هو الحُبُّ لا شَيءٌ ألَذُّ مِنَ الحُبِّ *** و لكنَّهُ يُشتارُ مِن مَسلكٍ صَعبِ
فمَن رامَهُ عَفواً يَكُن مِثلَ باسِطٍ *** يَدَيهِ لَيَلقى فيهِما أحَدَ الشُّهْبِ
و قد يُستَلَدُّ الحُبُّ حتَّى بلاءهُ *** و بَعضُ جُناةِ الشَّهدِ يلتَذُّ باللَّسْبِ
و كَم مُستفيدٍ بالبَلاءِ جلالَةً *** كَمِثلِ حَديدِ السَّيفِ بالسَّبكِ و الضَّربِ
و كالصَّفوَةِ السَّامينَ قَدراً على الوَرى *** بما اختَصَّهُم رَبُّ السَّماواتِ بالقُربِ
فَقَد مُحِّصُوا بالنَّائباتِ كَرَامَةً *** و يا حَبَّذا مَسُّ الأذى في رِضى الرَّبِّ
فَلُوِّحَ إبراهيمُ في النَّار شاكِراً *** و كُلِّفَ أن يَختارَ ذَبحَ ابنِهِ النَّدبِ
فأسلَمَ إسماعيلُ لِلذَّبحِ نفسَهُ *** فَغَادَرَهُ للذَّبحِ مُلقىً على الجَنبِ
و مُحِّصَ موسى بالعُصاةِ مِنَ العِدَا *** و لا سيَّما أهلِ النِّفاقِ مِنَ الصَّحبِ
و أيُّوبُ بالبَلوى و يَعقوبُ بالضَّنى *** و يُونُسُ بالظَّلما و يُوسُفُ بالجُبِّ
و مُحِّصَ خَتمُ الأنبياءِ و آلُهُ *** بأضعافِ ما ذاقَ النَّبيُّونِ في الحُبِّ
فَخُوصِمَ مَظلوماً و كُذِّبَ صادِقاً *** و أُلجئَ مَخذولاً إلى الغارِ و الشِّعْبِ
و في حَربِ صَخرٍ شُجَّ في حَرِّ وَجهِهِ *** بِفِهرٍ ألا شاهَت وُجُوهُ بَني حَربِ
و ذاقَ عليٌّ مِثلُ ما ذاقَ أحمَدٌ *** لِأَنَهُما قُطبَا الوِلايَةِ و القُرْبِ
و مُحِّصَت الزَّهراءُ في الجِسمِ بالأذى *** و في القَولِ بالتَّكذيبِ و المالِ بالغَصبِ
و في وِلدِها بالقَتلِ بالسُّمِّ و الظِّبى *** و سُمْر القنا و السَّبِّ و السَّبيِ و السَّلبِ
و أرزاؤها في كربلاءَ سَمَت على *** جَميعِ الرَّزايا في البلاءِ و في الكَربِ
عَشيَّةَ يَستدعي الحُسَينَ مَليكُهُ *** ليُسكنَهُ في ظِلِّ جَنَّاتِهِ الغُلبِ
و يَسقيهِ من كأسِ الشَّهادةِ شَربَةً *** لها طَرُبَت غُرُّ الملائِكِ في الحُجبِ
و كُوشِفَ أنصارُ الحُسينِ بسِرِّها *** فطاروا لها فوقَ المُضَمَّرَةِ النُّجْبِ
سماحاً بأرواحٍ سُماةٍ إلى العُلى *** رُوَاء مِنَ التَّقوى ظِماءٍ مِنَ الشُّربِ
مُجَلِّينَ في الجُلَّى مُصلِّينَ في الدُّجى *** كَثيرينَ في الهَيجَا قليلينَ في الحَسبِ
إلى أن قَضَوا يُبْسَ اللَّهاةِ مِنَ الظَّما *** و ما بَلَّها غَيرُ الدِّما قَطُّ مِن رَطبِ
لقد ظَفَروا في صِدقِهِم وَعْدَ رَبِّهِم *** بمَقعَدِ صِدقٍ عِندَ أحبابِهِ رَحْبِ
فَلَم يَبقَ إلَّا واحِدُ العصرِ واحِداً *** كِذبُّ العِدا عَن آلِهِ أبلغَ الذَّبِّ
كأنِّي به في مَظهَر القهرِ بارِزاً *** كمِثلِ شِهابٍ من على الجَوِّ مُنصَبِّ
فما انقَضَّ نحوَ الجَيشِ إلَّا أطارَهُ *** مِنَ الرُّعبِ خَفَّاقَ الجناحَينِ و القلبِ
فصاراهُمُ في الضَّربِ و الطَّعنِ خِلسَةً *** على عَجَلٍ مِمَّا عراهُم مِنَ الرُّعبِ
و رَشقُ سِهامٍ سَدَّتِ الأُفقَ سُدِّدَت *** إلَيهِ كما سَدَّ الفضا صَيِّبُ السُّحبِ
يَخوضُ عُبابَ المَوتَ شَوقاً إلى اللِّقا *** و يَسبَحُ ما بَينَ العواسِلِ و القُضبِ
يُفَرِّقُ ما بَينَ المناكِبِ و الطَّلَى *** و يَجمَعُ ما بَينَ التَّرائِبِ و التُّربِ
إذا شَكَّ مِنهُم مَوضِعَ الشَّكِّ أيقَنُوا *** بِصِحَّةِ عِلمِ اللُّدنِ في القلبِ و الصُّلبِ
فَبَيْنَاهُ إذ وافاهُ سَهمٌ بِقلبِهِ *** فَحَنَّ على وَجهِ الثَّرى ساكِنَ القَلبِ
رِضاً بقضاءِ اللهِ سَلماً لِحُكمِهِ *** شَكوراً على تَبليغِهِ غايَةَ القُربِ
فيا لَيتَني في كَرْبَلَاءَ شَهِدتُهُ *** و ساعَدْتُهُ حتى قَضَيتُ بها نَحبيْ
و يا لهفَ نَفسي لِلحُسَينِ و ما جرى *** عليهِ غَدَاةَ الطَّفِّ مِن فادِحِ الخَطبِ
أَمِثلُ حُسَينٍ تُستباحُ دِماؤُهُ *** و يُذبَحُ ذبحَ الكبشِ بالصَّارِمِ العَضبِ
و يَركَبُ شِمرٌ صدرَهُ و هو عَيبَةٌ *** لما في قُلُوبِ الأنبياءِ و في الكُتبِ
و يَنحَرُ شِمرٌ نَحرَهُ و لَطَالَما *** تَرَشَّفَهُ المُختارُ مِن شِدَّةِ الحُبِّ
و يُرفعُ مَنصوباً على الرُّمحِ رأسُهُ *** و خَفضُ العُلى في ذلِكَ الخفضِ و النَّصبِ
أَجِسمَاً تُرَبِّيهِ البَتولُ تَدوسُهُ *** الخُيُولُ كَسيرَ العَظمِ بالحافِرِ الصَّلبِ
سُلِبْتُ قراراً حيثُ خِلتُ حَريمَهُ *** تَرومُ فِراراً خِيفَةَ السَّبيِ و السَّلبِ
و عِلْتُ اصطِباراً لليتامى و ذُلِّها *** و ما الصَّبرُ إلَّا مُستحيلٌ مِنَ الصَّبِ
بنفسي الأيامى الفاطِمِيَّاتُ حُسَّراً *** على الضُّلَّعِ الأنقاضِ و البُزّلِ الجُرْبِ
و سَيِّدُنا السَّجَّادُ يُحمَلُ صاغِراً *** على الأدهَمِ المَجدولِ و الأحدَبِ الصَّلبِ
يُلاحِظُهُم شَزَرَاً يَزيدٌ شَمَاتَةً *** تَغَشَّاهُ لَعنٌ لا يَبيدُ مَدى الحقبِ
أَمَولَايَ يابنَ العَسكريِّ إغاثَةً *** فقد جَلَّ تَقصيرُ الزَّمانِ عَنِ العَتبِ
لقد بَعُدَت أهلُوهُ عن مَركَزِ التُّقى *** بأضعافِ ما بَينَ المُعَدَّلِ و القُطبِ
و تاهَت بِتَيْهَاءِ الضَّلالِ أراذِلٌ *** بَنَت أمرَهُم فينا على الخَفضِ و النَّصبِ
فقُم و انتَقِم مِن غيرِ أمرٍ مِنَ العِدَا *** و سَكِّن قُلُوبَ الأولياءِ مِنَ الرُّعبِ
فَمَنْ لي بِمَن يَسعى إلَيَّ مُبَشِّراً *** بأن طَلَعَت شَمسُ النَّهارِ مِنَ الغَربِ
فألقاكَ تَقفوني إلَيكَ أمَاجِدٌ *** تَميتُّ بِضَيفِ اللهِ في عَسكَرٍ لَجْبِ
تَحِفُّ بِكَ الأملاكُ في أَيِّ عُدَّةٍ *** و تَهوي لَكَ الأبصارُ مِن ظُلَلِ السُّحْبِ
فَتَصلِبُ في الصُّلبِ الأصَمِّ أَئِمَّةٌ *** حَنَى صُلبَهُم طُولُ العِبادَةِ لِلصُّلبِ
هُنالِكَ يَشفي قَلبَهُ كُلُّ مُؤمِنٍ *** و يَبقى حَليفَ الكُفرِ مُحتَرِقَ القَلبِ
وَلائي لَكُم يا سادَتي و بَرَاءَتي *** مِن اعدائِكُم دِينٌ أَدِينُ بِهِ رَبِّيْ
إذا حَسَنٌ وافى بِهِ في معادِهِ *** فَحَسبي بِهِ في دَفعِ ما أَتَّقِي حَسبيْ
فَمِنُّوا بإدخاليْ غداً في جِوارِكُم *** و أَصلي و فَرعي و المُشارِكُ في الحُبِّ
عَلَيكُم سَلَامُ اللهِ ما افتَاقَ مُدنِفٌ *** إلى الطّبِّ أو تاقَ المُحِبُّ إلى الحُبِّ
الشيخ حسن الدمستاني