بسم الله الرحمن الرحيم
عن محمّد بن يعقوب الكليني ، عن أبي علي الأشعري ومحمّد بن يحيى ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن علي بن الحكم ، عن أبان بن عثمان ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « لو علم الناس كيف كان ابتداء الخلق ما اختلف اثنان ، إنّ الله تبارك وتعالى قبل أن يخلق الخلق ، قال : كن ماءً عذباً أخلق منك جنّتي وأهل طاعتي ، وكن ملحاً اُجاجاً أخلق منك ناري وأهل معصيتي ، ثمّ ( أمرهما فامتزجا ) فمن ذلك صار يلد المؤمن الكافر ، والكافر المؤمن. ثمّ أخذ طيناً من أديم الأرض وعركه عركاً شديداً فإذا هم كالذرّ يدبّون ، فقال لأصحاب اليمين : إلى الجنّة بسلام ، وقال لأصحاب الشمال : إلى النار ولا اُبالي ، ثمّ أمر ناراً فاُسعرت ، فقال لأصحاب الشمال : ادخلوها فهابوها ، وقال لأصحاب اليمين : ادخلوها ، فدخلوها فقال : كوني برداً وسلاماً ، فكانت برداً وسلاماً ، فقال أصحاب الشمال : يا ربّ أقلنا ، قال : قد أقلتكم فادخلوها ، فذهبوا فهابوها.
فثمّ ثبتت الطاعة والمعصية ، فلايستطيع هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء ، ولا هؤلاء أن يكونوا من هؤلاء(1 » (
فهل تدل هذه الرواية على الجبر ؟
طبعا قرأت هذه الشبهة في بعض المواقع المخالفة واليكم جوابها :-
ان هذه الرواية واشباهها تبين علم الله القديم بمصير الانسان وهذا لا يستلزم الجبر وبعبارة اخرى هذه الروايات تحاول ان تجيب عن كثير من الشبه التي تواجه المسلم مثل قولهم :ان للكافر ان يحتج على الله انه خلق في وسط كافر بينما المؤمن ولد في مجتمع متدين فلو خلق الكافر في مجتمع المسلم لامن والعكس بالنسبة للمسلم فاين العدل ؟
وكذا للفقير والمريض ان يعترضا في انه ماهو ذنبهم في خلقهم حتى يعانوا هذه المعاناة بخلاف الصحيح والغني ؟
والجواب عن جميعا ان الله لما علم ان زيدا مثلا سيختار الاخرة صار لزاما عليه بمقتضى عدله ان يوفر له جميع ما يوصله الى اختيارة من مجتمع مؤمن وحالة صحية معينة وضروف مادية ومعينة وهكذا باقي الامور ، ولما علم ان عمرو يريد الدنيا يوفر له جميع ما يوصله الى اختياره ، وقد اشار القران الكريم لهذه الحقيقة في سورة الاسراء : [مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)
فهذه الروايات تشير الى ما يعرف بعالم الذر فالانسان في هذا العالم تعرض عليه الامانة فمن الناس من يختار الاخرة ومنهم من يختار الدنيا وبالتالي يقوم الله تبارك وتعالى بتوفير جميع الضروف المساعدة التي توصل الانسان الى اختياره ومن ضمن هذه الامور ان يوجد فيه ميل واستعداد ذاتي ونفسي تجاه ما اختاره فتجد بعض الاشخاص يميلون لفعل بعض الامور والاتصاف ببعض الصفات وهذا ما اشارت اليه الرواية فالمقصود ان المادة التي يخلق منها المؤمن تختلف عن المادة التي يخلق منها الكافر واختلاف المواد ليس جبرا وانما خلق المؤمن من مادة تجعله يميل الى فعل الخير لما اختار المؤمن الاخرة فوفر له هذه المادة وخلق الكافر من مادة تجعله يميل للشر لما علم ان اختار الدنيا .
(1) الكافي ٢ : ٦ / ١ ، وأورده البرقي في المحاسن ١ : ٤٣٨ / ٤١٨،بصائر الدرجات ص381.
تعليق