نفعه فأثابني ... بسجنٍ وأنواع العذاب مع الكبل
وهمّ بقتلي غير أن منيّتي ... تأبّت، ولم أستكمل الرّزق من أجلي
أغثني جزاك الله عنّي جنّةً ... فقد طار من وجدٍ بسعدى لها عقلي
فلمّا فرغ من شعره قال له معاوية: يا إعرابي إنّي أراك تشتكي عاملاً من عمّالنا ولم تسمعه لنا! قال: أصلح الله أمير الـ...، وهو والله ابن عمّك مروان بن الحكم عامل المدينة. قال معاوية:وما قصّتك معه يا أعرابي. قال: أصلح الله الأمير، كانت لي بنت عمٍّ خطبتها إلى أبيها فزوّجني منها. وكنت كلفاً بها لما كانت فيه من كمال جمالها وعقلها والقرابة. فبقيت معها يا أمير المؤمنين، في أصلح حالٍ وأنعم بالٍ، مسروراً زماناً، قرير العين. وكانتلي صرمةً من إبلٍ وشويهات، فكنت أعولها ونفسي بها. فدارت عليها أقضية الله وحوادث الدّهر،فوقع فيها داءٌ فذهبت بقدرة الله. فبقيت لا أملك شيئاً، وصرت مهيناً مفكّراً، قد ذهب عقلي، وساءت حالي، وصرت ثقلاً على وجه الأرض. فلمّا بلغ ذلك أباها حال بيني وبينها،وأنكرني، وجحدني، وطردني، ودفعها عنّي. فلم أدر لنفسي بحيلةٍ ولا نصرةٍ. فأتيت إلى عاملك مروان بن الحكم مشتكياً بعمّي، فبعث إليه، فلمّا وقف بين يديه، قال له مروان:يا أيّها الرّجل لم حلت بين ابن أخيك وزوجته؟ قال: أصلح الله الأمير، ليس له عندي زوجة ولا زوجته من ابنتي قط. قلت أنا: أصلح الله الأمير، أنا راضٍ بالجّارية، فإن رأى الأميرأن يبعث إليها ويسمع منها ما تقول؟ فبعث إليها فأتت الجّارية مسرعةً، فلمّا وقفت بين يديه ونظر إليها وإلى حسنها وقعت منه موقع الإعجاب والاستحسان، فصار لي، يا أمير الـ... خصماً وانتهرني، وأمر بي إلى السّجن. فبقيت كأني خررت من السّماء في مكانٍ سحيقٍ، ثمّقال لأبي بعدي: هل لك أن تزوّجها منّي، وأنقدك ألف دينارٍ، وأزيدك أنت عشرة آلاف درهمٍ تنتفع بها، وأنا أضمن طلاقها؟ قال له أبوها: إن أنت فعلت ذلك زوّجتها منك.
فلمّا كان من الغد بعث إليّ، فلمّا أدخلت عليه نظر إليّ كالأسد الغضبان، فقال لي: يا أعرابي طلّق سعدى.قلت: لا أفعل. فأمر بضربي ثم ردّني إلى السّجن، فلمّا كان في اليوم الثّاني قال: عليّ بالأعرابي. فلمّا وقفت بين يديه، قال: طلّق سعدى. فقلت: لا أفعل. فسلّط عليّ يا أميرالمؤمنين خدّامه فضربوني ضرباً لا يقدر أحدٌ على وصفه، ثمّ أمر بي إلى السّجن؛ فلمّاكان في اليوم الثّالث قال: عليّ بالإعرابي، فلمّا وقفت بين يديه قال: عليّ بالسّيفوالنّطع وأحضر السيّاف، ثمّ قال: يا أعرابي، وجلالة ربّي، وكرامة والدي، لئن لم تطلّق سعدى لأفرّقنّ بين جسدك وموضع لسانك.
فخشيت على نفسيالقتل فطلّقتها طلقةً واحدةً على طلاق السّنّة، ثمّ أمر بي إلى السّجن فحبسني فيه حتّى تمّت عدّتها ثمّ تزوّجها، فبنى بها، ثمّ أطلقني. فأتيتك مستغيثاً قد رجوت عدلك وإنصافك،فارحمني يا أمير المؤمنين. فوالله يا أمير المؤمنين لقد أجهدني الأرق، وأذابني القلق،وبقيت في حبّها بلا عقلٍ، ثمّ انتحب حتىّ كادت نفسه تفيض. ثمّ أنشأ يقول:
في القلب منّي نارٌ ... والنّار فيه الدّمار
والجّسم منّي سقيمٌ... فيه الطّبيب يحار
والعين تهطل دمعاً... فدمعها مدرار
حملت منه عظيماً... فما عليه اصطبار
فليس ليلي ليلٌ... ولا نهاري نهار
فارحم كئيباً حزيناً... فؤاده مستطار
اردد عليّ سعادي... يثيبك الجبّار
ثمّ خرّ مغشيّاًعليه بين يدي أمير المؤمنين كأنّه قد صعق به قال: وكان في ذلك الوقت معاوية متكّئاً،فلمّا نظر إليه قد خرّ بين يديه قام ثمّ جلس، وقال:
إنّا لله وإنّا إليه راجعون. اعتدى والله مروان بن الحكم ضراراً في حدود الدّين، وإحساراً في حرم المسلمين
ثمّ قال: والله يا أعرابي لقد أتيتني بحديثٍ ما سمعت بمثله.
ثمّ قال: يا غلام عليّ بداوةٍ وقرطاسٍ فكتب إلى مروان: أمّا بعد، فإنّه بلغني عنك أنّك اعتديت على رعيّتك في بعض حدود الدّين،وانتهكت حرمةً لرجلٍ من المسلمين.
وإنّما ينبغي لمن كان والياً على كورةٍ أو إقليمٍ أن يغضّ بصره وشهواته، ويزجر نفسه عن لذّاته. وإنّما الوالي كالرّاعي لغنمةٍ، فإذارفق به بقيت معه، وإذا كان لها ذئباً فمن يحوطها بعده.
وقفة تأملية :
نلاحظ معاوية يتوعد مروان ويقر بانه اعتدى على حد من حدود الله تعالى ومروان والي معاوية وممثل عنه في احدى ولايات المسلمين
وسنلاحظ في القسم التالي هي ان معاوية عاقب المتعدي على حدود الله ام لا ؟؟!!
ثم هذه العبارة الاخيرة التي قالها معاوية ( وانما ينبغي ...)
هل التزم بها هو عندما رأى زوجة الاعرابي وغض بصره عنها ؟؟!!
يتبع .....
تعليق