المسألة:
في إطار السياق القرآني لعرض قصة نبي الله موسى(ع) مع الخضر (ع) ورد ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾ والسؤال هو:
1- هل يعقل وجود من هو أعلم من النبي؟
2- ما هو العلم الذي طلبه موسى(ع)؟
الجواب:
1- ورد في بعض الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) أن الخضر (ع) كان نبيًا مبعوثًا من قبل الله تعالى إلى قومه، فمن هذه الروايات ماورد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: ((إن الخضر (ع) كان نبيًا مرسلاً بعثه الله تبارك وتعالى إلى قومه فدعاهم إلى توحيده والإقرار بأنبيائه ورسلة وكتبه، وكان آيته أنه لا يجلس على خشبة يابسة ولا أرض بيضاء إلا أزهرت خضراء، وإنما سمي خضرًا لذلك...)).
وفي مقابل هذه الروايات روايات أخرى تنفي مقام النبوة عن الخضر (ع) كما في تفسير العياشي عن بريد عن أحد الإمامين الباقر والصادق (ع) أنه قال: ((الخضر وذو القرنين كانا عالمين ولم يكونا نبيين)).
فإذا ثبت أن الخضر (ع) لم يكن نبيًا فإن الإشكال يظلُّ على حاله، أما لو ثبت أنه نبي كما هو المرجَّح والمستظهر من الآيات المتصدية لبيان القصة التي كانت بينه وبين موسى (ع) فإن الإشكال لا ينتفي أيضًا، وذلك لأنه قد يقال أن الخضر (ع) حتى لو كان نبيًا فإن موسى (ع) كان من أنبياء أولي العزم، ومن المعروف أن أنبياء أولي العزم كانوا أفضل وأعلم أنبياء زمانهم، وحينئذٍ كيف نتعقل أعلمية الخضر (ع) الذي لم يكن من أنبياء أولي العزم على نبي الله موسى (ع) والذي كان من أنبياء أولي العزم؟
والجواب هو أن الآيات المتصدية لبيان القصة التي وقعت لموسى(ع) مع الخضر لا يدلُّ شئ منها على أعلمية الخضر على موسى بنحو الإطلاق وإنما تدلُّ على اختصاص الخضر بعلمٍ لم يكن نبيُّ الله موسى(ع) قد علم به من قبل الله تعالى. وهذا المقدار لامانع منه عقلاً ولا اعتقاداً، فأي محذورٍ عقلي يمنع من أن يختص الله تعالى بعض عباده بعلمٍ ويحجبه عن نبيِّه. نعم لا يصح اعتقاداً أن يكون الخضر اعلم من موسى فيما يتصل بالشأن التشريعي والعقائدي، وذلك لأن مهمته تقتضي الإحاطة التامة بذلك، أما أن يختص الله تعالى بعض عباده ببعض أسراره الغيبية لحكمةٍ اقتضتها العناية الإلهية فذلك أمر ممكن.
ولذلك تصدَّت الروايات الواردة عن أهل البيت(ع) لمعالجة هذا الأشكال بالتأكيد على أعلمية موسى(ع) على الخضر(ع) وأفاد بعضها أن ما أختص الله تعالى به الخضر من العلم ببعض المغيبات كان من أجل مهمة اُنيطت بالخضر (ع) ولم يكن لهذا المهمة اتصال بالدعوة والتبليغ، فقد ورد عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: ((كان موسى أعلم من الخضر)) وورد عن الإمام الرضا(ع)، أنه كتب إليه بعضهم يسأله عن العالم الذي أتاه موسى، أيهُّما كان أعلم فأجاب الإمام(ع) وكان فيما ورد في جوابه أن الخضر لما طلب موسى منه أن يُعلّمه قال له: (إنِّي قد وُكلت بأمرٍ لا تُطيقه ووكلتَ بأمرٍ لا أُطيقه))
تعليق