بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) آل عمران:97ومن هنا أفتى علمائنا الأبرار بأن الحج يجب في تمام العمر مرة واحدة في أصل الشرع وهو المسمى بحجة الإسلام، وقد يجب لعارض كالإفساد والتحمل والعهد والنذر واليمين ونحوها، ويستحب مؤكداً كل عام على الأثرياء بل لا يبعد على جميع المسلمين بنحو الوجوب الكفائي في كل عام بحيث لا تبقى مكة والمشاعر المقدسة خالية من الحجاج في أيام الحج وهذا الإهتمام الكبير من قبل الشريعة المقدسة هو بالحقيقة نابع من الفوائد الجمة التي تحقق من خلال هذا الغرض الإلهي وهذه الفوائد كثيرة تتكامل وفق أداء الواجب مع مستحباته سواء تلك المستحبات متقدمة على الواجب أم أثناءه أم بعده ومن أبرز المستحبات التي ينبغي على الحاج إتيانها وعدم تغافلها زيارة مرقد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله والمراقد المشرَّفة المظلومة لأئمة الهدى عليهم السلام في البقيع الغرقد، ومن هنا أفتى الإمام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي في مناسك الحج المسألة الثالثة ص7 قال: «يستحب للحجاج وغيرهم زيارة رسول الله صلى الله عليه وآله بالمدينة المنورة استحباباً مؤكداً، ولا يبعد وجوبها كفاية على جميع المسلمين، فيجبر الإمام الناس على ذلك ان تركوه، لما فيه من الجفاء المحرم، وفي الحاق المعصومين عليهم السلام في المدينة المنورة وغيرها بالنبي صلى الله عليه وآله في ذلك احتياط وجوبي».
ولا يخفى ما في ابراز اتحاد المسلمين حول زيارة النبي صلى الله عليه وآله وأوصياءه المعصومين عليهم السلام من زيادة في الروابط المشتركة وأظهار للرموز الإسلامية والولاء لها تلك النفوس التي جاهدت الجهاد العظيم في سبيل نشر الإسلام الصحيح والمعارف الإلهية.
كما وفيه العمل بالمودة المفروضة للرسول وآله قال تعالى: «قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى».
في الوقت الذي نؤكد فيه أن منع المؤمنين من الزيارة والتوسل بالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين عليهم السلام، ابعاد لهم عن أصول الإسلام ورجاله القوامون عليه الذين أرتضاهم الله سبحانه لدينه وجعلهم اولياء على منهاجه.
أشكال واتهامات وردود:
توجه دائماً من قبل البعض اتهامات لأتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام بل ولغيرهم من أتباع المدارس الأخرى ممن يزورون قبر النبي الأكرم والمعصومين والأولياء أنهم مشركون عبدة القبور، وللرد نقول:
إنَّ شيعة أهل البيت عليهم السلام معتقدين باستحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله والأئمة الطاهرين عليهم السلام وجواز التبرك بها كما ورد في الأحاديث الشريفة الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة وكذلك ما ورد عن كتب المخالفين فقد صرح بعض علمائهم بالإجماع على مشروعية زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله حيث قال: (فإنها من أفضل الأعمال وأجل القربات الموصلة الى ذي الجلال وأن مشروعها محل إجماع بلا نزاع والله الهادي للصواب) أنظر (فتح الباري) للعسقلاني الشافعي: ج3ص66ط دار المعرفة بيروت.
وايضاً روي في زيارة فاطمة الزهراء عليها السلام لقبر حمزة سيد الشهداء عليه السلام في كل جمعة ما يؤيد ذلك حيث رواه القرطبي في تفسيره، وغيره في غيره.
استغفار الرسول:
وجاء في تفسير ابن كثير: ج1ص521 ط دار الفكر بيروت: عن العتبي قال: كنت جالساً عند قبر النبي صلى الله عليه وآله فجاء اعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرَوا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) النساء:64، وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً لك الى ربي...).
معاذ بن جبل وزيارة الرسول:
وفي مصباح الزجاجة لأحمد بن أبي بكر الكناني: ج4ص178ط دار العربية بيروت: باب من ترجى له السلامة من الفتن بسنده عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب أنه خرج يوماً الى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فوجد معاذ بن جبل قاعداً عند قبر النبي صلى الله عليه وآله يبكي، فقال: مايبكيك؟ قال: يبكيني شيء سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وآله سمعته صلى الله عليه وآله يقول: أن يسير الرياء شرك....) الحديث رواه أيضاً: ابن ماجه في سنته: ج2ص1320 ط دار الفكر بيروت.
وفي تفسير أبن كثير:ج3ص516 ط دار الفكر بيروت، عنه صلى الله عليه وآله: (من صلى عليَّ عند قبري سمعته ومن صلى عليَّ من بعيد).
ابن عمر وزيارة الرسول:
وفي سنن البهيقي: ج5 ص245 و246 ح10050ط مكة المكرمة: (باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله بسنده عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ما من أحد يسلم علي إلا ردَّ الله ألي روحي حتى أرد عليه السلام) وقال في ح10051 بسنده عن أيوب عن نافع: (ان ابن عمر كان إذا قدم من سفر دخل المسجد ثم أتى القبر فقال السلام عليك يا رسول الله...)، وفي ح10052 قال: بسنده عن مالك عن عبد الله بن دينار انه قال: (رايت عبد الله بن عمر يقف على قبر النبي صلى الله عليه وآله ثم يسلم على النبي صلى الله عليه وآله ويدعو....). وفي ح10053 قال: بسنده عن سوار بن ميمون أبي الجراح العبدي قال: حدثني رجل من آل عمر عن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من زار قبري أو قال من زارني كنت له شفيعاً أو شهيداً...) وقال في ح10054 بسنده عن مجاهد عن عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وآله: (من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي).
وفي نوادر الأصول في أحاديث الرسول لأبي عبد الله الحكيم الترمذي: ج2ص67 ط دار الجيل بيروت: (عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من زار قبري وجبت له شفاعتي).
الدار قطني والحج والزيارة:
وفي كتاب المغني لأبي محمد المقدسي: ج3ص297و298 ط دار الفكر: (فصل ويستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله لما روى الدارقطني بإسناده عن أبن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي، وفي رواية: من زار قبري وجبت له شفاعتي، رواه باللحفظ الأول سعيد حدثنا حفص بن سليمان عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر وقال أحمد في رواية عبد الله عن يزيد بن قسيط عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال ما من أحد يسلم علي عند قبري إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام).
وفي مصنف عبد الرزاق ج3ص576ط المكتب الإسلامي بيروت: (باب السلام على قبر النبي صلى الله عليه وآله ح6724 عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع قال كان ابن عمر اذا قدم من سفر أتى قبر النبي صلى الله عليه وآله فقال السلام عليكم يا رسول الله صلى الله عليه وآله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبتاه وأخبرناه عبد الله بن عمر بن نافع عن ابن عمر.
وفي مصنف أبن أبي شيبة: ج3ص28 ط مكتبة الرشد الرياض: باب من كان يأتي قبر النبي صلى الله عليه وآله فيسلم ح11793: (حدثنا أبو معاوية عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر انه كان إذا أراد أن يخرج دخل المسجد فصلى ثم أتى قبر النبي صلى الله عليه وآله فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبتاه ثم يأخذ وجهه وكان إذا قدم من سفر يفعل ذلك قبل أن يدخل منزله).
الملائكة وزيارة قبر الرسول:
هذا وقد وردت روايات في زيارة الملائكة لقبر النبي صلى الله عليه وآله ومن المعلوم أن الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
ففي سنن الدارمي: ج1ص57ح94 دار الكتاب العربي بيروت: حدثنا عبد الله بن صالح حدثني الليث حدثني خالد وهو بن يزيد عن سعيد هو بن أبي هلال عن نبيه بن وهب أن كعباً دخل على عائشة فذكروا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال كعب: ما من يوم يطلع الا نزل سبعون ألفاً من الملائكة حتى يحفوا بقبر النبي صلى الله عليه وآله يضربون بأجنحتهم ويصلون على رسول الله صلى الله عليه وآله حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط مثلهم فصنعوا مثل ذلك حتى إذا انشقت عنه الأرض خرج في سبعين ألفاً من الملائكة يزفونه).
والحمد لله رب العالمين..
تعليق