بسم الله الرحمن الرحيم
يمثّل الحسين بن عليّ عليه السلام مظهر العزّة الإلهية، وتعدّ عاشوراء رمز الملحمة والعزّة الحسينية، وشعار «هيهات منّا الذلّه» الذي من شأنه أن يهزم الأعداء، هو تراثه النفيس، وقد روي في المصادر المعتبرة أنّه عليه السلام خاطب الأعداء في خطبة ملحمية في يوم عاشوراء قائلاً :
ألا وإنَّ الدَّعِيَّ ابنَ الدَّعِيِّ قَد رَكَزَ بَينَ اثنَتَينِ ؛ بَينَ السِّلَّةِ وَالذِّلَّةِ ، وهَيهاتَ مِنّا الذِّلَّةُ ، يَأبَى اللَّهُ لَنا ذلِكَ ورَسولُهُ وَالمُؤمِنونَ ، وحُجورٌ طابَت ، وحُجورٌ طَهُرَت ، واُنوفٌ حَمِيَّةٌ ونُفوسٌ أبِيَّةٌ ، مِن أن تُؤثَرَ طاعَةُ اللِّئامِ عَلى مَصارِعِ الكِرامِ .
كما قال - مجيباً للقائلين له: لا نخلّيك حتّى تضع يدك في يد عبيد اللَّه بن زياد - :
لا وَاللَّهِ ، لا اُعطي بِيَدي إعطاءَ الذَّليلِ ، ولا أفِرُّ فِرارَ العَبيدِ ، «إِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَ رَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ» ،«إِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَ رَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ».(1)
وبناءً على ذلك ؛ فإنّ كلّ روايةٍ عن تاريخ عاشوراء تدلّ على قبوله الذلّة ، إنّما هي من أكاذيب الأعداء وانتحالاتهم ، مثلما روي من أنّه عليه السلام قال:
اِختاروا مِنّي خِصالاً ثَلاثاً : إمّا أن أرجِعَ إلَى المَكانِ الَّذي أقبَلتُ مِنهُ ، وإمّا أن أضَعَ يَدي في يَدِ يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ ، فَيَرى فيما بَيني وبَينَهُ رَأيَهُ ، وإمّا أن تُسَيِّروني إلى أيِّ ثَغرٍ مِن ثُغورِ المُسلِمينَ شِئتُم ، فَأَكونَ رَجُلاً مِن أهلِهِ ، لي ما لَهُم ، وعَلَيَّ ما عَلَيهِم .
أو ما نسبه إليه في كتاب نور العين من أنّه قال لشمر بن ذي الجوشن عندما همّ بقتله :
إذاً ولابدّ من قتلي فاسقني شربة ماءٍ! فقال : هيهات أن تذوق الماء ، بل تذوق الموت غصّةً عد غصّةٍ ، وجرعةً بعد جرعةٍ .(2)
إن مثل هذه الروايات تخالف اُصول عقائد الشيعة بشأن المكانة السامية لأهل بيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فضلاً عن أنّها تتنافى مع محكمات تاريخ عاشوراء ومواقف الإمام طيلة حياته المليئة بالمفاخر .۲
وعلى هذا الأساس فإنّ من آفات مجالس عزاء سيّد الشهداء هي إنشاد المراثي المهينة له عليه السلام ، وعلى الخطباء المخلصين لأهل البيت عليهم السلام أن يتجنّبوا كلَّ كلامٍ أو تعبيرٍ يدلّ على إظهار الإمام عليه السلام أو أهل بيته للذلّة في حادثة عاشوراء. وقد نقل المحدّث النوري في هذا المجال في كتاب «اللؤلؤ والمرجان» رؤيا صادقة - مثيرة حقّاً - لأحد الخطباء المعروفين من دون ذكر اسمه .
- مثير الأحزان: ص 51
2. نور العين للإسفرايني : ص 50
تعليق