روى العلامة المجلسي - ره - في بحار الأنوار مناظرة بين المأمون العباسي وعلماء الحديث وعلماء الكلام في زمانه حول أفضلية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام) على غيره وبالخصوص أبي بكر وعمر ، أثبت من خلالها أحقية أمير المؤمنين(عليه السلام) في الخلافة بعد النبي(صلى الله عليه وآله) من خلال ما يمتاز به من مؤهلات عقلية وجسمانية وغيرها ، اثبتها المامون من خلال الحوار العقلي الصريح ، ننقلها كما نقلها الشيخ المجلسي - ره - فقال :
عن محمد العطار وأحمد بن أدريس معا عن الاشعري عن صالح بن أبي حماد الرازي، عن إسحاق بن حاتم، عن إسحاق بن حماد بن زيد قال: سمعنا يحيى بن أكثم القاضي قال: أمرني المأمون باحضار جماعة من أهل الحديث، وجماعة من أهل الكلام والنظر فجمعت له من الصنفين زهاء أربعين رجلا ثم مضيت بهم فأمرتهم بالكينونة في مجلس الحاجب لاعلمه بمكانهم، ففعلوا فأعلمته فأمرني بادخالهم ففعلت فدخلوا وسلموا فحدثهم ساعة، وآنسهم.
ثم قال إني اريد أن أجعلكم بيني وبين الله تبارك وتعالى في يومي هذا حجة فمن كان حاقنا أوله حاجة فليقم إلى قضاء حاجته، وانبسطوا وسلوا أخفافكم وضعوا أرديتكم، ففعلوا ما إمروا به، فقال: يا أيها القوم إنما استحضرتكم لاحتج بكم عند الله عزوجل فاتقوا الله وانظروا لانفسكم وإمامكم ولا تمنعكم جلالتي ومكاني من قول الحق حيث كان، ورد الباطل على من أتى به، وأشفقوا على أنفسكم من النار، وتقربوا إلى الله تعالى برضوانه، وإيثار طاعته، فما أحد تقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق إلا سلطه الله عليه فناظروني بجميع عقولكم. إني رجل أزعم أن عليا خير البشر بعد النبي صلى الله عليه وآله فان كنت مصيبا فصوبوا قولي، وإن كنت مخطئا فردوا علي، وهلموا، فان شئتم سألتكم، وإن شئتم سألتموني، فقال له الذين يقولون بالحديث: بل نسألك فقال: هاتوا وقلدوا كلامكم رجلا منكم، فإذا تكلم فان كان عند أحدكم زيادة فليزد، وإن أتى بخلل فسددوه.
فقال قائل منهم: أما نحن فنزعم أن خير الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله أبو بكر من قبل أن الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول صلى الله عليه وآله قال: اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر، فلما أمر نبي الرحمة بالاقتداء بهما، علمنا أنه لم يأمر بالاقتداء إلا بخير الناس.
فقال المأمون: الروايات كثيرة ولا بد من أن يكون كلها حقا أو كلها باطلا أو بعضها حقا وبعضها باطلا، فلو كانت كلها حقا كانت كلها باطلا، من قبل أن بعضها ينقض بعضا ولو كانت كلها باطلا في بطلانها بطلان الدين، ودروس الشريعة، فلما بطل الوجهان، ثبت الثالث بالاضطرار، وهو أن بعضها حق وبعضها باطل، فإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منها، ليعتقد، وينفى خلافه فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقا كان أولى ما أعتقده وآخذ به.
وروايتك هذه من الاخبار التي أدلتها باطلة في نفسها، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله أحكم الحكماء وأولى الخلق بالصدق، وأبعد الناس من الامر بالمحال، وحمل الناس على التدين بالخلاف، وذلك أن هذين الرجلين لا يخلو من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مختلفين، فان كانا متفقين من كل جهة كانا واحدا في العدد والصفة والصورة والجسم، وهذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة، وإن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما، وهذا تكليف مالا يطاق لانك إن اقتديت بواحد خالفت الآخر. والدليل على اختلافهما أن أبا بكر سبى أهل الردة وردهم عمر أحرارا وأشار عمر على أبي بكر بعزل خالد وبقتله بمالك بن نويرة فأبى أبو بكر عليه وحرم عمر المتعة ولم يفعل ذلك أبو بكر ووضع عمر ديوان العطية ولم يفعله أبو بكر و استخلف أبو بكر ولم يفعل ذلك عمر ولهذا نظائر كثيرة.
فقال آخر من أصحاب الحديث: فان النبي صلى الله عليه وآله قال " لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ".
فقال المأمون: هذا مستحيل من قبل أن رواياتكم أنه صلى الله عليه وآله آخى بين أصحابه وأخر عليا فقال عليه السلام له في ذلك فقال: ما أخرتك إلا لنفسي فأي الروايتين ثبتت بطلت الاخرى.
قال آخر: إن عليا عليه السلام قال على المنبر: خير هذه الامة بعد نبيها أبو بكر وعمر.
قال المأمون هذا مستحيل من قبل أن النبي صلى الله عليه وآله لو علم أنهما أفضل ما ولى عليهما مرة عمرو بن العاص، ومرة اسامة بن زيد، ومما يكذب هذه الرواية قول علي عليه السلام قبض النبي صلى الله عليه وآله وأنا أولى بمجلسه مني بقميصي، ولكني أشفقت أن يرجع الناس كفارا، وقوله عليه السلام: أنى يكونان خيرا مني وقد عبدت الله عزوجل قبلهما وعبدته بعدهما.
قال آخر: فان أبا بكر أغلق بابه، وقال: هل من مستقيل فأقيله، فقال علي عليه السلام: قدمك رسول الله فمن ذا يؤخرك ؟.
فقال المأمون: هذا باطل من قبل أن عليا عليه السلام قعد عن بيعة أبي بكر ورويتم أنه قعد عنها حتى قبضت فاطمة عليها السلام وأنها أوصت أن تدفن ليلا لئلا يشهدا جنازتها. ووجه آخر: وهو أنه إن كان النبي صلى الله عليه وآله استخلفه، فكيف كان له أن يستقبل وهو يقول للانصاري: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة وعمر.
قال آخر: إن عمرو بن العاص قال: يا نبي الله من أحب الناس إليك من النساء ؟ فقال: عائشة فقال: من الرجال ؟ فقال: أبوها
فقال المأمون: هذا باطل من قبل أنكم رويتم أن النبي صلى الله عليه وآله وضع بين يديه طائر مشوي فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك فكان علي عليه السلام فأي روايتكم تقبل.
فقال آخر: فان عليا عليه السلام قال: من فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري.
قال المأمون: كيف يجوز أن يقول علي عليه السلام: أجلد الحد من لا يجب الحد عليه فيكون متعديا لحدود الله عزوجل عاملا بخلاف أمره، وليس تفضيل من فضله عليهما فرية، وقد رويتم عن إمامكم أنه قال وليتكم ولست بخيركم فأي الرجلين أصدق عندكم ؟ أبو بكر على نفسه أو علي عليه السلام على أبي بكر ؟ مع تناقض الحديث في نفسه، ولا بد له في قوله من أن يكون صادقا أو كاذبا فان كان صادقا فأنى عرف ذلك ؟ أبوحي فالوحي منقطع، أو بالنظر فالنظر متحير وإن كان غير صادق فمن المحال أن يلي أمر المسلمين، ويقوم بأحكامهم، ويقيم حدودهم (وهو) كذاب.
قال آخر: فقد جاء أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة.
قال المأمون: هذا الحديث محال لانه لا يكون في الجنة كهل ويروى أن أشجعية كانت عند النبي صلى الله عليه وآله فقال: لا يدخل الجنة عجوز، فبكت فقال النبي صلى الله عليه وآله: إن الله عزوجل يقول:
" إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا " (1)
فان زعمتم أن أبا بكر ينشأ شابا إذا دخل الجنة فقد رويتم أن النبي صلى الله عليه وآله قال للحسن والحسين: إنهما سيدا شباب أهل الجنة من الاولين والآخرين، وأبوهما خير منهما.
____________________
(1) الواقعة: 35 - 37.
يتبع ...
عن محمد العطار وأحمد بن أدريس معا عن الاشعري عن صالح بن أبي حماد الرازي، عن إسحاق بن حاتم، عن إسحاق بن حماد بن زيد قال: سمعنا يحيى بن أكثم القاضي قال: أمرني المأمون باحضار جماعة من أهل الحديث، وجماعة من أهل الكلام والنظر فجمعت له من الصنفين زهاء أربعين رجلا ثم مضيت بهم فأمرتهم بالكينونة في مجلس الحاجب لاعلمه بمكانهم، ففعلوا فأعلمته فأمرني بادخالهم ففعلت فدخلوا وسلموا فحدثهم ساعة، وآنسهم.
ثم قال إني اريد أن أجعلكم بيني وبين الله تبارك وتعالى في يومي هذا حجة فمن كان حاقنا أوله حاجة فليقم إلى قضاء حاجته، وانبسطوا وسلوا أخفافكم وضعوا أرديتكم، ففعلوا ما إمروا به، فقال: يا أيها القوم إنما استحضرتكم لاحتج بكم عند الله عزوجل فاتقوا الله وانظروا لانفسكم وإمامكم ولا تمنعكم جلالتي ومكاني من قول الحق حيث كان، ورد الباطل على من أتى به، وأشفقوا على أنفسكم من النار، وتقربوا إلى الله تعالى برضوانه، وإيثار طاعته، فما أحد تقرب إلى مخلوق بمعصية الخالق إلا سلطه الله عليه فناظروني بجميع عقولكم. إني رجل أزعم أن عليا خير البشر بعد النبي صلى الله عليه وآله فان كنت مصيبا فصوبوا قولي، وإن كنت مخطئا فردوا علي، وهلموا، فان شئتم سألتكم، وإن شئتم سألتموني، فقال له الذين يقولون بالحديث: بل نسألك فقال: هاتوا وقلدوا كلامكم رجلا منكم، فإذا تكلم فان كان عند أحدكم زيادة فليزد، وإن أتى بخلل فسددوه.
فقال قائل منهم: أما نحن فنزعم أن خير الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله أبو بكر من قبل أن الرواية المجمع عليها جاءت عن الرسول صلى الله عليه وآله قال: اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر، فلما أمر نبي الرحمة بالاقتداء بهما، علمنا أنه لم يأمر بالاقتداء إلا بخير الناس.
فقال المأمون: الروايات كثيرة ولا بد من أن يكون كلها حقا أو كلها باطلا أو بعضها حقا وبعضها باطلا، فلو كانت كلها حقا كانت كلها باطلا، من قبل أن بعضها ينقض بعضا ولو كانت كلها باطلا في بطلانها بطلان الدين، ودروس الشريعة، فلما بطل الوجهان، ثبت الثالث بالاضطرار، وهو أن بعضها حق وبعضها باطل، فإذا كان كذلك فلا بد من دليل على ما يحق منها، ليعتقد، وينفى خلافه فإذا كان دليل الخبر في نفسه حقا كان أولى ما أعتقده وآخذ به.
وروايتك هذه من الاخبار التي أدلتها باطلة في نفسها، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله أحكم الحكماء وأولى الخلق بالصدق، وأبعد الناس من الامر بالمحال، وحمل الناس على التدين بالخلاف، وذلك أن هذين الرجلين لا يخلو من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مختلفين، فان كانا متفقين من كل جهة كانا واحدا في العدد والصفة والصورة والجسم، وهذا معدوم أن يكون اثنان بمعنى واحد من كل جهة، وإن كانا مختلفين فكيف يجوز الاقتداء بهما، وهذا تكليف مالا يطاق لانك إن اقتديت بواحد خالفت الآخر. والدليل على اختلافهما أن أبا بكر سبى أهل الردة وردهم عمر أحرارا وأشار عمر على أبي بكر بعزل خالد وبقتله بمالك بن نويرة فأبى أبو بكر عليه وحرم عمر المتعة ولم يفعل ذلك أبو بكر ووضع عمر ديوان العطية ولم يفعله أبو بكر و استخلف أبو بكر ولم يفعل ذلك عمر ولهذا نظائر كثيرة.
فقال آخر من أصحاب الحديث: فان النبي صلى الله عليه وآله قال " لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ".
فقال المأمون: هذا مستحيل من قبل أن رواياتكم أنه صلى الله عليه وآله آخى بين أصحابه وأخر عليا فقال عليه السلام له في ذلك فقال: ما أخرتك إلا لنفسي فأي الروايتين ثبتت بطلت الاخرى.
قال آخر: إن عليا عليه السلام قال على المنبر: خير هذه الامة بعد نبيها أبو بكر وعمر.
قال المأمون هذا مستحيل من قبل أن النبي صلى الله عليه وآله لو علم أنهما أفضل ما ولى عليهما مرة عمرو بن العاص، ومرة اسامة بن زيد، ومما يكذب هذه الرواية قول علي عليه السلام قبض النبي صلى الله عليه وآله وأنا أولى بمجلسه مني بقميصي، ولكني أشفقت أن يرجع الناس كفارا، وقوله عليه السلام: أنى يكونان خيرا مني وقد عبدت الله عزوجل قبلهما وعبدته بعدهما.
قال آخر: فان أبا بكر أغلق بابه، وقال: هل من مستقيل فأقيله، فقال علي عليه السلام: قدمك رسول الله فمن ذا يؤخرك ؟.
فقال المأمون: هذا باطل من قبل أن عليا عليه السلام قعد عن بيعة أبي بكر ورويتم أنه قعد عنها حتى قبضت فاطمة عليها السلام وأنها أوصت أن تدفن ليلا لئلا يشهدا جنازتها. ووجه آخر: وهو أنه إن كان النبي صلى الله عليه وآله استخلفه، فكيف كان له أن يستقبل وهو يقول للانصاري: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أبا عبيدة وعمر.
قال آخر: إن عمرو بن العاص قال: يا نبي الله من أحب الناس إليك من النساء ؟ فقال: عائشة فقال: من الرجال ؟ فقال: أبوها
فقال المأمون: هذا باطل من قبل أنكم رويتم أن النبي صلى الله عليه وآله وضع بين يديه طائر مشوي فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك فكان علي عليه السلام فأي روايتكم تقبل.
فقال آخر: فان عليا عليه السلام قال: من فضلني على أبي بكر وعمر جلدته حد المفتري.
قال المأمون: كيف يجوز أن يقول علي عليه السلام: أجلد الحد من لا يجب الحد عليه فيكون متعديا لحدود الله عزوجل عاملا بخلاف أمره، وليس تفضيل من فضله عليهما فرية، وقد رويتم عن إمامكم أنه قال وليتكم ولست بخيركم فأي الرجلين أصدق عندكم ؟ أبو بكر على نفسه أو علي عليه السلام على أبي بكر ؟ مع تناقض الحديث في نفسه، ولا بد له في قوله من أن يكون صادقا أو كاذبا فان كان صادقا فأنى عرف ذلك ؟ أبوحي فالوحي منقطع، أو بالنظر فالنظر متحير وإن كان غير صادق فمن المحال أن يلي أمر المسلمين، ويقوم بأحكامهم، ويقيم حدودهم (وهو) كذاب.
قال آخر: فقد جاء أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة.
قال المأمون: هذا الحديث محال لانه لا يكون في الجنة كهل ويروى أن أشجعية كانت عند النبي صلى الله عليه وآله فقال: لا يدخل الجنة عجوز، فبكت فقال النبي صلى الله عليه وآله: إن الله عزوجل يقول:
" إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا " (1)
فان زعمتم أن أبا بكر ينشأ شابا إذا دخل الجنة فقد رويتم أن النبي صلى الله عليه وآله قال للحسن والحسين: إنهما سيدا شباب أهل الجنة من الاولين والآخرين، وأبوهما خير منهما.
____________________
(1) الواقعة: 35 - 37.
يتبع ...
تعليق