نعيش الآن عصر التناقضات بامتياز .!
زمننا هذا هو أكثر الحقب اللادينية تديّناً ، وهو أكثر الأزمنة حديثاً عنالسلام وأكثرها ارتكاباً للحروب !
وهو زمن وسائل الاتصال التي أدت إلى الانفصال الأسري والتفكك الاجتماعي، وهو الزمن الذهبي لتداول الناس للحِكَم عبر وسائل التواصل الاجتماعي،
لكن الناس يصبحون أقل حكمة، يوماً بعد يوم ..!
حين تفتح حسابك في «تويتر» أو في «الواتس آب» أو في بريدك الالكتروني، للذين ما زالوا يفتحونه،
صباح كل يوم فتجد «حكمة الصباح» بالمئات،
من كل حدب وصوب، على لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام ) والشافعي وجبران خليل جبران وتولستوي وفيكتور هيغو وغادة السمان وطاغور وبيل غيتس وغاندي وآخرين وآخرين ..!
حِكَم ومقولات تحض على بر الوالدين والتسامح والعطاء والانجاز والترفّع عن الخصومات والتواضع عند النجاح والتفاؤل
والتبسّم في وجوه الآخرين والتغافل عن الأخطاء وحسن الظن و و و ..!
تنتهي من قراءة تلك الحكم التي تَوافَق وتَعاضَد عليها الناس وقرأوها معك صباح اليوم،
فتتوقع أنك ستخرج الآن إلى المدينة الفاضلة، وستتناول فنجان قهوة في أحد المقاهي مع أفلاطون الذي وصل أخيراً ،
لكن قبل أن تخرج من البيت، سترى ابنك يتخاصم مع اخته على شاحن الجوال،
ثم إذا حصل عليه بالقوة طبعاً، فتح حسابه على «تويتر» وأرسل تغريدة من مقولات غاندي عن نبذ العنف ..!
في طريقك إلى المكتب ستجد في الشوارع أخلاقاً وسلوكيات لم ترها في «تويتر» أو في «الواتس آب» مع حكمة الصباح.
ستنسيك أخلاقيات التوتر في الشوارع أخلاقيات «تويتر» في المواقع ..!
في المكتب سيرسل زميلك في مجموعة «الواتس آب» مقولة ذهبية في متعة الانجاز،
هذا الزميل لم يذق متعة الانجاز في عمله منذ مدة طويلة لأن لديه أولويات أهم من إنجاز العمل.
في المساء، ستشاهد في التلفزيون برامج حوارية يشارك فيها بعض من عرفتهم
من مشاهير المغردين في «تويتر» و «الواتس آب» بحِكَم الصباح عن التفاؤل وحِكَم المساء عن التسامح.
في هذه البرامج الحوارية سوف لن «يغرّد» هؤلاء كما عهدناهم، بل سيقومون بشيء آخر لا يمت الى حكم الصباح بصلة،
بل هو من حكم الصياح!
عندما تستلقي على فراشك، ستلقي نظرة أخيرة على جهازك المحمول قبل النوم،
ستجد مواقع التواصل الاجتماعي مزدحمة بالحكم والأمثال والمثاليات.
من الأفضل لك أن تغلق الجهاز وتنام كي تخرج من هذه «المدينة الفاضلة»..!