إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أبو طالب فخر الموحّدين , والكهف الحصين للنبيّ الأمين,,

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #11
    مشرفنا الفاضل ( الشيخ الهادي )

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ,

    جزيل امتناني وشكري لإضافتكم القيّمة ,

    ولتعطيركم متصفحي بمروركم الكريم ,

    وجزاكم الله أحسن الجزاء بحق محمد وآله الأطهار

    ياأيها المصباح كلُّ ضلالة

    لمّا طلعتَ ظلامُها مفضوحُ

    ياكبرياء الحقِّ أنتَ إمامه


    وبباب حضرتكَ الندى مطروحُ

    تعليق


    • #12
      هاشم بن عبد مناف والتوحيد
      بسم الله الرحمن الرحيم
      والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعزّ المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
      الحمد لله على ما أنعم وله الشكر على ما ألهم ,,
      بعد أن بيّنا أنّ آباء الرسول الأكرم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلّم كلهم موحّدين
      بدليل دعوة الأنبياء الذين سبقوه وبشارتهم به بدليل الآيات القرآنية ,
      وبدليل الأحاديث الشريفة التي زخرت بها كتب الفريقين إلاّ من شذَّ منهم,
      ونأتي الى سيرة آبائه صلى الله عليه وآله وسلّم وتوحيدهم لله عزّ وجلّ
      ونبدأ مع من يُنسب اليه مباشرة: وهو جدّه الكريم (( هاشم بن عبد مناف بن قصي )),!
      هو هاشم بن عبدمَناف بن قصيّ... بن عدنان، واسم هاشم: عَمْرو العُلى،:
      كان يكسو العُريان ويُطعم الجائع، ويُفرّج عن المُعسِر ويُوفي عن المديون،
      ومَن أُصيب بدمٍ دَفَع عنه،
      وكان بابه لا يُغلَق عن صادرٍ ولا وارد.
      تزوّج سلمى بنت عَمْرو من أهل يثرب، وله في تزويجه إيّاها حكايةٌ طويلة.
      تُوفّي بغَزّةَ الشام، وقبره معروفٌ هناك، فعزم عَبيده وغِلمانه على الرحيل بأمواله،
      وساروا حتّى أشرفوا على يثرب، فبكوا بكاءً شديداً ونادَوا: واهاشماه، واعِزّاه! فخرج الناس، وخرجت سلمى وأبوها وعشيرتها،
      فنظروا فإذا بِخَيل هاشم قد جَزُّوا نواصيها وشعورها، وعَبيدُ هاشم يبكون،
      فلمّا سمعت سلمى بوفاة هاشم لطمت خدَّها وقالت: واهاشماه! مات ـ واللهِ ـ لفقدِك الكرم.
      ( يُنظَر: تاريخ الطبري 13:2، بحار الأنوار للشيخ المجلسي 37:15 ـ 55، سفينة البحار للشيخ عبّاس القمّي 832:4 )
      من سيرته الطيّبة

      • من كتاب ( الأنوار ) لأبي الحسن البكري ينقل الشيخ المجلسي رحمه الله روايةً طويلة في خصوص آباء النبيّ وأجداده صلّى الله عليه وآله،
      فيها تَوارُثُ العهد الإلهيّ مِن لَدُن آدم إلى الرسول الخاتَم، مقروناً بالنور الذي ظَهَر على غُرّة النبيّين والوصيّين سلام الله عليهم أجمعين،
      وذلكم هو نور المصطفى محمّد صلّى الله عليه وآله.
      وقد مَرّ ذلك العهد الإلهيّ المقدّس بأجداد النبيّ،
      حتّى انتهى إلى عبدالمطّلب بن هاشم، ثمّ بلغ قبلَ النبوّة الخاتمة أبا طالب عليه السلام، فكان آخِرَ الأُمناء قبل الرسالة المحمّدية الشريفة.
      وهاشم ـ وهو الجدّ الثاني لرسول الله صلّى الله عليه وآله ـ هو أحد المؤتمَنِين على ذلك العهد المقدّس،

      • قال البكري وهو يروي حول العهد المُودَع مِن قِبل آدم إلى ولده شيث ( هبة الله )
      حتّى وصل إلى أجداد النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم:
      ... ومِن فِهْر إلى عبدِمَناف، ومن عبدِمَناف إلى هاشم؛
      وإنّما سُمِّيَ هاشم لأنّه هشم الثريد لقومه، وكان اسمه عَمْرو العلى،
      وكان نور رسول الله صلّى الله عليه وآله في وجهه،
      إذا أقبل تُضيء منه الكعبة وتكتسي من نوره نوراً شعشعانيّاً،
      ويرتفع من وجهه نورٌ إلى السماء،
      وخرج من بطن أُمّه عاتكة بنت مرّة وله ضفيرتان كضفيرتَي إسماعيل عليه السلام، يتوقّد نورهما إلى السماء، فَعَجِب أهل مكة مِن ذلك،
      وسارت إليه قبائل العرب مِن كلّ جانب،
      وماجت منه الكُهّان ( أي اضطربوا )،
      ونطقت الأصنام بفضل النبيّ المختار. وكان هاشم لا يمرّ بحجرٍ ولا مَدَرٍ إلاّ ويُناديه:
      أبشِرْ يا هاشم فإنّه سيظهر مِن ذُرّيتك أكرمُ الخلق على الله تعالى وأشرف العالمين، محمّدٌ خاتم النبيّين.
      وكان هاشم إذا مشى في الظلام أنارت منه الحَنادِس ( أي الظلمات )،
      ويُرى مَن حوله كما يُرى من ضوء المصباح.
      فلمّا حضرت عبدَمَنافٍ الوفاةُ أخذ العهد على هاشم أن يُودِع نورَ رسول الله صلّى الله عليه وآله في الأرحام الزكيّة من النساء،
      فقَبِل هاشم العهدَ وألزمه نفسَه.
      وجعلت الملوك تتطاول إلى هاشم ليتزوّج منهم، ويبذلون له الأموال الجزيلة وهو يأبى عليهم..
      وقد تحدّث الناس بجوده في الآفاق،
      وسَوَّدَه أهل مكّة بأجمعهم وشرّفوه وعظّموه،
      وسلّموا إليه مفاتيحَ الكعبة والسِّقاية والحجابة والرفادة،
      ومصادرَ أمور الناس ومواردها،
      وسلّموا إليه: لواءَ نِزار وقوسَ إسماعيل عليه السلام وقميص إبراهيم عليه السلام ونعل شيث عليه السلام وخاتم نوحٍ عليه السلام،
      فلمّا احتوى على ذلك كلّه ظَهَر فخره ومجده،
      وكان يقوم بالحُجّاج ويرعاهم، ويتولّى أُمورَهم ويُكرمهم، فلا ينصرفون إلاّ شاكرين.
      • وقال أبو الحسن البكري ـ مستمرّاً في حديثه حول أجداد النبيّ صلّى الله عليه وآله ـ:
      وكان هاشم إذا أهَلّ هلال ذي الحجّة يأمر الناسَ بالاجتماع إلى الكعبة،
      فإذا اجتمعوا قام خطيباً فقال:
      معاشرَ الناس، إنّكم جيرانُ الله وجيران بيته،
      وإنّه سيأتيكم في هذا الموسم زوّار بيت الله، وهم أضياف الله، والأضياف هُم أولى بالكرامة، وقد خصّكم الله تعالى بهم وأكرمهم... )
      . وكان هاشم ينصب أحواض الأديم ويجعل فيها ماء زمزم،
      ويملي باقي الحِياض من ماء غير زمزم، بل من سائر الآبار حتّى يشرب الحُجّاج،
      وكان من عادته أنّه يُطعهم قبل التروية بيوم،
      وكان يحمل لهم ال وكان يحمل لهم الطعام إلى مِنى وعرفة،
      وكان يَثرِد لهم اللحم والسَّمن والتمر، ويستقيهم اللبن إلى حين يَصدُر الناس من مِنى،
      قال البكري: بلَغَنا أنّه كان بأهل مكّة ضِيق وجَدب وغلاء، ولم يكن عندهم ما يُزوّدون به الحُجّاج،
      فبعث هاشم إلى نحو الشام أباعرَ فباعها واشترى بأثمانها كعكاً وزيتاً،
      ولم يترك عنده مِن ذلك قُوتَ يومٍ واحد، بل بذل ذلك كلَّه للحاجّ فكفاهم جميعَهم،
      وصدر الناس يشكرونه في الآفاق، وفيه يقول الشاعر:
      يا أيُّها الرجـلُ المُجِـدُّ رحيلَـهُ
      هلاّ مررتَ بِـدارِ عبدِمَنـافِ ؟!
      ثَكلَتْكَ أمُّك لو مَـرَرتَ بِبابِهِـم
      لَعَجِبتَ مِن كرمٍ ومن أوصـافِ!
      عَمْرُو العُلى هَشَم الثريدَ لقومِـهِ
      ـ والقومُ فيها مُسْنِتونَ ـ عِجافِ
      بَسَطوا إليه الرحلتَيـنِ كلَبهِمـا
      عندَ الشتاء ورحلـةِ الأصيـافِ

      الزواج المبارك
      قال: فبلغ خبرُه النجاشي ملك الحبشة، وقيصر ملك الروم، فكاتَبُوه وراسَلُوه أن يُهدوا له بناتهم؛ رغبةً في النور الذي في وجهه
      ـ وهو نور محمّدٍ صلّى الله عليه وآله ـ؛ لأنّ رهبانهم وكُهّانهم أعلموهم بأنّ ذلك النورَ نورُ رسول الله صلّى الله عليه وآله،
      فأبى هاشم عن ذلك، وتزوّج من نساء قومه...
      فلمّا كان في بعض الليالي ـ وقد طاف بالبيت ـ سأل اللهَ تعالى أن يرزقه وَلَداً يكون فيه نور رسول الله ص
      صلّى الله عليه وآله، فأخذه النعاس، فمال عن البيت ( الحرام )، ثمّ اضطجع،
      فأتاه آتٍ يقول له في منامه: عليك بسلمى بنت عَمْرو؛ فإنّها طاهرةٌ مطهَّرة الأذيال،
      فَخُذْها وادفَع لها المهر الجزيل، فلم تجد لها مُشبِهاً من النساء،
      فإنّك تُرزَق منها ولداً يكون منه النبيّ صلّى الله عليه وآله،
      فصاحِبْها ترشد، وآسْعَ إلى أخذ الكريمة عاجلاً..
      ( ثمّ يذكر البكريّ قصّة خطبة هاشم، وفيها: )
      ثمّ إنّ هاشماً خرج للسفر وخرج معه أصحابه، وسار هو وبنو عمّه وأخوه المطّلب إلى يثرب كالأُسود طالبي بني النجّار،
      فلمّا وصلوا أشرق بنور رسول الله صلّى الله عليه وآله ذلك الوادي مِن غُرّة هاشم حتّى دخل جملة البيوت،
      فلمّا رآهم أهل يثرب بادروا إليهم مسرعين وقالوا: مَن أنتم أيُّها الناس ؟!
      فما رأينا أحسنَ منكم جَمالاً، ولا سيّما صاحبَ هذا النور الساطع، والضياءِ اللامع!
      قال لهم المطّلب: نحن أهلُ بيت الله، وسُكّانُ حَرَم الله، نحن بنو لُوَيّ بن غالب،
      وهذا أخونا هاشم بن عبدمَناف، وقد جئناكم خاطبين وفيكم راغبين،
      وقد علمتم أنّ أخانا هذا خَطَبَهُ الملوكُ والأكابر، فما رَغِب إلاّ فيكم،
      ونحن نحبّ أن تُرشدونا إلى سلمى.
      وكان أبوها يسمع الخطاب، فقال لهم:
      مرحباً بكم، أنتم أرباب الشرف والمفاخر، والعِزِّ والمآثر، والساداتُ الكرام، المطعمون الطعام، ونهايةُ الجود والإكرام، ولكم عندنا ما تطلبون.
      ( وبعد عَرضٍ مَفَصّلٍ للخطبة والزواج، وما جرى خلال ذلك من وقائع وحوارات.. قال أبو الحسن البكري: )
      حدّثنا أشياخنا وأسلافنا الرواة لهذا الحديث أنّه لمّا تزوّج هاشم بن عبدمناف بسلمى بنت عمرو النجّاريّة ودخل بها،
      حملت بعبدالمطّلب جَدِّ رسول الله صلّى الله عليه وآله،
      وانتقل ذلك النورُ الذي كان في وجهه إلى سَلمى فزادها حُسناً وبهجةً وكمالاً..
      حتّى إذا كانت ذات ليلة سمعت قائلاً
      لكِ البِشرُ إذ أُوتِيتِ أكرمَ مَن مشى
      وخيرَ الناسِ مِن حَضَـرٍ وبـادي


      ثمّ إنّ هاشماً أقام في المدينة أيّاماً حتّى اشتهر حملُ سلمى،
      فقال لها: يا سلمى، إنّي أودعتُكِ الوديعةَ التي أودَعَها اللهُ آدمَ عليه السلام، وأودَعَها آدمُ عليه السلام ولَدَه شيثاً عليه السلام،
      ولم يزالوا يتوارثونها من واحدٍ إلى واحدٍ إلى أن وصلت إلينا،
      وشرَّفَنا الله بهذا النور، وقد أودَعتُه إيّاكِ، وها أنا آخِذٌ عليكِ العهدَ والميثاق بأن تَقِيه وتَحفَظيه،
      وإن أتَيتِ به وأنا غائبٌ عنكِ فليكن عندك بمنزلة الحدقة من العين، والروحِ بين الجنبَين،
      وإن قَدرتِ على أن لا تَراه العيونُ فافعلي؛ فإنّ له حُسّاداً وأضداداً، وأشدُّ الناس عليه اليهود،
      وقد رأيتِ ما جرى بيننا وبينهم يومَ خطبتُكِ،
      فإن لم أرجع من سفري هذا أو سمعتِ أنّي قد هلكت،
      فليكن عندكِ محفوظاً مُكرَّماً إلى أن يترعرع، واحمليه إلى الحرم إلى عمومته، في دار عزّه ونُصرته.
      ثمّ قال لها: إسمعي واحفَظي ما قلت لكِ،
      قالت: نعم، قد سمعتُ وأطعت، ولقد أوجعتَني بكلامك، فأنا أسأل الله العظيم أن يَرُدَّك سالماً.
      ثمّ خرج هاشم وأخوه المطّلب وأصحابه، وأقبل عليهم وقال:
      يا بَني أبي، وعشيرتي من بني لويّ، إنّ الموت سبيلٌ لابدّ منه،
      وأنا غائب عنكم ولا أدري أنّي أرجع إليكم أم لا، وأنا أُوصيكم:
      إيّاكُم والتفرّقَ والشَّتات، فتذَهبَ حميّتُكم، وتقلَّ قيمتُكم، ويهونَ قَدْرُكم عند الملوك، ويَطمعَ فيكم الطامع...
      وإنّي أُوصيكم بولدي الذي اشتملت عليه سلمى، فإنّه سيكون له شأنٌ عظيم، لا تخالفوا قولي،
      قالوا: سَمِعنا وأطَعنا، غيرَ أنّك كسرتَ قلوبَنا بوصيّتك.

      ثمّ إنّ هاشماً سافر إلى غزّة الشام فحضر موسمها، وباع أمتعته وشرى ما كان يصلح له،
      واشترى لسلمى طُرَفاً وتُحَفاً، ثمّ إنّه تجهّز للسفر،
      فلمّا كانت الليلة التي عزم فيها على الرحيل طرَقَته حوادث الزمان، وأتَتْه العلّة فأصبح مُثقَلاً،
      فقال لأصحابه وعبيده:
      إلحقُوا بأصحابكم؛ فإنّي هالكٌ لا محالة، وارجعوا إلى مكّة،
      وإن مَرَرتُم على يثرب فأقرئوا زوجتي سلمى عنّي السلام، وأخبروها بخبري، وعَزُّوها في شخصي، وأوصُوها بوَلَدي فهو أكبر همّي، ولولاه ما نلتُ أمري.
      فبكى القوم بكاءً شديداً وقالوا: ما نبرح عنك حتّى ننظر ما يكون من أمرك.
      وأقاموا يومهم، فلمّا أصبحوا ترادفت عليه الأمراض،
      فقالوا له: كيف تجد نفسك ؟
      قال: لا مُقامَ لي معكم أكثر من يومي هذا، وغداً تُوسّدونني التراب.
      فبكى القوم بكاءً شديداً، وعلموا أنّه مُفارق الدنيا، ولم يزالوا يُساهرونه حتّى طلع الفجر الأوّل، فاشتدّ به الأمر،
      فقال لهم: أقعِدوني وسَنِّدوني، وآتوني بدواةٍ وقرطاس. فأتَوه بما طلب، وجعل يكتب وأصابعه ترتعد:
      بآسمك اللّهم، هذا كتابٌ كتبه عبدٌ ذليل، جاءه أمر مولاه بالرحيل، أمّا بعد:
      فإنّي كتبتُ إليكم هذا الكتابَ وروحي بالموت تُجاذَب؛ لأنّه لا لأحدٍ من الموت مَهرَب،
      وإنّي قد نفذتُ إليكم أموالي فتقاسموها بينكم بالسَّويّة،
      ولا تنسوا البعيدة الغائبة عنكم، التي أخذَتْ نورَكم، وحَوَت عِزَّكم: سلمى.
      وأُوصِيكم بولديَ الذي منها، وقولوا لخلاّدة وصفيّة ورُقيّة يبكينَ عَلَيّ، ويَندبنَ نَدْبَ الثاكلات،
      ثمّ بلِّغوا سلمى عنّي السلام وقولوا لها: آهٍ ثمّ آه، إنّي لم أشبع مِن قُربها، والنظرِ إليها وإلى وَلَدِها، والسلامُ عليكم ورحمة الله إلى يوم النشور ).
      ثمّ طوى الكتاب وخَتَمه، ودفعه إلى أصحابه وقال لهم:
      أضجِعوني. فأضجَعُوه،
      فشخص ببصره نحوالسماء ثمّ قال: رِفْقاً رِفقاً أيُّها الرسول، بِحقّ ما حملتُ مِن نور المصطفى.
      وكأنّه كان مصباحاً فانطفى!
      ثمّ لمّا مات جهّزوه، ودفنوه وقبره معروفٌ هناك.
      ثمّ عزم عبيده وغلمانه على الرحيل بأمواله. وفيه يقول الشاعر:
      اليومَ هاشمُ قـد مضـى لسبيلِـهِ
      يا عينُ جُـودي منـكِ بالعَبَـراتِ
      وابكي على البدرِ المُنيرِ بِحُرقـةٍ
      وابكي على الضِّرغامِ طولَ حياتي
      يا عينُ وابكي غيثَ جودٍ هاطـلٍ
      أعني آبنَ عبدِمَنافَ ذي الخيـراتِ

      قال: وسار القوم حتّى أشرفوا على يثرب، فبكوا بكاءً شديداً، ونادَوا:
      وا هاشماه، واعِزّاه! فخرج الناس،...
      فلمّا سمعت سلمى بموت هاشم مزّقت أثوابها، ولطمت خدَّها، وقالت:
      واهاشماه! مات ـ واللهِ ـ لفقدك الكرم والعِزّ مِن بعدك، يا هاشماه! يا نورَ عيني، مَن لولدك الذي لم تَرَه عيناك ؟!..
      وقالت لوصيّ هاشم: أقرئ المطّلبَ عنّي السلامَ وقل له: إنّي على عهد أخيه، وإنّ الرجال بعده عَلَيّ حرام.
      ثمّ إنّ العبيد والغلمان ساروا إلى مكّة،
      وقد سبقهم الناعي إلى أولاد هاشم وعياله، فأكثَرَ أهل مكّة البكاء والنحيب... ( وكان هنالك رثاء.. )
      فبكى القوم عند ذلك، وفكّوا كتابه وقرأوه، فجدّدوا حزنهم،
      ثمّ قدّموا أخاه المطّلب وسَوّدُوه عليهم، فقال:
      إنّ أخي عبدَ شمس أكبرُ منّي وأحقُّ بهذا الأمر،
      فقال عبد شمس: وأيم الله، إنّك خليفةُ أخي هاشم.
      قال: فَرَضَوا أهلُ مكّة بذلك وسلّموا له لواء نِزار ومفاتيح الكعبة والسقاية ودار الندوة،
      وقوسَ إسماعيل عليه السلام ونعل شيث عليه السلام وقميص إبراهيم عليه السلام
      وخاتم نوح عليه السلام، وما كان في أيديهم من مكارم الأنبياء إلى المطّلب الذي أقام هنالك أيّاماً.

      ولمّا اشتدّ بسلمى الحمل وجاءها المخاض وهي لا تجد ألماً، إذ سَمِعت هاتفاً يقول:
      يا زينةَ النساءِ مِن بَني النَّجّارِ
      باللهِ أسْدِلي عليـه بالأستـارِ
      وآحْجُبِيهِ عن أعيُـنِ النُّظّـارِ
      كي تَسْعَدي في جملة الأقطارِ

      فلمّا سمعت شعر الهاتف أغلَقَت بابها، وأسدلت سترها، وكتمت أمرها... ).
      وكانت ولادة جدّ رسول الله صلّى الله عليه وآله: عبدِالمطّلب بن هاشم بن عبدمَناف،
      ليكون بعد ذلك انتقال العهد الإلهيّ إليه، مقروناً بالنور المحمّديّ المُودَعِ فيه رضوان الله تعالى عليه. ولهذا الأمر حديث آخر.
      أمّا هاشم عليه السلام، فقد شاع في الآفاق عطرُ سيرته الطيّبة،
      فأثنى عليه السابقون واللاحقون، ورثاه الأوّلون والآخِرون، فمِن قبلُ قال فيه شاعر:
      عَمْرُو العُلى ذو النَّدى مَن لا يُسابِقُهُ
      مَرُّ السَّحـابِ ولا رِيـحٌ تُجارِيـهِ
      جِفانُـه كالجَوابـي للـوفـودِ، إذا
      لَبَّـوا بمكّـةَ نـاداهُـم مُنـادِيـهِ
      أو أمحَلُوا أُخصِبوا منها وقد مُلِئَتْ
      قُوتـاً لحاضـرِهِ مِنهـمُ وبـادِيـهِ

      ومن بعدُ قال فيه الشاعر المسيحي بولس سلامة:
      هاشمٌ يَرفِـدُ الحَجيـجَ ويَهـدي
      فَضْلَةَ الرزقِ للنُّسورِ القَشاعـمْ
      كفُّه تَسكبُ النَّدى فـي البـوادي
      قَبلَ أن يَحلُـمَ السخـاءُ بِحاتِـمْ
      حَملَ المجـدُ صِيتَـهُ فتَمشّـى
      مِشْيَةَ العِطرِ في رَفيفِ النَّياسِـمْ
      جابَ صنعاءَ والشَّآمَ، فصـارَتْ
      رحلةُ الصيفِ والشتاءِ مَواسِـمْ
      وآستفاقَت أُمُّ القُرى مِن كَراهـا،
      وانطوى البُؤسُ فهي أُمُّ العَواصِمْ
      حُـرَم الـزرعِ والمنابـت وادٍ
      قَلّما افتـرّ للغيـوثِ السَّواجِـمْ
      فآستفاضَت تجـارةٌ واطمأنّـتْ
      مكّـةٌ تَنهَـلُ الحيـاةَ مَنـاعِـمْ
      هاشـمٌ سيّـدُ البِطـاحِ فَتـاهـا
      لم يُخَيِّبْ سِماطُهُ السَّمـحُ قـادِمْ

      هذه هي السيرة العطرة التي كانت لجدّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم ,

      ونستخلص منها أنه لم يكن موحّداً فحسب بل ورث مواريث الأنبياء عليهم السلام ,

      لتصل الى النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله

      ياأيها المصباح كلُّ ضلالة

      لمّا طلعتَ ظلامُها مفضوحُ

      ياكبرياء الحقِّ أنتَ إمامه


      وبباب حضرتكَ الندى مطروحُ

      تعليق


      • #13
        بسم الله الرحمن الرحيم
        والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعز المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطاهرين
        نعود لنكمل سيرة آباء النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم وتوحيدهم لله تعالى,
        وبعد ذلك لي عودة إن شاء الله تعالى للتحليل والإثبات ,,
        بعد ما تقدّم من سيرة هاشم جد النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم,
        نأتي الى سيرة ( عبد المطلب كافل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وحاضنه),,
        ولادة عبد المطلب ونشأته وكراماته :
        وُلد عبدالمطّلب جدّ النبيّ صلّى الله عليه وآله في يثرب،
        وقد تُوفّي أبوه هاشم رضوان الله عليه في سفره وهو بعدُ لم يولد،
        فلمّا اشتدّ بأمّه سلمى بنت عَمرو النجّاريّة الحمل وجاءها المخاض وهي لا تجد ألماً،
        أسدلت سِترها، وكتمت أمرها،
        فبينما هي تعالج نفسها إذ نظرت إلى حجابٍ من نور قد ضُرِب عليها من البيت إلى عِنان السماء، وحَبَس الله عنها الشيطان الرجيم،
        فَولَدت عبدالمطّلب، ثمّ قامت من ساعتها وتولّت نفسها.
        ولمّا وضَعَته سطع مِن غُرّته نورٌ شعشعاني،
        وكان ذلك النورُ نورَ رسول الله صلّى الله عليه وآله ما يزال ينتقل من أجداده إلى آبائه.
        وضَحِك عبدالمطّلب وتبسّم،
        فتعجّبت أُمّه سلمى من ذلك، ثمّ نظرت إليه فإذا هي بشعرةٍ بيضاء تلوح في رأسه،
        فقالت: نعم، أنت شيبةٌ كما سُمِّيت.
        ثمّ إنّها درَجَته في ثوبٍ من صوف، وقمّطته وهيّأته،
        ولم تُعْلِم به أحداً من قومها ـ كما أوصاها زوجها هاشم؛
        ( إذ كان يخشى عليه من اليهود )
        حتّى مضت له أيّام، فصارت تلاعبه ويَهشّ إليها حتّى كمل له شهر فعلم الناس به،
        ولم يكن على اليهود أشدّ منه عداوةً وأكثر ضرراً،
        وكانوا إذا نظروا إليه امتلأوا غيظاً وكمداً؛
        لِما يعلمون بما سيظهر منه..
        وكانت أمّهإذا ركبت ركب معها أبطال الأوس والخزرج، وكانت مُطاعةً بينهم،
        وكانت لا تأمن عليه أحداً،
        فلمّا تمّ له سبع سنين اشتدّ حَبلُه، وقويَ بأسُه، وتبيّن للناس فضله،
        وكان يحمل الشيء الثقيل، ويأخذ الصبيَّ ويصرعه، فلم يشكوه إلى أُمّه. ( بحار الأنوار للشيخ المجلسيّ 55:15 ـ 57 / ح 48 ـ عن: الأنوار لأبي الحسن البكري ).
        عودته إلى مكّة
        • قال أبو الحسن البكري:
        بَلَغَنا أنّ رجلاً من بني الحارث دخل يثرب في حاجةٍ له،
        فإذا هو بعبد المطّلب بن هاشم يلعب مع الصبيان قد غمرهم بنوره،
        فوقف الرجل ينظر إلى الصبيّ وهو يقول له:
        ما أسعدَ مَن أنت في ديارهم ساكن!
        فقال عبدالمطّلب:
        أنا ابنُ زمزمَ والصَّفا، أنا ابنُ هاشم وكفى!
        فناداه الرجل: يا فتى،
        فأجاب وقال: ما تريد يا عمّ ؟
        قال: ما اسمُك ؟
        قال: شَيبةُ بنُ هاشم بنِ عبدِمَناف،
        مات أبي وجَفَوني عمومتي، وبَقِيتُ مع أُمّي وأخوالي،
        فمِن أين أقبلتَ يا عمّ ؟
        قال: مِن مكّة،
        قال: وهل أنت متحمّلٌ منّي رسالة، ومتقلّدٌ لهم أمانة ؟
        قال الحارث: وحقِّ أبي وابيك، إنّي فاعلٌ ما تأمرني به.
        قال: يا عمّ، إذا رجعتَ إلى بلدك سالماً،
        ورأيتَ بَني عبدمَناف فاقرأْهم عنّي السلامَ
        وقل لهم: إنّ معي رسالةَ غلامٍ يتيم، مات أبوه وجَفَوه عمومته.
        يا بَني عبدمناف،
        ما أسرَعَ ما نَسِيتُم وصيّةَ هاشم وضيّعتُم نسلَه،
        وإذا هَبَّت الريحُ تحمل روائحكم إليّ!
        فبكى الرجل، واستوى على مطيّته وأرسل زمامها حتّى قَدِم مكّة،
        ولم يكن له همّةٌ إلاّ رسالة الغلام.
        ثمّ أتى مجلس بني عبدمناف فوجَدَهم جُلوساً، فأنعَمَهم صباحاً، وقال:
        يا أهل الفضل والأشراف، يا بَني عبدِمَناف،
        أراكم قد غَفَلتُم عن عزِّكم، وتركتُم مصباحكم يستضيء به غيرُكم!
        قالوا: وما ذلك ؟!
        فأخبرهم بوصيّة ابن أخيهم، فقالوا:
        وأيمُ اللهِ، ما ظَننّا أنّه صار إلى هذا الأمر،
        فقال لهم الرجل:
        واللهِ إنّه لَيَعجزُ الفصحاءُ عن فصاحتِه،
        ويعجز اللبيب عن خطابته،
        وإنّه لفصيحُ اللسان، جريُّ الجَنان،
        يتحيّر من كلامه اللبيب، فائقٌ على العلماء عاقلٌ أديب،
        إلى عقله الكفاية، وإلى جماله النهاية
        .
        فقال عمّه المطّلب بن عبدمَناف:
        أقسمتُ بالسَّلَفِ الماضينَ مِن مُضَرٍ
        وهاشمِ الفاضلِ المشهورِ في الأُممِ
        لأمضيَـنَّ إليـه الآنَ مجتـهـداً
        وأقطعَنَّ إليـه البِيـدَ فـي الظُّلَـمِ
        السيّدُ الماجدُ المشهورُ مِن مُضَـرٍ
        نورُ الأنامِ وأهلِ البيـتِ والحَـرَمِ
        فرحل إليه عمّه المطّلب وجاء به إلى مكّة في قصّةٍ ظريفة،
        فيها أنّ اليهود أحاطوا بهما يريدون قتل عبدالمطّلب، فقال لعمّه:
        يا عمّ، أنْزِلْني حتّى أُريك قدرةَ الله تعالى.
        فأنزله، فقصده القوم يريدون قتله لِما يعلمون أنّ منه سيكون النبيّ،
        فجثا عبدالمطّلب( وهو غلام ـ)على الطريق وجعل يمرّغ وجهه في التراب ويدعو:
        يا رَبَّ الظَّلامِ الغامر والفَلَكِ الدائر، يا ربَّ السَّبْعِ الطِّباق يا مُقسِّمَ الأرزاق،
        أسألك بحقِّ الشفيع المشفَّع والنورِ المستودَع، أن تَردَّ عنّا كيدَ أعدائنا .
        فكانت النجاة منهم وهلاك عدوّهم. ( بحار الأنوار 57:15 ـ 64)
        كان عبدالمطّلب رضوان الله عليه ذا جلالةٍ ظاهرة، ومناقب وافرة، وآياتٍ باهرة،
        تظهر تلك من مشاهد عديدة ومواقف كثيرة.. منها:
        انحناء سرير أبرهة الحبشي لمّا دخل عليه عبدالمطّلب
        ( أمالي الشيخ الطوسي:68 ـ عنه: بحار الأنوار 160:15 / ح 91 )،
        ومنها: انفجار الماء تحت خُفّ راحلته في صحراء لا ماء فيها
        ( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 465:3 ـ عنه: بحار الأنوار 169:15 ـ 170 )
        ومنها أيضا:
        استجابة دعائه في ردّ جيش أبرهة، وتظهر فيها جلالته وشدة يقينه حيث قال لبعض وُلده: اُعْلُ أبا قُبَيس فانظُرْ ماذا يأتي مِن قِبل البحر..
        فيظهر أنّه كان عالماً بأن ستأتي الطير الأبابيل فتستأصل أصحاب أبرهة بن الصباح،

        وفي الكافي الشريف: 4/216،
        عن هشام بن سالم عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:
        (( لما أقبل صاحب الحبشة بالفيل يريد هدم الكعبة مروا بإبل لعبد المطلب فاستاقوها
        فتوجه عبد المطلب إلى صاحبهم يسأله رد إبله عليه
        فاستأذن عليه وقيل له:
        إن هذا شريف قريش أو عظيم قريش ، وهو رجل له عقل ومروة ،
        فأكرمه وأدناه ثم قال لترجمانه:
        سله ما حاجتك؟
        فقال له: إن أصحابك مروا بإبل لي فاستاقوها فأحببت أن تردها عليَّ ،
        قال: فتعجب من سؤاله إياه رد الإبل وقال:
        هذا الذي زعمتم أنه عظيم قريش وذكرتم عقله يدع أن يسألني أن أنصرف عن بيته الذي يعبده
        ! أما لو سألني أن أنصرف عن هده لانصرفت له عنه !
        فأخبره الترجمان بمقالة الملك فقال له عبد المطلب:
        إن لذلك البيت رباً يمنعه وإنما سألتك رد إبلي لحاجتي إليها
        فأمر بردها عليه.
        ومضى عبد المطلب حتى لقي الفيل على طرف الحرم ،
        فقال له:
        محمود ! فحرك رأسه
        فقال له: أتدري لما جئ بك ؟
        فقال برأسه: لا ،
        فقال: جاؤوا بك لتهدم بيت ربك أفتفعل؟
        فقال برأسه: لا. قال: فانصرف عنه عبد المطلب.
        وجاؤوا بالفيل ليدخل الحرم فلما انتهى إلى طرف الحرم امتنع من الدخول فضربوه فامتنع ،
        فأداروا به نواحي الحرم كلها ، كل ذلك يمتنع عليهم فلم يدخل !
        وبعث الله عليهم الطير كالخطاطيف في مناقيرها حجر كالعدسة أو نحوها ،
        فكانت تحاذي برأس الرجل ثم ترسلها على رأسه فتخرج من دبره ،
        حتى لم يبق منه أحد إلا رجل هرب !
        فجعل يحدث الناس بما رأى إذا طلع عليه طائر منها فرفع رأسه فقال:
        هذا الطير منها .
        وجاء الطير حتى حاذى برأسه ثم ألقاها عليه فخرجت من دبره فمات )) .
        ((وخرجوا هاربين يطلبون الشعاب ، ومنهم من طلب الجبال ، ومنهم من ركب البحر ، قال: فعند ذلك قالوا لعبد المطلب:
        ما يمنعك أن تهرب مع الناس ؟
        قال: أستحيي من الله أن أهرب عن بيته وحرمه ،
        فوالله لا برحت من مكاني ولا نأيت عن بيت ربي حتى يحكم الله بما يشاء..
        قال: فلما نظر عبد المطلب إلى الكعبة خالية قال:
        (( اللهم أنت أنيس المستوحشين ولا وحشة معك ، فالبيت بيتك والحرم حرمك والدار دارك ، ونحن جيرانك تمنع عنه ما تشاء )).
        (البحار: 15/66).
        وفي الطبقات: 1/92، والطبري: 1/557:
        (( فأمر برد إبله عليه ، فلما قبضها قلدها النعال وأشعرها وجعلها هدياً وبثها في الحرم لكي يصاب منها شئ فيغضب رب الحرم !
        وأوفى عبد المطلب على حراء ومعه عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ومطعم بن عدي وأبو مسعود الثقفي ،
        فقال عبد المطلب:






        وكان قد أخذ بحلقة البيت الحرام وهو يقول
        :
        لا هُمَّ إنّ المرء منعُ رَحْلَهُ فامنَعْ رِحالَكْ
        لا يَغْلِبَنَّ صليبُهم ومِحالُهم غَدْواً مِحالَكْ
        إن كنتَ تارِكَهُم وكعبتَنا فأمرٌ ما بدا لَكْ
        وقال رضوانُ الله عليه:
        يا رَبِّ لا أرجو لهم سِواكا
        يا ربِّ فامنَعْ مِنهمُ حِماكـا
        إنّ عَدوَّ البيتِ مَن عاداكـا
        إمنَعْهمُ أن يُخْرِبوا قُراكـا
        وإذا بهاتفٍ يُسمَع صوته ولا يُرى شخصه وهو يقول له:
        قد أجبتُ دعوتَك، وبلغتَ مَسرّتَك؛ إكراماً للنور الذي في وجهك،
        فقال لمَن معه:
        أبشِروا؛ فإنّي رأيتُ النور الذي في وجهي قد علا، وإنّما كان ذلك كاشفاً لما طَرَقكم..
        ( بحار الأنوار 65:15 ـ 74 و 141 و 159، الدرّ المنثور للسيوطي 394:6، النهاية لابن الأثير 332:4 )،
        قال المؤرخ اليعقوبي: 1/10: (( فكانت قريش تقول: عبد المطلب إبراهيم الثاني))
        .وبعد حادثة الفيل كانت قريش تسمي عبد المطلب بابراهيم الثاني .
        كذلك ظهرت جلالة عبدالمطّلب عليه السلام من حفره بئر زمزم))))
        بعد أن كان ذات يومٍ نائماً في حِجر إسماعيل،
        إذ أتاه آتٍ فقال له: احفُرْ طَيبة..
        ( بحار الأنوار 74:15 ـ 75 و 163 ـ 164 / ح 95 ـ عن: الكافي 225:3 ـ
        226 ).
        ومن شرف سيرته سلام الله عليه أنّه كان يتنزّه عن المحرَّمات،
        ويعمل على هدى الشرائع الإلهيّة،
        حتّى جاء عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قوله:
        « إنّ عبدالمطّلب كان لا يَستقسِم بالأزلام، ولا يَعبُد الأصنام، ولا يأكل ما ذُبِح على النُّصُب،
        ويقول: أنا على دِينِ أبي إبراهيم عليه السلام »
        ( مكارم الأخلاق لأبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي:440 )،
        وقوله صلّى الله عليه وآله:
        « إنّ عبدالمطّلب سَنَّ في الجاهليّة خمسَ سُنَنٍ أجراها الله عزّوجلّ له في الإسلام:
        1= حرَّمَ نساء الآباء على الأبناء .
        ووجَدَ كنزاً فأخرج منه الخُمْسَ وتَصدّق به،2=
        3=ولما حفر زمزم سماها سقاية الحاج
        آ4=وسَنّ في القتل مئةً مِن الإبل، فأجرى الله عزّوجلّ ذلك في الإسلام.
        5= ولم يكن للطواف عددٌ عند قريش، فسَنّ لهم عبدالمطّلب سبعةَ أشواط،
        فأجرى الله عزّوجلّ ذلك في الإسلام » ( مكارم الأخلاق:440 ).
        أمّا عبادته عليه الرحمة والرضوان، فيذكرها لنا أمير المؤمنين عليٌّ عليه السلام قائلاً:
        « واللهِ ما عبَدَ أبي، ولا جَدّي عبدالمطّلب، ولا هاشمٌ ولا عبدُ مَنافٍ صَنَماً قطّ »
        فقيل له: فما كانوا يعبدون ؟
        قال: كانوا يُصلّون إلى البيت على دين إبراهيم عليه السلام متمسّكين به »
        ( كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق:174 / ح 32 ـ عنه: بحار الأنوار 144:15 / ح 76 ).
        وكان لعبدالمطّلب دَورٌ تكميليّ لِما نهض به أبوه هاشم في تأسيس رحلة الشتاء والصيف،
        والسفر إلى الشام وفلسطين ومصر،
        ومفاوضة رؤساء القبائل والملوك الذين تمرّ قوافل قريش التجارية عبر مناطقهم,
        .
        ولعبدالمطّلب أشعارٌ في الحكمة والأخلاق،
        منها ما رواه الشيخ الصدوق في
        ( عيون أخبار الرضا عليه السلام 177:2 / ح 5 ـ الباب 43 )
        عن الريّان بن الصَّلت قال: أنشَدَني الرضا عليه السلام لعبدالمطّلب:
        يَعيبُ الناسُ كلُّهـمُ زمانـاً
        وما لزمانِنا عَيـبٌ سِوانـا
        نَعيبُ زمانَنا والعَيبُ فينـا
        ولو نطَقَ الزمانُ بنا هَجانا
        وإنّ الذئبَ يتركُ لحمَ ذِئبٍ،
        ويأكلُ بعضُنا بعضاً عَيانا!
        لَبِسْنا للخداعِ مُسوكَ طِيبٍ
        فويلٌ للغريـبِ إذا أتانـا!
        شوقه للنبيّ وحبّه له
        • رُوي عن أبي طالب رضوان الله عليه في ضمن حديثٍ له لدى تأييده لرسول الله صلّى الله عليه وآله ونصرته له،
        أنّه قال: ولقد كان أبي
        [ أي عبدالمطّلب رضي الله عنه ]
        يقرأ الكتاب جميعاً،
        ولقد قال: إنّ مِن صُلْبي لَنبيّاً، لَوَدِدتُ أنّي أدركتُ ذلك الزمانَ فآمنتُ به، فَمَن أدرَكَه مِن وُلدي فَلْيُؤمنْ به.
        ( بحار الأنوار
        148:35 ).
        حتّى إذا وُلِد رسول الله صلّى الله عليه وآله ضمّه عبدالمطّلب إلى كَنَفِه،
        وخصّه بحبّه ورعايته وخدمته، وكان يُكرمه ويُجلّه ويفضّله.
        قال ابن عبّاس:
        كان يُوضَع لعبدالمطّلب فِراشٌ في ظلّ الكعبة لا يجلس عليه أحدٌ إلاّ هو إجلالاً له،
        وكان بنوه يجلسون حوله حتّى يخرج عبدالمطّلب،
        فكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يخرج وهو غلامٌ صبيٌّ فيجيء حتّى يجلس على الفراش،
        فيَعْظُم ذلك على أعمامه ويأخذونه ليؤخّروه،
        فيقول لهم عبدالمطّلب إذا رأى ذلك منهم:
        دَعُوا أبني، فَوَالله إنّ له لَشأناً عظيماً!
        إنّي أرى أنّه سيأتي عليكم يومٌ وهو سيّدُكم،
        إنّي أرى غُرّتَه غُرّةً تَسُود الناس
        .
        قال ابن عبّاس:
        ثمّ يحمله فيُجِلسُه معه، ويمسح ظهره ويقبّله ويقول:
        ما رأيتُ قُبلةً أطيب منه ولا أطهر قطّ، ولا جسداً ألينَ منه ولا أطيب.
        ثمّ يلتفت إلى أبي طالب فيقول له:
        يا ابا طالب، إنّ لهذا الغلام لَشأناً عظيماً، فاحفَظْه واستَمسِكْ به؛
        فإنّه فردٌ وحيد، وكُنْ له كالأمّ، لا يَصِلْ إليه شيءٌ يكرهه
        .
        ثمّ يحمله على عنقه فيطوف به أُسبوعاً
        ( أي سبعة أشواط ).
        ( بحار الأنوار 142:15 ـ 143 / ح 74 ـ عن: كمال الدين 173 / ح
        29 ).
        • وعن ابن عبّاس أيضاً:
        نادى شيخٌ على الكعبة: يا عبدَالمطّلب، إنّ حليمة امرأةٌ عربيّة، وقد فقدت أبناً آسمُه « محمّد »!
        فغضب عبدالمطّلب، وكان إذا غضب خاف الناس منه، فنادى:
        يا بني هاشم، ويا بني غالب، اركبوا فقد فُقِد محمّد.
        وحَلَف ألاّ ينزل حتّى يجد محمّداً ( صلّى الله عليه وآله )..
        فسمع نداءً: إنّ الله لا يضيّع محمّداً،
        فقال: أين هو ؟! قال: في وادي فلان، تحت شجرة أمّ غيلان..
        فلمّا وجده عبدالمطّلب حمله على عُنقه وطاف به حول الكعبة،
        ( مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 24:1 ).
        وفاته رحمَه الله
        وعلى فراش الوفاة..
        ذكر الواقدي أنّ عبدالمطّلب غمّض عينَيه ثمّ فتحهما، فنظر قريشاً فقال:
        يا قوم، أليس حقّي عليكم واجباً ؟
        فقالوا بأجمعهم: نَعَم، حقّك على الكبير والصغير واجب،
        فنِعمَ القائدُ ونعم السائق فينا كنت، فجزاك الله تعالى عنّا خيراً،
        وهَوَّن عليك سكرات الموت، وغفر لك ما سَلَف من ذنوبك.
        فقال لهم عبدالمطّلب:
        أُوصيكم بولدي محمّدِ بنِ عبدالله،
        فأحِلُّوه محلَّ الكرامة فيكم، وبِرُّوه ولا تَجفُوه، ولا تستقبلوه بما يكره.
        فقالوا بأجمعهم: قد سَمِعنا منك وأطعناك فيه.
        ( بحار الأنوار
        153:15 ).
        وأمّا وصيّته الخاصّة سلام الله عليه فقد أدّاها عبدالمطّلب إلى وَلَده أبي طالب وقد أدركته الوفاة،
        فبعث إليه والنبيّ صلّى الله عليه وآله على صدره وهو في غمرات الموت ويبكي،
        ثمّ يلتفت إلى أبي طالبٍ ويقول له:
        يا أبا طالب، أُنظُرْ أن تكون حافظاً لهذا الوحيدِ الذي لم يَشمَّ رائحةَ أبيه، ولم يَذُق شفقة أُمّه
        انظُر يا أبا طالب أن يكون من جسدك بمنزلة كَبِدك،
        فإنّي تركتُ بَنيَّ كلَّهم وأوصيتُك به؛
        يا أبا طالب،
        إن أدركتَ أيّامه فاعلَمْ أنّي كنتُ مِن أبصر الناس به وأعلَمِ الناس به،
        فإن استطعتَ أن تتبعه فافعل، وانصُرْه بلسانك ويدك ومالك؛
        فإنّه ـ واللهِ ـ سيسودُكم ويملك ما لم يملك أحد من بني آبائي,
        يا أبا طالب،
        فاحفَظْه لوحدته، هل قَبِلتَ وصيّتي ؟

        قال أبو طالب: نَعَم قد قبِلتُ واللهُ عَلَيَّ بذلك شهيد،
        فقال عبدالمطّلب: فَمُدَّ يدَك إليّ. فمدّ يده، فضرب بيده إلى يده،
        ثمّ قال عبدالمطّلب: الآن خُفِّف علَيَّ الموت
        .
        ثمّ لم يَزَل عبدالمطّلب يُقبّل النبيَّ ويقول له:
        أشهدُ أنّي لم أُقبّل أحداً من وُلدي أطيبَ ريحاً منك، ولا أحسَنَ وجهاً منك
        .
        قال ابن عبّاس في ختام روايته هذه:
        وكان عبدالمطّلب يتمنّى أن يكون قد بقيَ حتّى يُدرِك زمانه، فمات والنبيُّ ابن ثمان سنين،
        فضمّه أبو طالبٍ إلى نفسه لا يفارقه ساعةً من ليلٍ ولا نهار،
        وكان ينام معه حتّى بلغ أن لا يأتمن عليه أحداً.
        ( كمال الدين 172 / ح 29 ـ عنه: بحار الأنوار 143:15 ـ 144 / ح
        74 )
        وذكرت بعض المصادر أنّ عبدالمطّلب كان عاش مئةً وأربعين سنة،
        فأعطاه شيخٌ مهيب ضِغْثَ ريحان وقال له: شُمَّه، فلمّا شمّه مات، وكان الشيخ مَلَكَ الموت.
        وقد مشى النبيّ صلّى الله عليه وآله خلف جنازته وهو يبكي،
        حتّى دُفن رضوان الله عليه بالحَجُون.
        ويُعرَف هذا الموضع بـ « المَعْلاة »،
        وفيه قبر أبي طالب وعبدمَناف وخديجة رضي الله عنهم أجمعين.
        ( سفينة البحار للشيخ عباس القمي
        353:3 ).
        وأمّا عن بَعثه رضوان الله عليه، فيذكر لنا الشيخ الكلينيّ في
        ( الكافي الشريف 447:1 / ح 22 ـ باب مولد النبيّ صلّى الله عليه وآله )
        أنّ الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال:
        « يُحشَر عبدُالمطّلب يومَ القيامةِ أُمّةً واحدة، عليه سِيماءُ الأنبياء وهيبةُ الملوك ».
        وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كثيراً ما كان يفخر بنسبته الى عبد المطلب
        فعندما انهزم المسلمون في حنين ثبت النبي (صلى الله عليه وآله) ومعه بنو هاشم:
        (( كان القوم قد كمنوا في شعاب الوادي ومضايقه فما راعنا إلا كتائب الرجال ،
        فانهزم بنو سليم وكانوا على المقدمة وانهزم من وراءهم وبقي علي ومعه الراية ،
        فقال مالك بن عوف: أروني محمداً ،
        فأروه إياه فحمل عليه فلقيه أيمن بن عبيدة وهو ابن أم أيمن فالتقيا فقتله مالك...
        فقام النبي (صلى الله عليه وآله) في ركاب سرجه حتى أشرف عليهم وقال:
        الآن حمى الوطيس: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب)).
        وفي صحيح البخاري: 4/28:
        ((نزل فجعل يقول:
        أنا النبي لاكذب أنا ابن عبد المطلب. قال فما رؤي من الناس يومئذ أشد منه )).
        وفي الكافي: 8/112، أن علياً (عليه السلام) ارتجز في إحدى معاركه:
        أنا ابن ذي الحوضين عبد المطلب

        وهاشم المطعم في العام السغب


        أوفي بميعادي وأحمي عن حسب


        وعندما طلب أسرى خيبر من النبي (صلى الله عليه وآله) أن يطلقهم ،
        قال لهم( أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لله ولكم .
        وصححوا حديث النبي (صلى الله عليه وآله) بأن أبناء عبد المطلب(عليهم السلام)هم سادة أهل الجنة ، رواه ابن ماجة: 2/1368، عن أنس بن مالك قال:
        سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:
        (( نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة:
        أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي)).
        والحاكم: 3/211، وصححه على شرط مسلم، وتاريخ بغداد: 9/434 وفيه:
        نحن سبعة بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة ،
        أنا وعلي أخي وعمي حمزة وجعفر والحسن والحسين والمهدي)).
        وتلخيص المتشابه: 1/197 ، والفردوس: 1/53 ، والبيان للشافعي/488 ، وغيرها.
        السلام عليك يامولاي ياجدّ رسول الله ورحمة الله وبركاته
        قال الشاعر اللبناني بولس سلامة في مجموعته ( عيد الغدير ) في رثاءعبدالمطّلب:
        غَيّبَ القبرُ هاشماً فاستَضاءَتْ
        بابنهِ البدرِ مُقفِـراتُ التَّهائـمْ
        ( شيبةُ الحمدِ ) جاءَ سِرَّ أبيـهِ
        يستجيب العُلى، يَشُدّ الدعائـمْ
        بيتُه الرَّحْبُ مَشْرَعٌ للأيامـى
        واليتامى، فمـا بِمكّـةَ صائـمْ
        وتعالى حـولَ الأبـيِّ جـدارٌ
        مِن قلوبٍ، وفَيلَقٌ مِن أكـارمْ
        شيبةَ الحمدِ في جبينِـكَ نُـورٌ
        شَيَّبَ المَفرِقَ الدَّجـيَّ الباسـمْ
        وجهُك السَّمْحُ يَستَدِرُّ الهَوامي
        يومَ وجهُ السماءِ غَضْبَةُ صارمْ
        إذ تُناديـك للصـلاةِ قريـشٌ
        فاعتلَيتَ الهِضابَ والقلبُ واجمْ


        ياأيها المصباح كلُّ ضلالة

        لمّا طلعتَ ظلامُها مفضوحُ

        ياكبرياء الحقِّ أنتَ إمامه


        وبباب حضرتكَ الندى مطروحُ

        تعليق


        • #14
          بسم الله الرحمن الرحيم
          والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعز المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطاهرين
          نعود لنكمل سيرة آباء النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم وتوحيدهم لله تعالى,
          وبعد ذلك لي عودة إن شاء الله تعالى للتحليل والإثبات ,,
          بعد ما تقدّم من سيرة هاشم جد النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم,
          نأتي الى سيرة ( عبد المطلب كافل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم وحاضنه),,
          ولادة عبد المطلب ونشأته وكراماته :
          وُلد عبدالمطّلب جدّ النبيّ صلّى الله عليه وآله في يثرب،
          وقد تُوفّي أبوه هاشم رضوان الله عليه في سفره وهو بعدُ لم يولد،
          فلمّا اشتدّ بأمّه سلمى بنت عَمرو النجّاريّة الحمل وجاءها المخاض وهي لا تجد ألماً،
          أسدلت سِترها، وكتمت أمرها،
          فبينما هي تعالج نفسها إذ نظرت إلى حجابٍ من نور قد ضُرِب عليها من البيت إلى عِنان السماء،
          وحَبَس الله عنها الشيطان الرجيم،
          فَولَدت عبدالمطّلب، ثمّ قامت من ساعتها وتولّت نفسها.
          ولمّا وضَعَته سطع مِن غُرّته نورٌ شعشعاني،
          وكان ذلك النورُ نورَ رسول الله صلّى الله عليه وآله ما يزال ينتقل من أجداده إلى آبائه.
          وضَحِك عبدالمطّلب وتبسّم،
          فتعجّبت أُمّه سلمى من ذلك، ثمّ نظرت إليه فإذا هي بشعرةٍ بيضاء تلوح في رأسه،
          فقالت: نعم، أنت شيبةٌ كما سُمِّيت.
          ثمّ إنّها درَجَته في ثوبٍ من صوف، وقمّطته وهيّأته،
          ولم تُعْلِم به أحداً من قومها ـ كما أوصاها زوجها هاشم؛
          ( إذ كان يخشى عليه من اليهود )
          حتّى مضت له أيّام، فصارت تلاعبه ويَهشّ إليها حتّى كمل له شهر فعلم الناس به،
          ولم يكن على اليهود أشدّ منه عداوةً وأكثر ضرراً،
          وكانوا إذا نظروا إليه امتلأوا غيظاً وكمداً؛
          لِما يعلمون بما سيظهر منه..
          وكانت أمّهإذا ركبت ركب معها أبطال الأوس والخزرج، وكانت مُطاعةً بينهم،
          وكانت لا تأمن عليه أحداً،
          فلمّا تمّ له سبع سنين اشتدّ حَبلُه، وقويَ بأسُه، وتبيّن للناس فضله،
          وكان يحمل الشيء الثقيل، ويأخذ الصبيَّ ويصرعه، فلم يشكوه إلى أُمّه. ( بحار الأنوار للشيخ المجلسيّ 55:15 ـ 57 / ح 48 ـ عن: الأنوار لأبي الحسن البكري ).
          عودته إلى مكّة
          • قال أبو الحسن البكري:
          بَلَغَنا أنّ رجلاً من بني الحارث دخل يثرب في حاجةٍ له،
          فإذا هو بعبد المطّلب بن هاشم يلعب مع الصبيان قد غمرهم بنوره،
          فوقف الرجل ينظر إلى الصبيّ وهو يقول له:
          ما أسعدَ مَن أنت في ديارهم ساكن!
          فقال عبدالمطّلب:
          أنا ابنُ زمزمَ والصَّفا، أنا ابنُ هاشم وكفى!
          فناداه الرجل: يا فتى،
          فأجاب وقال: ما تريد يا عمّ ؟
          قال: ما اسمُك ؟
          قال: شَيبةُ بنُ هاشم بنِ عبدِمَناف،
          مات أبي وجَفَوني عمومتي، وبَقِيتُ مع أُمّي وأخوالي،
          فمِن أين أقبلتَ يا عمّ ؟
          قال: مِن مكّة،
          قال: وهل أنت متحمّلٌ منّي رسالة، ومتقلّدٌ لهم أمانة ؟
          قال الحارث: وحقِّ أبي وابيك، إنّي فاعلٌ ما تأمرني به.
          قال: يا عمّ، إذا رجعتَ إلى بلدك سالماً،
          ورأيتَ بَني عبدمَناف فاقرأْهم عنّي السلامَ
          وقل لهم: إنّ معي رسالةَ غلامٍ يتيم، مات أبوه وجَفَوه عمومته.
          يا بَني عبدمناف،
          ما أسرَعَ ما نَسِيتُم وصيّةَ هاشم وضيّعتُم نسلَه،
          وإذا هَبَّت الريحُ تحمل روائحكم إليّ!
          فبكى الرجل، واستوى على مطيّته وأرسل زمامها حتّى قَدِم مكّة،
          ولم يكن له همّةٌ إلاّ رسالة الغلام.
          ثمّ أتى مجلس بني عبدمناف فوجَدَهم جُلوساً، فأنعَمَهم صباحاً، وقال:
          يا أهل الفضل والأشراف، يا بَني عبدِمَناف،
          أراكم قد غَفَلتُم عن عزِّكم، وتركتُم مصباحكم يستضيء به غيرُكم!
          قالوا: وما ذلك ؟!
          فأخبرهم بوصيّة ابن أخيهم، فقالوا:
          وأيمُ اللهِ، ما ظَننّا أنّه صار إلى هذا الأمر،
          فقال لهم الرجل:
          واللهِ إنّه لَيَعجزُ الفصحاءُ عن فصاحتِه،
          ويعجز اللبيب عن خطابته،
          وإنّه لفصيحُ اللسان، جريُّ الجَنان،
          يتحيّر من كلامه اللبيب، فائقٌ على العلماء عاقلٌ أديب،
          إلى عقله الكفاية، وإلى جماله النهاية
          .
          فقال عمّه المطّلب بن عبدمَناف:
          أقسمتُ بالسَّلَفِ الماضينَ مِن مُضَرٍ
          وهاشمِ الفاضلِ المشهورِ في الأُممِ
          لأمضيَـنَّ إليـه الآنَ مجتـهـداً
          وأقطعَنَّ إليـه البِيـدَ فـي الظُّلَـمِ
          السيّدُ الماجدُ المشهورُ مِن مُضَـرٍ
          نورُ الأنامِ وأهلِ البيـتِ والحَـرَمِ
          فرحل إليه عمّه المطّلب وجاء به إلى مكّة في قصّةٍ ظريفة،
          فيها أنّ اليهود أحاطوا بهما يريدون قتل عبدالمطّلب، فقال لعمّه:
          يا عمّ، أنْزِلْني حتّى أُريك قدرةَ الله تعالى.
          فأنزله، فقصده القوم يريدون قتله لِما يعلمون أنّ منه سيكون النبيّ،
          فجثا عبدالمطّلب( وهو غلام ـ)على الطريق وجعل يمرّغ وجهه في التراب ويدعو:
          يا رَبَّ الظَّلامِ الغامر والفَلَكِ الدائر، يا ربَّ السَّبْعِ الطِّباق يا مُقسِّمَ الأرزاق،
          أسألك بحقِّ الشفيع المشفَّع والنورِ المستودَع، أن تَردَّ عنّا كيدَ أعدائنا .
          فكانت النجاة منهم وهلاك عدوّهم. ( بحار الأنوار 57:15 ـ 64)
          كان عبدالمطّلب رضوان الله عليه ذا جلالةٍ ظاهرة، ومناقب وافرة، وآياتٍ باهرة،
          تظهر تلك من مشاهد عديدة ومواقف كثيرة.. منها:
          انحناء سرير أبرهة الحبشي لمّا دخل عليه عبدالمطّلب
          ( أمالي الشيخ الطوسي:68 ـ عنه: بحار الأنوار 160:15 / ح 91 )،
          ومنها: انفجار الماء تحت خُفّ راحلته في صحراء لا ماء فيها
          ( شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 465:3 ـ عنه: بحار الأنوار 169:15 ـ 170 )
          ومنها أيضا:
          استجابة دعائه في ردّ جيش أبرهة، وتظهر فيها جلالته وشدة يقينه حيث قال لبعض وُلده: اُعْلُ أبا قُبَيس فانظُرْ ماذا يأتي مِن قِبل البحر..
          فيظهر أنّه كان عالماً بأن ستأتي الطير الأبابيل فتستأصل أصحاب أبرهة بن الصباح،

          وفي الكافي الشريف: 4/216،
          عن هشام بن سالم عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:
          (( لما أقبل صاحب الحبشة بالفيل يريد هدم الكعبة مروا بإبل لعبد المطلب فاستاقوها
          فتوجه عبد المطلب إلى صاحبهم يسأله رد إبله عليه
          فاستأذن عليه وقيل له:
          إن هذا شريف قريش أو عظيم قريش ، وهو رجل له عقل ومروة ،
          فأكرمه وأدناه ثم قال لترجمانه:
          سله ما حاجتك؟
          فقال له: إن أصحابك مروا بإبل لي فاستاقوها فأحببت أن تردها عليَّ ،
          قال: فتعجب من سؤاله إياه رد الإبل وقال:
          هذا الذي زعمتم أنه عظيم قريش وذكرتم عقله يدع أن يسألني أن أنصرف عن بيته الذي يعبده
          ! أما لو سألني أن أنصرف عن هده لانصرفت له عنه !
          فأخبره الترجمان بمقالة الملك فقال له عبد المطلب:
          إن لذلك البيت رباً يمنعه وإنما سألتك رد إبلي لحاجتي إليها
          فأمر بردها عليه.
          ومضى عبد المطلب حتى لقي الفيل على طرف الحرم ،
          فقال له:
          محمود ! فحرك رأسه
          فقال له: أتدري لما جئ بك ؟
          فقال برأسه: لا ،
          فقال: جاؤوا بك لتهدم بيت ربك أفتفعل؟
          فقال برأسه: لا. قال: فانصرف عنه عبد المطلب.
          وجاؤوا بالفيل ليدخل الحرم فلما انتهى إلى طرف الحرم امتنع من الدخول فضربوه فامتنع ،
          فأداروا به نواحي الحرم كلها ، كل ذلك يمتنع عليهم فلم يدخل !
          وبعث الله عليهم الطير كالخطاطيف في مناقيرها حجر كالعدسة أو نحوها ،
          فكانت تحاذي برأس الرجل ثم ترسلها على رأسه فتخرج من دبره ،
          حتى لم يبق منه أحد إلا رجل هرب !
          فجعل يحدث الناس بما رأى إذا طلع عليه طائر منها فرفع رأسه فقال:
          هذا الطير منها .
          وجاء الطير حتى حاذى برأسه ثم ألقاها عليه فخرجت من دبره فمات )) .
          ((وخرجوا هاربين يطلبون الشعاب ، ومنهم من طلب الجبال ، ومنهم من ركب البحر ، قال: فعند ذلك قالوا لعبد المطلب:
          ما يمنعك أن تهرب مع الناس ؟
          قال: أستحيي من الله أن أهرب عن بيته وحرمه ،
          فوالله لا برحت من مكاني ولا نأيت عن بيت ربي حتى يحكم الله بما يشاء..
          قال: فلما نظر عبد المطلب إلى الكعبة خالية قال:
          (( اللهم أنت أنيس المستوحشين ولا وحشة معك ، فالبيت بيتك والحرم حرمك والدار دارك ، ونحن جيرانك تمنع عنه ما تشاء )).
          (البحار: 15/66).
          وفي الطبقات: 1/92، والطبري: 1/557:
          (( فأمر برد إبله عليه ، فلما قبضها قلدها النعال وأشعرها وجعلها هدياً وبثها في الحرم لكي يصاب منها شئ فيغضب رب الحرم !
          وأوفى عبد المطلب على حراء ومعه عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ومطعم بن عدي وأبو مسعود الثقفي ،
          فقال عبد المطلب:

          وكان قد أخذ بحلقة البيت الحرام وهو يقول
          :
          لا هُمَّ إنّ المرء منعُ رَحْلَهُ فامنَعْ رِحالَكْ
          لا يَغْلِبَنَّ صليبُهم ومِحالُهم غَدْواً مِحالَكْ
          إن كنتَ تارِكَهُم وكعبتَنا فأمرٌ ما بدا لَكْ
          وقال رضوانُ الله عليه:
          يا رَبِّ لا أرجو لهم سِواكا
          يا ربِّ فامنَعْ مِنهمُ حِماكـا
          إنّ عَدوَّ البيتِ مَن عاداكـا
          إمنَعْهمُ أن يُخْرِبوا قُراكـا
          وإذا بهاتفٍ يُسمَع صوته ولا يُرى شخصه وهو يقول له:
          قد أجبتُ دعوتَك، وبلغتَ مَسرّتَك؛ إكراماً للنور الذي في وجهك،
          فقال لمَن معه:
          أبشِروا؛ فإنّي رأيتُ النور الذي في وجهي قد علا، وإنّما كان ذلك كاشفاً لما طَرَقكم..
          ( بحار الأنوار 65:15 ـ 74 و 141 و 159، الدرّ المنثور للسيوطي 394:6، النهاية لابن الأثير 332:4 )،
          قال المؤرخ اليعقوبي: 1/10: (( فكانت قريش تقول: عبد المطلب إبراهيم الثاني))
          .وبعد حادثة الفيل كانت قريش تسمي عبد المطلب بابراهيم الثاني .
          كذلك ظهرت جلالة عبدالمطّلب عليه السلام من حفره بئر زمزم))))
          بعد أن كان ذات يومٍ نائماً في حِجر إسماعيل،
          إذ أتاه آتٍ فقال له: احفُرْ طَيبة..
          ( بحار الأنوار 74:15 ـ 75 و 163 ـ 164 / ح 95 ـ عن: الكافي 225:3 ـ
          226 ).
          ومن شرف سيرته سلام الله عليه أنّه كان يتنزّه عن المحرَّمات،
          ويعمل على هدى الشرائع الإلهيّة،
          حتّى جاء عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قوله:
          « إنّ عبدالمطّلب كان لا يَستقسِم بالأزلام، ولا يَعبُد الأصنام، ولا يأكل ما ذُبِح على النُّصُب،
          ويقول: أنا على دِينِ أبي إبراهيم عليه السلام »
          ( مكارم الأخلاق لأبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي:440 )،
          وقوله صلّى الله عليه وآله:
          « إنّ عبدالمطّلب سَنَّ في الجاهليّة خمسَ سُنَنٍ أجراها الله عزّوجلّ له في الإسلام:
          1= حرَّمَ نساء الآباء على الأبناء .
          2=ووجَدَ كنزاً فأخرج منه الخُمْسَ وتَصدّق به،
          3=ولما حفر زمزم سماها سقاية الحاج
          4=وسَنّ في القتل مئةً مِن الإبل، فأجرى الله عزّوجلّ ذلك في الإسلام.
          5= ولم يكن للطواف عددٌ عند قريش، فسَنّ لهم عبدالمطّلب سبعةَ أشواط،
          فأجرى الله عزّوجلّ ذلك في الإسلام » ( مكارم الأخلاق:440 ).
          أمّا عبادته عليه الرحمة والرضوان، فيذكرها لنا أمير المؤمنين عليٌّ عليه السلام قائلاً:
          « واللهِ ما عبَدَ أبي، ولا جَدّي عبدالمطّلب، ولا هاشمٌ ولا عبدُ مَنافٍ صَنَماً قطّ »
          فقيل له: فما كانوا يعبدون ؟
          قال: كانوا يُصلّون إلى البيت على دين إبراهيم عليه السلام متمسّكين به »
          ( كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق:174 / ح 32 ـ عنه: بحار الأنوار 144:15 / ح 76 ).
          وكان لعبدالمطّلب دَورٌ تكميليّ لِما نهض به أبوه هاشم في تأسيس رحلة الشتاء والصيف،
          والسفر إلى الشام وفلسطين ومصر،
          ومفاوضة رؤساء القبائل والملوك الذين تمرّ قوافل قريش التجارية عبر مناطقهم,
          ولعبدالمطّلب أشعارٌ في الحكمة والأخلاق،
          منها ما رواه الشيخ الصدوق في
          ( عيون أخبار الرضا عليه السلام 177:2 / ح 5 ـ الباب 43 )
          عن الريّان بن الصَّلت قال: أنشَدَني الرضا عليه السلام لعبدالمطّلب:
          يَعيبُ الناسُ كلُّهـمُ زمانـاً
          وما لزمانِنا عَيـبٌ سِوانـا
          نَعيبُ زمانَنا والعَيبُ فينـا
          ولو نطَقَ الزمانُ بنا هَجانا
          وإنّ الذئبَ يتركُ لحمَ ذِئبٍ،
          ويأكلُ بعضُنا بعضاً عَيانا!
          لَبِسْنا للخداعِ مُسوكَ طِيبٍ
          فويلٌ للغريـبِ إذا أتانـا!
          شوقه للنبيّ وحبّه له
          • رُوي عن أبي طالب رضوان الله عليه في ضمن حديثٍ له لدى تأييده لرسول الله صلّى الله عليه وآله ونصرته له،
          أنّه قال: ولقد كان أبي
          [ أي عبدالمطّلب رضي الله عنه ]
          يقرأ الكتاب جميعاً،
          ولقد قال: إنّ مِن صُلْبي لَنبيّاً، لَوَدِدتُ أنّي أدركتُ ذلك الزمانَ فآمنتُ به، فَمَن أدرَكَه مِن وُلدي فَلْيُؤمنْ به.
          ( بحار الأنوار 148:35 ).
          حتّى إذا وُلِد رسول الله صلّى الله عليه وآله ضمّه عبدالمطّلب إلى كَنَفِه،
          وخصّه بحبّه ورعايته وخدمته، وكان يُكرمه ويُجلّه ويفضّله.
          قال ابن عبّاس:
          كان يُوضَع لعبدالمطّلب فِراشٌ في ظلّ الكعبة لا يجلس عليه أحدٌ إلاّ هو إجلالاً له،
          وكان بنوه يجلسون حوله حتّى يخرج عبدالمطّلب،
          فكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يخرج وهو غلامٌ صبيٌّ فيجيء حتّى يجلس على الفراش،
          فيَعْظُم ذلك على أعمامه ويأخذونه ليؤخّروه،
          فيقول لهم عبدالمطّلب إذا رأى ذلك منهم:
          دَعُوا أبني، فَوَالله إنّ له لَشأناً عظيماً!
          إنّي أرى أنّه سيأتي عليكم يومٌ وهو سيّدُكم،
          إنّي أرى غُرّتَه غُرّةً تَسُود الناس
          قال ابن عبّاس:
          ثمّ يحمله فيُجِلسُه معه، ويمسح ظهره ويقبّله ويقول:
          ما رأيتُ قُبلةً أطيب منه ولا أطهر قطّ، ولا جسداً ألينَ منه ولا أطيب.
          ثمّ يلتفت إلى أبي طالب فيقول له:
          يا ابا طالب، إنّ لهذا الغلام لَشأناً عظيماً، فاحفَظْه واستَمسِكْ به؛
          فإنّه فردٌ وحيد، وكُنْ له كالأمّ، لا يَصِلْ إليه شيءٌ يكرهه
          ثمّ يحمله على عنقه فيطوف به أُسبوعاً ( أي سبعة أشواط ).
          ( بحار الأنوار 142:15 ـ 143 / ح 74 ـ عن: كمال الدين 173 / ح 29 ).
          • وعن ابن عبّاس أيضاً:
          نادى شيخٌ على الكعبة: يا عبدَالمطّلب، إنّ حليمة امرأةٌ عربيّة، وقد فقدت أبناً آسمُه « محمّد »!
          فغضب عبدالمطّلب، وكان إذا غضب خاف الناس منه، فنادى:
          يا بني هاشم، ويا بني غالب، اركبوا فقد فُقِد محمّد.
          وحَلَف ألاّ ينزل حتّى يجد محمّداً ( صلّى الله عليه وآله )..
          فسمع نداءً: إنّ الله لا يضيّع محمّداً،
          فقال: أين هو ؟! قال: في وادي فلان، تحت شجرة أمّ غيلان..
          فلمّا وجده عبدالمطّلب حمله على عُنقه وطاف به حول الكعبة،
          ( مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 24:1 ).
          وفاته رحمَه الله
          وعلى فراش الوفاة..
          ذكر الواقدي أنّ عبدالمطّلب غمّض عينَيه ثمّ فتحهما، فنظر قريشاً فقال:
          يا قوم، أليس حقّي عليكم واجباً ؟
          فقالوا بأجمعهم: نَعَم، حقّك على الكبير والصغير واجب،
          فنِعمَ القائدُ ونعم السائق فينا كنت، فجزاك الله تعالى عنّا خيراً،
          وهَوَّن عليك سكرات الموت، وغفر لك ما سَلَف من ذنوبك.
          فقال لهم عبدالمطّلب:
          أُوصيكم بولدي محمّدِ بنِ عبدالله،
          فأحِلُّوه محلَّ الكرامة فيكم، وبِرُّوه ولا تَجفُوه، ولا تستقبلوه بما يكره.
          فقالوا بأجمعهم: قد سَمِعنا منك وأطعناك فيه.
          ( بحار الأنوار153:15 ).
          وأمّا وصيّته الخاصّة سلام الله عليه فقد أدّاها عبدالمطّلب إلى وَلَده أبي طالب وقد أدركته الوفاة،
          فبعث إليه والنبيّ صلّى الله عليه وآله على صدره وهو في غمرات الموت ويبكي،
          ثمّ يلتفت إلى أبي طالبٍ ويقول له:
          يا أبا طالب، أُنظُرْ أن تكون حافظاً لهذا الوحيدِ الذي لم يَشمَّ رائحةَ أبيه، ولم يَذُق شفقة أُمّه
          انظُر يا أبا طالب أن يكون من جسدك بمنزلة كَبِدك،
          فإنّي تركتُ بَنيَّ كلَّهم وأوصيتُك به؛
          يا أبا طالب،
          إن أدركتَ أيّامه فاعلَمْ أنّي كنتُ مِن أبصر الناس به وأعلَمِ الناس به،
          فإن استطعتَ أن تتبعه فافعل، وانصُرْه بلسانك ويدك ومالك؛
          فإنّه ـ واللهِ ـ سيسودُكم ويملك ما لم يملك أحد من بني آبائي,
          يا أبا طالب،
          فاحفَظْه لوحدته، هل قَبِلتَ وصيّتي ؟
          قال أبو طالب: نَعَم قد قبِلتُ واللهُ عَلَيَّ بذلك شهيد،
          فقال عبدالمطّلب: فَمُدَّ يدَك إليّ. فمدّ يده، فضرب بيده إلى يده،
          ثمّ قال عبدالمطّلب: الآن خُفِّف علَيَّ الموت
          ثمّ لم يَزَل عبدالمطّلب يُقبّل النبيَّ ويقول له:
          أشهدُ أنّي لم أُقبّل أحداً من وُلدي أطيبَ ريحاً منك، ولا أحسَنَ وجهاً منك
          .قال ابن عبّاس في ختام روايته هذه:
          وكان عبدالمطّلب يتمنّى أن يكون قد بقيَ حتّى يُدرِك زمانه، فمات والنبيُّ ابن ثمان سنين،
          فضمّه أبو طالبٍ إلى نفسه لا يفارقه ساعةً من ليلٍ ولا نهار،
          وكان ينام معه حتّى بلغ أن لا يأتمن عليه أحداً.
          ( كمال الدين 172 / ح 29 ـ عنه: بحار الأنوار 143:15 ـ 144 / ح 74 )
          وذكرت بعض المصادر أنّ عبدالمطّلب كان عاش مئةً وأربعين سنة،
          فأعطاه شيخٌ مهيب ضِغْثَ ريحان وقال له: شُمَّه، فلمّا شمّه مات، وكان الشيخ مَلَكَ الموت.
          وقد مشى النبيّ صلّى الله عليه وآله خلف جنازته وهو يبكي،
          حتّى دُفن رضوان الله عليه بالحَجُون.
          ويُعرَف هذا الموضع بـ « المَعْلاة »،
          وفيه قبر أبي طالب وعبدمَناف وخديجة رضي الله عنهم أجمعين.
          ( سفينة البحار للشيخ عباس القمي 353:3 ).
          وأمّا عن بَعثه رضوان الله عليه، فيذكر لنا الشيخ الكلينيّ في
          ( الكافي الشريف 447:1 / ح 22 ـ باب مولد النبيّ صلّى الله عليه وآله )
          أنّ الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال:
          « يُحشَر عبدُالمطّلب يومَ القيامةِ أُمّةً واحدة، عليه سِيماءُ الأنبياء وهيبةُ الملوك ».
          وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه كثيراً ما كان يفخر بنسبته الى عبد المطلب
          فعندما انهزم المسلمون في حنين ثبت النبي (صلى الله عليه وآله) ومعه بنو هاشم:
          (( كان القوم قد كمنوا في شعاب الوادي ومضايقه فما راعنا إلا كتائب الرجال ،
          فانهزم بنو سليم وكانوا على المقدمة وانهزم من وراءهم وبقي علي ومعه الراية ،
          فقال مالك بن عوف: أروني محمداً ،
          فأروه إياه فحمل عليه فلقيه أيمن بن عبيدة وهو ابن أم أيمن فالتقيا فقتله مالك...
          فقام النبي (صلى الله عليه وآله) في ركاب سرجه حتى أشرف عليهم وقال:
          الآن حمى الوطيس: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب)).
          وفي صحيح البخاري: 4/28:
          ((نزل فجعل يقول:
          أنا النبي لاكذب أنا ابن عبد المطلب. قال فما رؤي من الناس يومئذ أشد منه )).
          وفي الكافي الشريف: 8/112، أن علياً (عليه السلام) ارتجز في إحدى معاركه:
          أنا ابن ذي الحوضين عبد المطلب

          وهاشم المطعم في العام السغب


          أوفي بميعادي وأحمي عن حسب


          وعندما طلب أسرى خيبر من النبي (صلى الله عليه وآله) أن يطلقهم ،
          قال لهم( أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لله ولكم .
          وصححوا حديث النبي (صلى الله عليه وآله) بأن أبناء عبد المطلب(عليهم السلام)هم سادة أهل الجنة ، رواه ابن ماجة: 2/1368، عن أنس بن مالك قال:
          سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:
          (( نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة:
          أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي)).
          والحاكم: 3/211، وصححه على شرط مسلم، وتاريخ بغداد: 9/434 وفيه:
          نحن سبعة بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة ،
          أنا وعلي أخي وعمي حمزة وجعفر والحسن والحسين والمهدي)).
          وتلخيص المتشابه: 1/197 ، والفردوس: 1/53 ، والبيان للشافعي/488 ، وغيرها.
          السلام عليك يامولاي ياجدّ رسول الله ورحمة الله وبركاته
          قال الشاعر اللبناني بولس سلامة في مجموعته ( عيد الغدير ) في رثاءعبدالمطّلب:
          غَيّبَ القبرُ هاشماً فاستَضاءَتْ
          بابنهِ البدرِ مُقفِـراتُ التَّهائـمْ
          ( شيبةُ الحمدِ ) جاءَ سِرَّ أبيـهِ
          يستجيب العُلى، يَشُدّ الدعائـمْ
          بيتُه الرَّحْبُ مَشْرَعٌ للأيامـى
          واليتامى، فمـا بِمكّـةَ صائـمْ
          وتعالى حـولَ الأبـيِّ جـدارٌ
          مِن قلوبٍ، وفَيلَقٌ مِن أكـارمْ
          شيبةَ الحمدِ في جبينِـكَ نُـورٌ
          شَيَّبَ المَفرِقَ الدَّجـيَّ الباسـمْ
          وجهُك السَّمْحُ يَستَدِرُّ الهَوامي
          يومَ وجهُ السماءِ غَضْبَةُ صارمْ
          إذ تُناديـك للصـلاةِ قريـشٌ
          فاعتلَيتَ الهِضابَ والقلبُ واجمْ

          التعديل الأخير تم بواسطة متيمة العباس; الساعة 15-06-2013, 09:46 AM.

          ياأيها المصباح كلُّ ضلالة

          لمّا طلعتَ ظلامُها مفضوحُ

          ياكبرياء الحقِّ أنتَ إمامه


          وبباب حضرتكَ الندى مطروحُ

          تعليق


          • #15
            هذا هو ابو طالب
            ..............
            واللهِ لن يَصلوا إليكَ بجمعِهمْ حتى أُوَسَّدَ في الترابِ دَفينا
            فاصدَعْ بأمرِك ما عليكَ غَضاضة ٌ وأبشِرْ بذاكَ، وقرَّ منهُ عُيونا
            ودَعَوْتَني، وزَعمتَ أنك ناصحٌ ولقد صدقْتَ، وكنتَ ثَمَّ أَمينا
            وعَرضْتَ دِيناً قد علمتُ بأنَّهُ مِن خيرِ أديانِ البريَّة ِ دِينا
            لولا المَلامة ُ أو حِذاري سُبَّة ً لوجَدْتني سَمحاً بذاك مُبِينا

            تعليق


            • #16
              بسم الله الرحمن الرحيم

              والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعزّ المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين

              بداية اعتذر منك يامولاي ياأيها السقّاء ياأبا الفضل العباس عن تقصيري في خدمتكم سيدي ,,

              ولكن الإعتذار الى الكريم مكرمة تحتاج الى الشكر ,,

              فالحمد لله والشكر لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ,,

              احترت اجداً عندما وصلت الى سيرة والد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله لإنني كنت أود أن أُفرد له موضوعاً مستقلاً,
              ولكن وجدت أنه لا بد من أن نعرّج على سيرته الشريفة ولو بنحو الإجمال قبل أن ينتهي بنا المطاف الى صاحب الموضوع (أبو طالب عليه السلام ) ,,

              لإنَّ عبد الله عليه السلام هو الذي خلقه الله ليكون مستودع نور النبوّة العظيم ,
              وأبو طالب عليه السلام خلقه الله ليحمي هذا النور العظيم فهما شقيقا الرسالة المحمدية العظيمة صلوات الله وسلامه عليهما .

              بداية سأورد الزيارة المأثورة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام التي يُزار بها سيدنا والد النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم





              السَّلامُ عَلَيْكَ يَا وَلِيَّ اللهِ . السَّلامُ عَلَيْكَ يَا أَمِينَ اللهِ .
              السَّلامُ عَلَيْكَ يَا نُورَ اللهِ . السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مُسْتَوْدَعَ نُورِ رَسُولِ اللهِ .
              السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مَنِ انْتَهَى إِلَيْهِ الوَدِيعَةُ ، وَالأَمَانَةُ المَنِيعَةُ .
              السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مَنْ أَوْدَعَ اللهُ فِي صُلْبِهِ الطَّيِّبَ الطَّاهِرَ المَكِينَ ، نُورَ رَسُولِ اللهِ الصَّادِقِ الأَمِينِ .
              السَّلامُ عَلَيْكَ يَا وَالِدَ سَيِّدِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ .
              أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ حَفِظْتَ الوَصِيَّةَ ، وَأَدَّيْتَ الأَمَانَةَ عَنْ رَبِّ العَالَمِينَ فِي رَسُولِهِ ،
              وَكُنْتَ فِي دِينِكَ عَلى يَقِينٍ .
              وَأشْهَدُ أَنَّكَ اتَّبَعْتَ دِينَ اللهِ ، على مِنْهَاجِ جَدِّكَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللهِ ،
              فِي حَيَاتِكَ وَبَعْدَ وَفَاتِكَ عَلى مَرْضَاةِ اللهِ فِي رَسُولِهِ ،
              وَأَقْرَرْتَ وَصَدَّقْتَ بِنُبُوَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ،
              وَوِلايَةِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلامُ ، وَالأَئِمَّةِ الطَّاهِرِينَ عَلَيْهِمُ السَّلامُ ،
              فَصَلَّى اللهُ عَلَيْكَ حَيّاً وَمَيِّتاً وَرَحَمْةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ .

              في هذه الزيارة المباركة تعريف بمعتقده وإيمانه بالله تعالى بل حتى بدوره العظيم الذي اختاره الله له ( والله أعلم حيث يجعل رسالته )

              كانت له مهمة واحدة فقط ربما يكون قد خلق لأجلها ،
              وهي بلا شك مهمة يتشابه بها مع الآخرين من حيث الأدلة ،
              لكنه يختلف وبها أيضاً عن الخلق جميعاً من حيث النتيجة التي هزت الكون وأحدثت في تاريخ البشرية منعطفاً بشرياً
              فهي مهمة نبيلة لعبد الله. إنه عبد الله والد الرسول الأعظم محمد بن عبد الله صلى الله عليه واله وسلم . فهو عبد الله بن عبد المطلب بن عبد مناف بن قصي القريشي العدناني … جاء إلى الحياة بعد أن نذر أبوه عبد المطلب وهو يحفر بئر زمزم مع ولده الحارث والذي كان وحيده آنذاك نذراً فحواه (إذا رزقه الله بعشرة أبناء سيذبح أحدهم قرباناً وتقرباً إلى الله عز وجل) وجاءت الاستجابة وامتلأ بيت عبد المطلب بالصبيان وكان عبد الله أحدهم وأجملهم على الإطلاق …
              وحينها لا بد من الإيفاء بالوعد ، النذر الذي يمزق الأحشاء ، ألا وهو نحر فلذة الكبد بذات اليد التي رُفعت يوماً إلى الله طالبةً إياه منه جل في علاه ،
              إنه امتحان ليس كأي امتحان ،
              إذ كانت المشيئة الإلهيّة أن يكون عبد المطلب في ذات الموقف الذي وضع به الرحمن خليله إبراهيم عليه السلام ،
              يوم رأى أنه يذبح إسماعيل قبل ان يفديه الله بذبح عظيم .
              فأبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء وأبو الرسالات السماوية ,
              ومن نسله كانت الرسالة المحمدية العظيمة ,
              وعبد المطلب هو حفيد هذه السلالة الطاهرة الذي حضن الرسالة والإمامة وشعّ نورهما في جبهته المباركة ,
              حتى إذا وُلد عبد الله وأبو طالب تقاسما هذا النور العظيم ,

              وجاء القداح ليضع عبد الله أحبُّ أبناء عبد المطلب إليه على مذبحة التاريخ ،
              وكا كانت المشيئة الإلهية أن يُفتدى اسماعيل بكبش عظيم ,
              كانت المشيئة الإلهية أن يُفتدى عبد الله بمائة من الإبل ,
              وكما أن للنبي اسماعيل عليه السلام مهمة حفظ نسل النبوّة ,
              كانت لعبد الله مهمة الختام ,
              المفهوم لذوي الألباب والأفهام أن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم هو السبب لوجود الكائنات ،
              والقطب الذي دارت عليه أفلاك السعادات ،
              وكان سبباً لوجود أبواه ، ولا سيما أساس الفخر سيدنا عبد الله عليه السلام
              فوجب على كل من تحلى بحلية الإيمان ،
              ورست في قلبه محبة سيد الأكوان ,
              أن يزداد لوالدي النبي صلى الله عليه وسلم إعظاماً ،
              ويفتتن بهما غراماً وهياماً ,
              حيث كان مخزوناً بهما الكنز الأعظم ،
              ومنظوماً في سلكهما الجوهر الفرد المنظم،
              فهما
              سلام الله عليهما سماء بدر المعالي ،
              ومشكاة مصباح النور المتلالي ،
              فيا لله من نعمة لهما على العالمين ، وما أشمل بركتهما على المسلمين

              كان يتلألأ نور النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جبينه ؛
              ولهذا كان عند والده عبد المطلب من بين أولاده كما يوسف من دون إخوته إلى يعقوب؛
              وذلك للسر الذي أودع فيه ولم يكن في بنيه ، ؛

              ولشدة محبته فيه أمره الله بذبحه امتحاناً ،
              كما امتحن الخليل بذبح إسماعيل فامتثل استسلاماً وإيماناً ،
              وسبب أمر الله له بذبحه ما ذكره أهل السير ، ورواه العلماء من الفريقين :
              أن عبد المطلب لما أُمر بحفر زمزم لم يكن له من الولد إلا الحارث ،
              فنذر إن ولد له عشرة ذكور لينحرنَّ أحدهم عند الكعبة ابتغاء مرضاة الله عزّ وجلّ ،
              فلما أعطاه الله تعالى عشرة بنين رأى في المنام قائلاً يقول له أوف بنذرك ،
              فأخبر بنيه بنذره ودعاهم للوفاء بذلك ، فأطاعوه ,
              فأخذ القداح وكتب أسماءهم عليها فوقع السهم على عبد الله ،
              فلما استسلم للذبح قام إليه أحد إخوته وجذبه من تحت أبيه ,
              عندها قامت إليه قريش من أنديتها فقالت : يا عبد المطلب ما تريد ؟
              فقال : أريد وفاء نذري ،
              فضربوا القداح فخرجت على عبد الله فزادوا عليها عشرة من الإبل
              فخرجت أيضاً عليه بحكمة الله ،
              فلم يزالوا حتى بلغت الإبل مائة ،
              فضربوا القداح فخرجت على الإبل ،
              فلم يرضَ عبد المطلب حتى كررت ثلاثاً لتخرج في كل مرة على الإبل المائة ,
              فنحرت الإبل عند الكعبة يأخذ منها الوارد والصادر ،
              وتطعم منها الوحوش فيها، والبادي والحاضر ،
              فكان عبد المطلب أول من سن دية النفس مائة من الإبل فجرت على ذلك قريش وسائر العرب ،
              وأقرها المصطفى صلى الله عليه وسلم استصحاباً للأصل
              .

              ونأتي الى سيرته الشريفة حسب مصادر الفريقين ,,

              التعديل الأخير تم بواسطة متيمة العباس; الساعة 04-07-2013, 08:57 AM.

              ياأيها المصباح كلُّ ضلالة

              لمّا طلعتَ ظلامُها مفضوحُ

              ياكبرياء الحقِّ أنتَ إمامه


              وبباب حضرتكَ الندى مطروحُ

              تعليق


              • #17
                ​ونأتي الى سيرته الشريفة كما وردت في مصادر الفريقين:

                كما في التاريخ أنّه لمّا شبّ عبد الله تطاولت إليه أعناق الخطّاب،
                وبذلوا في طلبه الكثير من الأموال رغبة في تحصيل نور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)،
                ولم يكن في عهده أحد أجمل ولا أكمل منه،
                وكان إذا مرّ بالناس نهاراً يشمّون منه الروائح الطيّبة،
                وإذا مرّ بهم ليلاً أضاءت من أنواره الظلم، حتّى أنّ أهل مكّة سمّوه مصباح الحرم .
                نقل العلاّمة المجلسي (رحمه الله) في زواجه من السيدة آمنة بنت وهب في (بحار الأنوار):

                ...وعندما جرى الكلام بين وهب وعبد المطّلب في أمر السيّدة آمنة (عليها السلام)، قال وهب:
                يا أبا الحارث هي هدية منّي إليك بغير صداق معجّل ولا مؤجّل.إلاّ أنّ عبد المطّلب (عليه السلام) رفض وقال:
                جزيت خيراً يا وهب ولابدّ من صداق ويكون بيننا وبينك من يشهد به من قومنا وقومك .
                ثمّ إنّ عبد المطّلب قال :
                يا وهب إذا كان في الغد جمعنا قومنا وقومك ليشهدوا بما يكون من الصداق.
                فقال: جزاك الله خيراً
                فلمّا طلع الفجر أرسل عبد المطّلب إلى بني عمّه ليحضروا خطبتهم،
                وجمع وهب أيضاً قرابته وبني عمّه، فاجتمعوا في الأبطح.
                فلمّا أشرف عليهم الناس قاموا إجلالاً لعبد المطّلب وأولاده،
                ثمّ إنّه لمّا استقرّ بهم المجلس خطبوا خطبتهم وعقدوا عقد النكاح وقام عبد المطّلب فيهم خطيباً، فقال:
                الحمد لله حمد الشاكرين، حمداً استوجبه بما أنعم علينا وأعطانا ,
                وجعلنا لبيته جيراناً ولحرمه سكّاناً,
                وألقى محبّتنا في قلوب عباده وشرّفنا على جميع الاُمم ووقانا شرّ الآفات والنقم،
                والحمد لله الذي أحلّ لنا النكاح وحرّم علينا السفاح وأمرنا بالاتّصال وحرّم علينا الحرام،
                اعلموا أنّ ولدنا عبد الله هذا الذي تعرفونه قد خطب فتاتكم آمنة بصداق معجّل ومؤجّل كذا وكذا، فهل رضيتم بذلك من ولدنا؟
                قال وهب: قد رضينا منكم.
                فقال عبد المطّلب: اشهدوا يا من حضر.
                ثمّ تصافحوا وتهانوا وتصافقوا وتعانقوا وأولم عبد المطّلب وليمة عظيمة فيها جميع أهل مكّة وأوديتها وشعابها وسوادها،
                فأقام الناس في مكّة أربعة أيّام

                نور وجه عبد الله (عليه السلام)
                روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن ابن عباس عن أبيه العباس بن عبد المطلب قال:
                ولد لأبي، عبد المطلب عبد الله فرأينا في وجهه نوراً يزهر كنور الشمس، فقال أبي: إن لهذا الغلام شأناً عظيماً.
                قال: فرأيت في منامي أنه خرج من منخره طائر أبيض فطار فبلغ المشرق والمغرب،
                ثم رجع راجعاً حتى سقط على بيت الكعبة، فسجدت له قريش كلها،
                فبينما الناس يتأملونه إذ صار نوراً بين السماوات والأرض وامتد حتى بلغ المشرق والمغرب.
                فلما انتبهت سألت كاهنة بني مخزوم، فقالت:
                يا عباس لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبه ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعاً له.
                قال أبي أي العباس : فهمّني أمر عبد الله إلى أن تزوج بآمنة وكانت من أجمل نساء قريش وأتمها خلقاً،
                فلما مات عبد الله وولدت آمنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أتيته فرأيت النور بين عينيه يزهر... الحديث
                (عليهما السلام) أربعين يوماً لا يخرج من داره، ثمّ خرج فنظر أهل مكّة إليه وإذا بالنور الذي كان يشرق في جبينه قد فارق موضعه.
                ولما أتى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهر وهوفي بطن أمه ورد على عبد المطّلب (عليه السلام)
                كتاب من يثرب يخبره بموت فاطمة بنت عبد المطّلب،
                وكان ممّا في طيّاته أنّها ورّثت مالاً كثيراً خطيراً، فاخرج أسرع ما تقدر عليه
                فقال عبد المطّلب لولده عبد الله: يا ولدي لابدّ لك أن ترافقني إلى المدينة،
                فسافر مع والده ودخلا مدينة يثرب فاستلم عبد المطّلب المال.
                ولمّا مضى من على دخولهما المدينة عشرة أيّام اعتلّ عبد الله علّة شديدة،
                وبقي خمسة عشر يوماً وفي اليوم السادس عشر مات عبد الله،
                فبكى عليه أبوه عبد المطّلب بكاءً مرّاً وشقّ سقف البيت لأجله في دار فاطمة بنت عبد المطّلب آنذاك،
                وبينما كان عبد المطّلب غارق في أحزانه إذا بهاتف يهتف ويقول:
                قد مات من كان في صلبه خاتم النبيين وأي نفر لا يموت،
                فقام عبد المطّلب فغسّله وكفّنه ودفنه في محلّة يقال لها (شين) وبنى على قبره قبّة عظيمة من جص وآجر.
                وفي رواية أخرى:
                إن عبد الله خرج إلى الشام في عير من عيرات قريش يحملون تجارات،
                ففرغوا من تجاراتهم ثمّ انصرفوا،
                فمرّوا بالمدينة وعبد الله بن عبدالمطّلب يومئذ مريض فقال:
                أتخلّف عند أخوالي بني عدي بن النجّار،
                فأقام عندهم مريضاً شهراً، ومضى أصحابه فقدموا مكّة،
                فسألهم عبد المطّلب عن عبد الله، فقالوا: خلّفناه عند أخواله بني عدي بن النجّار وهو مريض.
                فبعث إليه عبد المطّلب أعظم ولده الحارث فوجده قد توفّي في دار النابغة فرجع إلى أبيه فأخبره،
                فوجد عليه عبدالمطّلب وإخوته وأخواته وجداً شديداً ورسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يومئذ حمل ولعبد الله يوم توفّي خمس وعشرون سنة.
                وعن أنس بن مالك قال:
                أتى أبوذرّ يوماً إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: ما رأيت كما رأيت البارحة.
                قالوا: وما رأيت البارحة؟
                قال: رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ببابه، فخرج ليلاً فأخذ بيد علي بن أبي طالب(عليه السلام) وقد خرجا إلى البقيع،
                فما زلت أقفو أثرهما إلى أن أتيا مقابر مكّة،
                فعدل إلى قبر أبيه فصلّى عنده ركعتين،
                فإذا بالقبر قد انشقّ وإذا بعبد الله جالس وهو يقول:
                أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله.
                فقال له: مَن وليّك يا أبة؟
                فقال: وما الولي يا بنيّ؟
                قال: هو هذا علي.قال: وإنّ علياً ولييّ.
                قال: فارجع إلى روضتك.
                ثمّ عدل إلى قبر اُمّه، فصنع كما صنع عند قبر أبيه، فإذا بالقبر قد انشقّ،
                فإذا هي تقول: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّك نبي الله ورسوله.
                فقال لها: مَن وليّك يا اُمّاه؟
                فقالت: ومَن الولي يا بني؟
                فقال: هو هذا علي بن أبي طالب.
                فقالت: إنّ علياً وليّي.
                فقال: ارجعي إلى حفرتك وروضتك.فكذّبوه، ولبّبوه وقالوا: يا رسول الله كذب عليك اليوم.
                فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): وما كان من ذلك؟
                قالوا: إنّ جندب حكى عنك كيت وكيت.
                فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر»

                ياأيها المصباح كلُّ ضلالة

                لمّا طلعتَ ظلامُها مفضوحُ

                ياكبرياء الحقِّ أنتَ إمامه


                وبباب حضرتكَ الندى مطروحُ

                تعليق


                • #18
                  بسم الله الرحمن الرحيم

                  والصلاة والسلام على سيد الخلق وأعزّ المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطاهرين

                  السلام عليك يامولاي ياأبا طالب ورحمة الله وبركاته

                  كنت أتوقع أن أجد صعوبة في الكتابة عن أبي طالب عليه السلام لندرة ما جاد به المؤرخون

                  من سيرته المباركة بسبب السياسات الحاقدة على البيت العلوي ولكن لم أتوقّع أن يُعفّي

                  آثاره بهذا الشكل !!!

                  لقد أضناني البحث عن سيرة مولد وحياة أبي طالب سلام الله عليه ولم أحظّ إلا بالنذر اليسير

                  من سيرته المباركة وهي لا تشفي الغليل ,,

                  ولكن بحول الله لن أيأس وسأواصل البحث وأسأل الله بحق كفالة أبي طالب للنبي الأكرم

                  صلى الله عليه وآله وسلّم أن يوفّقني لذلك ,

                  دعواتكم عائلتي الغالية لي بالتوفيق.


                  ياأيها المصباح كلُّ ضلالة

                  لمّا طلعتَ ظلامُها مفضوحُ

                  ياكبرياء الحقِّ أنتَ إمامه


                  وبباب حضرتكَ الندى مطروحُ

                  تعليق


                  • #19
                    بارك الله بك على الموضوع
                    (السلام على المعذب في قعرالسجون وظلم المطامير)اللهم أرزقني شفاعة المولى+ الحسين+ (عليه السلام)

                    تعليق


                    • #20
                      ممتنة لمروركِ الكريم عزيزتي ( مهندسة كهرباء )

                      وبارك الله بكِ أختي

                      وان شاء الله خلال اليومين القادمين أكمل الموضوع

                      ياأيها المصباح كلُّ ضلالة

                      لمّا طلعتَ ظلامُها مفضوحُ

                      ياكبرياء الحقِّ أنتَ إمامه


                      وبباب حضرتكَ الندى مطروحُ

                      تعليق

                      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                      حفظ-تلقائي
                      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                      x
                      يعمل...
                      X