بسم الله الرحمن الرحيم
ابن عبد الوهاب في كتابه التوحيد في باب : {فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما} أورد في تفسير هذه الآية قصة تقدح في عصمة أبينا آدم عليه السلام وترميه وأمنا حواء بالشرك ؛ وهي قصة واهية ، منسوبة إلى ابن عباس ، رواها ابن أبي حاتم ، يعلم بطلانها صغار الطلبة النافرين للتفقه في الدين ؛ فقال : (لما تغشاها آدم حمَلَتْ ، فأتاهما إبليس فقال : إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة لتطيعاني أو لأجعلنَّ له قرنيَ أيِّل ، فيخرج من بطنك فيشقه ، ولأفعلن ولأفعلن - يخوفهما - سمِياه عبد الحارث ، فأبيا أن يطيعاه ، فخرج ميتا ، ثم حملت ، فأتاهما ، فقال مثل قوله : فأبيا أن يطيعاه ، فخرج ميتا ، ثم حملت ، فأتاهما ، فذكر لهما ، فأدركهما حبُّ الولد ، فسمياه عبد الحارث فذلك قوله تعالى : {جعلا له شركاء فيما آتاهما}.)فاين عصمة الانبياء من الكبائر ياوهابية ؟
ونكتفي برد هذه الرواية بذكر من ابطلها ممن هم على منهجه فهذا ابن كثير في تفسيره يقول حول الرواية :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر قال : قال الحسن : عنى بها ذرية آدم ، ومن أشرك منهم بعده - يعني : [ قوله ] ( جعلا له شركاء فيما آتاهما )
[ ص: 527 ] وحدثنا بشر حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : كان الحسن يقول : هم اليهود والنصارى ، رزقهم الله أولادا ، فهودوا ونصروا
وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن ، رحمه الله ، أنه فسر الآية بذلك ، وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية ، ولو كان هذا الحديث عنده محفوظا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما عدل عنه هو ولا غيره ، ولا سيما مع تقواه لله وورعه ، فهذا يدلك على أنه موقوف على الصحابي ، ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهل الكتاب ، من آمن منهم ، مثل : كعب أو وهب بن منبه وغيرهما ، كما سيأتي بيانه إن شاء الله [ تعالى ] إلا أننا برئنا من عهدة المرفوع ، والله أعلم .
ثم يذكر الرواية التي منهارواية محمد بن عبد الوهاب ويقول : وهذه الآثار يظهر عليها - والله أعلم - أنها من آثار أهل الكتاب ، وقد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم " ، ثم أخبارهم على ثلاثة أقسام : فمنها : ما علمنا صحته بما دل عليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسوله . ومنها ما علمنا كذبه ، بما دل على خلافه من الكتاب والسنة أيضا . ومنها : ما هو مسكوت عنه ، فهو المأذون في روايته ، بقوله ، عليه السلام : " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج " وهو الذي لا يصدق ولا يكذب ، لقوله : " فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم " . وهذا الأثر : [ هل ] هو من القسم الثاني أو الثالث ؟ فيه نظر . فأما من حدث به من صحابي أو تابعي ، فإنه يراه من القسم الثالث ، وأما نحن فعلى مذهب الحسن البصري ، رحمه الله ، في هذا [ والله أعلم ] وأنه ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء ، وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته ; ولهذا قال الله : ( فتعالى الله عما يشركون .انتهى .
اذن يقول ابن كثير ان نسبة هذا الموضوع لادم وحواء عليهما السلام هو لاهل الكتاب فقد تابع شيخهم المجدد اليهود والنصارى في ذلك .
ويقول ابن حزم حول هذه الرواية في (كتابه الملل والنحل ) وهذا الذي نسبوه إلى آدم من أنه سمى ابنه عبد الحارث خرافة موضوعة مكذوبة … ولم يصح سندها قط ، وإنما نزلت الآية في المشركين على ظاهرها) (فتح المجيد ص 392)
ويقول عبد الله بن محمد الغنيمان في كتابه فتح المجيد في شرح كتاب التوحيد :
ولهذا يقول ابن حزم رحمه الله في كتابه (الفتن): هذه خرافة موضوعة وضعها بعض الزنادقة من أهل الكتاب عن المسلمين، وهذا أمره واضح، وذلك أن آدم عليه السلام نبي كريم، وقد وقع فيما وقع فيه من الخطأ والمعصية التي واقعها في الجنة قبل هذه الحادثة على تقدير ذلك لما وقعت من آدم، والله جل وعلا أخبر أنه نسي العهد الذي عهد إليه في الشجرة، وجاءه الشيطان وصار يقسم له بالله: إنه له ناصح، وما كان يعتقد أن أحداً يقسم بالله وهو كاذب، ولهذا لما تبين له الخطر رجع إلى ربه وتاب وأناب، وهو أمر قدره الله عليه جل وعلا ولابد من مضيه فتاب من فعله، ثم أهبط فكيف يأتيه الشيطان مرة أخرى وهو في الأرض؟! ثم مع ذلك يقول له: (أنا صاحبكما الذي أخرجتكما)، هل هذا يعقل؟! لو قال هذا لكان آدم رجمه، وهذا لا يدعو إلى أنهم يطيعونه، وليس الولد داع إلى أن يشرك بالله جل وعلا أبداً، وآدم رسول لا يمكن أن يطيع الشيطان ويعمل ذلك.
فالمقصود: أن هذا باطل، ولا يجوز أن يكون معنى كلام الله جل وعلا، وإنما معناه الصحيح: أن هذا جنس الرجل والمرأة من بني آدم، ومعلوم أن المولود يولد من ذكر وأنثى، فهو من جنس الناس الذين يشركون، وأما هذا المخلوق الذي هو الرجل والمرأة مع العقل الذي أوتي إياه من الله جل وعلا، وأن الله عهد إليهم بأن يعبدوه، ومنّ عليهم بأن خلق لهم زوجاً وقد خلقهم من نفس واحدة، كلهم خلقوا من نفس واحدة، وهذا له نظائر في القرآن: { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ } [التوبة:128] { اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } [النساء:1]، فهو يذكر ما منّ به على الزوج والزوجة، حيث إنه جعل من رحمته الرحمة بينهما والألفة بالزواج، ثم منّ عليهم بالأولاد، ثم هذه النعمة التي يعطيها الله جل وعلا إياهما يشركون بها، وهذا لا يجوز أن يقع من نبي وإنما يقع من بعض المشركين والجهلة، فالمقصود به جنس الزوج والزوجة، أي: الجنس غير المعين، الذي وقع منهم ما وقع فلما حصل لهم ذلك وتغشى الزوج زوجته فحملت فأثقلت، دعوا الله -الزوج والزوجة-: { لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء } [الأعراف:189-190].
شركاء في أي شيء؟ شركاء بأن عبّدوه لغير الله، وعلموه أن يعبد اللات والعزى، أو يعبد الحجر والشجر، أو يعبد غير ذلك، مع اعترافهم بأنه هبة من الله، وأنه لا دخل لهذه المعبودات التي يعبدونها في تكوينه وخلقه وإيجاده.
هذا هو الصواب في معنى الآية الذي ينبغي أن يكون عليه.
أما هذه الرواية التي رويت عن السلف فيظهر أنها مأخوذة من أهل الكتاب، وما جانا عن أهل الكتاب وهو مخالف لما عندنا مما جاء به رسولنا صلى الله عليه وسلم فلا يجوز أن نصدقه، ولا أن نقبله، فضلاً عن أن يكون هو معنى كلام ربنا جل وعلا.
أما أن يقال: كيف يقوله قتادة و مجاهد بل وروي عن ابن عباس ويكون باطلاً؟ هل يعقل هذا؟! فنقول: ولهذا قال طائفة من العلماء: هذا هو الصواب؛ لأنه روي عن هؤلاء السلف وهم الذين قالوا به، ولكن نقول: إذا كان هذا ثابت عن أهل الكتاب فإن الراوي يخرج من العهدة إذا ذكر ذلك، وليس ذلك تعييناً؛ والخطأ يجوز على كل إنسان ما عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأنبياء بعد النبوة معصومون من الوقوع في الشرك، وهذا شرك، وباتفاق العلماء: أن الأنبياء معصومون من الوقوع في الشرك، وآدم منهم، فلا يجوز أن يقع ذلك منه.
وأيضاً: إن الشيطان طلب منهم أن يسموه عبد الحارث، وهذا يحتاج إلى دليل، وهل اسم الشيطان (الحارث)؟ وإذا كان معروفاً فهل يعقل أن آدم يعرف أنه الحارث ويأمره الشيطان بأن يسمي ابنه عبداً له فيطيعه؟! هذا لا يجوز أن يعتقده مسلم، فيجب أن يقدر آدم عليه السلام؛ لأنه نبي ينزه عن مثل هذا، وإنما هذا يقع لبعض المشركين الجهلة من بني آدم وهذا يحتاج إلى دليل لكون الشيطان هو الحارث وأن اسمه الحارث، وأنه كان من العبّاد وكان يسمى بذلك، والدليل على أنه لم يثبت: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( أصدق الأسماء حارث وهمام )؛ لأن الحارث هو العامل، والهمام هو الذي يهم، وأفضل الأسماء ما عبّد أو حمّد، وأصدقها حارث وهمام .
فهل يمكن أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: أصدقها حارث وهو اسم الشيطان؟ لا يمكن، بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يغير الأسماء التي فيها مخالفة شرعية ولو كانت لجماد وحيوانات.
تعليق