هِدايات.. في الاعتقادات
باب التوحيد
في الدليل على الوجود القدسي لله تبارك وتعالى:
• في القرآن المجيد: أفي اللهِ شَكٌّ فاطرِ السَّماواتِ والأرض ؟! [ إبراهيم:10 ]
• سُئل أمير المؤمنين عليه السلام: بماذا عرفتَ ربَّك ؟ فقال: « بفَسخِ العزائم ونَقض الهِمم، لمّا هَمَتُ فَحِيلَ بيني وبين همّي، وعزمتُ فخالَفَ القضاءُ والقدَرُ عزمي، علمتُ أنّ المدبِّرَ غيري » ( التوحيد للشيخ الصدوق:288 / ح 6 ).
• وسُئل الإمام الصادق عليه السلام عن الله فقال للسائل: « هل ركبتَ سفينةً قطّ ؟! » قال: بلى، قال: « هل كُسِرَت بك حيث لا سفينةٌ تُنْجي، ولا سِباحةٌ تُغنيك ؟! » قال: بلى، قال: « فهل تعلّق قلبُك هناك أنّ شيئاً من الأشياء قادرٌ على أن يُخلّصَك من وَرطتك ؟! » قال: بلى، فقال عليه السلام: « فذلك الشيءُ هو اللهُ القادر على الإنجاء حيث لا مُنْجي، وعلى الإغاثة حيث لا مُغيث » ( معاني الأخبار للصدوق:44 ).
• وقيل للإمام الرضا عليه السلام: ما الدليل على حدوث العالَم ؟ فقال: « إنّك لم تكن ثمّ كنت، وقد علمتَ أنّك لم تُكوِّن نفسَك ولا كوّنك مَن هو مِثْلُك » ( التوحيد:293 / ح 3 ).
• وكان لأعرابيٍّ دليله حين قال: البعرةُ تَدُلّ على البعير، وأثر الأقدام على المسير، فسماءٌ ذات أبراج، وأرضٌ ذات فِجاج، ألا تدلاّن على الصانع اللطيف الخبير ؟!
باب العدل
العدل أمرٌ حَسَن، والله جلّ وعلا لا يفعل إلاّ الحَسَن، وهو سبحانه منزّه عن كلّ شيءٍ ينتمي إلى الظلم أو القبح، حاشاه عزّوجلّ، ولا يحتجّ على عباده إلاّ بما آتاهم وعرّفهم، وهو القائل:
ـ وما كُنّا مٌعذِّبين حتّى نبعثَ رسولاً [ الإسراء:15 ].
ـ وما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قوماً بعدَ إذ هَداهُم حتّى يُبيِّنَ لهم ما يتّقون [ التوبة:115 ]، قال الإمام الصادق عليه السلام في بيان ذلك: « حتّى يُعرّفَهم ما يُرضيه وما يُسخطه » ( الكافي للكليني 163:1 )، وفي قوله تعالى: إنّا هَدَيناهُ السبيلَ إمّا شاكراً وإمّا كفوراً [ الإنسان:3 ] قال: « وعرَّفْناه، إمّا آخِذاً وإمّا تاركاً » ( التوحيد:411 ).
والله عزّ شأنُه لا يفعل بعباده إلاّ ما هو أصلح لهم؛ لأنّه لطيفٌ بعباد رؤوفٌ بهم، وهو القائل: يُريدُ اللهُ بكمُ اليُسْرَ ولا يُريدُ بِكمُ العُسْر [ البقرة:185 ]، وفي الحديث القدسيّ الشريف قال تعالى: « إنّ مِن عباديَ المؤمنين لَمَن يُريد البابَ من العبادة، فأكفُّه عنه؛ لئلاّ يَدخلَه عُجْبٌ فيُفسِدَه. وإنّ من عباديَ المؤمنين لَمَن لا يَصلح إيمانُه إلاّ بالفقر، ولو أغنَيتُه لأفسَدَه ذلك. وإنّ من عباديَ المؤمنين لَمَن لا يَصلح إيمانُه إلاّ بالغنى، ولو أفقرتُه لأفسده ذلك. وإنّ من عباديَ المؤمنين لَمَن لا يَصلح إيمانُه إلاّ بالسُّقم، ولو صَحّحتُ جسمَه لأفسده ذلك. وإنّ من عباديَ المؤمنين لَمَن لا يَصلح إيمانُه إلاّ بالصحّة، ولو أسقمتُه لأفسده ذلك. وإنّي أُدبّر عبادي بعلمي بقلوبهم؛ فإنّي عليمٌ خبير » ( علل الشرائع للصدوق:12 / ح 7 ).
والله عزّوجلّ لا يكلّف نفساً إلاّ وُسعَها، ولم يكلّف عبادَه إلاّ دون ما يُطيقون، والوسع دون الطاقة.
باب النبوّة
• جاء زنديقٌ إلى الإمام الصادق عليه السلام فسأله: مِن أين أثبَتَّ الأنبياءَ والرسل ؟ فأجابه عليه السلام بالقول: « إنّا لمّا أثْبتْنا أنّ لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنّا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً لم يَجُزْ أن يُشاهده خَلْقُه ولا يُلامسوه، فيُباشرَهم ويُباشروه، ويُحاجَّهم ويُحاجّوه، ثبتَ أنّ له سُفَراءَ في خَلْقه يُعبّرون عنه إلى خلقه وعباده، ويُدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم، وما به بقاؤُه وفي تركه فَناؤُهم، فثبَتَ الآمِرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه، والمعبّرون عنه جلّ وعزّ، وهم الأنبياءُ عليهم السلام وصفوتُه من خلقه، حكماءَ مُؤدَّبين بالحكمة مبعوثين بها، غيرَ مشارِكين للناس على مشاركتهم لهم في الخَلق والتركيب في شيءٍ من أحوالهم، مؤيَّدين من عند الحكيم العليم بالحكمة، ثمّ ثبت ذلك في دهرٍ وزمانٍ ممّا أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين، لكي لا تَخلُوَ أرضُ الله من حُجّةٍ يكون معه عِلمٌ يَدُلّ على صِدق مقالته، وجوازِ عدالته » ( الكافي 128:1 / ح 1 ـ باب الاضطرار إلى الحُجّة ).
ولابدّ من تخصيص الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين بآياتٍ وعلاماتٍ من الله سبحانه، دالّةٍ على أن شريعتهم من عند ربّهم العالِمِ القادر الغافر الرحيم؛ ليخضع الناسُ للحقّ، وتلك العلامة هي المعجزة.
ولابدّ أن يكون النبيّ منزَّهاً عن كلّ ما يُدنّسه ويَشينه، من: الغِلظة والفَضاضة، وسوءِ الخُلق والحسد والبخل، ودناءة الآباء وعُهر الأمّهات، والعيوب الظاهريّة والباطنيّة. ولابدّ أن يكون معصوماً من الذنوب، محفوظاً عن الصغائر والكبائر، عمداً أو سهواً، كلّ ذلك لئلاّ تتنفّر عنه الطباع، بل لتطيعه طوعاً ورغبة. وكلُّ ما ورد في القرآن والحديث من نسبة الذنوب إلى الأنبياء والأوصياء فهو مؤوَّل، كما ورد عن أهل البيت عليهم السلام في نصوصٍ شريفةٍ مستفيضة.
ونبوّة المصطفى محمّد صلّى الله عليه وآله هي نبوّةٌ عامّة لجميع البشر، وقد خاطبه الله عزّ من قائل: وما أرسَلْناك إلاّ كافّةً للناسِ بشيراً ونذيراً [ سبأ:28 ]. وكما أنّه صلّى الله عليه وآله سيّدُ الأنبياء، كذلك أوصياؤه خير الأوصياء، وكتابه خير الكتب، ودِينُه خير الأديان.
باب الإمامة
إنّ قاعدة الاضطرار إلى النبيّ هي بعينها جاريةٌ في أوصيائهم إلى ظهور نبيٍّ آخر؛ لأنّ الاحتياج إليهم غير مختصّ بوقتٍ دون آخر. ولا يكفي بقاء الكتب والشرائع إذا لم يكن قيّمٌ لها عالِمٌ بها، ذلك هو الوصيّ الوارث لأسرار النبيّ، والحُجّة على الناس من بعده لِيَهْلِكَ مَن هَلَك عن بيّنة، ويحيى مَن حَيَّ عن بيّنة [ الأنفال:42 ].
ووجود الإمام بعد النبيّ يدخل في قاعدة اللُّطف التي دعت إلى وجود النبيّ نفسه، إذ بهما يجتمع الشمل ويُقام العدل وتثبت الحجّة وتحكم الهداية:
ـ وإنْ مِن أُمّةٍ إلاّ خلا فيها نذير [ فاطر:24 ].
ـ إنّما أنت مُنذِرٌ ولِكُلِّ قومٍ هادٍ [ الرعد:7 ].
ـ ويومَ نَبعثُ في كلِّ أُمّةٍ شهيداً عليهم مِن أنفُسِهم وجِئْنا بِكَ شهيداً على هؤلاء [ النحل:89 ].
وقد ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قوله: « في كلِّ خَلَفٍ من أُمّتي عدلٌ من أهل بيتي، يَنفون عن الدين تحريف الغالين، وانتحالَ المُبطلين، وتأويل الجاهلين » [ قرب الإسناد للحِمْيَري:37، إكمال الدين للصدوق:221 / ح 7 ].
ويجب أن يكون الإمام أفضلَ أهل زمانه، وأقربهم إلى الله عزّوجلّ، وأن تُجمَع فيه خصال الخير المتفرّقة في غيره، بل والممنوع عن غيره، مثل: العلم بكتاب الله وسُنّة رسوله، والفقه في دين الله، والجهاد، والزهد، والرغبة فيما عند الله، إلى غير ذلك كما يجب أن يكون معصوماً من الزلل والزيغ والخطأ في القول والعمل، منزَّهاً عن الأهواء، قال الإمام الصادق عليه السلام: « كلُّ ما كان لرسول الله فَلَنا مِثْلُه، إلاّ النبوّةَ والأزواج » ( بحار الأنوار للشيخ المجلسي 317:26 / ح 83 ).
والإمام بالنصّ، وقد وردت في النصوص المباركة أسماء الأئمّة الاثني عشر وألقابهم على لسان رسول الله صلّى الله عليه وآله في عشرات الروايات، في كتب المسلمين، منها:
• ( ينابيع المودّة لذوي القربى ـ الباب السادس والسبعون ) للشيخ سليمان القندوزي الحنفي، و (فرائد السمطين ) للجويني الشافعي، و ( المناقب ) للخوارزمي الحنفي، و ( كفاية الطالب ) للگنجي الشافعي، و ( علل الشرائع ) للشيخ الصدوق، و ( كفاية الأثر ) للخزّار القمّي الرازي... وفيها: عن ابن عبّاس: قَدِم يهوديٌّ يُقال له نَعثَل فقال: يا محمّد، أخبِرني عن وصيّك مَن هو ؟ فما مِن نبيّ إلاّ وله وصيّ، وإنّ نبيّنا موسى بن عمران وصيُّه يُوشَع بن نون. فقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله: « إنّ وصيّي عليُّ بن أبي طالب، وبعده سبطايَ الحسنُ والحسين، تتلوه تسعةُ أئمّةٍ من صُلب الحسين »، قال نعثل: يا محمّد، فسَمِّهم لي، قال: « فإذا مضى الحسين فابنه عليّ، فإذ مضى عليّ فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفرٌ فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنُه عليّ، فإذا مضى عليٌّ فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن فابنه الحجّة المهدي ».
وسأل جَندَلُ بنُ جُنادة اليهودي رسولَ الله صلّى الله عليه وآله عن أوصيائه، فأجابه: « أوّلُهم سيّدُ الأوصياء أبو الأئمّة علي، ثمّ ابناه الحسن والحسين، فاستمسِكْ بهم ولا يَغرّنّك جهل الجاهلين، فإذا وُلد عليّ بن الحسين زين العابدين يقضي الله عليك »... قال جندل: وَجَدنا في التوراة وفي كتب الأنبياء عليهم السلام إيليا وشبراً وشبيراً، فهذا اسم عليٍّ والحسن والحسين، فمَن بعد الحسين ؟ فأجابه صلّى الله عليه وآله: « إذا انقضت مدّة الحسين فالإمام ابنه عليّ ويُلقّب بـ ( زين العابدين )، فبعده ابنه محمّد ويُلقّب بـ ( الباقر )، فبعده ابنه جعفر يُدعى بـ ( الصادق )، فبعده ابنه موسى يُدعى بـ ( الكاظم )، فبعده ابنه عليّ يُدعى بـ ( الرضا )، فبعده ابنه محمّد يُدعى بـ ( التقيّ والزكيّ )، فبعده ابنه علي يُدعى بـ ( النقيّ والهادي )، فبعده ابنه الحسن يُدعى بـ ( العسكريّ )، فبعده ابنه محمّد يُدعى بـ ( المهديّ والقائم والحُجّة )، فيغيب ثمّ يخرج، فإذا خرج يملأ الأرض قسطاً وعدلاً... ».
باب المعاد
• الموتُ حقّ، والإنسان خُلِق للبقاء، لا للفناء.
• والمُساءلة في القبر حقّ، وأكثر ما يكون عذاب القبر من سوء الخُلق.
• والبعث بعد الموت حقّ، لاقتضاء عدل الله وحكمته في إثابة المحسن ومعاقبة المسيء، أفَحَسِبتُم أنّما خَلَقناكم عَبَثاً وأنّكم إلينا لا تُرجَعون [ المؤمنون:115 ].
• والصراط حقّ، عليه مَمَرّ الخلائق وإنْ منكم إلاّ وإرِدُها كان على ربِّكَ حتماً مقضيّاً [ مريم:71 ]، وهو جسرُ ممدود على متن جهنّم ينتهي إلى الجنّة.
• والميزان حقّ، والحساب حقّ، ونَضَعُ الموازينَ القِسْطَ ليومِ القيامةِ فلا تُظلَمُ نَفْسٌ شيئاً وإن كانَ مِثقال حَبّةٍ مِن خَردلٍ أتَينا بها وكفى بنا حاسبين [ الأنبياء:47 ]، وَوُضِع الكتابُ فترى المجرمينَ مُشْفِقين ممّا فيه ويقولون يا ويلتَنا ما لهذا الكتابِ لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ أحصاها، ووجدوا ما عَمِلوا حاضراً، ولا يَظلِم ربُّك أحداً [ الكهف:49 ].
• وللقيامة أهوالها، وتلك حقيقة مُفزعة.
• والشفاعة حقّ، والحوض حقّ. وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « مَن لم يُؤمن بحوضي فلا أوردَه اللهُ حوضي، ومَن لم يُؤمن بشفاعتي فلا أناله اللهُ شفاعتي... إنّما شفاعتي لأهل الكبائر مِن أمّتي » ( أمالي الصدوق ـ المجلس 2 / ح 4 ).
• والجنّة حقّ، والنار حقّ، وهما مخلوقتان اليوم، بل لا تخرج نفسٌ من الدنيا حتّى ترى مكانها من إحداهما. وقد خُلِقت الجنّة لأهل الإيمان، وخُلِقت النار لأهل الكفر، وتظافرت الروايات أنّ أمير المؤمنين عليّاً هو قسيم الجنّة والنار ( بحار الأنوار / ج 39 ـ باب أنّه عليه السلام قسيم الجنّة والنار ).
رزَقَنا الله تعالى حُبَّ محمّدٍ وآل محمّد، ومتابعتَهم ومشايعتهم، بمنّه وفضله ورحمته، وهو أرحم الراحمين، وأزكى الصلاة والسلام على المصطفى الهادي الأمين، وعلى آله الهداة الطيّبين الطاهرين.
باب التوحيد
في الدليل على الوجود القدسي لله تبارك وتعالى:
• في القرآن المجيد: أفي اللهِ شَكٌّ فاطرِ السَّماواتِ والأرض ؟! [ إبراهيم:10 ]
• سُئل أمير المؤمنين عليه السلام: بماذا عرفتَ ربَّك ؟ فقال: « بفَسخِ العزائم ونَقض الهِمم، لمّا هَمَتُ فَحِيلَ بيني وبين همّي، وعزمتُ فخالَفَ القضاءُ والقدَرُ عزمي، علمتُ أنّ المدبِّرَ غيري » ( التوحيد للشيخ الصدوق:288 / ح 6 ).
• وسُئل الإمام الصادق عليه السلام عن الله فقال للسائل: « هل ركبتَ سفينةً قطّ ؟! » قال: بلى، قال: « هل كُسِرَت بك حيث لا سفينةٌ تُنْجي، ولا سِباحةٌ تُغنيك ؟! » قال: بلى، قال: « فهل تعلّق قلبُك هناك أنّ شيئاً من الأشياء قادرٌ على أن يُخلّصَك من وَرطتك ؟! » قال: بلى، فقال عليه السلام: « فذلك الشيءُ هو اللهُ القادر على الإنجاء حيث لا مُنْجي، وعلى الإغاثة حيث لا مُغيث » ( معاني الأخبار للصدوق:44 ).
• وقيل للإمام الرضا عليه السلام: ما الدليل على حدوث العالَم ؟ فقال: « إنّك لم تكن ثمّ كنت، وقد علمتَ أنّك لم تُكوِّن نفسَك ولا كوّنك مَن هو مِثْلُك » ( التوحيد:293 / ح 3 ).
• وكان لأعرابيٍّ دليله حين قال: البعرةُ تَدُلّ على البعير، وأثر الأقدام على المسير، فسماءٌ ذات أبراج، وأرضٌ ذات فِجاج، ألا تدلاّن على الصانع اللطيف الخبير ؟!
باب العدل
العدل أمرٌ حَسَن، والله جلّ وعلا لا يفعل إلاّ الحَسَن، وهو سبحانه منزّه عن كلّ شيءٍ ينتمي إلى الظلم أو القبح، حاشاه عزّوجلّ، ولا يحتجّ على عباده إلاّ بما آتاهم وعرّفهم، وهو القائل:
ـ وما كُنّا مٌعذِّبين حتّى نبعثَ رسولاً [ الإسراء:15 ].
ـ وما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قوماً بعدَ إذ هَداهُم حتّى يُبيِّنَ لهم ما يتّقون [ التوبة:115 ]، قال الإمام الصادق عليه السلام في بيان ذلك: « حتّى يُعرّفَهم ما يُرضيه وما يُسخطه » ( الكافي للكليني 163:1 )، وفي قوله تعالى: إنّا هَدَيناهُ السبيلَ إمّا شاكراً وإمّا كفوراً [ الإنسان:3 ] قال: « وعرَّفْناه، إمّا آخِذاً وإمّا تاركاً » ( التوحيد:411 ).
والله عزّ شأنُه لا يفعل بعباده إلاّ ما هو أصلح لهم؛ لأنّه لطيفٌ بعباد رؤوفٌ بهم، وهو القائل: يُريدُ اللهُ بكمُ اليُسْرَ ولا يُريدُ بِكمُ العُسْر [ البقرة:185 ]، وفي الحديث القدسيّ الشريف قال تعالى: « إنّ مِن عباديَ المؤمنين لَمَن يُريد البابَ من العبادة، فأكفُّه عنه؛ لئلاّ يَدخلَه عُجْبٌ فيُفسِدَه. وإنّ من عباديَ المؤمنين لَمَن لا يَصلح إيمانُه إلاّ بالفقر، ولو أغنَيتُه لأفسَدَه ذلك. وإنّ من عباديَ المؤمنين لَمَن لا يَصلح إيمانُه إلاّ بالغنى، ولو أفقرتُه لأفسده ذلك. وإنّ من عباديَ المؤمنين لَمَن لا يَصلح إيمانُه إلاّ بالسُّقم، ولو صَحّحتُ جسمَه لأفسده ذلك. وإنّ من عباديَ المؤمنين لَمَن لا يَصلح إيمانُه إلاّ بالصحّة، ولو أسقمتُه لأفسده ذلك. وإنّي أُدبّر عبادي بعلمي بقلوبهم؛ فإنّي عليمٌ خبير » ( علل الشرائع للصدوق:12 / ح 7 ).
والله عزّوجلّ لا يكلّف نفساً إلاّ وُسعَها، ولم يكلّف عبادَه إلاّ دون ما يُطيقون، والوسع دون الطاقة.
باب النبوّة
• جاء زنديقٌ إلى الإمام الصادق عليه السلام فسأله: مِن أين أثبَتَّ الأنبياءَ والرسل ؟ فأجابه عليه السلام بالقول: « إنّا لمّا أثْبتْنا أنّ لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنّا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً لم يَجُزْ أن يُشاهده خَلْقُه ولا يُلامسوه، فيُباشرَهم ويُباشروه، ويُحاجَّهم ويُحاجّوه، ثبتَ أنّ له سُفَراءَ في خَلْقه يُعبّرون عنه إلى خلقه وعباده، ويُدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم، وما به بقاؤُه وفي تركه فَناؤُهم، فثبَتَ الآمِرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه، والمعبّرون عنه جلّ وعزّ، وهم الأنبياءُ عليهم السلام وصفوتُه من خلقه، حكماءَ مُؤدَّبين بالحكمة مبعوثين بها، غيرَ مشارِكين للناس على مشاركتهم لهم في الخَلق والتركيب في شيءٍ من أحوالهم، مؤيَّدين من عند الحكيم العليم بالحكمة، ثمّ ثبت ذلك في دهرٍ وزمانٍ ممّا أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين، لكي لا تَخلُوَ أرضُ الله من حُجّةٍ يكون معه عِلمٌ يَدُلّ على صِدق مقالته، وجوازِ عدالته » ( الكافي 128:1 / ح 1 ـ باب الاضطرار إلى الحُجّة ).
ولابدّ من تخصيص الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين بآياتٍ وعلاماتٍ من الله سبحانه، دالّةٍ على أن شريعتهم من عند ربّهم العالِمِ القادر الغافر الرحيم؛ ليخضع الناسُ للحقّ، وتلك العلامة هي المعجزة.
ولابدّ أن يكون النبيّ منزَّهاً عن كلّ ما يُدنّسه ويَشينه، من: الغِلظة والفَضاضة، وسوءِ الخُلق والحسد والبخل، ودناءة الآباء وعُهر الأمّهات، والعيوب الظاهريّة والباطنيّة. ولابدّ أن يكون معصوماً من الذنوب، محفوظاً عن الصغائر والكبائر، عمداً أو سهواً، كلّ ذلك لئلاّ تتنفّر عنه الطباع، بل لتطيعه طوعاً ورغبة. وكلُّ ما ورد في القرآن والحديث من نسبة الذنوب إلى الأنبياء والأوصياء فهو مؤوَّل، كما ورد عن أهل البيت عليهم السلام في نصوصٍ شريفةٍ مستفيضة.
ونبوّة المصطفى محمّد صلّى الله عليه وآله هي نبوّةٌ عامّة لجميع البشر، وقد خاطبه الله عزّ من قائل: وما أرسَلْناك إلاّ كافّةً للناسِ بشيراً ونذيراً [ سبأ:28 ]. وكما أنّه صلّى الله عليه وآله سيّدُ الأنبياء، كذلك أوصياؤه خير الأوصياء، وكتابه خير الكتب، ودِينُه خير الأديان.
باب الإمامة
إنّ قاعدة الاضطرار إلى النبيّ هي بعينها جاريةٌ في أوصيائهم إلى ظهور نبيٍّ آخر؛ لأنّ الاحتياج إليهم غير مختصّ بوقتٍ دون آخر. ولا يكفي بقاء الكتب والشرائع إذا لم يكن قيّمٌ لها عالِمٌ بها، ذلك هو الوصيّ الوارث لأسرار النبيّ، والحُجّة على الناس من بعده لِيَهْلِكَ مَن هَلَك عن بيّنة، ويحيى مَن حَيَّ عن بيّنة [ الأنفال:42 ].
ووجود الإمام بعد النبيّ يدخل في قاعدة اللُّطف التي دعت إلى وجود النبيّ نفسه، إذ بهما يجتمع الشمل ويُقام العدل وتثبت الحجّة وتحكم الهداية:
ـ وإنْ مِن أُمّةٍ إلاّ خلا فيها نذير [ فاطر:24 ].
ـ إنّما أنت مُنذِرٌ ولِكُلِّ قومٍ هادٍ [ الرعد:7 ].
ـ ويومَ نَبعثُ في كلِّ أُمّةٍ شهيداً عليهم مِن أنفُسِهم وجِئْنا بِكَ شهيداً على هؤلاء [ النحل:89 ].
وقد ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قوله: « في كلِّ خَلَفٍ من أُمّتي عدلٌ من أهل بيتي، يَنفون عن الدين تحريف الغالين، وانتحالَ المُبطلين، وتأويل الجاهلين » [ قرب الإسناد للحِمْيَري:37، إكمال الدين للصدوق:221 / ح 7 ].
ويجب أن يكون الإمام أفضلَ أهل زمانه، وأقربهم إلى الله عزّوجلّ، وأن تُجمَع فيه خصال الخير المتفرّقة في غيره، بل والممنوع عن غيره، مثل: العلم بكتاب الله وسُنّة رسوله، والفقه في دين الله، والجهاد، والزهد، والرغبة فيما عند الله، إلى غير ذلك كما يجب أن يكون معصوماً من الزلل والزيغ والخطأ في القول والعمل، منزَّهاً عن الأهواء، قال الإمام الصادق عليه السلام: « كلُّ ما كان لرسول الله فَلَنا مِثْلُه، إلاّ النبوّةَ والأزواج » ( بحار الأنوار للشيخ المجلسي 317:26 / ح 83 ).
والإمام بالنصّ، وقد وردت في النصوص المباركة أسماء الأئمّة الاثني عشر وألقابهم على لسان رسول الله صلّى الله عليه وآله في عشرات الروايات، في كتب المسلمين، منها:
• ( ينابيع المودّة لذوي القربى ـ الباب السادس والسبعون ) للشيخ سليمان القندوزي الحنفي، و (فرائد السمطين ) للجويني الشافعي، و ( المناقب ) للخوارزمي الحنفي، و ( كفاية الطالب ) للگنجي الشافعي، و ( علل الشرائع ) للشيخ الصدوق، و ( كفاية الأثر ) للخزّار القمّي الرازي... وفيها: عن ابن عبّاس: قَدِم يهوديٌّ يُقال له نَعثَل فقال: يا محمّد، أخبِرني عن وصيّك مَن هو ؟ فما مِن نبيّ إلاّ وله وصيّ، وإنّ نبيّنا موسى بن عمران وصيُّه يُوشَع بن نون. فقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله: « إنّ وصيّي عليُّ بن أبي طالب، وبعده سبطايَ الحسنُ والحسين، تتلوه تسعةُ أئمّةٍ من صُلب الحسين »، قال نعثل: يا محمّد، فسَمِّهم لي، قال: « فإذا مضى الحسين فابنه عليّ، فإذ مضى عليّ فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفرٌ فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنُه عليّ، فإذا مضى عليٌّ فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن فابنه الحجّة المهدي ».
وسأل جَندَلُ بنُ جُنادة اليهودي رسولَ الله صلّى الله عليه وآله عن أوصيائه، فأجابه: « أوّلُهم سيّدُ الأوصياء أبو الأئمّة علي، ثمّ ابناه الحسن والحسين، فاستمسِكْ بهم ولا يَغرّنّك جهل الجاهلين، فإذا وُلد عليّ بن الحسين زين العابدين يقضي الله عليك »... قال جندل: وَجَدنا في التوراة وفي كتب الأنبياء عليهم السلام إيليا وشبراً وشبيراً، فهذا اسم عليٍّ والحسن والحسين، فمَن بعد الحسين ؟ فأجابه صلّى الله عليه وآله: « إذا انقضت مدّة الحسين فالإمام ابنه عليّ ويُلقّب بـ ( زين العابدين )، فبعده ابنه محمّد ويُلقّب بـ ( الباقر )، فبعده ابنه جعفر يُدعى بـ ( الصادق )، فبعده ابنه موسى يُدعى بـ ( الكاظم )، فبعده ابنه عليّ يُدعى بـ ( الرضا )، فبعده ابنه محمّد يُدعى بـ ( التقيّ والزكيّ )، فبعده ابنه علي يُدعى بـ ( النقيّ والهادي )، فبعده ابنه الحسن يُدعى بـ ( العسكريّ )، فبعده ابنه محمّد يُدعى بـ ( المهديّ والقائم والحُجّة )، فيغيب ثمّ يخرج، فإذا خرج يملأ الأرض قسطاً وعدلاً... ».
باب المعاد
• الموتُ حقّ، والإنسان خُلِق للبقاء، لا للفناء.
• والمُساءلة في القبر حقّ، وأكثر ما يكون عذاب القبر من سوء الخُلق.
• والبعث بعد الموت حقّ، لاقتضاء عدل الله وحكمته في إثابة المحسن ومعاقبة المسيء، أفَحَسِبتُم أنّما خَلَقناكم عَبَثاً وأنّكم إلينا لا تُرجَعون [ المؤمنون:115 ].
• والصراط حقّ، عليه مَمَرّ الخلائق وإنْ منكم إلاّ وإرِدُها كان على ربِّكَ حتماً مقضيّاً [ مريم:71 ]، وهو جسرُ ممدود على متن جهنّم ينتهي إلى الجنّة.
• والميزان حقّ، والحساب حقّ، ونَضَعُ الموازينَ القِسْطَ ليومِ القيامةِ فلا تُظلَمُ نَفْسٌ شيئاً وإن كانَ مِثقال حَبّةٍ مِن خَردلٍ أتَينا بها وكفى بنا حاسبين [ الأنبياء:47 ]، وَوُضِع الكتابُ فترى المجرمينَ مُشْفِقين ممّا فيه ويقولون يا ويلتَنا ما لهذا الكتابِ لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ أحصاها، ووجدوا ما عَمِلوا حاضراً، ولا يَظلِم ربُّك أحداً [ الكهف:49 ].
• وللقيامة أهوالها، وتلك حقيقة مُفزعة.
• والشفاعة حقّ، والحوض حقّ. وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « مَن لم يُؤمن بحوضي فلا أوردَه اللهُ حوضي، ومَن لم يُؤمن بشفاعتي فلا أناله اللهُ شفاعتي... إنّما شفاعتي لأهل الكبائر مِن أمّتي » ( أمالي الصدوق ـ المجلس 2 / ح 4 ).
• والجنّة حقّ، والنار حقّ، وهما مخلوقتان اليوم، بل لا تخرج نفسٌ من الدنيا حتّى ترى مكانها من إحداهما. وقد خُلِقت الجنّة لأهل الإيمان، وخُلِقت النار لأهل الكفر، وتظافرت الروايات أنّ أمير المؤمنين عليّاً هو قسيم الجنّة والنار ( بحار الأنوار / ج 39 ـ باب أنّه عليه السلام قسيم الجنّة والنار ).
رزَقَنا الله تعالى حُبَّ محمّدٍ وآل محمّد، ومتابعتَهم ومشايعتهم، بمنّه وفضله ورحمته، وهو أرحم الراحمين، وأزكى الصلاة والسلام على المصطفى الهادي الأمين، وعلى آله الهداة الطيّبين الطاهرين.