: الزواج وأصالة الإيجاب والقبول :
===================
: تحريك المُتّفق وتجميد المُختَلَف :
==================
: حلٌّ و علاج :
=========
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
من المعلوم فقهياً وشرعياً أنَّ الزواج هو عقدٌ مُقدَّس بين الرجل والمرأة يحلُ بسببه كلٌ منهما على الآخر
ويتقوم هذا العقد وجوداً بالتراضي القلبي بين الطرفين
وبكتابة وتدوين وتوثيق الإيجاب من الزوج والقبول من الزوجة بالفعل .
فالزوج هو المُبادر والمُختار الأول في إنشاء العقد وإلزام نفسه به
وهذا هو معنى الإيجاب أي الإثبات والإلزام للذات بما يتطلبه ويفرضه العقد المُنشأ إختياراً
والزوجة هي الأخرى تُمثل ركناً مقوما ورئيساً في إتمام العقد وتحقيقه في حال قبولها بإلتزام الزوج وإقترانه بها شرعا.
وإذا تبين هذا التمهيد المفاهيمي في موضوع الزوجية
يبقى الفهم و التطبيق مرهونا بثقافة الطرفين معاً في منحاها الفقهي والمجتمعي
ليتمسكا معاً بأصالة الإيجاب والقبول في حال إعترضتهما المشاكل والمُختلفات الحياتية في ميدان الزوجية
إذ إنَّ الإختلاف إنما يحصل بسبب التنازع في الإجتماع
فيمكن دفعه من رأس إن أحسن الزوجان التعايش معاً
أو يمكن تجميده وتجاوزه .
في حال المضي بأصالة الإجتماع والإيجاب والقبول من أول العقد
والإستدامة بذلك موضوعا وأثرا .
وهنا نضع نقاط مختصرة تدفع بالتي هي أحسن
وهي كما يلي
:1:
واقعاً ليس الأمرُ مُنحصراً في موضوعة كيف أن تكون المرأة مُطيعة لزوجها
أو كيف يكون الزوج مُحسناً إلى زوجته تطبيقا .
لا بل الأمر يمتد وينبسط مفهوماً وتطبيقا إلى مجاله الأوسع
وهو ضرورة إدراك ووعي عنوان الزوجية
بوصفها تعايش ثنائي يتمحور حول قطب الحقوق والواجبات المُتبادلة بينهما معاً .
لذا الزوجان معاً معنيان بضرورة المُثاقفة الحقوقية والفقهية
وحتى السلوكية
فيما يخصهما في إدارة ملف الزوجية وإدامته بصورة صالحة ومثمرة
:2:
يجب أن تلتفت المرأة الواعية إلى أنها إنسانة وأنثى مُلزَمَةٌ ومُحقّة في نفس الوقت في العملية الزوجية
بمعنى أن تدرك واجباتها تجاه زوجها في نطاق المفاهيم وتقدر على التكيّف في إعمالها فعلياً
وكذا عليها أن تدرك حقوقها الخاصة بها ولاتسمح للآخر بتجاوزها أو إهمالها
والزوج هو الآخر قد ألزم نفسه بإلزامات الزوجية
بفعل العقد الشرعي
وأثبتَ ذلك في حقه قلباً ولفظا وتدوينا
فلا ينبغي به التفريط بها أو إسقاطها تطبيقا
بالتعسف .
:3:
كثيراً ما تحصل وبحكم إختلاف الطبايع البشرية والأمزجة والميول المُنافرة بين الزوجين نفسيا وسلوكيا وحتى آيديولوجيا
وهنا يتطلب الأمر من الزوجين العمل على إزاحة وتجاوز المُختَلف عليه وتجميده
وتفعيل وتحريك المُتفق عليه والذهاب به إلى إكمال المسيرة الزوجية وإدامتها
إذ ما من شك في أنَّ أصل الحياة الزوجية قد قام على مُشترك مُتفقُ عليه شرعاً
وهو ما يُسمى فقهيا بعقد الزواج والذي ينعقد ببركة الإيجاب من الزوج والقبول من الزوجة معاً
وبالتالي ممكن التحرك طبقاً لأصالة الإيجاب والقبول من الزوجين معاً
لتصحيح كل مُختلف زوجي ومعالجته بحسب الإمكان
وإن لم ينوجد الحل يُصار إلى مرحلة تجاوزه وتجميده
:4:
ينبغي بالزوجين معاً أن يؤمنا بإستقلالية البنية والهيكلية الزوجية بوصفها وحدة إجتماعية
تشكّلت بفعل عقد وإلتزام يفرض على الطرفين إلزاماته ويمنحهما الحقوق
وهذه الإستقلالية التعاقدية الشرعية والمجتمعية تُحتم على الزوجين الفهم المرن والمُنتج في حقلي ومفهومي الواجب والحق
فما كان على الزوج من واجبات تجاه زوجته
فهو مُلزمٌ بها شرعا وبحسب القدرة والمُكنة المالية والتدبيرية وغيرها
وكذا ما يكون على الزوجة من واجبات هي مُلزمةٌ بها تجاه زوجها فلا ينبغي بها أن تُفرّط بها إمتثالاً أو تهملها وعيا وإدراكا
فبإمتثال الواجب ينوجد الحق للآخر
وبوجود الحق ينفرض الواجب على الآخر أيضا
تلك هي المعادلة القيمية والتي يجب على الزوجين التعرف عليها جيداً وتطبيقها فعلاً
والقرآن الكريم قد أرشد تأسيساً إلى تلكم المعادلة المحورية والمنتجة
قال تعالى
{ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ }البقرة228
بمعنى
وللزوجات حقوقٌ على الأزواج مثل التي عليهن من الواجبات
على الوجه المعروف والحَسن
في إشارة منه عز وجل إلى معيارية وقيمة الواجب والحق
في قدرهما المُتساويين معاً
وأي تقصير في تطبيق الواجب أو إيجاد الحق من الطرفين معاً فسوف تختل أطراف المعادلة ويحصل تفكك في الشركة وديمومتها موضوعا وحكما
:5:
إنَّ نفس عنوان الزوجية والذي هو لب وكنه العقد المُقدّس شرعا
يفرض في التلبس الفعلي به
أن يخرج كل من الزوجين من نطاق الفردانية و الإُحادية مُطلقا
في ميدان التطبيق
بمعنى أنَّ الزوجين حينما يتنجز ويتم بينهما العقد الشرعي
لابد أن يتزاوجا في كل ما يقبل التزاوج واقعاً من المعاشرة الصالحة وتجنب الإضرار فيما بينهما
والترفع عن الشحناء والبغضاء وإنتهاءً بالمداراة على كل حال
بوصف كل منهما إنساناً مُتحيثاً بحيثية الطبيعة والأمزجة والميول
ذلك كون الزوجية ذاتها تقبل التركيب وتأبى التفكك والبساطة والفردانية .
هذا بحسب منطقية الأشياء ومعقولياتها البشرية .
قال اللهُ تعالى
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ }الأعراف189
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :
تعليق