الإنتظار والأمل الموعود
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد وآله محمد الطيبين الطاهرين
الإنتظار والأمل الموعود
المهدي لغةً الذي هداه الله إلى الحق، وبه سمّي المهدي(1)، واصطلاحاً مشتقّ من الهداية والصلاح،
واستعمل لمن تلبّس بالهدى ودعا إلى الحق والصراط المستقيم. وقد سمّى الله المهدي المنصور كما سمى أحمد ومحمد ومحمود وعيسى المسيح عليه السلام(2).
والامام الصادق عليه السلام لمّا سُئل عن علّة تسمية القائم بالمهدي قال: لأنه يهدي إلى كلّ أمر خفي(3)
واستعملها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا المعنى، حيث وصف عليا عليه السلام بقوله: (هادياً مهدياً يأخذكم إلى الصراط المستقيم)،
واستعملها الإمام الصادق أيضاً في قوله: (منّا اثنا عشر مهدياً) وقوله : (كلّنا مهديّون نهدي إلى الحق) كما استعملها الأئمة عليهم السلام.
ويمكن القول أنّ المهدي في مذهب أهل البيت عليهم السلام يدل على الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام ومن مختصاته،
ولا يفهم غيره عند استعمالها.
الانتظار في عقيدة الشعوب: إن المتتبع لعقائد الشعوب والأمم قديمها وحديثها يجد فكرة الانتظار أو فكرة المنقذ
الذي يأتي لإنقاذ البشر مما هم فيه من المصائب. فاليهود كانوا وما زالوا يعتقدون بظهور مخلص لهم، وهم ينتظرونه بفارغ الصبر،
وهذا هو سبب تكذيبهم لكل الأنبياء والمرسلين الذين بعثهم الله كعيسى بن مريم ونبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وكذلك فإن النصارى يعتقدون أن المسيح عليه السلام سيعود يوماً ما لينقذهم ويخلّصهم وهم ينتظرونه.
والفكرة نفسها موجودة عند الكثير من شعوب العالم حتى تلك التي لا تدين بدين سماوي أو التي ما زالت غارقة في الظلام.
فالأمل بانتظار المنقذ فطرة مغروسة في النفس الإنسانية، بغض النظر عن الانتماءات المذهبية أو العقائدية،
ذلك أن الاعتقاد بيوم موعود يعتبر من الأمور الفطرية العامة حتى عند علماء النفس.
فظهور الإمام عجل الله فرجه معلوم ومتيقّن الحدوث، لكنه مجهول التحديد، والسبب أنً الله تعالى يريد من البشرية أن تبقى على ارتباط
وثيق نحو الأمل وفي كدحها نحو الله. صحيح أن الأمل فطرة، لكن هذا الأمل يحتاج الى عمل،
قال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَْرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي
ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً... ).(4 )
لقد أُخذ في هذه الآية عنوان الايمان وعنوان العمل الصالح، فالعمل يشمل جميع جوانب الحياة،
والانسان عليه أن يهيّئ نفسه لمجيء من ينتظِر ويتابع العمل ليزيح عن المنتظَر كافة العقبات.
والجدير بالذكر أن انتظار اليوم الموعود لا يكفي فيه الانتظار المحض، فلابد من عمل للوصول إلى ذلك اليوم الموعود.
فما قبل ظهوره عجل الله فرجه وبعد ظهوره حركة متواصلة، والحلقة الأخيرة هي الظهور المبارك.
فحركة الإمام عجل الله فرجه واقعة في سلسلة تقوم بها الأمة، ويأتي الإمام ليتوّج هذا العمل بالانتصار.
ظهور الإمام عجل الله فرجه ضرورة عقلية: إن الضرورة العقلية لظهور المهدي نابعة من الضرورة العقلية للإمامة،
ذلك أن الإنسان كائن ضعيف محدود القدرات وكثير الغرائز والشهوات. فمن جهة نجد أنه جُبل على العواطف والرغبات
الملحّة وفطر على حب الدنيا والتكالب عليها وعلى متاعها.
ومن جهة أخرى، فإن له عقلاً ينازعه نحو الرشد والصلاح وترك المنكرات والملذّات والظلم.
ورغم وجود هذا العقل إلا أننا نراه قاصراً عن إدراك جميع الحقائق، كالاً عن الإحاطة بكل الدقائق التي تحيط به،
والتي تتصل بحاضره ومستقبله وعلاقته بما يحيط به من كون فسيح مليء بالمتغيرات.
فالإنسان كان وما يزال بحاجة ماسة وعلى امتداد عصور حياته على سطح هذا الكوكب إلى مَن ينصب له طريق الهدى والنجاح
الواضح ليسلك به إلى الأمن والأمان من الإنزلاق وراء الشيطان وليحقق له السعادة ويهديه طريق الرشاد.
إن الله سبحانه ووفق قاعدة اللطف الإلهي قد قام وما يزال بهذا الدور من أول الدنيا إلى فنائها ومنذ أن أنزل آدم عليه السلام إلى الأرض حتى قيام الساعة،
فأرسل رسله إلى المنتجبين من عباده والصالحين من خلقه بالنبوة الإلهية والسفارة الربّانية لإرشاد الخلق إلى ما فيه منافعهم ومصالحهم في الدنيا والآخرة
وبيان طرق الخير والسعادة لتبلغ الإنسانية كمالها اللائق بها. وعلى هذا جاء الأثر فيما
روي عن سيد المرسلين: (من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية).(5) أما النصوص القرآنية الـواردة فـي ذلك فكثيرة،
منها قوله تعالى: (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ)(6) وقوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ)(7).
ويقول الشيخ محمد رضا المظفر رحمه الله في عقائد الإمامية عن وجوب اللطف الإلهي فيما يخص إرسال المرسلين وأئمة العالمين الهداة المهديين:
(وإنما كان اللطف من الله تعالى واجباً فإن اللطف بالعباد من كماله المطلق وهو اللطيف بعباده، الجواد الكريم.
فإذا كان المحلّ قابلاً ومستعداً لفيض الجود واللطف فإنه تعالى لابدّ أن يفيض لطفه،
إذْ لا بخل في ساحة رحمته ولا نقص في جوده وكرمه. وليس معنى الوجوب هنا أن أحداً يأمره بذلك فيجب عليه أن يطيعه ـ تعالى عن ذلك ـ
بل معنى الوجوب في ذلك هو معنى الوجوب في قولك إنه واجب الوجوب أي اللزوم واستحالة الانفكاك)(8 )
إن هذه البشرية المخطئة العاجزة عن إدراك المصالح والمفتقرة دوماً إلى اللطف والرحمة الإلهية أعجز
من أن تعيّن وتختار من بينها مَن يسلك بها سُبل السداد. وذلك لعجزها عن إدراك المصالح،
فضلاً عن جهلها لِما تكنُّ الصدور، فالله تعالى وطبقاً للطفه بعباده قد أعفاهم من تعيينه واختياره بأنفسهم رأفةً بهم وإشفاقاً عليهم،
وكان وما يزال هو الذي يصطفي ويختار من خلقه الهداة المهديين ليكونوا أئمة التقى وأعلام الهدى والعروة الوثقى وسُفن النجاة،
التي من تمسّك بها فاز ونجا، ومَن تخلّف عنها غرق وهوى.
وعلى هذا فلا تصحّ الإمامة إلا باختيار رباني وتعيين إلهي ويأتي هذا الإختيار عن طريق الإخبار،
فكل إمام يبلّغ عمّن يأتي بعده ويوصي له بنص جليّ واضح ليتسنّى للأمة الانقياد وانفاذ أمر ربّ العباد.
وهذا بعينه ما أوصى به نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أمّته في غير موضوع ومناسبة.
فنجد النصوص على خلفائه الذين يأتون بعده ـــ وبالأخص الإمام المهدي عجل الله فرجه ـــ جليّة واضحة في كتب السيرة،
منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليهم إثنا عشر خليفة كلهم من قريش).(9)
أبعاد الإنتظار: يعتبر الإنتظار إحدى أكثر حالات الإنسان بركة، وذلك في انتظار دنيا منيرة بنور العدل والقسط.
فمثل هكذا يوم يجب أن ينتظر ولا ينبغي أن تُطفئ أعمال الشياطين وظلم طواغيت العالم وعدوانهم شعلة الأمل في القلب والثقة بالمستقبل.
وروح الإنتظار هذه هي التي تعلّم الإنسان أن يواجه في سبيل الخير والصلاح، فلو لم يكن الإنتظار والأمل موجودين لا معنى لهذه المواجهة،
ولو لم يكن الإطمئنان بالمستقبل موجوداً أيضاً لما كان للإنتظار معنى. ومن هنا تعتبر الثقة بالشخص المنتَظَر ملازمة للإنتظار وكلاهما ملازم للأمل.
واليوم يعتبر هذا الأمل أمراً ضرورياً لكل شعوب الدنيا وأفرادها. فالأمل الذي نبحث عنه هو الرجاء والترقّب المصحوب بالعمل.
وليس معنى الإنتظار أن نقف مكتوفي الأيدي ولا نأمر بالمعروف أو ننهى عن المنكر. بل المسلم مكلّف على الدوام بالعمل،
بما أُنزل من الأحكام الشرعية، وواجب عليه السعي لمعرفتها على وجهها الصحيح: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته).(10)
لذا فمسألة الإنتظار لا تؤجّل أعمالنا بل علينا تهيئة أنفسنا وإعدادها بالشكل المناسب
لتطلعات الإمام عجل الله فرجه في نشر الخير والفضيلة لإسعاد البشرية جمعاء.
الهوامش
(1) لسان العرب لابن منظور ط 2.
(2) البحار: 30،51.
(3) الغيبة للطوسي: 471.
(4) النور:55.
(5) شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج9، ص155/ 1960م.
(6) الرعد: 7.
(7) فاطر: 24.
(8) عقائد الإمامية للشيخ المظفر: ص51.
(9) صحيح مسلم: كتاب الامارة: ب1. وصحيح البخاري:ج9: كتاب الأحكام: ب الامراء من قريش.
وسنن أبي داود/ مجلد 2 / كتاب المهدي. والجامع الصحيح للترمزي: مجلد 4 / كتاب الفتن: ب 46.
وينابيع المودة للقندوري الحنفي: ج 3 / ص 104.
(10) صحيح البخاري 2: 22/18. وصحيح مسلم 3: 1459/20.
تعليق