هو محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسيّ؛ نسبةً إلى « طوس » ناحية في خراسان، توسّعت فعُرفت بمدينة مشهد ( مشهد الإمام الرضا عليه السّلام )، وهي من أقدم مدن بلاد فارس وأشهرها، ومن مراكز العلم ومعاهد الثقافة بعد ورود الإمام الرضا عليه السّلام إليها وتشييد قبره فيها (4).
وُلد الشيخ الطوسيّ بخراسان سنة 385 هجريّة، ودرس على أيدي أكابر العلماء وأفاضلهم، ومنهم: الشيخ المفيد، والسيّد الشريف المرتضى وقد لازَمَه، فاعتنى المرتضى بتوجيهه وتنمية مواهبه العلميّة طوال ثمانٍ وعشرين سنة، حتّى صارت الأنظار متوجّهةً إلى الشيخ الطوسيّ أن يخلف أُستاذَه لزعامة الأُمّة بعده، فكان ذلك.
وبعد أن تُوفّي السيّد الشريف المرتضى.. ازدلف إلى الشيخ الطوسيّ طلبة العلم، وتقاطر عليه الفضلاء للحضور تحت منبره العلميّ، حتّى أصبحت داره في بغداد مأوى المستفيدين، فبلغ عدد تلاميذه ثلاثمائة من مجتهدي الشيعة، ومن العامة ما لا يُحصى كثرةً.
إذ كان عالماً جاذباً بطريقته، ومقنعاً بأسلوبه، واقفاً على الدليل والبرهان، واسع الصدر حسن الأخلاق.. حتّى نُقل عن شيخ الأزهر الأسبق الشيخ عبدالمجيد سليم أنّه كان كثير الإعجاب بفقه الشيعة منذ أن أُهديَ إليه كتاب ( المبسوط ) للشيخ الطوسيّ، حيث تعرّف على هذا الكتاب واستأنس به، وكان يقول بأنّه يراجعه في مقدّمة الكتب التي راجعها قبل إصدار الفتوى، فإذا رأى فيه ما يُقنعه بأنّه أفضل ممّا في مذهبه الفقهيّ أخذ به (5).
وقد رأى تلامذتُه فيه شخصيّةً مهيبة، ونبوغاً فذّاً، فضلاً عن جمعه بين المعرفة والعمل، حتّى أُعجب به حاكم زمانه القائم بأمر الله، فجعل له كرسيَّ الكلام والإفادة، الذي لم يسمحوا به يومذاك إلا لوحيد العصر في علومه، فكان الشيخ الطوسيّ يجلس على ذلك الكرسيّ ويلقي مِن عليه علومه.. حتّى اقتربت النيران فقام عنه الشيخ قبل أن يحترق الكرسيّ والبيت والمكتبة.
تعليق