بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم يا كريم
" انّ أول اسم ظهر في الإسلام على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الشيعة وكان هو لقب أربعة من الصحابة وهم أبوذر وسلمان والمقداد وعمار ".
ولم يكن الإعداد علمياً فقط، لقد كان النبي يعدّهم نفسياً ومعنوياً أيضاً.
كان يحدّثهم بمسؤوليّتهم فيما بعد، وكان يحدّثهم عن دورهم، وإذ كان يعلم أن قريشاً ستنحرف عنهم، فقد كان يوصيهم بالتماسك وعدم الانهيار والتمتع بالنَفَس الطويل.
لقد كان يحدّث علي بتفاصيل ما يجري عليه، وكان يحدِّث الطليعة بمثل ذلك.
الاندماج مع الرسالة:
وهؤلاء الطليعة الذين ملكوا النضج الذاتي، وحباهم رسول الله بالإعداد الرسالي كم كان أنصهارهم بمفاهيم وقيم الرسالة الالهيّة؟
وما هي درجة تفاعلهم ودرجة تضحيتهم ودرجة شعورهم بالمسؤولية.
إذا أردتم أن تنظروا إلى علي، فلا تنظروا إليه وإنما قارنوا بين مواقفه ومواقف سائر المسلمين، على اختلاف درجاتهم.
قارنوا بين مواقفه في معركة الأحزاب وموقفهم، حيث الرسول (صلى الله عليه وآله) ينادي قائلا من يبرز له ـ عمرو بن ود ـ وأنا أضمن له على الله الجنة فلا يقوم أحد الاّ علي ثلاث مرّات.
لقد كان الإيمان كله يبرز إلى الشرك كله على حدّ تعبير الرسول (صلى الله عليه وآله).
هنا المسلمون فقدوا إرادتهم ونسوا مسؤوليتهم، ومن هنا كان علي وحده الإيمان كله!!
وقارنوا بين موقفه يوم خيبر وموقفهم ـ أرأيت كيف انهزموا قبل أن يضربوا بسهم أو يطعنوا برمح ـ لمجرد الرؤية إنهزموا أمّا علي فأنت تعرف ما صنع.
قارنوا بين موقفه يوم حنين وموقفهم، لقد تركوا الرسول (صلى الله عليه وآله) وتركوا الرسالة، ونفضوا أيديهم من المسؤولية أرأيتم كيف ولّوا مدبرين؟!
أما علي فإلى اللحظة الأخيرة كان يمزّق الكتائب، ويبعثر الصفوف، ويرد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ربما لا عن قصد جاء حديثي عن الشجاعة لكن الامام علي (عليه السلام) لا يملك الشجاعة وحدها، وإنما يملك الكفاءة الكاملة في أداء الرسالة، لقد قال له الرسول (صلى الله عليه وآله) يوم استخلفه على المدينة: " إنه لا يصلح لها الاّ أنا وأنت " ولقد قال له يوم بعثه بسورة براءة وردّ أبابكر: " إنّه لا يؤدي عني إلا أنت " أليس هو إذن صنو النبي (صلى الله عليه وآله)، خذوا من شئتم سلمان، عمار، أباذر، أو مقداد أو حذيفة، لمن قال النبي (صلى الله عليه وآله) كما قال لعمار؟
" أبو اليقضان على الفطرة، أبو اليقظان على الفطرة، لن يدعها حتّى يموت " ولمن قال كما قال لـ (أبي اليقظان): " من يعادي عمّاراً يعاديه الله، ومن يبغض عماراً يبغضه الله ".
اسمعوا أم المؤمنين عائشة تقول: " ما من أحد من أصحاب رسول الله أشاء أن أقول فيه الاّ قلت، الاّ عماراً فانّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول فيه: انه ملئ إيماناً إلى أخمص قدميه ".
ولمن قال مثل ما قال عن (ابن سميّة): " ما لهم ولعمار، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار، إن عماراً جلدةٌ ما بين عيني، إن عماراً جلدةُ أنفي " وهذا هو عمار البطل، والرسالي العظيم في كل عمره، هو عمار في الحرب ضد الشرك، وفي الحرب ضد التحريف أيام عثمان، وفي الحرب ضد القاسطين والمارقين والناكثين.
اُنظروا أباذر، ورمز البطولة، والمثل الرسالي العنيد.
اُنظروا عشقه للإسلام، وتلهّفه للرسالة الجديدة. فيوم أسلَم وقد كانت الدعوة سريّة، قال: " والذي نفسي بيده لأصوتنّ بها بين ظهرانيهم، فخرج حتّى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا اله الاّ الله وأشهد انّ محمداً رسول الله ".
هو يعرف ماذا يعني هذا الكلام، وماذا ينتظر من هذا الكلام. لقد ثار القوم إليه وضربوه حتّى أضجعوه.
أرأيتم أباذر هذا " العابد الزهيد، القانت الوحيد، رابع الإسلام، ورافض الأزلام قبل نزول الشرع والأحكام، تعبَّد قبل الدعوة بالشهور والأعوام، وأول من حيّا الرسول بتحية الإسلام، لم تكن تأخذه في الحق لومة اللوام، ولا تفزعه سطوة الولاة والحكام، أول من تكلم في علم البقاء والفناء، وثبت على الشقة والعناء، وحفظ العهود والوصايا، وصبر على المحن والرزايا، واعتزل مخالطة البرايا... " هكذا قال عنه أبو نعيم في حلية الأولياء.
" رحم الله أباذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده " كم هو عظيم أبوذر في عين الرسول (صلى الله عليه وآله) إذ يحدّث عنه بهذه الكلمات.
وحين أسلم أبوذر كان يعرف حقيقة إسلامه، ولقد كان يعرف كيف سيصنع تأريخه الرسالي.
إذا كان قد أسلم فأنما " بايع النبي (صلى الله عليه وآله) على أن لا تأخذه في الله لومة لائم، وعلى أن يقول الحق وإن كان مرّاً " هكذا حدّثونا.
وخذوا سلمان وما أدراكم ما سلمان!!
" لقد أُشبع سلمان علماً " هكذا قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله). وكان خيّراً فاضلا حبراً عالماً زاهداً، كما قال ابن حجر.
أليس هو سلمان الذي كان له مجلس عند رسول الله ينفرد به بالليل، أليس هو سلمان الذي من محمد (صلى الله عليه وآله) ومن أهل البيت.
أي فارسي هذا الذي يتنازعه المسلمون، فيريده المهاجرون ويريده الأنصار، ولكن يريده رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيضاً فيكون سلمان المحمدي. وهنا أود أن أُلفت إلى حقيقة: حينما حكمت أُميّة الصريحة العداء للإسلام، أرادت التشويه على هذه الطليعة وتحريف ماضيها والتشكيك في تأريخها ورسالتها.
لقد كانت أُميّة تعرف أن هذه الطليعة هي لبّ الإسلام الحقيقي، وعرقه
النابض، ان أميّة تريد أن تحكم بإسم الإسلام وباسم الرسالة، ومن هنا عمدت إلى التضليل والتعتيم وجرّ الأسدال على طليعة هؤلاء الرجال.
المهمة الثانية: ربط الأُمَّة بالطليعة:
كان بناء الفئة الطليعة، المخلصة والمستوعبة، هو الخطوة الأولى على الطريق، طريق بناء مستقبل الرسالة، طريق الاحتياط لضمان نجاح التجربة الإسلاميّة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله).
لكن بناء الطليعة ليس هو كل المهمة، إنه لابدّ من خطوة ثانية على الطريق، لابدّ من ربط الأمة بالطليعة وتوطيد ثقتها بها، وتمكين الطليعة من إمساك زمام القيادة فيما بعد، لتكون المسيرة واعية، ومتبصرة وقادرة على مواجهة الصعوبات.
ليس كل المطلوب أن توجد فئة واعية ومملوءة، إن ذلك لن يحقق شيئاً كثيراً إذا كانت هذه الفئة غير قادرة على التحرك، وغير قادرة على توجيه المسيرة، ولا متمكنة من تحقيق أهدافها، إنه لابدّ من تسليم المفاتيح بيد الطليعة لتمكينها من التوجيه والتحريك المناسب.
ومن ذلك كانت الخطوة الثانية على الطريق، أن يوفّر الرسول (صلى الله عليه وآله) للطليعة فرصة قيادة الأمّة، وزعامة التجربة.
ولقد سعى الرسول (صلى الله عليه وآله) في ذلك حثيثاً، وكان سعيه على ثلاث مراحل.
أولا: التعريف بالطليعة:
لقد سعى أولا لابراز الطليعة في المجتمع الرسالي، بغاية تركيز وجودهم، وتعزيز ثقة الأمة بهم، وتحصيل الولاء العام لهم.
وفي هذا يأتي سيل من الثناء والأطراء والأشادة، والتكريم والتمجيد والحفاوة.
عشرات الأحاديث جاءت وفي عشرات المواقع كان الرسول يبيّن ضرورة حبّهم وودّهم ويحذّر من بغضهم ومعاداتهم، لقد كان ذلك أمراً مدروساً ومقصوداً جداً.
كان يقول باجماع المؤرخين والمحدثين: " انّ الله أمرني بحبّ أربعة، وأخبرني أنه يحبّهم.
قيل: يا رسول سمّهم لنا.
قال: علي منهم ـ يقول ذلك ثلاثاً ـ وأبو ذر والمقداد وسلمان، أمرني بحبهم وأخبرني أنه يحبّهم ".
وكان له في كل واحد منهم قولا كثيراً، قرأنا شطراً منه، كان يجمعهم مرّة ويفردهم أخرى، يأمر بحبّهم ويحذّر معاداتهم ويخبر عن الله بحبهم، وعن نفسه أنه يودّهم. حتّى الآيات نزلت فيهم، تمجّد، تعظّم، وتثني.
وهو (صلى الله عليه وآله) شخصياً كان يقرّبهم إليه، ويفردهم بمجلسه ويعطيهم من نفسه ووقته أكثر مما يعطي للآخرين وإذا كان علي (عليه السلام) هو القمة في هؤلاء، وكانوا له شيعة ومحبين، فقد دعا ملياً إلى الدخول في صف الشيعة، وهو يقصد الطليعة التي عرفت مكان علي ومقامه في الإسلام.
كان (صلى الله عليه وآله) يحدّث عن مقامه، فيقول: " علي مع الحق والحق مع علي "، " علي سيد العرب "، " علي سيد الأصحاب "، " علي سيد المسلمين وأمير المؤمنين وامام المتقين وقائد الغرِّ المحجَّلين "، " علي مع القرآن والقرآن مع علي "، " أنا مدينة العلم وعلي بابها ".
ويقول علناً وبجمع من الناس: " أنت منّي بمنزلة هارون من موسى " وكان يحدّث عن حبّه فيقول: " من أحبّ علياً فقد أحبّ الله ومن أبغض علياً فقد أبغض الله "، " حبّ علي ايمان وبغضه نفاق "، " عادى الله من عادى علياً "، " من آذى علياً فقد آذاني ".
وعشرات ومئات من أمثال ذلك، حتّى لقد جعل منه ميزاناً يفرّق بين الايمان والنفاق، فاذا المسلمون على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعرفون المنافقين ببغض علي، على ما تواتر بنقله المؤرخون.
وكان يحدّث عن شيعته، فيقول: " يا علي أنت وأصحابك في الجنة "، " ان هذا ـ علي ـ وشيعته لهم الفائزون "، " انك ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين، ويقدم أعداؤك غضاباً مقمحين ".
وهكذا يصعد بعلي ويصعد عالياً عالياً، حتّى كان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أقبل علي يقولون: " جاء خير البريّة " وكم مرّة انفجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وجه الساخطين الحاسدين المنافقين لأنهم نالوا من علي وطعنوا فيه!! كم مرّة قال لهم: " ما لكم وما لي؟ من آذى علياً فقد آذاني ".
" من تنقَّص علياً فقد تنقَّصني، ومن فارق علياً فقد فارقني، وإن علياً مني وأنا منه ".
ويُعرف الغضب في وجهه مرّة وهو يقول: " ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ان علياً مني وأنا منه ".
من يسأل نفسه: هل كان النبي (صلى الله عليه وآله) غارقاً في هوى ابن عمه؟ وسواء أحبوه أو أبغضوه فهل ذلك يعني النفاق، ولماذا الاغراق في الثناء عليه؟ فليكن مؤمناً رسالياً، فهل يدعو ذلك لأن تكون معاداته معاداة الله؟ كثيرون هم المؤمنون، أو هم الأبطال، فَلِمَ لا يكونوا كذلك؟
لا، لم يكن النبي مبالغاً ولا متعصباً، لقد كان يعرف ويعني ما يقول جيداً.
كان علي (عليه السلام) القاعدة الحصينة المنيعة في هذه الرسالة، ولقد كان ـ ويكون ـ
الصخرة التي تتهشم عليها قبضات المشركين والمنافقين والوصوليين، ولقد كانوا يعرفون ذلك.
ولولا أنه بهذه المثابة إذن لم يكونوا يبغضوه، ولا كان بغضه علامة النفاق.
إنه بمقدار مقام علي من الرسالة ومن الرسول كانت قريش ـ المشركة بالأمس والطامعة بالسلطان اليوم ـ تبغضه وتضمر له العداوة، لقد كانت صدورها تغلي بهذا الغضب وأفئدتها تحترق بهذه الضغينة، وها هو علي يصعد ويرتفع ويعلو.
والمنافقون ـ الذين لا تعلمهم الله يعلمهم ـ يكيدون للرسالة ويكيدون للرسول، لكن علياً هنا، ولن يتخلى عن رسالته ولا رسوله، فكيف المصير؟
لقد كان عداءاً أي عداء.
ثأرٌ للماضي، وحسدٌ للحاضر، ومنافسة على المستقبل، كلها تجمَّعت واتَّضحت في وجه قريش، حتّى تكاد تهتك نفسها، وتعلن خبث سريرتها، والرسول يتمزق لهذه المأساة.
" ما تريدون من علي، ما تريدون من علي، ما تريدون من علي، انّ علياً مني وأنا منه ".
وعلى أي، فقد كان السعي حثيثاً لتركيز وجوه الطليعة، وكسر الجدر النفسية بينهم وبين الأمة.
ثانياً: الدعوة لإلتزامهم:
ولقد سعى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ثانياً في تحفيز الأمة نحو التزام خط الطليعة الذي يمثّله الامام علي (عليه السلام) عند إفتراق الخطوط.
فالولاء الذي أكّد الرسول (صلى الله عليه وآله) ضرورته لعلي، لا يجوز أن يبقى ولاء العواطف فقط، إنّما لابدّ أن ينعكس على الموقف والاتجاه.
وإذا كانت الاتجاهات غير بارزة على السطح أيام الرسول (صلى الله عليه وآله) فهو على أي حال قد تنبأ بها ولمس خيوطها كان يقرأ تلك الاتجاهات في وجوه قريش وفي وجوه عدد من الصحابة، وكان يعرف حجم الفتن التي ستجابه الأمة.
ومن هنا كان يؤكد دوماً ان اتجاه علي هو الحق عند افتراق الاتجاهات، وان جبهة علي هي الحق عند تعدد الجبهات، لقد كان يقول ويكرر القول: " ستكون بعدي فتنة، فاذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب، فانه أول من يراني، وأول من يصافحني يوم القيامة ".
علي هو الطليعة مجتمعة في واحد، وعلي هو قمة الطليعة متفرقة في أفراد، ولذا فهو أول من يراني وأول من يصافحني يوم القيامة. ولزوم علي بن أبي طالب هنا لا يعني مفهوماً مرناً يقبل النقائض، إنما هو التزام إتجاهه وخطه في كل مجالات الاختلاف ومجالات الفتن. أما التودّد وإضمار المحبة له دونما اتّباع، فليس هو المطلوب بالأساس وهكذا كان يقول (صلى الله عليه وآله): " تكون بين الناس فرقة واختلاف فيكون هذا وأصحابه على الحق، وإذا كان علي يمثِّل الطليعة، فخطه هو خط الطليعة كلها، هو خط سلمان، وأبي ذر، وعمار، والمقداد، وحذيفة خط واحد هو الحق لا سواه.
ولذا فأن " عمّار مع الحق والحق مع عمّار " كما قال (صلى الله عليه وآله) ولذا أيضاً: " إذا اختلف الناس فابن سميّة مع الحق " كما قال (صلى الله عليه وآله) لأن ابن سمية من الطليعة، ومن شيعة علي، فهو في نفس الخط وهو (صلى الله عليه وآله) نفسه يقول لعمار: " يا عمار بن ياسر: ان رأيت علياً قد سلك وادياً، وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع علي فانه لن يدليك في سدىً ولن يخرجك من هدىً ".
وتعبيراً عن هذه الوحدة أيضاً، الوحدة في الخط، قيل: يا رسول الله عمّن نكتب العلم؟ فقال: عن علي وسلمان.
وعلى أي حال، فالرسول هنا يدعم الخط ويدفع المسلمين نحوه، لأن الخطوط الأخرى كلها منحرفة، مفرّغة، مزيّفة، لأنها ناشئة من عدم إستيعاب الرسالة، وعدم الإندماج مع أهدافها.
الرسول هنا يقيّم خط الطليعة، ويُعلن عن موقفها من الرسالة وأهداف الرسالة، بغاية ربط الأمة بها، بطليعتها الواعية المخلصة المؤمنة حقيقة الايمان.
في جانب آخر كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يوطّد المودّة والصلة بين الأمة والطليعة، وهو في هذا الجانب يحدّد الخطّ الصحيح، ويقول الكلمة الثانية في الطليعة، فليسوا فقط أصحاب وعي واخلاص يدفع نحو مودّتهم، إنّما هم يعيشون الرسالة كلها، ويدركون الرسالة كلها، منصهرين مع الرسالة تماماً. إذن فخطهم وحدهم على الحق والخطوط الأخرى مزيّفة خطرة.
ثالثاً: التأكيد على قيادتهم:
ولقد سعى ثالثاً في تأكيد الكلمة الثالثة والأخيرة.
وكانت الكلمة الأخيرة انّ خط الطليعة هو الخط القائد والموجّه والزعيم، وأن هؤلاء الطليعيون هم قادة التجربة بعده، ولهم وحدهم حق زعامتها، لأنهم وحدهم على الحق، أما الخطوط الأخرى فغير جديرة ولا مؤهلة للقيادة، ولا مأمونة الانحراف. هؤلاء الطليعة هم الذين كرسَّهم الرسول (صلى الله عليه وآله) لهذه المهمة، ولذا فهم اكثر إستيعاباً وإخلاصاً. وهم يعرفون جيداً وبلا دهشة ولا إنهيار ولا خلل أين هو موضع الخطوة الثانية والثالثة والرابعة للرسالة.
لقد اُشبعوا علماً، ولقد كانوا على الحق، ولقد ملؤا ايماناً، فبهذا حدَّث عنهم الرسول (صلى الله عليه وآله).
القطاعات التي لم تستوعب الرسالة، ولم تلتحم معها تماماً، لا يمكن أن تعطى القيادة لأنها سوف تعثر وتنحرف، ثم تضيع التجربة كلها بتضخم واتساع الانحراف بالتدريج.
والتجربة ما زالت طريّة وفنية، ولا تستطيع أن تحصِّن نفسها ما لم تكن تحت إشراف وقيادة الطليعة المستوعبة المملوءة علماً وحقانيةً.
ولذا جاءت الكلمة الثالثة، جاءت شديدة، وجديّة، وقاطعة، ومؤكدة. جاءت يوم اجتمع المهاجرون والأنصار وألوف الأعراب، في أخطر وأهمّ وأكبر حشد اسلامي في تاريخ الرسالة كلّه.
اجتماع رهيب ومفاجئ، فيه الرسول (صلى الله عليه وآله) وفيه المهاجرون، وفيه الأنصار، وفيه المسلمون جميعاً، وفيه الوحي يهبط بالكلمة على قلب الرسول (صلى الله عليه وآله).
{يَا اَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنْزِلَ اِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَاِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} مصير الرسالة كلّه يتوقف على هذه الكلمة، ولذا قال تعالى: {اِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} لقد صنعت الطليعة، هذه خطوة اُولى على الطريق.
والآن بلّغ ما أنزل اليك، إنَّ هذه الطليعة هي القائدة والموجّهة.
ونهض الرسول، كما نهض لإعلان البيان الأوّل في الإسلام، يوم هبط عليه الوحي {وَاَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ}، هنا نهضة مشابهة في خطورتها، وموقعها من الرسالة.
انظروا كيف نهض؟
نهض وهو واثق بأن الذين عارضوه أمس سيعارضوه اليوم، والذين سخروا منه أولا سيسخرون أخيراً، لكنه على أي حال نهض لأن الله يعصمه من الناس وانظروا كيف قال...؟
إنّه وضع الرسالة أمامهم، وكأنه يقول: انّ كلمتي هذه هي الخطوة الثانية في الرسالة، وهي تحديد مصير الرسالة كلّه: " أليس تشهدون أن لا اله الاّ الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن جنته حق، وأن ناره حق، وان الموت حق، وان البعث حق بعد الموت، وان الساعة آتية لا ريب فيها، وان الله يبعث من في القبور؟ " ها هو يعرض الرسالة كلها، فماذا بقي؟؟ لقد قالوا بلى على كل هذا العروض، بلى نشهد بذلك.
وهنا قال (صلى الله عليه وآله): " يا أيها الناس ان الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره، واخذل من خذله ".
ثم قال: " أيها الناس اني فرطكم، وانكم واردون عليَّ الحوض.. واني سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين كيف تخلّفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله عزّ وجلّ.. وعترتي أهل بيتي، فانه قد نبأني اللطيف الخبير انهما لن ينقضيا حتّى يردا عليَّ الحوض ".
وبهذا تمت الرسالة، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد مارس ماضيها، وحدّد مستقبلها وبهذا نزل الوحي " اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً ".
وبهذا أيضاً كان التشيع ـ الذي يعني الإسلام كاملا وغير مجزئ ـ قد وضع فكان هذا العصر عصر تأسيس النظرية.
غير ان هذه الكلمة الأخيرة لم تأت مفاجئة، إنّما في تاريخ الرسالة كلّه كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يربط حروفها، وينسج خيوطها.
والعجيب ان هذه الكلمة الأخيرة كانت هي الكلمة الأولى في الرسالة أيضاً. مما يعني انها مركَّب واحد، هو كل محتوى الرسالة.
منذ البيان الأول للرسالة، وحين دعا الرسول (صلى الله عليه وآله) عشيرته للإسلام، قال لهم: " أيكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟
فقام علي وقال: " أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه ".
فقال: " انّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ".
وعلى طول الخط كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يقرِّب الفكرة، ويشرحها، لقد كان يقول: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى ".
وكان يقول: " علي سيد المسلمين، وأمير المؤمنين، وامام المتقين، وقائد الغرّ المحجّلين ".
وفي عشرات المرات قال: (وليي) و (خليفتي) و (وزيري).
* * *
يبقى ان النظرية الشيعية تؤمن بامامة الاثنى عشر من أهل البيت، وليس علياً فقط، فهل عني الرسول (صلى الله عليه وآله) بتأكيد ذلك والاشارة إليه؟
وقبل الاجابة نريد أن نقول: ان النظرية الشيعية لا تحتاج في تصحيح تصوّرها من أهل البيت (عليهم السلام) إلى نصوص من الرسول (صلى الله عليه وآله)، زائدة على نصوصه في استخلاف علي (عليه السلام).
انه يكفي لتدعيم النظرية أن يكون الرسول (صلى الله عليه وآله) قد أوصى إلى علي، ثم هو أوصى إلى الحسن، وحتّى تنتهي الوصية إلى الامام الثاني عشر، الواقع ان طريقة التفكير هذه هي عين الطريقة التي آمن بها الفكر السنِّي، واستخدمها لاثبات خلافة عمر، فرغم أنهم يؤمنون نظرياً بنظام الشورى الاّ انهم اعتبروا وصية أبي بكر نافذة، بوصفه ولي أمر المسلمين.
نفس الشيء يمكن أن تقوله النظرية الشيعية لتصحيح امامة الائمة الاثني عشر ـ عليهم السّلام ـ، بلا افتقار إلى نصوص مسبقة من الرسول (صلى الله عليه وآله)، والتزام النظرية الشيعية بهذا الرأي يكون منطقياً جداً ومتناسقاً مع أصل رأيها في الامامة وأنها ليست بالشورى وإنّما هي بالنص. أمّا في الفكر السنّي فالتزام هذه الطريقة يوقعهم في تهافت واضح مع نظام الشورى.
وعلى أي حال فالنظرية الشيعيّة قادرة على اثبات رأيها في إمامة الائمة الاثني عشر (عليهم السلام) دونما ضرورة إلى اثبات النصوص الخاصة بإمامتهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومضافاً إلى ذلك فنصوص الرسول (صلى الله عليه وآله) وافية لأداء هذا الجزء من النظرية فقد ثبت بالتواتر أنه قال في أكثر من مناسبة: " انّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً ".
لقد كان (صلى الله عليه وآله) يقول: " من أحبّ أن يركب سفينة النجاة ويتمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين فليوال علياً بعدي وليعادي عدوّه، وليأتم بالأئمة الهداة من ولده فانهم خلفائي وأوصيائي وحجج الله على خلقه بعدي وسادات أمتي وقادات الأنبياء إلى الجنّة، حزبهم حزبي، وحزبي حزب الله، وحزب اعدائهم حزب الشيطان " إلى غير ذلك من الأقوال الموجودة في كتب المذاهب، على أنه (صلى الله عليه وآله) ذكر حتّى اسماءهم وعددهم، فقد ثبت باجماع أهل الحديث أنه قال: " يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش " وقال (صلى الله عليه وآله): " لا يزال الإسلام عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة " وقد سُئلت عائشة عن اسمائهم فقالت: أسماؤهم عندي مكتوبة باملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقيل لها: فأعرضيه، فأبت. وفي رواية أخرى انها قالت: أسماؤهم في الوصية.
اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين الاشراف وعجل فرجهم يا كريم
" انّ أول اسم ظهر في الإسلام على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الشيعة وكان هو لقب أربعة من الصحابة وهم أبوذر وسلمان والمقداد وعمار ".
ولم يكن الإعداد علمياً فقط، لقد كان النبي يعدّهم نفسياً ومعنوياً أيضاً.
كان يحدّثهم بمسؤوليّتهم فيما بعد، وكان يحدّثهم عن دورهم، وإذ كان يعلم أن قريشاً ستنحرف عنهم، فقد كان يوصيهم بالتماسك وعدم الانهيار والتمتع بالنَفَس الطويل.
لقد كان يحدّث علي بتفاصيل ما يجري عليه، وكان يحدِّث الطليعة بمثل ذلك.
الاندماج مع الرسالة:
وهؤلاء الطليعة الذين ملكوا النضج الذاتي، وحباهم رسول الله بالإعداد الرسالي كم كان أنصهارهم بمفاهيم وقيم الرسالة الالهيّة؟
وما هي درجة تفاعلهم ودرجة تضحيتهم ودرجة شعورهم بالمسؤولية.
إذا أردتم أن تنظروا إلى علي، فلا تنظروا إليه وإنما قارنوا بين مواقفه ومواقف سائر المسلمين، على اختلاف درجاتهم.
قارنوا بين مواقفه في معركة الأحزاب وموقفهم، حيث الرسول (صلى الله عليه وآله) ينادي قائلا من يبرز له ـ عمرو بن ود ـ وأنا أضمن له على الله الجنة فلا يقوم أحد الاّ علي ثلاث مرّات.
لقد كان الإيمان كله يبرز إلى الشرك كله على حدّ تعبير الرسول (صلى الله عليه وآله).
هنا المسلمون فقدوا إرادتهم ونسوا مسؤوليتهم، ومن هنا كان علي وحده الإيمان كله!!
وقارنوا بين موقفه يوم خيبر وموقفهم ـ أرأيت كيف انهزموا قبل أن يضربوا بسهم أو يطعنوا برمح ـ لمجرد الرؤية إنهزموا أمّا علي فأنت تعرف ما صنع.
قارنوا بين موقفه يوم حنين وموقفهم، لقد تركوا الرسول (صلى الله عليه وآله) وتركوا الرسالة، ونفضوا أيديهم من المسؤولية أرأيتم كيف ولّوا مدبرين؟!
أما علي فإلى اللحظة الأخيرة كان يمزّق الكتائب، ويبعثر الصفوف، ويرد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ربما لا عن قصد جاء حديثي عن الشجاعة لكن الامام علي (عليه السلام) لا يملك الشجاعة وحدها، وإنما يملك الكفاءة الكاملة في أداء الرسالة، لقد قال له الرسول (صلى الله عليه وآله) يوم استخلفه على المدينة: " إنه لا يصلح لها الاّ أنا وأنت " ولقد قال له يوم بعثه بسورة براءة وردّ أبابكر: " إنّه لا يؤدي عني إلا أنت " أليس هو إذن صنو النبي (صلى الله عليه وآله)، خذوا من شئتم سلمان، عمار، أباذر، أو مقداد أو حذيفة، لمن قال النبي (صلى الله عليه وآله) كما قال لعمار؟
" أبو اليقضان على الفطرة، أبو اليقظان على الفطرة، لن يدعها حتّى يموت " ولمن قال كما قال لـ (أبي اليقظان): " من يعادي عمّاراً يعاديه الله، ومن يبغض عماراً يبغضه الله ".
اسمعوا أم المؤمنين عائشة تقول: " ما من أحد من أصحاب رسول الله أشاء أن أقول فيه الاّ قلت، الاّ عماراً فانّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول فيه: انه ملئ إيماناً إلى أخمص قدميه ".
ولمن قال مثل ما قال عن (ابن سميّة): " ما لهم ولعمار، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار، إن عماراً جلدةٌ ما بين عيني، إن عماراً جلدةُ أنفي " وهذا هو عمار البطل، والرسالي العظيم في كل عمره، هو عمار في الحرب ضد الشرك، وفي الحرب ضد التحريف أيام عثمان، وفي الحرب ضد القاسطين والمارقين والناكثين.
اُنظروا أباذر، ورمز البطولة، والمثل الرسالي العنيد.
اُنظروا عشقه للإسلام، وتلهّفه للرسالة الجديدة. فيوم أسلَم وقد كانت الدعوة سريّة، قال: " والذي نفسي بيده لأصوتنّ بها بين ظهرانيهم، فخرج حتّى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا اله الاّ الله وأشهد انّ محمداً رسول الله ".
هو يعرف ماذا يعني هذا الكلام، وماذا ينتظر من هذا الكلام. لقد ثار القوم إليه وضربوه حتّى أضجعوه.
أرأيتم أباذر هذا " العابد الزهيد، القانت الوحيد، رابع الإسلام، ورافض الأزلام قبل نزول الشرع والأحكام، تعبَّد قبل الدعوة بالشهور والأعوام، وأول من حيّا الرسول بتحية الإسلام، لم تكن تأخذه في الحق لومة اللوام، ولا تفزعه سطوة الولاة والحكام، أول من تكلم في علم البقاء والفناء، وثبت على الشقة والعناء، وحفظ العهود والوصايا، وصبر على المحن والرزايا، واعتزل مخالطة البرايا... " هكذا قال عنه أبو نعيم في حلية الأولياء.
" رحم الله أباذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده " كم هو عظيم أبوذر في عين الرسول (صلى الله عليه وآله) إذ يحدّث عنه بهذه الكلمات.
وحين أسلم أبوذر كان يعرف حقيقة إسلامه، ولقد كان يعرف كيف سيصنع تأريخه الرسالي.
إذا كان قد أسلم فأنما " بايع النبي (صلى الله عليه وآله) على أن لا تأخذه في الله لومة لائم، وعلى أن يقول الحق وإن كان مرّاً " هكذا حدّثونا.
وخذوا سلمان وما أدراكم ما سلمان!!
" لقد أُشبع سلمان علماً " هكذا قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله). وكان خيّراً فاضلا حبراً عالماً زاهداً، كما قال ابن حجر.
أليس هو سلمان الذي كان له مجلس عند رسول الله ينفرد به بالليل، أليس هو سلمان الذي من محمد (صلى الله عليه وآله) ومن أهل البيت.
أي فارسي هذا الذي يتنازعه المسلمون، فيريده المهاجرون ويريده الأنصار، ولكن يريده رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيضاً فيكون سلمان المحمدي. وهنا أود أن أُلفت إلى حقيقة: حينما حكمت أُميّة الصريحة العداء للإسلام، أرادت التشويه على هذه الطليعة وتحريف ماضيها والتشكيك في تأريخها ورسالتها.
لقد كانت أُميّة تعرف أن هذه الطليعة هي لبّ الإسلام الحقيقي، وعرقه
النابض، ان أميّة تريد أن تحكم بإسم الإسلام وباسم الرسالة، ومن هنا عمدت إلى التضليل والتعتيم وجرّ الأسدال على طليعة هؤلاء الرجال.
المهمة الثانية: ربط الأُمَّة بالطليعة:
كان بناء الفئة الطليعة، المخلصة والمستوعبة، هو الخطوة الأولى على الطريق، طريق بناء مستقبل الرسالة، طريق الاحتياط لضمان نجاح التجربة الإسلاميّة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله).
لكن بناء الطليعة ليس هو كل المهمة، إنه لابدّ من خطوة ثانية على الطريق، لابدّ من ربط الأمة بالطليعة وتوطيد ثقتها بها، وتمكين الطليعة من إمساك زمام القيادة فيما بعد، لتكون المسيرة واعية، ومتبصرة وقادرة على مواجهة الصعوبات.
ليس كل المطلوب أن توجد فئة واعية ومملوءة، إن ذلك لن يحقق شيئاً كثيراً إذا كانت هذه الفئة غير قادرة على التحرك، وغير قادرة على توجيه المسيرة، ولا متمكنة من تحقيق أهدافها، إنه لابدّ من تسليم المفاتيح بيد الطليعة لتمكينها من التوجيه والتحريك المناسب.
ومن ذلك كانت الخطوة الثانية على الطريق، أن يوفّر الرسول (صلى الله عليه وآله) للطليعة فرصة قيادة الأمّة، وزعامة التجربة.
ولقد سعى الرسول (صلى الله عليه وآله) في ذلك حثيثاً، وكان سعيه على ثلاث مراحل.
أولا: التعريف بالطليعة:
لقد سعى أولا لابراز الطليعة في المجتمع الرسالي، بغاية تركيز وجودهم، وتعزيز ثقة الأمة بهم، وتحصيل الولاء العام لهم.
وفي هذا يأتي سيل من الثناء والأطراء والأشادة، والتكريم والتمجيد والحفاوة.
عشرات الأحاديث جاءت وفي عشرات المواقع كان الرسول يبيّن ضرورة حبّهم وودّهم ويحذّر من بغضهم ومعاداتهم، لقد كان ذلك أمراً مدروساً ومقصوداً جداً.
كان يقول باجماع المؤرخين والمحدثين: " انّ الله أمرني بحبّ أربعة، وأخبرني أنه يحبّهم.
قيل: يا رسول سمّهم لنا.
قال: علي منهم ـ يقول ذلك ثلاثاً ـ وأبو ذر والمقداد وسلمان، أمرني بحبهم وأخبرني أنه يحبّهم ".
وكان له في كل واحد منهم قولا كثيراً، قرأنا شطراً منه، كان يجمعهم مرّة ويفردهم أخرى، يأمر بحبّهم ويحذّر معاداتهم ويخبر عن الله بحبهم، وعن نفسه أنه يودّهم. حتّى الآيات نزلت فيهم، تمجّد، تعظّم، وتثني.
وهو (صلى الله عليه وآله) شخصياً كان يقرّبهم إليه، ويفردهم بمجلسه ويعطيهم من نفسه ووقته أكثر مما يعطي للآخرين وإذا كان علي (عليه السلام) هو القمة في هؤلاء، وكانوا له شيعة ومحبين، فقد دعا ملياً إلى الدخول في صف الشيعة، وهو يقصد الطليعة التي عرفت مكان علي ومقامه في الإسلام.
كان (صلى الله عليه وآله) يحدّث عن مقامه، فيقول: " علي مع الحق والحق مع علي "، " علي سيد العرب "، " علي سيد الأصحاب "، " علي سيد المسلمين وأمير المؤمنين وامام المتقين وقائد الغرِّ المحجَّلين "، " علي مع القرآن والقرآن مع علي "، " أنا مدينة العلم وعلي بابها ".
ويقول علناً وبجمع من الناس: " أنت منّي بمنزلة هارون من موسى " وكان يحدّث عن حبّه فيقول: " من أحبّ علياً فقد أحبّ الله ومن أبغض علياً فقد أبغض الله "، " حبّ علي ايمان وبغضه نفاق "، " عادى الله من عادى علياً "، " من آذى علياً فقد آذاني ".
وعشرات ومئات من أمثال ذلك، حتّى لقد جعل منه ميزاناً يفرّق بين الايمان والنفاق، فاذا المسلمون على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعرفون المنافقين ببغض علي، على ما تواتر بنقله المؤرخون.
وكان يحدّث عن شيعته، فيقول: " يا علي أنت وأصحابك في الجنة "، " ان هذا ـ علي ـ وشيعته لهم الفائزون "، " انك ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين، ويقدم أعداؤك غضاباً مقمحين ".
وهكذا يصعد بعلي ويصعد عالياً عالياً، حتّى كان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أقبل علي يقولون: " جاء خير البريّة " وكم مرّة انفجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وجه الساخطين الحاسدين المنافقين لأنهم نالوا من علي وطعنوا فيه!! كم مرّة قال لهم: " ما لكم وما لي؟ من آذى علياً فقد آذاني ".
" من تنقَّص علياً فقد تنقَّصني، ومن فارق علياً فقد فارقني، وإن علياً مني وأنا منه ".
ويُعرف الغضب في وجهه مرّة وهو يقول: " ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ان علياً مني وأنا منه ".
من يسأل نفسه: هل كان النبي (صلى الله عليه وآله) غارقاً في هوى ابن عمه؟ وسواء أحبوه أو أبغضوه فهل ذلك يعني النفاق، ولماذا الاغراق في الثناء عليه؟ فليكن مؤمناً رسالياً، فهل يدعو ذلك لأن تكون معاداته معاداة الله؟ كثيرون هم المؤمنون، أو هم الأبطال، فَلِمَ لا يكونوا كذلك؟
لا، لم يكن النبي مبالغاً ولا متعصباً، لقد كان يعرف ويعني ما يقول جيداً.
كان علي (عليه السلام) القاعدة الحصينة المنيعة في هذه الرسالة، ولقد كان ـ ويكون ـ
الصخرة التي تتهشم عليها قبضات المشركين والمنافقين والوصوليين، ولقد كانوا يعرفون ذلك.
ولولا أنه بهذه المثابة إذن لم يكونوا يبغضوه، ولا كان بغضه علامة النفاق.
إنه بمقدار مقام علي من الرسالة ومن الرسول كانت قريش ـ المشركة بالأمس والطامعة بالسلطان اليوم ـ تبغضه وتضمر له العداوة، لقد كانت صدورها تغلي بهذا الغضب وأفئدتها تحترق بهذه الضغينة، وها هو علي يصعد ويرتفع ويعلو.
والمنافقون ـ الذين لا تعلمهم الله يعلمهم ـ يكيدون للرسالة ويكيدون للرسول، لكن علياً هنا، ولن يتخلى عن رسالته ولا رسوله، فكيف المصير؟
لقد كان عداءاً أي عداء.
ثأرٌ للماضي، وحسدٌ للحاضر، ومنافسة على المستقبل، كلها تجمَّعت واتَّضحت في وجه قريش، حتّى تكاد تهتك نفسها، وتعلن خبث سريرتها، والرسول يتمزق لهذه المأساة.
" ما تريدون من علي، ما تريدون من علي، ما تريدون من علي، انّ علياً مني وأنا منه ".
وعلى أي، فقد كان السعي حثيثاً لتركيز وجوه الطليعة، وكسر الجدر النفسية بينهم وبين الأمة.
ثانياً: الدعوة لإلتزامهم:
ولقد سعى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) ثانياً في تحفيز الأمة نحو التزام خط الطليعة الذي يمثّله الامام علي (عليه السلام) عند إفتراق الخطوط.
فالولاء الذي أكّد الرسول (صلى الله عليه وآله) ضرورته لعلي، لا يجوز أن يبقى ولاء العواطف فقط، إنّما لابدّ أن ينعكس على الموقف والاتجاه.
وإذا كانت الاتجاهات غير بارزة على السطح أيام الرسول (صلى الله عليه وآله) فهو على أي حال قد تنبأ بها ولمس خيوطها كان يقرأ تلك الاتجاهات في وجوه قريش وفي وجوه عدد من الصحابة، وكان يعرف حجم الفتن التي ستجابه الأمة.
ومن هنا كان يؤكد دوماً ان اتجاه علي هو الحق عند افتراق الاتجاهات، وان جبهة علي هي الحق عند تعدد الجبهات، لقد كان يقول ويكرر القول: " ستكون بعدي فتنة، فاذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب، فانه أول من يراني، وأول من يصافحني يوم القيامة ".
علي هو الطليعة مجتمعة في واحد، وعلي هو قمة الطليعة متفرقة في أفراد، ولذا فهو أول من يراني وأول من يصافحني يوم القيامة. ولزوم علي بن أبي طالب هنا لا يعني مفهوماً مرناً يقبل النقائض، إنما هو التزام إتجاهه وخطه في كل مجالات الاختلاف ومجالات الفتن. أما التودّد وإضمار المحبة له دونما اتّباع، فليس هو المطلوب بالأساس وهكذا كان يقول (صلى الله عليه وآله): " تكون بين الناس فرقة واختلاف فيكون هذا وأصحابه على الحق، وإذا كان علي يمثِّل الطليعة، فخطه هو خط الطليعة كلها، هو خط سلمان، وأبي ذر، وعمار، والمقداد، وحذيفة خط واحد هو الحق لا سواه.
ولذا فأن " عمّار مع الحق والحق مع عمّار " كما قال (صلى الله عليه وآله) ولذا أيضاً: " إذا اختلف الناس فابن سميّة مع الحق " كما قال (صلى الله عليه وآله) لأن ابن سمية من الطليعة، ومن شيعة علي، فهو في نفس الخط وهو (صلى الله عليه وآله) نفسه يقول لعمار: " يا عمار بن ياسر: ان رأيت علياً قد سلك وادياً، وسلك الناس وادياً غيره فاسلك مع علي فانه لن يدليك في سدىً ولن يخرجك من هدىً ".
وتعبيراً عن هذه الوحدة أيضاً، الوحدة في الخط، قيل: يا رسول الله عمّن نكتب العلم؟ فقال: عن علي وسلمان.
وعلى أي حال، فالرسول هنا يدعم الخط ويدفع المسلمين نحوه، لأن الخطوط الأخرى كلها منحرفة، مفرّغة، مزيّفة، لأنها ناشئة من عدم إستيعاب الرسالة، وعدم الإندماج مع أهدافها.
الرسول هنا يقيّم خط الطليعة، ويُعلن عن موقفها من الرسالة وأهداف الرسالة، بغاية ربط الأمة بها، بطليعتها الواعية المخلصة المؤمنة حقيقة الايمان.
في جانب آخر كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يوطّد المودّة والصلة بين الأمة والطليعة، وهو في هذا الجانب يحدّد الخطّ الصحيح، ويقول الكلمة الثانية في الطليعة، فليسوا فقط أصحاب وعي واخلاص يدفع نحو مودّتهم، إنّما هم يعيشون الرسالة كلها، ويدركون الرسالة كلها، منصهرين مع الرسالة تماماً. إذن فخطهم وحدهم على الحق والخطوط الأخرى مزيّفة خطرة.
ثالثاً: التأكيد على قيادتهم:
ولقد سعى ثالثاً في تأكيد الكلمة الثالثة والأخيرة.
وكانت الكلمة الأخيرة انّ خط الطليعة هو الخط القائد والموجّه والزعيم، وأن هؤلاء الطليعيون هم قادة التجربة بعده، ولهم وحدهم حق زعامتها، لأنهم وحدهم على الحق، أما الخطوط الأخرى فغير جديرة ولا مؤهلة للقيادة، ولا مأمونة الانحراف. هؤلاء الطليعة هم الذين كرسَّهم الرسول (صلى الله عليه وآله) لهذه المهمة، ولذا فهم اكثر إستيعاباً وإخلاصاً. وهم يعرفون جيداً وبلا دهشة ولا إنهيار ولا خلل أين هو موضع الخطوة الثانية والثالثة والرابعة للرسالة.
لقد اُشبعوا علماً، ولقد كانوا على الحق، ولقد ملؤا ايماناً، فبهذا حدَّث عنهم الرسول (صلى الله عليه وآله).
القطاعات التي لم تستوعب الرسالة، ولم تلتحم معها تماماً، لا يمكن أن تعطى القيادة لأنها سوف تعثر وتنحرف، ثم تضيع التجربة كلها بتضخم واتساع الانحراف بالتدريج.
والتجربة ما زالت طريّة وفنية، ولا تستطيع أن تحصِّن نفسها ما لم تكن تحت إشراف وقيادة الطليعة المستوعبة المملوءة علماً وحقانيةً.
ولذا جاءت الكلمة الثالثة، جاءت شديدة، وجديّة، وقاطعة، ومؤكدة. جاءت يوم اجتمع المهاجرون والأنصار وألوف الأعراب، في أخطر وأهمّ وأكبر حشد اسلامي في تاريخ الرسالة كلّه.
اجتماع رهيب ومفاجئ، فيه الرسول (صلى الله عليه وآله) وفيه المهاجرون، وفيه الأنصار، وفيه المسلمون جميعاً، وفيه الوحي يهبط بالكلمة على قلب الرسول (صلى الله عليه وآله).
{يَا اَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنْزِلَ اِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَاِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} مصير الرسالة كلّه يتوقف على هذه الكلمة، ولذا قال تعالى: {اِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} لقد صنعت الطليعة، هذه خطوة اُولى على الطريق.
والآن بلّغ ما أنزل اليك، إنَّ هذه الطليعة هي القائدة والموجّهة.
ونهض الرسول، كما نهض لإعلان البيان الأوّل في الإسلام، يوم هبط عليه الوحي {وَاَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الاَْقْرَبِينَ}، هنا نهضة مشابهة في خطورتها، وموقعها من الرسالة.
انظروا كيف نهض؟
نهض وهو واثق بأن الذين عارضوه أمس سيعارضوه اليوم، والذين سخروا منه أولا سيسخرون أخيراً، لكنه على أي حال نهض لأن الله يعصمه من الناس وانظروا كيف قال...؟
إنّه وضع الرسالة أمامهم، وكأنه يقول: انّ كلمتي هذه هي الخطوة الثانية في الرسالة، وهي تحديد مصير الرسالة كلّه: " أليس تشهدون أن لا اله الاّ الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن جنته حق، وأن ناره حق، وان الموت حق، وان البعث حق بعد الموت، وان الساعة آتية لا ريب فيها، وان الله يبعث من في القبور؟ " ها هو يعرض الرسالة كلها، فماذا بقي؟؟ لقد قالوا بلى على كل هذا العروض، بلى نشهد بذلك.
وهنا قال (صلى الله عليه وآله): " يا أيها الناس ان الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره، واخذل من خذله ".
ثم قال: " أيها الناس اني فرطكم، وانكم واردون عليَّ الحوض.. واني سائلكم حين تردون عليَّ عن الثقلين كيف تخلّفوني فيهما، الثقل الأكبر كتاب الله عزّ وجلّ.. وعترتي أهل بيتي، فانه قد نبأني اللطيف الخبير انهما لن ينقضيا حتّى يردا عليَّ الحوض ".
وبهذا تمت الرسالة، لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد مارس ماضيها، وحدّد مستقبلها وبهذا نزل الوحي " اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً ".
وبهذا أيضاً كان التشيع ـ الذي يعني الإسلام كاملا وغير مجزئ ـ قد وضع فكان هذا العصر عصر تأسيس النظرية.
غير ان هذه الكلمة الأخيرة لم تأت مفاجئة، إنّما في تاريخ الرسالة كلّه كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يربط حروفها، وينسج خيوطها.
والعجيب ان هذه الكلمة الأخيرة كانت هي الكلمة الأولى في الرسالة أيضاً. مما يعني انها مركَّب واحد، هو كل محتوى الرسالة.
منذ البيان الأول للرسالة، وحين دعا الرسول (صلى الله عليه وآله) عشيرته للإسلام، قال لهم: " أيكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟
فقام علي وقال: " أنا يا نبيّ الله أكون وزيرك عليه ".
فقال: " انّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ".
وعلى طول الخط كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يقرِّب الفكرة، ويشرحها، لقد كان يقول: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى ".
وكان يقول: " علي سيد المسلمين، وأمير المؤمنين، وامام المتقين، وقائد الغرّ المحجّلين ".
وفي عشرات المرات قال: (وليي) و (خليفتي) و (وزيري).
* * *
يبقى ان النظرية الشيعية تؤمن بامامة الاثنى عشر من أهل البيت، وليس علياً فقط، فهل عني الرسول (صلى الله عليه وآله) بتأكيد ذلك والاشارة إليه؟
وقبل الاجابة نريد أن نقول: ان النظرية الشيعية لا تحتاج في تصحيح تصوّرها من أهل البيت (عليهم السلام) إلى نصوص من الرسول (صلى الله عليه وآله)، زائدة على نصوصه في استخلاف علي (عليه السلام).
انه يكفي لتدعيم النظرية أن يكون الرسول (صلى الله عليه وآله) قد أوصى إلى علي، ثم هو أوصى إلى الحسن، وحتّى تنتهي الوصية إلى الامام الثاني عشر، الواقع ان طريقة التفكير هذه هي عين الطريقة التي آمن بها الفكر السنِّي، واستخدمها لاثبات خلافة عمر، فرغم أنهم يؤمنون نظرياً بنظام الشورى الاّ انهم اعتبروا وصية أبي بكر نافذة، بوصفه ولي أمر المسلمين.
نفس الشيء يمكن أن تقوله النظرية الشيعية لتصحيح امامة الائمة الاثني عشر ـ عليهم السّلام ـ، بلا افتقار إلى نصوص مسبقة من الرسول (صلى الله عليه وآله)، والتزام النظرية الشيعية بهذا الرأي يكون منطقياً جداً ومتناسقاً مع أصل رأيها في الامامة وأنها ليست بالشورى وإنّما هي بالنص. أمّا في الفكر السنّي فالتزام هذه الطريقة يوقعهم في تهافت واضح مع نظام الشورى.
وعلى أي حال فالنظرية الشيعيّة قادرة على اثبات رأيها في إمامة الائمة الاثني عشر (عليهم السلام) دونما ضرورة إلى اثبات النصوص الخاصة بإمامتهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومضافاً إلى ذلك فنصوص الرسول (صلى الله عليه وآله) وافية لأداء هذا الجزء من النظرية فقد ثبت بالتواتر أنه قال في أكثر من مناسبة: " انّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً ".
لقد كان (صلى الله عليه وآله) يقول: " من أحبّ أن يركب سفينة النجاة ويتمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين فليوال علياً بعدي وليعادي عدوّه، وليأتم بالأئمة الهداة من ولده فانهم خلفائي وأوصيائي وحجج الله على خلقه بعدي وسادات أمتي وقادات الأنبياء إلى الجنّة، حزبهم حزبي، وحزبي حزب الله، وحزب اعدائهم حزب الشيطان " إلى غير ذلك من الأقوال الموجودة في كتب المذاهب، على أنه (صلى الله عليه وآله) ذكر حتّى اسماءهم وعددهم، فقد ثبت باجماع أهل الحديث أنه قال: " يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش " وقال (صلى الله عليه وآله): " لا يزال الإسلام عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة " وقد سُئلت عائشة عن اسمائهم فقالت: أسماؤهم عندي مكتوبة باملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقيل لها: فأعرضيه، فأبت. وفي رواية أخرى انها قالت: أسماؤهم في الوصية.
السيد صدر الدين القبانچي
تعليق