بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلى على محمد وال محمد وعجل فرجهم يا كريم
مشكلةُ كثيرٍ من الخلق أنَّهم ينظرون إلى الشهوة والغريزة ومطالب الهوى نظرة الربِّ الآمر، لا يهمّهم بعدها مَن فوقهم، وأين هم، وكيف تتجه وجهةُ أجسادهم، وأين يكمن منهم الموت وضرورات المسير، وإلى أين يرحلون، وأين يحطّون، وعن أيّ شيءٍ ينزحون، وماذا يُحمِّلون ظهورهم ويُرهِنون أنفسهم..
تراهُم: يؤمنون بالمصنوع ويتناسون الصانع.!
ينذهلون بالخلق ولا يعبؤون بالخالق.!
تأخذهم الدهشةُ من أسرار الكون ومعالم السماء ولا يلتفتون إلى ربِّ السماء وبانيها.!
ينتفضون مذعورين رافضين إنْ قيل لهم انّ أهرام مصر بُنيت في لحظةٍ واحدةٍ من لا شيء ودون أي تدخُّل من باني. فيرمون مَن يقول هذا الكلام بالجنون والإسقاط ولا يرون له حجَّةً في عقلٍ أو قول، كلُّ ذلك في نفس الوقت الذي لا يرون فيه بأساً أن تكون السماء وما فيها مِن ممالك وأسرار وقوانين معجزة خُلِقت بلا خالق..! وقد قال تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ * أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ * أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ * أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ * فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ * يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ * وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ * وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) (الطور/ 35-49).
تبارك الله أحسن الخالقين، الذي خَلَقَ الخلقَ مِن لا شيء، وهو على كلِّ شيءٍ قدير. وقد جاء في النص:
-الإمام علي (ع):"كلُّ صانع شيء فمِن شيء صَنَع، واللهُ لا مِن شيءٍ خَلَق ما صَنَع".
-الإمام الباقر (ع):وقد سأله رجلٌ مِن علماء أهل الشام: .. فالشيء خلقه من شيء أو من لا شيء؟ فقال (ع): خلق الشيء لا من شيء كان قبله، ولو خلق الشيء من شيء إذاً لم يكن له انقطاع أبداً، ولم يزل اللهُ إذاً ومعه شيء، ولكن كان الله ولا شيء معه. [تأكيد لوحدانيَّة الله تعالى وانقطاع كلّ شيء إليه، فهو ربُّ الأرباب وسبب الأسباب والقادر القاهر الذي ليس كمثلِهَ شيء وهو السميع البصير].
-الإمام الصادق (ع):من مناظرته زندقياً.. قال الزنديق:"من أيِّ شيء خلق الأشياء؟ قال (ع): لا من شيء. فقال الزنديق: كيف يجيئ مِن لا شئ، شيءٌ؟ قال (ع): إنّ الأشياء لا تخلو أن تكون خُلِقَت من شيء أو من غير شيء فإن كانت خُلِقَت من شيء كان معه فإنّ ذلك الشيء قديم، والقديمُ لا يكون حديثاً ولا يفنى ولا يتغيَّر، ولو يخلو ذلك الشيء من أن يكون جوهراً واحداً ولوناً واحداً، فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة والجواهر الكثيرةُ الموجودة في هذا العالم من ضروبٍ شتَّى؟ ومن أين جاء الموت إن كان الشيء الذي اُنشئت منه الأشياءُ حيَّاً؟ أو من أين جاءت الحياةُ إن كان ذلك الشيء ميتاً؟ ولا يجوز أن يكون من حي وميت قديمين لم يزالا، لأنّ الحيَّ لا يجيئ منه ميت وهو لم يزل حيّاً، ولا يجوز أيضاً أن يكون الميت قديماً لم يزل بما هو به من الموت، لأنّ الميت لا قدرة له ولا بقاء. (فاحتار الزنديق وبدا على وجهِه العجب) وقال: مِن أين قالوا... قال (ع): إنّ الأشياء تدلُّ على حدوثها من دوران الفلك بما فيه.. وتحرُّك الأرض ومَن عليها، وانقلاب الأزمنة، واختلاف الوقت والحوادث التي تحدثُ في العالم من زيادة ونقصان وموتٍ وبَلَى، واضطرار النفس إلى الإقرار بأنَّ لها صانعاً ومدبِّراً، أما ترى الحلو يصير حامضاً، والعذب مُرّاً، والجديد بالياً، وكلٌّ إلى تغيُّرٍ وفناء" فانبهر الزنديق ممّا سمع فلم ينطق بكلمة.
-سُئل الإمام علي (ع) عن الدليل على الواحد؟ فقال: ما بالخلق مَن الحاجة. [ما أقصره من جواب وأعظمه من برهان].
-وقال (ع): ".. الدالّ (عزّ وجلّ) على قدمه بحدوث خلقه، وبحدوث خلقه على وجوده.. مستشهد بحدوث الأشياء على أزلَّيته، وبما وسمها به من العجز على قدرته، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه".
..! يقول الله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة/ 164)، بل كلُّ شيءٍ دليلٌ على الله وبرهانٌ عليه.
وقد سُئل الإمام علي (ع) عن إثبات الصانع؟ فقال (ع):
"العبرةُ تدلُّ على البعير، والروثة تدلُّ على الحمير، وآثارُ القدمِ تدلُّ على المسير، فهيكلٌ علويٌّ بهذه اللطافة، ومركزٌ سفلي بهذه الكثافة كيف لا يدلان على اللطيف الخبير!" [فما أعظم هذا الدليل، وما أدقّ تعابيره..!]..
وقيل لأعرابي: هل شككتَ يوماً في اللهِ وأنت لا تراهُ؟ فقال: وهل شككتُ يوماً في الشمس والقمر والنجم والشجر والتربة والمدر حتى أشكَّ في الله تعالى..!
أي كيف تتيقَّن الوجود ولا تتيقَّن الواجد! كيف تؤمن بالمخلوقات ولا تؤمن بالخالق! بل كيف يُذهلُكَ جمالُ فلا تردُّهُ إلى الحكيم ذي الجلال. ولقد كان أميرُ المؤمنين (ع) كثيراً ما يقول إذا فرغ مِن صلاة الليل:
"..أشهد أنّ السماوات والأرض وما بينهما آياتٌ تدلُّ عليك (على الله)، وشواهد تشهدُ بما إليه دعوتَ. كلُّ ما يؤدِّي عنك الحجَّة ويشهد لك بالربوبيَّة موسومٌ بآثارِ نعمتك ومعالم وتدبيرك..".
بربِّك:ماذا بعد هذا من برهانٍ ودليل..!
وقد سُئل الإمام الرضا (ع) عن الدليل على حدوث العالم؟ فقال: "أنت لم تكن ثمّ كنت، وقد علمتَ أنَّك لم تُكوِّن نفسك، ولا كوَّنك مَن هو مثلك". إذاً خالقُ الخلق وواجد الوجود والمهيمن على الأسباب هو الذي خلقك، وقد قال تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) (الإنسان/ 1-3).
وفي هذه المضامين نصوصٌ جليلةُ مباركةٌ تأخذ بلطائف بالعقل، منها:
-قال الإمام علي (ع): ".. بصنع الله يُستدلُّ عليه، وبالعقولِ تُعتقد معرفته، وبالفكرة تثبت حجَّتُهُ، وبآياته احتجَّ على خلقه".
-عنه (ع): "ظهرت في بدائع الذي أحدثها آثارُ حكمته، وصار كل شيء خلق حجّة له ومنتسباً إليه، فإن كان خلقاً صامتاً فحجَّتُهُ بالتدبير ناطقةٌ فيه".
-الإمام الباقر (ع): في قوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلا)(الإسراء/ 72)، قال: .. فمَن لم يدلُّه خلقُ السماوات والأرض واختلافُ الليل والنهار، ودورانُ الفلك بالشمس والقمر، والآياتُ العجيباتُ على أنّ وراء ذلك أمراً هو أعظم منه (فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى) قال: فهو عمَّا لم يعاين أعمىً وأضلّ سبيلاً. وفي تفسيرها أيضاً قال الإمام الرضا (ع): يعني أعمىً عن الحقائق الموجودة.
-الإمام الصادق (ع) – وقد سأله زنديق قائلاً: ما الدليلُ على صانع العالم؟ - فقال (ع): وجودُ الأفاعيل التي دلَّت على أنَّ صانعاً صنعها. ألا ترى أنّك إذا نظرتَ إلى بناء مُشيَّد مبنى علمت أنّ له بانياً، وإن كُنتَ لم ترَ الباني ولم تشاهده! [فما أعظم الحجّة واسطع البرهان].
-عنه (ص):[.. أوَّلُ العِبَر والأدلَّة على الباري جلَّ قدسه: تهيئةُ هذا العالم وتأليفُ أجزائه ونَظْمُها على ما هي عليه. فإنك إذا تأمَّلت العالم بفكرك وميَّزتَهُ بعقلك وجدتَهُ كالبيت المبني المُعدّ فيه جميعُ ما يحتاجُ إليه عبادُه، فالسماءُ مرفوعةٌ كالسقف، والأرضُ ممدودةٌ كالبساط، والنجومُ منضودةٌ كالمصابيح، والجواهرُ مخزونةٌ كالذخائر، وكلُّ شيء فيها لشأنه مُعدّ، والإنسانُ كالمُملَّك ذلك البيت، والمُخوَّل جميعَ ما فيه، وضروبُ النبات مهيَّأةٌ لمآرِبهِ، وصنوفٌ الحيوانِ مصروفةٌ في مصالحه ومنافعه، في هذا دلالةٌ واضحة على أنّ العالم مخلوقٌ بتقديرٍ وحكمةٍ ونظام وملائمة، وأنّ الخالق له واحد]. (أقول في هذا الحديث أعظم براهين التناسق فضلاً عن برهان الخلق)..
ولو تفكَّرت في "عظيم خلق الله تعالى"، ونظرت إلى آثار خلقه وموجوداته لأدركت البراهين الكبرى في الخلق، والقدرة والحكمة الناصعة في الخالق. وقد عبَّر الإمام علي (ع) عن هذا الأمر بإشارةٍ عظيمةٍ فقال:
[.. ولو فكَّروا في عظيم القدرة، وجسيم النِّعمة، لرجعوا إلى الطريق، وخافوا عذاب الحريق،
ولكن القلوبَ عليلةٌ، والأبصار مدخولةٌ.
أفلا ينظرون إلى صغير ما خلق: كيف أحكم خلقه وأتقَن تركيبه،
وفلق له السمع والبصر، وسوَّى له العظم والبشر؟
انظروا إلى النملة في صغر جثَّتِها ولطافة هيئتها،
لا تكاد تُنال بلحظ البصر ولا بمستدرك الفكر،
كيف دبَّت على أرضها وضنت على رزقها..
لو فكَّرت في مجاري أكلها، وفي علوها وسفلها، وما في الجوف من شراسيف بطنها، وما في الرأس من عينها واذنها، لقضيت من خلقها عجباً، ولقيت من وصفها تعباً..
فانظر إلى الشمس والقمر، والنبات والشجر، والماء والحجر، واختلاف الليل والنهار، وتفجُّر هذه البحار، وكثرة هذه الجبال، وطول هذه القلال، وتفرُّق هذه اللغات والألسن المختلفات.
فالويلُ لمن أنكر المقدّر، وجحدَ المُدبّر،
زعموا أنَّهم كالنبات ما لهم زارع ولا لإختلاف صورهم صانع،
لم يلجأوا إلى حجَّة فيما ادَّعوا، ولا تحقيق لما وَعَوا،
وهل يكون بناءٌ من غير بانٍ أو جنايةٍ من غير جانٍ.!].
في هذا إجابةٌ عميقة عن سؤال: مَن أنا، ومَن خلقني، ولمن أنتمي، وفي أي بقعةٍ من الوجود أسكن.
هذا بطبيعة الحال يكشف لك المسيرة، ويوجِّه نظرك نحو أُسس وغايات ومصالح لابدّ أن تراعيها، ويأخذ بعنقك إلى السماء، لتقف تحت سرح العبودية فتعلن الولاء لله تعالى الذي لم يخلق الخلق عبثاً، وقد قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) (المؤمنون/ 115-116)، وعليه: لابدَّ من تأدية فروض الطاعة لله تعالى على نحوٍ من بنى معرفيَّة.
وما أعظم أن استَشهِدَ بمقطوعةٍ ذهبية مذهلةٍ من براهين علي بن أبي طالب (ع) الذي يدهش العقول بكلامه حيث كان يقول في مناجاته:
"أنت الذي في السماءِ عظمتُك، وفي الأرضِ قُدرتُك، وفي البحار عجائبُك، وفي الظلماتِ نُورُك..".
تباركت يا الله ما أعظمك، وأعظم البيان الذي أجريته على لسان عبدك أمير المؤمنين وسيِّد الوصيين (ع)..
وقد جاء واحدٌ من الصيّادين إلى الإمام الصادق (ع) يسأله عن حكمة الخالق عزّ وجلّ؟ فقال له:
".. فإذا أردت أن تعرف سعة حكمة الخالق وقصر علم المخلوقين فانظر إلى ما في البحار من ضروب السمك ودواب الماء والأصداف والأصناف التي لا تُحصى ولا تعرف منافعها إلا الشيء بعد الشيء يدركه الناسُ بأسباب تحدث".
هذا ما أراد الأميرُ (ع) الإشارة إليه في طيَّات وصيَّته لولده الحسن (ع)، لتعبر منه إلى الأمم والناس أجمعين. أراد أن يشير إلى عظيم خلق الله، إلى الآيات البيِّنات، وإلى السموات المرفوعات، إلى الأسرار المغروسات، إلى كُتُب الكون ولغاتِه المرصَّعة على أعناق الوجود. وقد قال تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (غافر/ 57)، (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (يونس/ 10)، وعن عظيم الآيات والبراهين الساطعة قال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) (يوسف/ 105)، وقال تعالى: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) (الأنبياء/ 32).
إلى الكثير من الآيات والنصوص التي تشيرُ إلى هذه المعاني الرفيعة، التي لا يمكن لعقلٍ أن يجحدها. وفيها من البراهين والقطعيات ما لا يقوى عقلٌ على رفضِهِ أو منعه. وقد قال الإمام علي (ع):
"سبحانك ما أعظم ما نرى من خلقك! وما أصغر كلِّ عظيمة في جنب قدرتك! وما أهول ما نرى من ملكوتك! وما أحقر ذلك فيما غاب عنَّا من سلطانك! وما أسبغ نعمك في الدنيا! وما أصغرها في نِعَم الآخرة".
اللهم صلى على محمد وال محمد وعجل فرجهم يا كريم
مشكلةُ كثيرٍ من الخلق أنَّهم ينظرون إلى الشهوة والغريزة ومطالب الهوى نظرة الربِّ الآمر، لا يهمّهم بعدها مَن فوقهم، وأين هم، وكيف تتجه وجهةُ أجسادهم، وأين يكمن منهم الموت وضرورات المسير، وإلى أين يرحلون، وأين يحطّون، وعن أيّ شيءٍ ينزحون، وماذا يُحمِّلون ظهورهم ويُرهِنون أنفسهم..
تراهُم: يؤمنون بالمصنوع ويتناسون الصانع.!
ينذهلون بالخلق ولا يعبؤون بالخالق.!
تأخذهم الدهشةُ من أسرار الكون ومعالم السماء ولا يلتفتون إلى ربِّ السماء وبانيها.!
ينتفضون مذعورين رافضين إنْ قيل لهم انّ أهرام مصر بُنيت في لحظةٍ واحدةٍ من لا شيء ودون أي تدخُّل من باني. فيرمون مَن يقول هذا الكلام بالجنون والإسقاط ولا يرون له حجَّةً في عقلٍ أو قول، كلُّ ذلك في نفس الوقت الذي لا يرون فيه بأساً أن تكون السماء وما فيها مِن ممالك وأسرار وقوانين معجزة خُلِقت بلا خالق..! وقد قال تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ * أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ * أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ * أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ * أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ * فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ * يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ * وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ * وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) (الطور/ 35-49).
تبارك الله أحسن الخالقين، الذي خَلَقَ الخلقَ مِن لا شيء، وهو على كلِّ شيءٍ قدير. وقد جاء في النص:
-الإمام علي (ع):"كلُّ صانع شيء فمِن شيء صَنَع، واللهُ لا مِن شيءٍ خَلَق ما صَنَع".
-الإمام الباقر (ع):وقد سأله رجلٌ مِن علماء أهل الشام: .. فالشيء خلقه من شيء أو من لا شيء؟ فقال (ع): خلق الشيء لا من شيء كان قبله، ولو خلق الشيء من شيء إذاً لم يكن له انقطاع أبداً، ولم يزل اللهُ إذاً ومعه شيء، ولكن كان الله ولا شيء معه. [تأكيد لوحدانيَّة الله تعالى وانقطاع كلّ شيء إليه، فهو ربُّ الأرباب وسبب الأسباب والقادر القاهر الذي ليس كمثلِهَ شيء وهو السميع البصير].
-الإمام الصادق (ع):من مناظرته زندقياً.. قال الزنديق:"من أيِّ شيء خلق الأشياء؟ قال (ع): لا من شيء. فقال الزنديق: كيف يجيئ مِن لا شئ، شيءٌ؟ قال (ع): إنّ الأشياء لا تخلو أن تكون خُلِقَت من شيء أو من غير شيء فإن كانت خُلِقَت من شيء كان معه فإنّ ذلك الشيء قديم، والقديمُ لا يكون حديثاً ولا يفنى ولا يتغيَّر، ولو يخلو ذلك الشيء من أن يكون جوهراً واحداً ولوناً واحداً، فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة والجواهر الكثيرةُ الموجودة في هذا العالم من ضروبٍ شتَّى؟ ومن أين جاء الموت إن كان الشيء الذي اُنشئت منه الأشياءُ حيَّاً؟ أو من أين جاءت الحياةُ إن كان ذلك الشيء ميتاً؟ ولا يجوز أن يكون من حي وميت قديمين لم يزالا، لأنّ الحيَّ لا يجيئ منه ميت وهو لم يزل حيّاً، ولا يجوز أيضاً أن يكون الميت قديماً لم يزل بما هو به من الموت، لأنّ الميت لا قدرة له ولا بقاء. (فاحتار الزنديق وبدا على وجهِه العجب) وقال: مِن أين قالوا... قال (ع): إنّ الأشياء تدلُّ على حدوثها من دوران الفلك بما فيه.. وتحرُّك الأرض ومَن عليها، وانقلاب الأزمنة، واختلاف الوقت والحوادث التي تحدثُ في العالم من زيادة ونقصان وموتٍ وبَلَى، واضطرار النفس إلى الإقرار بأنَّ لها صانعاً ومدبِّراً، أما ترى الحلو يصير حامضاً، والعذب مُرّاً، والجديد بالياً، وكلٌّ إلى تغيُّرٍ وفناء" فانبهر الزنديق ممّا سمع فلم ينطق بكلمة.
-سُئل الإمام علي (ع) عن الدليل على الواحد؟ فقال: ما بالخلق مَن الحاجة. [ما أقصره من جواب وأعظمه من برهان].
-وقال (ع): ".. الدالّ (عزّ وجلّ) على قدمه بحدوث خلقه، وبحدوث خلقه على وجوده.. مستشهد بحدوث الأشياء على أزلَّيته، وبما وسمها به من العجز على قدرته، وبما اضطرها إليه من الفناء على دوامه".
..! يقول الله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (البقرة/ 164)، بل كلُّ شيءٍ دليلٌ على الله وبرهانٌ عليه.
وقد سُئل الإمام علي (ع) عن إثبات الصانع؟ فقال (ع):
"العبرةُ تدلُّ على البعير، والروثة تدلُّ على الحمير، وآثارُ القدمِ تدلُّ على المسير، فهيكلٌ علويٌّ بهذه اللطافة، ومركزٌ سفلي بهذه الكثافة كيف لا يدلان على اللطيف الخبير!" [فما أعظم هذا الدليل، وما أدقّ تعابيره..!]..
وقيل لأعرابي: هل شككتَ يوماً في اللهِ وأنت لا تراهُ؟ فقال: وهل شككتُ يوماً في الشمس والقمر والنجم والشجر والتربة والمدر حتى أشكَّ في الله تعالى..!
أي كيف تتيقَّن الوجود ولا تتيقَّن الواجد! كيف تؤمن بالمخلوقات ولا تؤمن بالخالق! بل كيف يُذهلُكَ جمالُ فلا تردُّهُ إلى الحكيم ذي الجلال. ولقد كان أميرُ المؤمنين (ع) كثيراً ما يقول إذا فرغ مِن صلاة الليل:
"..أشهد أنّ السماوات والأرض وما بينهما آياتٌ تدلُّ عليك (على الله)، وشواهد تشهدُ بما إليه دعوتَ. كلُّ ما يؤدِّي عنك الحجَّة ويشهد لك بالربوبيَّة موسومٌ بآثارِ نعمتك ومعالم وتدبيرك..".
بربِّك:ماذا بعد هذا من برهانٍ ودليل..!
وقد سُئل الإمام الرضا (ع) عن الدليل على حدوث العالم؟ فقال: "أنت لم تكن ثمّ كنت، وقد علمتَ أنَّك لم تُكوِّن نفسك، ولا كوَّنك مَن هو مثلك". إذاً خالقُ الخلق وواجد الوجود والمهيمن على الأسباب هو الذي خلقك، وقد قال تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) (الإنسان/ 1-3).
وفي هذه المضامين نصوصٌ جليلةُ مباركةٌ تأخذ بلطائف بالعقل، منها:
-قال الإمام علي (ع): ".. بصنع الله يُستدلُّ عليه، وبالعقولِ تُعتقد معرفته، وبالفكرة تثبت حجَّتُهُ، وبآياته احتجَّ على خلقه".
-عنه (ع): "ظهرت في بدائع الذي أحدثها آثارُ حكمته، وصار كل شيء خلق حجّة له ومنتسباً إليه، فإن كان خلقاً صامتاً فحجَّتُهُ بالتدبير ناطقةٌ فيه".
-الإمام الباقر (ع): في قوله تعالى: (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلا)(الإسراء/ 72)، قال: .. فمَن لم يدلُّه خلقُ السماوات والأرض واختلافُ الليل والنهار، ودورانُ الفلك بالشمس والقمر، والآياتُ العجيباتُ على أنّ وراء ذلك أمراً هو أعظم منه (فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى) قال: فهو عمَّا لم يعاين أعمىً وأضلّ سبيلاً. وفي تفسيرها أيضاً قال الإمام الرضا (ع): يعني أعمىً عن الحقائق الموجودة.
-الإمام الصادق (ع) – وقد سأله زنديق قائلاً: ما الدليلُ على صانع العالم؟ - فقال (ع): وجودُ الأفاعيل التي دلَّت على أنَّ صانعاً صنعها. ألا ترى أنّك إذا نظرتَ إلى بناء مُشيَّد مبنى علمت أنّ له بانياً، وإن كُنتَ لم ترَ الباني ولم تشاهده! [فما أعظم الحجّة واسطع البرهان].
-عنه (ص):[.. أوَّلُ العِبَر والأدلَّة على الباري جلَّ قدسه: تهيئةُ هذا العالم وتأليفُ أجزائه ونَظْمُها على ما هي عليه. فإنك إذا تأمَّلت العالم بفكرك وميَّزتَهُ بعقلك وجدتَهُ كالبيت المبني المُعدّ فيه جميعُ ما يحتاجُ إليه عبادُه، فالسماءُ مرفوعةٌ كالسقف، والأرضُ ممدودةٌ كالبساط، والنجومُ منضودةٌ كالمصابيح، والجواهرُ مخزونةٌ كالذخائر، وكلُّ شيء فيها لشأنه مُعدّ، والإنسانُ كالمُملَّك ذلك البيت، والمُخوَّل جميعَ ما فيه، وضروبُ النبات مهيَّأةٌ لمآرِبهِ، وصنوفٌ الحيوانِ مصروفةٌ في مصالحه ومنافعه، في هذا دلالةٌ واضحة على أنّ العالم مخلوقٌ بتقديرٍ وحكمةٍ ونظام وملائمة، وأنّ الخالق له واحد]. (أقول في هذا الحديث أعظم براهين التناسق فضلاً عن برهان الخلق)..
ولو تفكَّرت في "عظيم خلق الله تعالى"، ونظرت إلى آثار خلقه وموجوداته لأدركت البراهين الكبرى في الخلق، والقدرة والحكمة الناصعة في الخالق. وقد عبَّر الإمام علي (ع) عن هذا الأمر بإشارةٍ عظيمةٍ فقال:
[.. ولو فكَّروا في عظيم القدرة، وجسيم النِّعمة، لرجعوا إلى الطريق، وخافوا عذاب الحريق،
ولكن القلوبَ عليلةٌ، والأبصار مدخولةٌ.
أفلا ينظرون إلى صغير ما خلق: كيف أحكم خلقه وأتقَن تركيبه،
وفلق له السمع والبصر، وسوَّى له العظم والبشر؟
انظروا إلى النملة في صغر جثَّتِها ولطافة هيئتها،
لا تكاد تُنال بلحظ البصر ولا بمستدرك الفكر،
كيف دبَّت على أرضها وضنت على رزقها..
لو فكَّرت في مجاري أكلها، وفي علوها وسفلها، وما في الجوف من شراسيف بطنها، وما في الرأس من عينها واذنها، لقضيت من خلقها عجباً، ولقيت من وصفها تعباً..
فانظر إلى الشمس والقمر، والنبات والشجر، والماء والحجر، واختلاف الليل والنهار، وتفجُّر هذه البحار، وكثرة هذه الجبال، وطول هذه القلال، وتفرُّق هذه اللغات والألسن المختلفات.
فالويلُ لمن أنكر المقدّر، وجحدَ المُدبّر،
زعموا أنَّهم كالنبات ما لهم زارع ولا لإختلاف صورهم صانع،
لم يلجأوا إلى حجَّة فيما ادَّعوا، ولا تحقيق لما وَعَوا،
وهل يكون بناءٌ من غير بانٍ أو جنايةٍ من غير جانٍ.!].
في هذا إجابةٌ عميقة عن سؤال: مَن أنا، ومَن خلقني، ولمن أنتمي، وفي أي بقعةٍ من الوجود أسكن.
هذا بطبيعة الحال يكشف لك المسيرة، ويوجِّه نظرك نحو أُسس وغايات ومصالح لابدّ أن تراعيها، ويأخذ بعنقك إلى السماء، لتقف تحت سرح العبودية فتعلن الولاء لله تعالى الذي لم يخلق الخلق عبثاً، وقد قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) (المؤمنون/ 115-116)، وعليه: لابدَّ من تأدية فروض الطاعة لله تعالى على نحوٍ من بنى معرفيَّة.
وما أعظم أن استَشهِدَ بمقطوعةٍ ذهبية مذهلةٍ من براهين علي بن أبي طالب (ع) الذي يدهش العقول بكلامه حيث كان يقول في مناجاته:
"أنت الذي في السماءِ عظمتُك، وفي الأرضِ قُدرتُك، وفي البحار عجائبُك، وفي الظلماتِ نُورُك..".
تباركت يا الله ما أعظمك، وأعظم البيان الذي أجريته على لسان عبدك أمير المؤمنين وسيِّد الوصيين (ع)..
وقد جاء واحدٌ من الصيّادين إلى الإمام الصادق (ع) يسأله عن حكمة الخالق عزّ وجلّ؟ فقال له:
".. فإذا أردت أن تعرف سعة حكمة الخالق وقصر علم المخلوقين فانظر إلى ما في البحار من ضروب السمك ودواب الماء والأصداف والأصناف التي لا تُحصى ولا تعرف منافعها إلا الشيء بعد الشيء يدركه الناسُ بأسباب تحدث".
هذا ما أراد الأميرُ (ع) الإشارة إليه في طيَّات وصيَّته لولده الحسن (ع)، لتعبر منه إلى الأمم والناس أجمعين. أراد أن يشير إلى عظيم خلق الله، إلى الآيات البيِّنات، وإلى السموات المرفوعات، إلى الأسرار المغروسات، إلى كُتُب الكون ولغاتِه المرصَّعة على أعناق الوجود. وقد قال تعالى: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (غافر/ 57)، (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (يونس/ 10)، وعن عظيم الآيات والبراهين الساطعة قال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) (يوسف/ 105)، وقال تعالى: (وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ) (الأنبياء/ 32).
إلى الكثير من الآيات والنصوص التي تشيرُ إلى هذه المعاني الرفيعة، التي لا يمكن لعقلٍ أن يجحدها. وفيها من البراهين والقطعيات ما لا يقوى عقلٌ على رفضِهِ أو منعه. وقد قال الإمام علي (ع):
"سبحانك ما أعظم ما نرى من خلقك! وما أصغر كلِّ عظيمة في جنب قدرتك! وما أهول ما نرى من ملكوتك! وما أحقر ذلك فيما غاب عنَّا من سلطانك! وما أسبغ نعمك في الدنيا! وما أصغرها في نِعَم الآخرة".
ال?اتب : الشيخ جعفر حسن عتريسي
تعليق