مناقب الإمام الحسن عليه السلام
كان الحسن بن علي بن ابي طالب (عليه السلام)، أعبد الناس في زمانه وازهدهم وافضلهم، وكان اذا حج، حج ماشياً وربما مشى حافياً، وكان اذا ذكر الموت بكى، واذا ذكر القبر بكى، واذا ذكر البعث والنّشور بكى، واذا ذكر الممر على الصراط بكى، واذا ذكر العرض على اللّه تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها، وكان اذا قام في صلاة ترتعد فرائصه بين يدي ربه عز وجل، وكان اذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم وسأل اللّه الجنة، وتعوذ باللّه من النار، وكان لا يقرأ من كتاب اللّه عز وجل : يا ايها الذين آمنوا الا قال لبيك اللهم لبيك، ولم ير في شيء من احواله الا ذاكراً للّه سبحانه.
وكان اصدق الناس لهجة، وكان اذا توضّأ ارتعدت مفاصله واصفر لونه، فقيل له في ذلك، فقال : حقّ على كل من وقف بين يدي رب العرش ان يصفر لونه وترتعد مفاصله. وكان اذا بلغ باب المسجد رفع رأسه، ويقول : الهي ضيفك ببابك، يا محسن قد اتاك المسيء فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك، يا كريم. وكان اذا فرغ من الفجر لم يتكلم، حتى تطلع الشمس.
ولقد حج خمساً وعشرين حجة ماشياً وان النجائب لتقاد معه، وقاسم اللّه تعالى ماله مرتين، وروي ثلاث مرات، حتى انه كان يعطي من ماله نعلاً ويمسك خفاً.
وروُي انه (عليه السلام) كان يحضر مجلس رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) وهو ابن سبع سنين، فيسمع الوحي فيحفظه، فيأتي امه فيلقي اليها ما حفظه، كلما دخل عليّ (عليه السلام) وجد عندها علماً بالتنزيل، فسألها عن ذلك فقالت : من ولدك الحسن (عليه السلام) فتخفى يوماً في الدار وقد دخل الحسن وقد سمع الوحي فأراد أن يلقيه اليها، فارتج(1) فعجبت امّه من ذلك فقال : لا تعجبي يا امّاه، فان كبيراً يسمعني، واستماعه قد أوقفني، فخرج عليّ (عليه السلام) فقبّله، وفي رواية، يا اماه قلَّ بياني وكلَّ لساني، لعل سيداً يرعاني.
وعن انس بن مالك قال لم يكن احد اشبه برسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) من الحسن بن علي (عليه السلام).
وعنه قال : حيَّت جارية للحسن بن علي (عليه السلام) بطاقة ريحان فقال لها : انت حرة لوجه اللّه، فقلت له في ذلك، فقال : ادبنا اللّه تعالى، فاذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردُّوها، وكان احسن منها اعتاقها.
وروي انه لم يسمع قط منه (عليه السلام) كلمة فيها مكروه، الا مرة واحدة، فانه كان بينه وبين عمرو بن عثمان خصومة في ارض، فقال له الحسن (عليه السلام) : ليس لعمرو عندنا الا ما يرغم انفه.
ومن حلمه:
ما روى المبرد وغيره أن شامياً رآه راكباً فجعل يلعنه، والحسن (عليه السلام) لا يرد، فلما فرغ أقبل الحسن (عليه السلام) فسلم عليه وضحك، فقال :
أيها الشيخ اظنك غريباً، ولعلك شبهت، فلو اشبعتنا اعتبناك، ولو سألتنا اعطيناك،
ولو استرشدتنا أرشدناك،
ولو استحملتنا أحملناك،
وان كنت جائعاً أشبعناك،
وان كنت عرياناً كسوناك،
وإن كنت محتاجاً أغنيناك،
وان كنت طريداً آويناك،
وان كان لك حاجة قضيناها لك،
فلو حركت رحلك الينا وكنت ضيفنا الى وقت ارتحالك، كان أعود عليك، لأن لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً، فلما سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال:
أشهد أنك خليفة اللّه في أرضه اللّه اعلم حيث يجعل رسالته، وكنت انت وابوك ابغض خلق اللّه الي، وحول رحله اليه وكان ضيفه الى ان ارتحل وصار معتقداً لمحبتهم.
وروي انه لما مات الحسن (عليه السلام) اخرجوا جنازته فحمل مروان بن الحكم سريره، فقال له الحسين (عليه السلام) : تحمل اليوم جنازته وكنت بالامس تجرعه الغيظ، قال مروان: نعم كنت افعل ذلك، بمن يوازن حلمه الجبال.
زاد المعاد-المصدر: الانوار البهية للشيخ القمي قدس سره
تعليق