: عَضلُ المَرأةِ :
------------
:الإشكاليَّةُ والآثار :
--------------
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاةُ والسلامُ على نبينا محمد وآله المعصومين
لقد شخَّصَ القرآن الكريم ظاهرة عضل المرأة
وهو المنع من إعمال حقها في الزواج الشرعي .
في آيتين شريفتين
ووضع لها العلاج الشرعي بالمنع حكماً
من إيقاع العضل بالمرأة .
قال الله تعالى
{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة232
بمعنى
واذا طلَّقتم نساءكم دون الثلاث وانتهت عدتهن من غير مراجعة لهن
فلا تضيقوا -أيها الأولياء- على المطلقات بمنعهن من العودة إلى أزواجهن بعقد جديد إذا أردن ذلك وحدثَ التراضي شرعًا وعرفًا.
ذلك يوعظ به من كان منكم صادق الإيمان بالله واليوم الآخر.
و إنَّ تَرْكَ العضل وتمكين الأزواج من نكاح زوجاتهم أكثر نماءً وطهارة لأعراضكم وأعظم منفعة وثوابًا لكم
والله يعلم ما فيه صلاحكم وأنتم لا تعلمون ذلك .
وقال اللهُ تعالى أيضاً
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً }النساء19
بمعنى
يا أيها الذين آمنوا لا يجوز لكم أن تجعلوا نساء آبائكم من جملة تَرِكتهم تتصرفون فيهن بالزواج منهن (هذا أيام الجاهليّة الأولى)
أو المنع لهن من الزواج من الآخرين
وهن كارهات لذلك كله ولا يجوز لكم أن تضارُّوا أزواجكم وأنتم كارهون لهن
ليتنازلن عن بعض ما آتيتموهن من مهر ونحوه
إلا أن يرتكبن أمرا فاحشا كالزنى
فلكم حيننذ إمساكهن حتى تأخذوا ما أعطيتموهن.
ولتكن مصاحبتكم لنسائكم مبنية على التكريم والمحبة
وأداء ما لهن من حقوق.
فإن كرهتموهن لسبب من الأسباب الدنيوية فاصبروا
فعسى أن تكرهوا أمرًا من الأمور ويكون فيه خيرٌ كثير.
وبعد ما توضح أعلاه من رصد المُشرِّع الإسلامي الحكيم
لظاهرة عضل المرأة
ومنعِها من إعمال حقها الطبيعي والفطري في الزواج الشرعي .
يظهر أنَّ عضل المرأة هو أمرٌ ممنوعٌ شرعاً على الإطلاق
ولم يتحدد الحكم بالمنع شرعاً بهاتين الصورتين اللتين ذكرتهما الأيتان الشريفتان أعلاه.
بناءً على أنَّ المورد لايُخصِّص الوارد بحسب مباني علم أصول الفقه الإسلامي .
كون الآيتين في صدد بيان مصداقين من مصاديق العضل مفهوماً
وهذا يعني إمكان وجود مصاديق وصورٍ متعددة لمفهوم عضل المرأة تطبيقاً
وإن كان الجامع للمصاديق هو المنع من الزواج الشرعي
وكيف ما كان وبحسب الإستقراء المجتمعي لظاهرة عضل المرأة
تتجلى اليوم وفي وقتنا المُعاصر صورة واضحة
تكاد تكون هي الغالبة في الإنطباق المُطَّرد في عضل ومنع المرأة من الزواج الشرعي .
وهذه الصورة هي صورة تعسف ولي المرأة
(الأب أو الجد للأب ) بحسب محددات الفقه الإسلامي
بمنع منح الإذن بزواج من هي تحت ولايته شرعاً
خاصة البنت البكر
وأما الثيِّب فلا حاجة في تزويجها إلى الإذن
فهي مالكة أمرها شرعاً .
والمهم هنا هو يجب أن يفهم ويدرك ولي المرأة الشرعي
أنَّ إذنه بالتزويج هو ترخيصٌ فحسب
إذ ليس هو سلطنة مُطلقة وجبرية حتى يمنع منح الإذن بالتزويج .
بل أقصى ما يُفيده مفهوم أذن الولي الشرعي
هو مراعاة الجانب الأخلاقي والعاطفي بين الولي ومن هم تحت ولايته شرعاً .
وقد إستظهر المحقق الحلي (رحمه اللهُ تعالى) من الروايات
أنَّ سقوط ولاية الأب والجد للأب هو الأظهر
وأنَّ الولاية تثبت لنفس البكر الرشيدة على نفسها في العقد الدائم والمنقطع .
حتى أنه رحمه الله تعالى قد أفتى بحرمة عضل المرأة
وقال
أما إذا عضلها الولي وهو أن لايزوجها من كفءٍ مع رغبتها
فإنه يجوز لها أن تُزوِّج نفسها ولو كرهاً
(أي حتى مع كراهة الأب والجد) إجماعاً :
:شرايع الإسلام:المحقق الحلي:ج2:ص502.
وقد أفتى السيد الخوئي :رحمه الله تعالى:
بالإحتياط الوجوبي في مسألة الأذن وحدوده ومشروعيته
وقال
في مسألة رقم 1237 من منهاج الصالحين ج2ص284
: لا ولاية للأب والجد على البالغ الرشيد ولا على البالغة الرشيدة عدا البكر فإنّ الأحوط لزوماً في تزويجها إعتبار اذن أحدهما واذنهما معاً :
وأما السيد علي السيستاني
(دام وجوده المبارك)
فقد قال
بإمكان سقوط هذا الأذن في حالة الإستبداد والتعسف والإضرار به في حق البنت الباكرة الرشيدة إذا منعها وليها من الزواج
بكفئها الشرعي والعرفي مع حاجتها المُلحة للزواج .
ذلك في مسألة رقم 69 من منهاج الصالحين ج3:ص28.
قال:
يسقط إعتبار أذن الأب أو الجد للأب في نكاح الباكرة الرشيدة
إذا منعاها (الأب أو الجد للأب) من الزواج بكفئها الشرعي والعرفي أو أعتزلا التدخل في أمر زواجها مطلقا
أو سقطا عن أهليَّة الأذن لجنون أو نحوه
وكذا (أي يسقط الأذن) إذا لم تتمكن من استئذان أحدهما لغيابهما مثلا فإنه يجوز لها الزواج حينئذٍ مع حاجتها المُلحة إليه فعلا من دون أذن أحدهما :
ومفهوم البنت الباكرة يشمل حتى من لم يدخل بها زوجها
كأن ماتَ أو طلقها قبل الدخول بها .
ومن ذهبتْ بكارتها بسبب عارضٍ ما غير الزنا والعياذ بالله .
وما نقصده في هذه الإثارة البحثية والواقعية في مجتمعنا
هو إنبغاء العمل على تحريك الوعي وبسط المرونة في إعمال حق الولي الشرعي في الأذن بتزويج من هي تحت ولايته شرعا.
إذ لايجوز شرعا التعسف بإستعمال الحق أو إيقاع الإضرار به في حق البنت الراغبة بالتزويج والمُحتاجة إليه بصورة مُلحة ومُحقة فعلاً .
لما في التعسف والمنع أو عضل المرأة من إعمال حقها في الزواج
من مفاسد واقعية آنية أو مُستقبلية على مستوى البنيَّة النفسية في تركيبة المرأة شخصيا أو حتى البُنيّة السلوكية
حتى أنه ورد
عن أبي عبد الله الإمام الصادق : عليه السلام :
أنه قال : إنَّ الله عز وجل
لم يترك شيئا مما يحتاج إليه إلا علمه نبيه: صلى الله عليه وآله:
فكان من تعليمه إياه أنه صعد المنبر ذات
يوم فحمد الله وأثنى عليه
ثم قال : أيها الناس إنَّ جبرئيل أتاني عن اللطيف الخبير
فقال :
إنَّ الأبكار بمنزلة الثمر على الشجر إذا أدرك ثمره فلم يجتني أفسدته الشمس ونثرته الرياح
وكذلك الابكار إذا أدركن ما يدرك النساء فليس لهن دواء إلا البعولة
وإلا لم يُؤمن عليهن الفساد لأنهن بشر
قال : فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله فمن نزوج ؟
فقال : الأكفاء
فقال : يا رسول الله ومن الأكفاء ؟
فقال : المؤمنون بعضهم أكفاء بعض :
:الكافي:الكليني :ج5:ص337.
إذاً على ولي المرأة الشرعي أن يعرف حدود أذنه بالترخيص
وأن يدرك أنَّ للبنت الرشيدة الباكرة ولاية على نفسها مستقلة تماماً في إعمالها
كون ولايتها على نفسها هي من شؤونها الخاصة تكوينيا بل وحتى شرعيا .
هذا فضلا عن ما سيقع من الآثار السلبية فسيولوجياً ونفسيا
وذهنيا وإجتماعيا على البنت الرشيدة الباكرة
فيما لومُنعتْ من حقها الفطري والطبيعي في الزواج الشرعي.
والسلامُ عليكمُ ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :
تعليق