الفصل الثاني
ونورد هنا بعض الفوائد الحاصلة عند الدعاء لحضرة بقية الله (ع) بتعجيل ظهوره من الله جل شأنه والتي جمعتها من الآيات والأخبار وهي كثيرة، وسأكتفي هنا بذكر (أربعة عشر) منها وهي: 1 _ يكون سبباً لطول العمر، كما ورد خاصة في الدعاء الثاني المذكور في هذا الكتاب عن الصادق (ع) بأن يقرأ بعد كلّ فريضة. (1) 2 _ أنه نوع من أداء حقّه سلام الله عليه وقد ورد عن أمير المؤمنين (ع) قوله: قضاء حقوق الإخوان أشرف أعمال المتّقين. (2) أقول: ولأنّ الإمام عجل الله تعالى فرجه رئيس وأفضل جميع المؤمنين، فيكون أداء حقه من أهمّ أعمال الخير وأفضلها. 3 _ أنّه سبب للحصول على شفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله كما ورد عنه صلى الله عليه وآله، (3) ويستفاد من بعض الأحاديث أنّه موجب لشفاعة حضرة صاحب الأمر (ع). 4 _ أنّه يساعد الله الداعي له (ع) لأنّ الدعاء له نوع من أنواع المساعدة والنصرة، ونصرته نصرة الله تعالى وقول الله عز وجل: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ).(4) 5 _ إدخال السرور عليه بذلك، وقد ورد في (الكافي) عن الإمام محمد الباقر (ع) أنّه قال: (ما عبد الله بشيء أحبّ إلى الله من إدخال السرور على المؤمن)(5). 6 _ أنّه موجب لدعاء صاحب الأمر (ع) للداعي، وهذا يستفاد من جملة من الروايات.(6) 7 _ أنّه تحصيل ثواب الدعاء لجميع المؤمنين والمؤمنات، وذلك لأنّ نفع ظهوره (ع) يعود لهم جميعاً، بل لجميع الخلائق من أهل السماوات والأرضين كماأوضحتُ ذلك في كتاب (مكيال المكارم)(7) بذكر روايات كثيرة حوله، فإن دعوت له (ع) بهذه النية فسيكون دعاءاً لهم جميعاً. 8 _ أنّه إظهار للمحبة والولاء له (ع)، فهو أقرب ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله إليه، فاظهار المحبة له أداء لأجر الرسالة (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى). (8) 9 _ أنّه موجب لدفع البلاء عن الداعي في زمان غيبته. (9) 10 _ أنّ الدعاء بتعجيل ظهوره (ع) تعظيم لله، وتعظيم لرسول الله صلى الله عليه وآله، وتعظيم لكتاب الله حيث أنَّه سيعمل به في ظهوره، وتعظيم لدين الله جل شأنه حيث أنَّه سيظهر ويغلب على الدين كلّه، وتعظيم المسلمين بنجاتهم من الكفار، وهذا موجب لدخول الجنة كما ورد ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله في (الخصال). (10) 11 _ أنّ الدعاء بتعجيل الفرج له (ع) موجب لتحصيل ثواب إعانة المظلوم، وهذا موجب لعبور الصراط المستقيم يوم القيامة بسلام كما ورد ذلك عن الإمام زين العابدين (ع). (11) 12 _ فيه ثواب الجهاد بين يدي الرسول صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين (ع). (12) 13 _ الحصول على أجر لا يعلمه إلاّ الله جل شأنه، وهو الفوز بثواب طلب ثأر سيد الشهداء (ع) وذلك لأنّ صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه سيأخذ بثأره، فكلّما تدعو بتعجيل فرجه (ع) ستشرك في أجر عمله (ع). 14 _ ما ورد في (كمال الدين) عن أحمد بن إسحاق أنّه قال: (دخلت على أبي محمد الحسن بن علي (ع) وأنا أريد أن أسأله عن الخلف بعده؟ فقال لي مبتدئاً: يا أحمد بن إسحاق، إنّ الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم (ع) ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجّة الله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض، قال: فقلت له: يا ابن رسول الله، فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض (ع) مسرعاً فدخل البيت، ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء الثلاث سنين، فقال: يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله عز وجل وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنّه سميّ رسول الله صلى الله عليه وآله وكنيّه الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الأمّة مثل الخضر (ع)، ومثله مثل ذي القرنين، والله ليغيبنّ غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلاّ من ثبّته الله عز وجل على القول بإمامته ووفّقه للدعاء بتعجيل فرجه، فقال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي، فهل من علامة يطمئنّ إليها قلبي؟ فنطق الغلام (ع) بلسان عربي فصيح، قال: أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعدائه، فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق. (13) وهو حسبي
يقول العاصي والجاني محمد تقي بن عبد الرزّاق الموسوي الاصفهاني ـ عفى الله تعالى عنهما ـ : لقد رأيت من المناسب بل اللازم في هذا المقام ذكر اثني عشر حديثاً عن غيبة ذلك الإمام عالي المقام عن أبصار الأنام نقلاً عن الأئمة الكرام عليهم الصلاة والسلام حتى يكون نفعه للخواص والعوام بالكمال والتمام، فيكون لهذا الضعيف ذخيرة يوم القيامة، وقد انتخبتها من كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) تأليف الشيخ الصدوق(14) (رحمه الله تعالى) آملاً أن يكون هذا العمل تحت النظر المبارك لذلك الولي إن شاء الله تعالى. الحديث الأول:عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه قال:«المهدي من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقاً وخُلقاً، تكون له غيبة وحيرة تضلّ فيها الأمم، ثم يُقبل كالشهاب الثاقب، يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً».(15) الحديث الثاني:عن أمير المؤنين (ع)، قال الأصبغ بن نباتة: «أتيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) فوجدته متفكّراً ينكت في الأرض، فقلت: يا أمير المؤمنين، مالي أراك متفكراً تنكت في الأرض، أرغبت فيها؟! فقال: لا والله ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوماً قط، ولكن فكّرت في مولود يكون من ظهري، الحادي عشر من ولدي هو المهدي، يملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، تكون له حيرة وغيبة يضلّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون، فقلت: يا أمير المؤمنين، وإن هذا لكائن؟! فقال: نعم، كما أنّه مخلوق».(16) الحديث الثالث:عن الإمام الحسن المجتبى (ع) أنه قال: «ما منّا أحد إلاّ ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلاّ القائم الذي يصلّي روح الله عيسى بن مريم (ع) خلفه، فإنّ الله عز وجل يخفي ولادته، ويغيب شخصه، لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة، إذا خرج ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء يطيل الله عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أنّ الله على كل شيء قدير».(17) الحديث الرابع:عن سيد الشهداء (ع) أنّه قال: «قائم هذه الأمّة هو التاسع من ولدي، وهو صاحب الغيبة، وهو الذي يقسّم ميراثه وهو حيّ».(18) الحديث الخامس:عن الإمام زين العابدين (ع) أنّه قال لأبي خالد الكابلي: «ثم تمتدّ الغيبة بوليّ الله عز وجل الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة بعده، يا أبا خالد إنّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره، أفضل من أهل كل زمان، لأنّ الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله بالسيف، أولئك المخلصون حقاً وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله عز وجل سرّاً وجهراً».(19) الحديث السادس:عن الإمام محمد الباقر (ع) أنّه قال: «هو المهدي من هذه العترة، تكون له حيرة وغيبة يضلّ فيها أقوام ويهتدي فيها أقوام».(20) الحديث السابع:عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع)، برواية عبد الله بن أبي يعفور أنّه قال: «من أقرّ بالأئمة من آبائي وولدي وجحد المهدي من ولدي كان كمن أقرّ بجميع الأنبياء وجحد محمداً صلى الله عليه وآله نبوّته، فقلت: يا سيدي، ومن المهدي من ولدك؟ قال: الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه، ولا يحلّ لكم تسميته». (21) الحديث الثامن: عن الإمام موسى الكاظم (ع) أنّه قال: «إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم، لا يزيلنّكم أحد عنها، يا بني، أنّه لابدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنّما هي محنة من الله عز وجل امتحن بها خلقه». (22) الحديث التاسع: عن الإمام الرضا (ع) حيث سئل: يا ابن رسول الله، ومن القائم منكم أهل البيت؟ قال: «الرابع من ولدي، ابن سيّدة الاماء، يطهّر الله به الأرض من كلّ جور، ويقدّسها من كلّ ظلم، الذي يشكّ الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره، ووضع ميزان العدل بين الناس فلا يظلم أحد أحداً، وهو الذي تطوى له الأرض، ولا يكون له ظلّ، وهو الذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه، يقول: ألا إنّ حجة الله قد ظهر عند بيت الله فاتّبعوه، فإنّ الحق معه وفيه». (23) الحديث العاشر:عن الإمام محمد التقي (ع)، حيث قال له عبد العظيم الحسني: إنّي لأرجو أن يكون القائم من أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله الذي يملاً الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، فقال: «يا أبا القاسِم، ما منّا إلاّ وهو قائم بأمر الله عز وجل وهاد إلى دين الله، ولكن القائم الذي يطهّر الله عز وجل به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملأها عدلاً وقسطاً هو الذي تخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سميّ رسول الله صلى الله عليه وآله وكنيّه، وهو الذي تطوى له الأرض، ويذلّ له كل صعب، يجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، من أقاصي الأرض، وذلك قول الله عز وجل: (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عز وجل، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله عز وجل. قال عبد العظيم: فقلت له: يا سيدي، وكيف يعلم أنّ الله عزّ وجل قد رضي؟ قال: يلقى في قلبه الرحمة، فإذا دخل المدينة أخرج اللاّت والعزّى فأحرقهما)». (24) أقول: اللّات والعزّى يعني الظالم الأول والثاني. الحديث الحادي عشر:عن الإمام علي النقي (ع) أنّه قال: «الخلف من بعدي ابني الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟ فقلت: ولم جعلني الله فداك؟! فقال: لأنّكم لا ترون شخصه ولا يحلّ لكم ذكره باسمه. قلت: فكيف نذكره؟ قال: قولوا: الحجّة من آل محمد صلى الله عليه وآله».(25) الحديث الثاني عشر:عن الإمام الحسن العسكري (ع) حيث سأله أحمد بن إسحاق قائلاً: فما السنّة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال: «طول الغيبة يا أحمد. قلت: يا ابن رسول الله، وإنّ غيبته لتطول؟! قال: إي وربّي حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، ولا يبقى إلاّ من أخذ الله عز وجل عهده لولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان، وأيّده بروح منه». (26) أقول: صدر الحديث السابق في ذكر الفائدة الرابعة عشر من فوائد الدعاء لحضرة بقية الله عجل الله تعالى فرجه.
الهوامش:
(1) مكارم الأخلاق: 289، تقدم في ص 24.
(2) البحار: 74/ 229 ضمن ح 25.
(3) الخصال: 196ح 1، «أربعة أنا الشفيع لهم يوم القيامة ولو أتوني بذنوب أهل الأرض معين أهل بيتي، والقاضي لهم حوائجهم عندما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه، والدافع عنهم بيده».
(4) سورة الحَج: 40.
(5) الكافي: 2/ 188 ح 2.
(6) مهج الدعوات ص 360 «واجعل من يتبعني لنصرة دينك مؤيدين، وفي سبيلك مجاهدين، وعلى من أرادني وأرادهم بسوء منصورين...».
(7) مكيال المكارم: 1/ 377 الباب الخامس.
(8) سورة الشورى: 23.
(9) الكافي ج 2، ص 507 ح 2 «دعاء المرء لأخيه يظهر الغيب يدر الرزق ويدفع المكروه».
(10) الخصال ص 28، ح 100 «حملة القرآن عرفاء أهل الجنة».
(11) تفصيل ذلك في مكيال المكارم: 1/ 439، الصحيفة السجادية الجامعة ص 323 دعاء 147«اللهم وصل على أولياءهم المعترفين بمقامهم...».
(12) مجمع البيان ج 9، ص 238 «عن حارث بن مغيرة قال: كنا عند أبي جعفر (ع) فقال: العارف منكم لهذا الأمر، المنتظر له المحتسب فيه كمن جاهد مع قائم آل محمد بسيفه، ثم قال: بل، والله كمن جاهد مع رسول الله بسيفه، ثم قال الثالثة: بل، والله كمن استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله في فسطاطه».
(13) كمال الدين: 2/ 348.
(14) اسمه المبارك: محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي. بشارة ولادته جاءت من صاحب الأمر (ع). توفى سنة 381 هـ. قبره في أطراف طهران، جلالة قدره غنية عن البيان. صنف نحو ثلاثمائة كتاب. رحمة الله عليه. (المؤلف).
(15) كمال الدين: 1/ 286 ح 1 مع 4.
(16) كمال الدين: 1/ 289 ح1.
(17) كمال الدين: 1/ 316 ح2.
(18) كمال الدين: 1/ 317 ح 2.
(19) كمال الدين: 1/ 320 ح2.
(20) كمال الدين: 1/ 330 ح 14.
(21) كمال الدين: 1/ 338 ح 12.
(22) كمال الدين: 1/ 338 ح 12.
(23) كمال الدين: 2/ 371 ح 5.
(24) كمال الدين: 2/ 377 ح2 والآية من سورة البقرة: 148.
(25) كمال الدين: 2/ 381 ح 5.
(26) كمال الدين: 2/ 385.
تعليق