بسم الله الرحمن الرحيم
تُظهر دراسة الروايات التي جاءت في هذا المجال في المصادر التاريخية ، أنّ هناك أشخاصاً مختلفين كانوا يريدون - وبدوافع مختلفة - أن يثنوا الإمام عليه السلام عن السفر إلى العراق ، وكان البعض مكلّفين بشكلٍ مباشر من يزيد بمنع الإمام ، وكان البعض منفّذين لأمره بشكل غير مباشر ، وكان البعض ينفّذ إرادة حكومة يزيد في نفس الوقت الذي كانوا يعبّرون فيه عن حبّهم للإمام ، وكان البعض يتوجّس خيفة من هذا السفر بسبب بعض التنبّؤات التي وردت عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله والتي كانوا قد سمعوها منه ، وكان البعض الآخر يهدفون إلى أن يكون الإمام مثلهم مؤثِراً للعافية والسلامة ، وأخيراً فقد كان هناك بعضٌ ممّن لم يكن يدفعهم دافع سوى حبّهم له عليه السلام .
ومن أجل تحليل أجوبة الإمام عليه السلام للذين كانوا يسعون لثنيه عن هذا السفر من خلال تصوير مخاطره ، يجب أن نأخذ بنظر الاعتبار أنّ هدف الإمام من السفر إلى الكوفة كان بالدرجة الاُولى تأسيس الحكومة الإسلامية ، وبالدرجة الثانية تضعيف أركان الحكومةالاُموية، والدفاع عن أساسالإسلام، وإناستلزم ذلك شهادته هو وأهل بيته وأصحابه ، وعلى هذا فإنّ تحقيق هذا الهدف لا يتنافى مع الأخطار المحتملة ، بل الأكيدة لهذا السفر .
كان الإمام عليه السلام يعلم بمصير هذا السفر من جهة ، ويعي تماماً مخاطره ، ولم يكن يستطيع من جهة اُخرى - ومن أجل إتمام الحجَّة - أن يبوح بكلّ ما كان يعلمه لجميع الناس ، ولذلك فقد كانت أجوبة الإمام للذين وصفوا السفر إلى الكوفة بأنّه خطير ، مختلفةً . ويمكن تقسيم هذه الأجوبة إلى ثلاث طوائف :
۱ . الردّ على عمّال الحكومة
كان ردّ الإمام عليه السلام على عمّال يزيد الذين كانوا يمنعونه من السفر إلى العراق هوالطلب منهم ألّايتدخّلوا في شأنه ، فعندما منع عمّال عمرو بن سعيد والي مكّة الإمامَ وأصحابه من الخروج من مكّة ، خاطبوا الإمام قائلين بعد مشادّة بسيطة :
ولكنّ الإمام اكتفى بقراءة هذه الآية الكريمة :
«لِى عَمَلِى وَ لَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُم بَرِيؤُنَ مِمَّآ أَعْمَلُ وَ أَنَا بَرِىءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ» .
واستناداً إلى نقل ابن أعثم ، فقد اكتفى الإمام أيضاً بكتابة الآية المذكورة ردّاً على كتاب يزيد إلى أهل المدينة ، والذي كان يتضمّن منعهم من الثورة.
۲ . ردّ الإمام عليه السلام على الذين لم يكن يريد أن يخبرهم بمصير هذا السفر
بما أنّ الهدف الأساسي للإمام عليه السلام من السفر إلى العراق كان يتمثّل في تأسيس الحكومة الإسلامية ، فإنّه لم يكن يستطيع من باب إتمام الحجّة ، أن يخبر جميع الناس - بل حتّى بعض الخواصّ - بمصير هذا السفر ،ولذلك فقد كان يكتفي بأجوبة إجمالية ردّاً على الذين كانوا يريدون ثنيه عن عزمه على هذا السفر من خلال تصوير مخاطره ، كما قال ردّاً على مقترح الطرِّماح وأبي بكر بن عبد الرحمن :
مَهما يَقضِ اللَّهُ مِن أمرٍ يَكُن .
كما اكتفى بأجوبة إجماليّة ردّاً على بشر بن غالب وعبد اللَّه بن مطيع وعمر بن عبد الرحمن والفرزدق ، وأمثالهم .
۳ . الردّ على الخواصّ
وأمّا أجوبة الإمام عليه السلام على شخصيّات كبيرة مثل : اُمّ سلمة وعبد اللَّه بن جعفر ومحمّد بن الحنفية ، فقد كانت مختلفة تماماً عن أجوبته على الآخرين ، فقد كان يخبرهم بشهادته ، كما قال ردّاً على اُمّ سلمة :
إنّي واللَّهِ مَقتولٌ كَذلِكَ ، وإن لَم أخرُج إلَى العِراقِ يَقتُلوني أيضاً .
كما أجاب عبد اللَّه بن جعفر قائلاً :
لَو كُنتُ في جُحرِ هامَةٍ مِن هَوامِّ الأَرضِ لَاستَخرَجوني وَيَقتلونّي .
وهذه الأقوال تعني أنّه سواء ذهب إلى الكوفة ، أم لم يذهب إليها فإنّه سيُقتل حتماً على يد عمّال يزيد ، وعلى هذا فإنّ عليه أن يختار مكاناً للشهادة كي يقدّم بدمه أكبر خدمة للإسلام ، ويوجّه أكبر ضربة إلى الحكومة الاُموية ، ومع حفظه على حرمة الحرم أيضاً ، ولم تكن تلك المنطقة سوى أرض العراق .
وعلى هذا الأساس اختيار الكوفة ، واصطحاب أهل بيته وأطفاله وأفضل أصحابه معه في هذا السفر ، في إطار تحقيق هذا الهدف الإلهي السامي .
تعليق