: أنا و أنتِ وإمكان دمج الضميرين في نحنُ :
=========================
: إنفصال الضمائر وإشكالياتها في الحياة الزوجيّة :
============================
: مُقاربة حَلٍّ وعلاج :
===========
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
يبدو أنَّ إستقلالية الضمائر المنفصلة في عالم النحو والعربية وخاصة الضميران أنا وأنتِ
واللذان هما من أعرف المعارف على مُسمياتها
وأقدرهما على العمل والحكاية عن الذات والآخر
والمُتكلّم والمُخاطَب .
قد إنبسطتْ توسعاً في عملها وأثرها على بساط الحياة الزوجية
ليتحفَّظَ كل منهما على إستقلاليته ووظيفته في تعيين مُسماه الوجودي والشخصي .
ويقف حائلاً دون إمكان التحول والتعايش النحوي والعملي
في نطاق ضمير نحنُ .
ذلك الضمير الذي إنعقد عليه عنوان الزوجية والإثنينية
ليُشكِّل نحواً آخراً من التعريف الشرعي والإجتماعي والإنساني والعاطفي يتعيَّن في مسماه الزوجان المندمجان حياتيا .
إنَّ قلق الضمير أنا و أنتِ أوأنتَ وأنا
يجب أن يُغادر الجملة الإسمية الثبوتية والتي تحكي عن معنى
: نَحنُ زوجان :
ليكون بدله السكون والإستقرار والرفع وتقرير الحكم وتوكيده
وإنما يُصارُ إلى ذلك من خلال الإتصال والعمل الواحد .
وإدراك وتقدير قيمة الوحدة والإئتلاف والإقتراب من حد المعرفة الوحدوية مفهوماً ومصداقا.
نعم لايختلف النحاة في أنَّ الضمير هو أعرف المعارف
بإعتبار إبتعاده عن حد النكرة والإبهام
وقربه من الوضوح والإنكشاف أكثر.
ولكن هذا لايعطي مُبرراً لصاحبه في أن يبقى في نطاق حده وتعريفه.
ليمتنع تعسفاً أو إعتداداُ بذاته عن إمكان قبول الآخر والإندماج معه تعريفا .
وهذا الإمتناع والتفكك يمنح صاحبه قدرة مؤثِّرة في التفكير
ضمن نطاق الأنا والفردانية التي عاشها قبل الزواج
وعلق بها بعده.
فالإحتماء خلف الضمير أنا أوغيره في صورة التعايش الزوجي
لايبقيِ للعقد والشراكة أي أمانٍ أو إستدامة حكمية أو موضوعية
أو حتى فرصة للحوار بين الضمائر أنا وأنتِ
وأعني الزوجين.
في وقتٍ كان الأجدر بالضمير أنا وهو المُعبّر عن المُتكلّم
أن لايسنى مُخاطَبه أنتِ
والذي هو جزء حيوي من غرض التكلم والحوار مع الآخر .
فأنا وإن كان حاضراً بقوة الحس والإلقاء
لكن أنتِ حاضرة هي الآخرى برتبة التلقي والتكاملية
و لاتقبل النكران والفصل والتمييز .
من هنا وإنطلاقاً من أسس النحو العربي والمُتفاهم العرفي
يجب على كل من الضميرين أنا وأنتِ
أن يأخذا بنظر الإعتبار الأحكامي والموضوعي
طريق التحاور والحل الذاتي والموضوعي
خياراً نحويا وزوجيا مُنتجاً لا محالة .
إذ لايمكن أن نؤسس جملاً أو سَمِّها أسرةً
من دون الإنضمام إلى الآخر .
كون الإسناد والتركب إنما يتحقق بركنيه المُسنَد والمُسنَد إليه
في صورة
أنا أنتِ
و
أنتِ أنا
فكذا تتشكَّل الحياة الزوجية من تركب وإتصال الضمائر بعضها ببعض لتكوِّن ضميراً نهائيا مُستقرا وعاملاً بصيغة
: نَحنُ :
إنَّ هذه المُقاربة الحليَّة الجادة ليس هي بدعاً من الفروض الذهنية أو المثالية .
وإنما هي واقع جلي غفلَ عنه الكثير.
والجهل به يُفوتُ على المتزوجين إمكان الحل ودفع الإنفصال
ولم تكن المشاكل الزوجية لتأتي من خارج كوكب الأرض
أو من غير مخلوق .
بل الإنسان هو ذاته من يصنع المشكلة
وهو ذاته من يقدر على حلّها
على أيِّ حالٍ كان هو .
فالحل يكمن في أن يدرك الضمير أنا
أنَّ الضمير أنتِ
هو من جنسه التعريفي وليس هو نكرة في قبال معرفة .
حتى يجهله أويجعله مُنبهِماً .
لايعترف بمعرفته وخصوصيته الوجودية .
ولو لاحظنا الإلتفاتات القرآنية الرائعة في صياغة وتشريع الزواج
بدقة لوجدنا أنَّ كل من الضميرين أنا وأنتِ
قد إشتركا في جنس التعريف والوجود قيمةً وأثرا .
بل الأرقى هو خروج الضمير أنتِ من رحم الضمير أنا
ليستقرا ويسكنا معاً في حضن الزوجية والضمير نحنُ
قال اللهُ تعالى
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الروم21
والنفس البشرية هي مَن تعبِّر عن ذاتها بالأنا
ولكن يبقى للإتصال إمكانه الوقوعي وجوديا
لتهدأ حينها فورة وأنانية الضمائر المنفصلة عندما تدرك وتعي أهمية الترابط والتعالق المُنتِج والفعّال.
لأنَّ المُقايسة والإنحصار في عمق الضمير الخاص
يخنق روح ومعنى الزواج ويحوِّله إلى وادٍ سحيق يصعبُ ردمه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :
تعليق