بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الله عز وجل في محكم كتابه الكريم:
(الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكُ بِمَعْرُوف أَوْ تَسْرِيحُ بِإِحْسَـان وَلاَيَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيَما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيَما حُدُودَ اللهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيَما افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلَئكَ هُمُ الظَّـالِمُونَ) (229)سورة البقرة
جاءت إمرأة إلى إحدى زوجات النبيّ وشكت لها من زوجها الّذي يطلّقها مراراً ثمّ يعود إليها للإضرار بها، وكان للزّوج في تقاليد الجاهلية الحقّ في أن يطلّق زوجته ألف مرّة ثمّ يعود إليها وهكذا، فلم يكن للطّلاق حدٌّ حين ذاك، وحينما اطّلع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على شكوى هذه المرأة نزلت الآيات أعلاه وبيّنت حدّ الطّلاق(1).
الإسلام قرّر قانون (العدّة) و (الرّجوع) لإصلاح وضع الاُسرة ومنع تشتتّها وتمزّقها، لكنّ بعض المسلمين الجدد استغلّوا هذا القانون كما كانوا عليه في الجاهليّة، وعمدوا إلى التضييق على الزّوجة بتطليقها المرّة بعد الاُخرى والرّجوع إليها قبل انتهاء العدّة، وبهذه الوسيلة ضيّقوا الخناق على النساء
هذه الآية تحول بين هذا السّلوك المنحط وتقرّر أنّ الطّلاق والرّجوع مشروعان لمرّتين، أمّا إذا تكرّر الطّلاق للمرّة الثالثة فلا رجوع، والطّلاق الأخير هو الثالث، والمراد من عبارة (الطّلاق مرّتان) هو أنّ الطّلاق الّذي يُمكن معه الرّجوع مرّتان والطّلاق الثالث لا رجوع بعده، وتضيف الآية (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).
فعلى هذا يكون الطّلاق الثالث هو الأخير لا رجعة فيه، وبعبارة اُخرى أنّ المحبّة والحنان المتقابل بين الزّوجين يمكن إعادتهما في المرّتين السابقتين وتعود المياه إلى مجاريها، وفي غير هذه الصّورة إذا تكرّر منه الطّلاق في المرّة الثالثة فلا يحقّ له الرّجوع إلاّ بشرائط معيّنة
و العدة حق من حقوق الزوج على الزوجة كما هو حكم من احكام الله . ذلك انه في هذه الفترة يراجع الزوج نفسه وقد يعود اليها ، و حكم من الله ، اذ انها تحافظ على ماء الرجل عن الاختلاط بماء غيره ، وبالتالي تمنع ضياع نسب الافراد . و ظهور طبقة من الشذاذ في المجتمع .
ويجب الإلتفات إلى أنّ (إمساك) يعني الحفظ و (تسريح) بمعنى إطلاق السّراح ومجيء جملة (تسريح بإحسان) بعد جملة (الطّلاق مرّتان) إشارة إلى الطّلاق الثالث الّذي يفصل بين الزّوجين لابدّ أن يكون مع مراعاة موازين الحقّ والإنصاف والقيم الأخلاقيّة (جاء في أحاديث متعدّدة أنّ المراد من قوله (تسريح بإحسان) هو الطّلاق الثالث)
( ـ تفسير العياشي : ج 1 ص).
والتسريح :أصله الإِطلاق في الرعي مأخوذ من سرحت الإِبل وهو أن ترعيه السرح، وهو شجر له ثمر يرعاه الإِبل، وقد أُستعير في الآية لإِطلاق المطلقة بمعنى عدم الرجوع إليها في العدة، والتخلية عنها حتى تنقضي عدتها
وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ مفهوم هذه الجملة أوسع من (المهر) وقالوا أنّه يشمل كلّما أعطاه الزوج من الهدايا لزوجته أيضاً(1). تفسير الكبير : ج 9 ص 99.
وممّا يستجلب النظر في مورد الرّجوع والصّلح هو التعبير بـ (المعروف) ولكن في مورد الفرقة والإنفصال ورد التعبير (بإحسان) الّذي يفهم منه ما هو أعلى وأسمى من المعروف، وذلك من أجل جبران ما يتخلّف من المرارة والكآبة لدى المرأة بسبب الإنفصال والطّلاق(2). ـ الميزان : ج 2 ص 234 ذيل الآية
وتستطرق الآية إلى ذكر مسألة (طلاق الخلع) وتقرّر أنّه في حالة واحدة تجوز استعادة المهر وذلك عند رغبة المرأة نفسها بالطّلاق الخلعي حيث تقول الآية :
(إلاّ أن يخافا ألاّ يُقيما حدود الله) الخوف هو الغلبة على ظنهما أن لا يقيما حدود الله، وهي أوامره ونواهيه من الواجبات والمحرمات في الدين، وذلك إنما يكون بتباعد أخلاقهما وما يستوجبه حوائجهما والتباغض المتولد بينهما من ذلك.
ثمّ تضيف (فإن خفتم ألاّ يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به).
أي الفدية أو التعويض الّذي تدفعه المرأة للتّخلّص من الرّابطة الزّوجية، هذه الحالة تختلف عن الاُولى في أنّ الطّالب للفرقة هي المرأة نفسها ويجب عليها دفع الغرامة والتعويض للرّجل الّذي يريد ويطلب بقاء العُلقة الزوجيّة، وبذلك يتمكّن الزّوج بهذه الغرامة والفدية أن يتزوّج مرّة اُخرى ويختار له زوجة ثانية.
والجدير بالذكر أنّ الضّمير في جملة (ألاّ يُقيما) الوارد بصورة التثنية إشارة إلى الزّوجين، ولكنّ في جملة (فإن خفتم) ورد بصيغة الجمع للمخاطب، وهذا التفاوت يمكن أن يكون إشارة إلى لزوم نظارة حكّام الشرع على هذا اللّون من الطّلاق، أو إشارة إلى أنّ تشخيص عدم إمكانيّة استمرار الحياة الزوجيّة مع رعاية حدود الإلهيّة لايمكن أن تكون بعهدة الزّوجين، لأنّه في كثير من الحالات يظنّ الزوجين ولأسباب نفسيّة وحالات عصبيّة عدم إمكانيّة إدامة الحياة الزّوجيّة لأسباب تافهة، ولهذا يجب أن تُطرح المسألة على العرف ومن له علاقة بهذين الزّوجين يثبت بهذه الصورة جواز الطّلاق الخلعي. وفي ختام الآية تشير إلى مُجمل الأحكام الواردة فيها وتقول : (تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود الله فأولئك هم الظّالمون).
المحصلة:
[ الطلاق مرتان ]
و بعدهما على الزوج ان يختار احد الامرين .
[ فامساك بمعروف ]
و زواج صالح و معاشرة معروفة .
[ او تسريح باحسان ]
او انهاء العلاقة الزوجية للأخير ، و اعطاءها حقوقها و اضافة الاحسان الى الحقوق .
وعند الطلاق يبقى المهر عند المرأة ولا يحل للرجل ان يسترجع المهر الا في حالة واحدة هي : تنازل المرأة عن مهرها في مقابل قبول الرجل بطلاقها . اذا هي ارادت الطلاق . وبالطبع في هذه الحالة يجب ان يتدخل الناس ليعرفوا ما اذا كان طلب الطلاق من قبل الزوجة مستند الى تضييع الزوج لحقوق الزوجية . و عدم رعاية حدودالله فيها ، ام نابع من شهوة او غضبة عابرة 0000
************************************************** *******************************
1 ـ مجمع البيان : ج 1 و 2 ص 329. وورد هذا السبب في تفسير الكبير، والقرطبي وروح المعاني أيضاً في ذيل الآية المبحوثة
تفسير الأمثل
تفسير من هدي القرآن
تفسير الميزان
اللهم صل على محمد وآل محمد
الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الله عز وجل في محكم كتابه الكريم:
(الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكُ بِمَعْرُوف أَوْ تَسْرِيحُ بِإِحْسَـان وَلاَيَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيَما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيَما حُدُودَ اللهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيَما افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلَئكَ هُمُ الظَّـالِمُونَ) (229)سورة البقرة
جاءت إمرأة إلى إحدى زوجات النبيّ وشكت لها من زوجها الّذي يطلّقها مراراً ثمّ يعود إليها للإضرار بها، وكان للزّوج في تقاليد الجاهلية الحقّ في أن يطلّق زوجته ألف مرّة ثمّ يعود إليها وهكذا، فلم يكن للطّلاق حدٌّ حين ذاك، وحينما اطّلع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على شكوى هذه المرأة نزلت الآيات أعلاه وبيّنت حدّ الطّلاق(1).
الإسلام قرّر قانون (العدّة) و (الرّجوع) لإصلاح وضع الاُسرة ومنع تشتتّها وتمزّقها، لكنّ بعض المسلمين الجدد استغلّوا هذا القانون كما كانوا عليه في الجاهليّة، وعمدوا إلى التضييق على الزّوجة بتطليقها المرّة بعد الاُخرى والرّجوع إليها قبل انتهاء العدّة، وبهذه الوسيلة ضيّقوا الخناق على النساء
هذه الآية تحول بين هذا السّلوك المنحط وتقرّر أنّ الطّلاق والرّجوع مشروعان لمرّتين، أمّا إذا تكرّر الطّلاق للمرّة الثالثة فلا رجوع، والطّلاق الأخير هو الثالث، والمراد من عبارة (الطّلاق مرّتان) هو أنّ الطّلاق الّذي يُمكن معه الرّجوع مرّتان والطّلاق الثالث لا رجوع بعده، وتضيف الآية (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان).
فعلى هذا يكون الطّلاق الثالث هو الأخير لا رجعة فيه، وبعبارة اُخرى أنّ المحبّة والحنان المتقابل بين الزّوجين يمكن إعادتهما في المرّتين السابقتين وتعود المياه إلى مجاريها، وفي غير هذه الصّورة إذا تكرّر منه الطّلاق في المرّة الثالثة فلا يحقّ له الرّجوع إلاّ بشرائط معيّنة
و العدة حق من حقوق الزوج على الزوجة كما هو حكم من احكام الله . ذلك انه في هذه الفترة يراجع الزوج نفسه وقد يعود اليها ، و حكم من الله ، اذ انها تحافظ على ماء الرجل عن الاختلاط بماء غيره ، وبالتالي تمنع ضياع نسب الافراد . و ظهور طبقة من الشذاذ في المجتمع .
ويجب الإلتفات إلى أنّ (إمساك) يعني الحفظ و (تسريح) بمعنى إطلاق السّراح ومجيء جملة (تسريح بإحسان) بعد جملة (الطّلاق مرّتان) إشارة إلى الطّلاق الثالث الّذي يفصل بين الزّوجين لابدّ أن يكون مع مراعاة موازين الحقّ والإنصاف والقيم الأخلاقيّة (جاء في أحاديث متعدّدة أنّ المراد من قوله (تسريح بإحسان) هو الطّلاق الثالث)
( ـ تفسير العياشي : ج 1 ص).
والتسريح :أصله الإِطلاق في الرعي مأخوذ من سرحت الإِبل وهو أن ترعيه السرح، وهو شجر له ثمر يرعاه الإِبل، وقد أُستعير في الآية لإِطلاق المطلقة بمعنى عدم الرجوع إليها في العدة، والتخلية عنها حتى تنقضي عدتها
وذهب بعض المفسّرين إلى أنّ مفهوم هذه الجملة أوسع من (المهر) وقالوا أنّه يشمل كلّما أعطاه الزوج من الهدايا لزوجته أيضاً(1). تفسير الكبير : ج 9 ص 99.
وممّا يستجلب النظر في مورد الرّجوع والصّلح هو التعبير بـ (المعروف) ولكن في مورد الفرقة والإنفصال ورد التعبير (بإحسان) الّذي يفهم منه ما هو أعلى وأسمى من المعروف، وذلك من أجل جبران ما يتخلّف من المرارة والكآبة لدى المرأة بسبب الإنفصال والطّلاق(2). ـ الميزان : ج 2 ص 234 ذيل الآية
وتستطرق الآية إلى ذكر مسألة (طلاق الخلع) وتقرّر أنّه في حالة واحدة تجوز استعادة المهر وذلك عند رغبة المرأة نفسها بالطّلاق الخلعي حيث تقول الآية :
(إلاّ أن يخافا ألاّ يُقيما حدود الله) الخوف هو الغلبة على ظنهما أن لا يقيما حدود الله، وهي أوامره ونواهيه من الواجبات والمحرمات في الدين، وذلك إنما يكون بتباعد أخلاقهما وما يستوجبه حوائجهما والتباغض المتولد بينهما من ذلك.
ثمّ تضيف (فإن خفتم ألاّ يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به).
أي الفدية أو التعويض الّذي تدفعه المرأة للتّخلّص من الرّابطة الزّوجية، هذه الحالة تختلف عن الاُولى في أنّ الطّالب للفرقة هي المرأة نفسها ويجب عليها دفع الغرامة والتعويض للرّجل الّذي يريد ويطلب بقاء العُلقة الزوجيّة، وبذلك يتمكّن الزّوج بهذه الغرامة والفدية أن يتزوّج مرّة اُخرى ويختار له زوجة ثانية.
والجدير بالذكر أنّ الضّمير في جملة (ألاّ يُقيما) الوارد بصورة التثنية إشارة إلى الزّوجين، ولكنّ في جملة (فإن خفتم) ورد بصيغة الجمع للمخاطب، وهذا التفاوت يمكن أن يكون إشارة إلى لزوم نظارة حكّام الشرع على هذا اللّون من الطّلاق، أو إشارة إلى أنّ تشخيص عدم إمكانيّة استمرار الحياة الزوجيّة مع رعاية حدود الإلهيّة لايمكن أن تكون بعهدة الزّوجين، لأنّه في كثير من الحالات يظنّ الزوجين ولأسباب نفسيّة وحالات عصبيّة عدم إمكانيّة إدامة الحياة الزّوجيّة لأسباب تافهة، ولهذا يجب أن تُطرح المسألة على العرف ومن له علاقة بهذين الزّوجين يثبت بهذه الصورة جواز الطّلاق الخلعي. وفي ختام الآية تشير إلى مُجمل الأحكام الواردة فيها وتقول : (تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعدّ حدود الله فأولئك هم الظّالمون).
المحصلة:
[ الطلاق مرتان ]
و بعدهما على الزوج ان يختار احد الامرين .
[ فامساك بمعروف ]
و زواج صالح و معاشرة معروفة .
[ او تسريح باحسان ]
او انهاء العلاقة الزوجية للأخير ، و اعطاءها حقوقها و اضافة الاحسان الى الحقوق .
وعند الطلاق يبقى المهر عند المرأة ولا يحل للرجل ان يسترجع المهر الا في حالة واحدة هي : تنازل المرأة عن مهرها في مقابل قبول الرجل بطلاقها . اذا هي ارادت الطلاق . وبالطبع في هذه الحالة يجب ان يتدخل الناس ليعرفوا ما اذا كان طلب الطلاق من قبل الزوجة مستند الى تضييع الزوج لحقوق الزوجية . و عدم رعاية حدودالله فيها ، ام نابع من شهوة او غضبة عابرة 0000
************************************************** *******************************
1 ـ مجمع البيان : ج 1 و 2 ص 329. وورد هذا السبب في تفسير الكبير، والقرطبي وروح المعاني أيضاً في ذيل الآية المبحوثة
تفسير الأمثل
تفسير من هدي القرآن
تفسير الميزان
تعليق