: دعوى الإجتهاد وإشكاليَّة الثبوت :
-------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاةُ والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
: شروط دعوى الإجتهاد:
------------------------
من الواضح معرفيَّاً وعلميّا أنَّ المجتهد المُطلق في إجتهاده
هو ذلك الشخص المُقتَدِّر على إستنباط الأحكام الشرعية في جميع أبواب الفقه
بحيث تنوجد عنده ملكة وقدرة علمية تخصصيَّة تُمكنه في حال إعمالها من بيان الحكم الشرعي
لكل واقعة مضتْ أو معاصرة أو تُستحدث في مُقتبل الوقت والحياة .
وحتى يثبُتْ إجتهاد المُجتهد بالفعل إشترط العلماء المجتهدون أنفسهم شروطاً عقلائية وشرعية
يجب توافرها عند من يدعي الإجتهاد بالفعل .
فمثلاً أكّدَ آية الله العظمى السيد الخوئي
:رحمه الله تعالى:
في مسألة رقم 20 من مسائله المنتخبة :ص9:10:
على أنَّ دعوى الإجتهاد أو الأعلميّة تثبت بأحد أمور منها
:1:
الإختبار وهذا إنما يتحقق فيما إذا كان المُقلِّد قادراً على تشخيص ذلك .
:2:
شهادة العدلين : والعدالة :هي الإستقامة في العمل وتتحقق بترك المحرمات وفعل الواجبات .
ويُعتبر في شهادة العدلين بأن يكونا من أهل الخبرة وأن لاتعارضهما شهادة مثلها بالخلاف
ولايبعد ثبوتهما بشهادة رجل واحد من أهل الخبرة إذا كان ثقة ومع التعارض
يُؤخذ بقول من كان منهما أكثر خبرة .
:3:
:الشياع :
بأن يكون إجتهاد مجتهد أو أعلميته مُتسالماً عليها عند كثير من الناس بحيث يحصل اليقين أو الإطمئنان بذلك .
وأما سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (دام ظله)
فقد وافق السيد الخوئي (رحمه اللهُ تعالى)
في الشروط
وبفارق وهو ضرورة تولد العلم الوجداني أو الإطمئنان الحاصل من المناشىء العقلائية
كالإختبار ونحوه
(أي الفحص العلمي أو التخصصي مثلاً)
إذا كان المُقلِّد قادراً على تشخيص ذلك بالفعل.
وقد أضاف السيد علي السيستاني قيداً إحترازيا في فرض التعارض بين شهادة أهل الخبرة بإجتهاد المجتهد
وهو أن يُؤخذ بقول من كان منهما أكثر خبرة
بحد يُوجب صرف الريبة الحاصلة من العلم بالمخالفة إلى قول غيره .
:المسائل المنتخبة:السيد السيستاني:
مسألة 20:ص16: بتصرف مني في الصياغة:
وقد إشترط أُستاذنا الفاضل سماحة آية الله العظمى الشيخ بشير النجفي (دام ظله الوارف)
في ثبوت إجتهاد المجتهد أو أعلميته
:1:
شهادة عادلين من أهل الخبرة
وأكّدَ أن يكون المُكلّف من أهل الخبرة وهو الذي بلغ الإجتهاد
وأقترب منه وتكون له معاشرة علمية مع المتصدين كافة ولو بالإطّلاع على مباحثهم وواعياً
لاتخدعه المظاهر .
:2:
الشيوع بين ذوي الإختصاص بالفقه الإسلامي بأنَّ فلاناً من الفقهاء هو الأعلم .
:مُصطفى الدين القيِّم :الشيخ بشير النجفي:ص41:
و شدد آية الله العظمى السيد محمود الهاشمي
(مُقرر البحث الخارج أصولاً للسيد الشهيد السعيد آية الله العظمى محمد باقر الصدر
(رضوان الله تعالى عليه)
على شروط ثبوت الإجتهاد والأعلميّة عند من يدعيها
فذكر أنَّ ثبوت إجتهاد المجتهد وأعلميته أيضاً
إنما تتحقق بالعلم وبالشياع المفيد للعلم
أو الإطمئنان وبالبينة وبخبر الثقة
ويُعتبر في البينة وخبر الثقة هنا أن يكون المُخبر من أهل الخبرة والإجتهاد
وفي فرض التعارض يُعتبر قول من هو أقوى خبرة .
:مناهج الصالحين:السيد محمود الهاشمي:ج1:مسألة 20:ص15:
إنَّ معنى كون الشخص من أهل الخبرة
هوأن يمتلك الممارسة الشخصية العلميّة وإن لم يبلغ الإجتهاد بالفعل .
لكنه يقدر على إختبار المجتهد وفحصه تخصصيا
بحيث يصل إلى اليقين
وبأسباب علمية تكشف عن أنَّ فلاناً من مدعي الإجتهاد هو بالفعل مجتهد أوغير مجتهد
وهذا لايحصل إلاَّ عند أهل الفضل والكفاءة في تحكيم معايير الوعي الدقيقة والمعرفة المنضبطة .
في التقييم العلمي المنتج لنتيجٍ يقيني يُعوّل عليه المُقلِّد في تقليده للمجتهد المطلق بالفعل .
ويثق بشهاده أهل الخبرة بهذا التوصيف الشخصي والعلمي .
وأما الشياع فهو أمر دقيق جداً ولا يتحصل إلاَّ عند أهل العلم والفضل والإختصاص .
وليس المقصود بالشياع هو الذياع الإعلامي عبر وسائل النشر أو التلفزة مثلا أو إنتشار الصور .
لا ليس الأمر كذلك كما يحصل في وقتنا المعاصر مع الأسف .
: إشكاليّة الثبوت :
---------------
لستُ بصدد الطعن أو التعريض بمن يدعي الإجتهاد عن حق أو عن توهم .
لا والله بقدر ما أقصد ضرورة إنحفاظ المعايير العلمية والمعرفية وحتى الثقافية عند من يدعي الإجتهاد .
في وقتٍ غابت فيه الضوابط والشرائط عند الكثير ممن إدعى الإجتهاد في العقد الأخير من وقتنا المعاصر .
وتولّد نتيج ذلك شرائح من الناس تصفق للصورة أكثر مما تُركّز على الجوهر والحقيقة وذي الصورة ذاتها .
بحيث لا تكاد تجد عند الأعم الأغلب من المُقلِّدين
أي معرفة بأبسط مسائل التقليد ذاتها فضلا عن غيرها .
ولم يكلّف أحدهم نفسه في السؤال عن واقعية وحقيقة من يُقلّده
وإنما عوّلَّ الكثير منهم على إخبارات بعض من تزيا بزي الدين وتلبس بعنوان طلب العلم .
دون أن تتوفر في نفس هولاء المُعوّل عليهم أدنى شرائط المعايير العلمية الحاكمة في تعيين المجتهد الفعلي والمطلق .
من هنا يتوجب على المؤسسة الدينية الشريفة
أن تسعف الأمة المرحومة بتأسيس هيئة علمية تخصصيَّة كفوءة
يُعيّن أفرادها من ثبت إجتهاده الفعلي والمطلق حقيقة
أو يتصدى نفس المجتهدين الفعليين بفحص مدعي الإجتهاد شخصيا أو نتاجيا
(كفحص بحوثه التخصصية والإستدلالية)
ليشهدوا بذلك له أو عليه .
وليقطعوا بذلك الطريق أمام المتطفلين على تقمص العناوين العلمية والدينية دون وجه حق ومشروعية .
وليعلم الجميع أنَّ الإجتهاد هو أمر مشروع ومرغوب به علميا وعقلائيا
وليس هو حكرا على أحدٍ
ولا هو أمرٌ مستحيل في تحققه إذا كان صاحبه أهلاً بالفعل والحق لذلك.
ولكن بشرطه وشروطه ذلك كون عنوان الإجتهاد هو من العناوين الحساسة والتي يترتب عليها آثار كبيرة ومعطيات وخيارات ومواقف ونتائج .
فإذا ما ظهر لنا مدعٍ للإجتهاد زورا وراح يفتي بغير علم ومدرك
فأنه سيُفسِد أكثر مما يصلح .
وقد أكَّدَ العلماء والفقهاء المجتهدون بالفعل على حُرمة الإفتاء ممن هو ليس بمجتهد واقعاً
وعلى حرمة التصدي لمقام المرجعية الدينية من دون أهليّة لذلك فقاهة وأصولا ووعيا وتدبيرا.
وإن كان مدعي التصدي مجتهداً .
ويُخيّل لي أنَّ شروط ثبوت إجتهاد المجتهد
أو أعلميته هي شروط شديدة ومُتعسِّرة في فعليتها على أغلب المُقلِّدين من العوام .
لذا يحصل الإختراق والتجاوز على العناوين ويُسترع في التلبس بها جزافا دون معيار قويم.
وهذه الشروط هي واقعاً من تفرض على المؤسسة الدينية الشريفة التصدي بحكم المسؤولية الشرعية لتحديد من هو مجتهد أو غير مجتهد
وإلاَّ فالعوام من الناس أغلبهم يأخذون بالنتيجة الجاهزة والمُختطفة دون أن تستند على مقدمات يقينية منتجة بالفعل والثبوت .
والسلامُ عليكمُ ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي : النجف الأشرف :
تعليق