هكذا كان يقضي امير المؤمنين عليه السلام ليله في البكاء شوقا لربه
عن عروة بن الزبير قال :
كنا جلوسا في مجلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فتذاكرناأعمال أهل بدر وبيعة الرضوان ، فقال أبو الدرداء : يا قوم ألا اخبركم بأقل القوم
مالا وأكثرهم ورعا وأشدهم اجتهادا في العبادة ؟ قالوا : من ؟ قال : أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام ، قال : فوالله إن كان في جماعة أهل
المجلس إلا معرض عنه بوجهه ثم انتدب له رجل من الانصار فقال له : يا عويمر لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها ، فقال أبو الدرداء :
يا قوم إني قائل ما رأيت وليقل كل قوم منكم ما رأوا ، شهدت علي بن أبي طالب بشويحطات النجار ، وقد اعتزل عن مواليه واختفى ممن يليه واستتر
بمغيلات النخل ، فافتقدته وبعد على مكانه ، فقلت : لحق بمنزله ، فإذا أنا بصوت حزين ونغمة شجي وهو يقول : " إلهي كم من موقبة حلمت عن مقابلتها
بنقمتك ( 2 ) ، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك ، إلهي إن طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي فما أنا مؤمل غير غفر انك ، ولا
أنا براج غير رضوانك " فشغلني الصوت واقتفيت الاثر ، فإذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام
(1 ) مناقب آل ابى طالب 1 : 638 .
(2 ) في المصدر : كم من موقبة حملت عنى فقابلتها بنعمتك .
بعينه ، فاستترت له وأخملت الحركة ، فركع ركعات في جوف الليل الغابر ، ثم فرغ إلى الدعاء والبكاء والبث والشكوى ، فكان مما به الله ناجاه أن قال :
" إلهي أفكر في عفوك فتهون علي خطيئتي ، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليتي " ثم قال : " آه إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها وأنت
محصيها ، فتقول : خذوه ، فياله من مأخوذ لا تنجيه عشريته ، ولا تنفعه قبيلته ، يرحمه الملا إذا أذن فيه بالنداء " ثم قال : " آه من نار تنضج الاكباد
والكلى ( 1 ) ، آه من نار نزاعة للشوى ، آه من غمرة من ملهبات ( 2 ) لظى " .
قال : ثم أنعم ( 3 ) في البكاء فلم أسمع له حسا ولا حركة ، فقلت : غلب عليهالنوم لطول السهر ، اوقظه لصلاة الفجر ، قال أبو الدرداء : فأتيته فإذا هو
كالخشبة الملقاة ، فحركته فلم يتحرك ، وزويته فلم ينزو ، فقلت : " إنا لله وإنا إليه راجعون " مات والله علي بن أبي طالب قال : فأتيت منزله مبادرا أنعاه
إليهم ، فقالت فاطمة عليها السلام : يا أبا الدرداء ماكان من شأنه ومن قصته ؟ فأخبرتها الخبر ، فقالت : هي والله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من
خشية الله ، ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق ، ونظر إلي وأنا أبكي ، فقال : مما بكاؤك يا أبا الدرداء ؟ فقلت : مما أراه تنزله بنفسك ، فقال : يا أبا
الدرداء فكيف ولو رأيتني ودعي بي إلى الحساب وأيقن أهل الجرائم بالعذاب .
واحتوشتني ملائكة غلاظ وزبانية فظاظ ، فوقفت بين يدي الملك الجبار ، قد أسلمني الاحباء ورحمني أهل الدنيا ، لكنت أشد رحمة لي بين يدي من لا
تخفى عليه خافية ، فقال أبو الدرداء : فوالله ما رأيت ذلك لاحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله
عن عروة بن الزبير قال :
كنا جلوسا في مجلس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فتذاكرناأعمال أهل بدر وبيعة الرضوان ، فقال أبو الدرداء : يا قوم ألا اخبركم بأقل القوم
مالا وأكثرهم ورعا وأشدهم اجتهادا في العبادة ؟ قالوا : من ؟ قال : أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام ، قال : فوالله إن كان في جماعة أهل
المجلس إلا معرض عنه بوجهه ثم انتدب له رجل من الانصار فقال له : يا عويمر لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها ، فقال أبو الدرداء :
يا قوم إني قائل ما رأيت وليقل كل قوم منكم ما رأوا ، شهدت علي بن أبي طالب بشويحطات النجار ، وقد اعتزل عن مواليه واختفى ممن يليه واستتر
بمغيلات النخل ، فافتقدته وبعد على مكانه ، فقلت : لحق بمنزله ، فإذا أنا بصوت حزين ونغمة شجي وهو يقول : " إلهي كم من موقبة حلمت عن مقابلتها
بنقمتك ( 2 ) ، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك ، إلهي إن طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي فما أنا مؤمل غير غفر انك ، ولا
أنا براج غير رضوانك " فشغلني الصوت واقتفيت الاثر ، فإذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام
(1 ) مناقب آل ابى طالب 1 : 638 .
(2 ) في المصدر : كم من موقبة حملت عنى فقابلتها بنعمتك .
بعينه ، فاستترت له وأخملت الحركة ، فركع ركعات في جوف الليل الغابر ، ثم فرغ إلى الدعاء والبكاء والبث والشكوى ، فكان مما به الله ناجاه أن قال :
" إلهي أفكر في عفوك فتهون علي خطيئتي ، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليتي " ثم قال : " آه إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها وأنت
محصيها ، فتقول : خذوه ، فياله من مأخوذ لا تنجيه عشريته ، ولا تنفعه قبيلته ، يرحمه الملا إذا أذن فيه بالنداء " ثم قال : " آه من نار تنضج الاكباد
والكلى ( 1 ) ، آه من نار نزاعة للشوى ، آه من غمرة من ملهبات ( 2 ) لظى " .
قال : ثم أنعم ( 3 ) في البكاء فلم أسمع له حسا ولا حركة ، فقلت : غلب عليهالنوم لطول السهر ، اوقظه لصلاة الفجر ، قال أبو الدرداء : فأتيته فإذا هو
كالخشبة الملقاة ، فحركته فلم يتحرك ، وزويته فلم ينزو ، فقلت : " إنا لله وإنا إليه راجعون " مات والله علي بن أبي طالب قال : فأتيت منزله مبادرا أنعاه
إليهم ، فقالت فاطمة عليها السلام : يا أبا الدرداء ماكان من شأنه ومن قصته ؟ فأخبرتها الخبر ، فقالت : هي والله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من
خشية الله ، ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق ، ونظر إلي وأنا أبكي ، فقال : مما بكاؤك يا أبا الدرداء ؟ فقلت : مما أراه تنزله بنفسك ، فقال : يا أبا
الدرداء فكيف ولو رأيتني ودعي بي إلى الحساب وأيقن أهل الجرائم بالعذاب .
واحتوشتني ملائكة غلاظ وزبانية فظاظ ، فوقفت بين يدي الملك الجبار ، قد أسلمني الاحباء ورحمني أهل الدنيا ، لكنت أشد رحمة لي بين يدي من لا
تخفى عليه خافية ، فقال أبو الدرداء : فوالله ما رأيت ذلك لاحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله
تعليق