بسم الله الرحمن الرحيم
اليوم الأول :
الخطبة الشقشقية
[3] ومن خطبة له (عليه السلام) المعروفة بالشِّقْشِقِيَّة .
[وتشتمل على الشكوى من أمر الخلافة ثم ترجيح صبره عنها ثم مبايعة الناس له]
أَمَا وَالله لَقَدْ تَقَمَّصَها فُلانٌ، وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّيَ مِنهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَا، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ،وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ،
فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً، وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَد جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَعَلَى طَخْيَة عَمْيَاءَ، يَهْرَمُ
فيهَا الكَبيرُ، وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ.
[ترجيح الصبر]
فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى، فَصَبَرتُ وَفي الْعَيْنِ قَذىً، وَفي الحَلْقِ شَجاً، أرى تُرَاثي نَهْباً، حَتَّى مَضَى
الاْوَّل ُلِسَبِيلِهِ، فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فلان بَعْدَهُ.
ثم تمثل بقول الاعشى:
شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا * وَيَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ
فَيَا عَجَباً !بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُها في حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لاخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ ـ لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا ! ـ فَصَيَّرَهَا في حَوْزَة
خَشْنَاءَ، يَغْلُظُ كَلْمُهَا، وَيَخْشُنُ مَسُّهَا، وَيَكْثُرُ العِثَارُ[فِيهَا] وَالاْعْتَذَارُ مِنْهَا،فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ، إِنْ أَشْنَقَ لَهَا
خَرَمَ، وَإِنْ أَسْلَسَلَهَا تَقَحَّمَ، فَمُنِيَ النَّاسُ ـ لَعَمْرُ اللهِ ـ بِخَبْط وَشِمَاس، وَتَلَوُّن وَاعْتِرَاض.
فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ، وَشِدَّةِ الْمحْنَةِ،حَتَّى إِذا مَضَى لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا في جَمَاعَة زَعَمَ أَنَّي أَحَدُهُمْ. فَيَا للهِ وَلِلشُّورَى!
مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الاْوَّلِ مِنْهُمْ، حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هذِهِ النَّظَائِرِ! لكِنِّي أَسفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا، وَطِرْتُ إِذْ طَارُوا،
فَصَغَا رَجُلُ مِنْهُمْ لِضِغْنِه، وَمَالَ الاْخَرُ لِصِهْرهِ، مَعَ هَن وَهَن.
إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ القَوْمِ، نَافِجَاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلهِ وَمُعْتَلَفِهِ، وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اللهِ خَضْمَ الاْبِل نِبْتَةَ
الرَّبِيعِ، إِلَى أَنِ انْتَكَثَ عَلَيْهِ فَتْلُهُ، وَأَجْهَزَعَلَيْهِ عَمَلُهُ، وَكَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ.
[مبايعة علي(عليه السلام)]
فَمَا رَاعَنِي إلاَّ وَالنَّاسُ إليَّ كَعُرْفِ الضَّبُعِ،يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِب، حَتَّى لَقَدْ وُطِىءَ الحَسَنَانِ، وَشُقَّ عِطْفَايَ،
مُجْتَمِعِينَ حَوْلي كَرَبِيضَةِ الغَنَمِ.
فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالاْمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ، وَمَرَقَتْ أُخْرَى، وَفَسَقَ [وقسط]آخَرُونَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ ( تِلْكَ
الدَّارُ الاخِرَةُ نَجْعَلُهَاِ للَّذِينَ لاَ يُريدُونَ عُلُوّاً في الاَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، بَلَى! وَاللهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا
وَوَعَوْهَا،وَلكِنَّهُمْ حَلِيَتَ الدُّنْيَا في أَعْيُنِهمْ، وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا!
أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ،لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، وَمَا أَخَذَاللهُ عَلَى العُلَمَاءِ أَلاَّ
يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِم، وَلا سَغَبِ مَظْلُوم،لاَ لقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِها،وَلاَلفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ
هذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْز!
قالوا: وقام إِليه رجل من أهل السواد عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته، فناوله كتاباً، فأقبل ينظر فيه، فلمّا
فرغ من قراءته قال له ابن عباس: يا أميرالمؤمنين، لو اطَّرَدت مَقالتكَ من حيث أَفضيتَ! فَقَالَ(عليه السلام):
هَيْهَاتَ يَابْنَ عَبَّاس! تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ!
قال ابن عباس: فوالله ما أَسفت على كلام قطّ كأَسفي على ذلك الكلام أَلاَّ يكون أميرالمؤمنين(عليه السلام)بلغ منه حيث أراد.
اليوم الأول :
الخطبة الشقشقية
[3] ومن خطبة له (عليه السلام) المعروفة بالشِّقْشِقِيَّة .
[وتشتمل على الشكوى من أمر الخلافة ثم ترجيح صبره عنها ثم مبايعة الناس له]
أَمَا وَالله لَقَدْ تَقَمَّصَها فُلانٌ، وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّيَ مِنهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَا، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ،وَلا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ،
فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً، وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَد جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَعَلَى طَخْيَة عَمْيَاءَ، يَهْرَمُ
فيهَا الكَبيرُ، وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ.
[ترجيح الصبر]
فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى، فَصَبَرتُ وَفي الْعَيْنِ قَذىً، وَفي الحَلْقِ شَجاً، أرى تُرَاثي نَهْباً، حَتَّى مَضَى
الاْوَّل ُلِسَبِيلِهِ، فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فلان بَعْدَهُ.
ثم تمثل بقول الاعشى:
شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا * وَيَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ
فَيَا عَجَباً !بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُها في حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لاخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ ـ لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا ! ـ فَصَيَّرَهَا في حَوْزَة
خَشْنَاءَ، يَغْلُظُ كَلْمُهَا، وَيَخْشُنُ مَسُّهَا، وَيَكْثُرُ العِثَارُ[فِيهَا] وَالاْعْتَذَارُ مِنْهَا،فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ، إِنْ أَشْنَقَ لَهَا
خَرَمَ، وَإِنْ أَسْلَسَلَهَا تَقَحَّمَ، فَمُنِيَ النَّاسُ ـ لَعَمْرُ اللهِ ـ بِخَبْط وَشِمَاس، وَتَلَوُّن وَاعْتِرَاض.
فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ، وَشِدَّةِ الْمحْنَةِ،حَتَّى إِذا مَضَى لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا في جَمَاعَة زَعَمَ أَنَّي أَحَدُهُمْ. فَيَا للهِ وَلِلشُّورَى!
مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الاْوَّلِ مِنْهُمْ، حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هذِهِ النَّظَائِرِ! لكِنِّي أَسفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا، وَطِرْتُ إِذْ طَارُوا،
فَصَغَا رَجُلُ مِنْهُمْ لِضِغْنِه، وَمَالَ الاْخَرُ لِصِهْرهِ، مَعَ هَن وَهَن.
إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ القَوْمِ، نَافِجَاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلهِ وَمُعْتَلَفِهِ، وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اللهِ خَضْمَ الاْبِل نِبْتَةَ
الرَّبِيعِ، إِلَى أَنِ انْتَكَثَ عَلَيْهِ فَتْلُهُ، وَأَجْهَزَعَلَيْهِ عَمَلُهُ، وَكَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ.
[مبايعة علي(عليه السلام)]
فَمَا رَاعَنِي إلاَّ وَالنَّاسُ إليَّ كَعُرْفِ الضَّبُعِ،يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِب، حَتَّى لَقَدْ وُطِىءَ الحَسَنَانِ، وَشُقَّ عِطْفَايَ،
مُجْتَمِعِينَ حَوْلي كَرَبِيضَةِ الغَنَمِ.
فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالاْمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ، وَمَرَقَتْ أُخْرَى، وَفَسَقَ [وقسط]آخَرُونَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ ( تِلْكَ
الدَّارُ الاخِرَةُ نَجْعَلُهَاِ للَّذِينَ لاَ يُريدُونَ عُلُوّاً في الاَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، بَلَى! وَاللهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا
وَوَعَوْهَا،وَلكِنَّهُمْ حَلِيَتَ الدُّنْيَا في أَعْيُنِهمْ، وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا!
أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ،لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ، وَمَا أَخَذَاللهُ عَلَى العُلَمَاءِ أَلاَّ
يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِم، وَلا سَغَبِ مَظْلُوم،لاَ لقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِها،وَلاَلفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ
هذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْز!
قالوا: وقام إِليه رجل من أهل السواد عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته، فناوله كتاباً، فأقبل ينظر فيه، فلمّا
فرغ من قراءته قال له ابن عباس: يا أميرالمؤمنين، لو اطَّرَدت مَقالتكَ من حيث أَفضيتَ! فَقَالَ(عليه السلام):
هَيْهَاتَ يَابْنَ عَبَّاس! تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ!
قال ابن عباس: فوالله ما أَسفت على كلام قطّ كأَسفي على ذلك الكلام أَلاَّ يكون أميرالمؤمنين(عليه السلام)بلغ منه حيث أراد.
تعليق