كان عبد الله معروفا ومحبوبا من الجميع، لدماثة خلقه ولنباهة عقله، ولاحساسه العميق بالاشياء وثقافته الواسعة بالرغم من عدم جلوسه على كرسي الدراسة طيلة حياته و السبب كما يقول:
"لا اتذكر اني رايت شيئا من ملامح الحياة... وكل الصور التي اتذكرها الان هي ضبابية مشوشة لا استطيع ان اُحدد اشكالها وابعادها لان مرض الجدري داهمني وانا في الثالثة من عمري وترك في وجهي هذه الندوب والنقر التي ترونها بعد ان التهم شحمة عيني ببياضها وسوادها ولم يبق غير هذين الجفنين المتلاصقين... أترون؟"
وهو يبعج بسبابته اليسرى عينيه... ويستمر في حديثه:
"هكذا اخبرتني امي، لذلك اصبحت منذ تلك اللحظة ارى العالم بعقلي لا بعيني مثل ما تفعلون انتم ايها السادة".
ويقف ويضرب الطاولة بعصاه قائلا:
"لذلك فانا صاحب قضية..."
ويخرج وعيون الجالسين شاخصة خلفه.
عبد الله البصير كان ظاهرة في المدينة، وعاش حياته عصاميا يعتمد على نفسه في تدبير امور عيشه و كان معروفا بعزة النفس وصراحته القاسية وبالرغم من ذلك فقد اصبح عبد الله البصير سراً من الاسرار ولغزاً محيراً وكان يسير في طرق المدينة وازقتها بصورة طبيعية حتى ان الذي لا يعرف يتصوره انساناً عادياً وليس فاقداً للبصر والاكثر من ذلك فان ابطال لعبة الدومينو في المقهى الكبير كان هو اللاعب الوحيد الذي لا يجرأ احد ان يتحداه لانه البطل الوحيد الذي لا يُغلب.
في منتصف الثمانينات من القرن الماضي اختفى عبد الله البصير فجأة دون ان يترك اثراً، وتسائل الناس عن سر غيابه فلم يجدوا جوابا حتى امه العجوزة بقيت جاهلة عن سر غيابه لحين وفاتها .
اصبح عبد الله البصير عند البعض من اصحاب الكرامات و المعجزات وقد نُسجت الكثير من الاساطير حوله وتوقع الكثيرون ظهوره مرة ثانية لانه كان شخصية غير عادية وغير مالوفة، وبالفعل فقد تحققت نبؤة الظهور وذلك بعد عشرين عاما نعم ظهر عبد الله البصير في مقبرة جماعية، مجموعة من العظام ودفتر نفوسه البالية وعصاه المتآكلة.عند ذاك تذكر الجميع قولته التي كان يكررها: انا صاحب قضية؟
زاحم جهاد مطر
تعليق