بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الصبر منزل من منازل السالكين، ومقام من مقامات الموحدين. وبه ينسلك العبد في سلك المقربين، ويصل إلى جوار رب العالمين. وقد أضاف الله أكثر الدرجات، والخيرات إليه، وذكره في نيف وسبعين موضعاً من القرآن. ووصف الله الصابرين بأوصاف، فقال ـ عز من قائل ـ:
" وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا "[1]. وقال: " وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا "[2]. وقال: " ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون "[3]. وقال: " أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا "[4]. فما من فصيلة إلا واجرهم بتقدير وحساب إلا الصبر، ولذا قال: " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب "[5]. ووعد الصابرين بأنه معهم، فقال: " واصبروا إن الله مع الصابرين "[6]. وعلق النصرة على الصبر، فقال: " بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين "[7]. وجمع للصابرين الصلوات والرحمة والهدى. فقال: " أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون "[8].
والآيات الواردة في مقام الصبر خارجة عن حد الاستقصاء، والأخبار المادحة له أكثر من أن تحصى. قال رسول الله (ص): " الصبر نصف الإيمان ". وقال (ص): " من أقل ما اوتيتم اليقين وعزيمته الصبر، ومن اعطى حظه منهما لم يبال ما فاته من قيام الليل وصيام النهار، ولئن تصبروا على مثل ما انتم عليه احب الي من ان يوافيني كل امرئ منكم بمثل عمل جميعكم، ولكني أخاف أن يفتح عليكم الدنيا بعدي فينكر بعضكم بعضاً، وينكركم أهل السماء عند ذلك، فمن صبر واحتسب ظفر بكمال ثوابه "... ثم قرأ قوله ـ تعالى ـ :
" ما عندكم ينفد وما عند الله باق "[9].
وقال (ص): " الصبر كنز من كنوز الجنة ". وقال (ص): " أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس ". ولا ريب في ان الصبر مما تكرهه النفوس، ولذا قيل: " الصبر صبر ". وقال (ص): " في الصبر على تكره خير كثير ". وقال (ص): " الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا جسد لمن لا رأس له، ولا ايمان لمن لا صبر له ". وسئل (ص) عن الإيمان، فقال: " الصبر والسماحة ". وقال (ص): " ما تجرع عبد قط جرعتين أحب إلى الله من جرعة غيظ ردها بحلم وجرعة مصيبة يصبر الرجل لها، ولا قطرت بقطرة أحب إلى الله ـ تعالى ـ من قطرة دم اهريقت في سبيل الله وقطرة دمع في سواد الليل وهو ساجد ولا يراه إلا الله، وما خطا عبد خطوتين احب إلى الله ـ تعالى ـ من خطوة إلى الصلاة الفريضة وخطوة إلى صلة الرحم ". وروى: " أنه ـ تعالى ـ أوحى إلى داود (ع): يا داود! تخلق بأخلاقي، وإن من اخلافي اني انا الصبور ". وروى: " أن المسيح قال للحواريين: إنكم لا تدركون ما تحبون إلا بصبركم على ما تكرهون "[10]. وقال (ص): " ما من عبد مؤمن اصيب بمصيبة فقال ـ كما أمره الله ـ : إنا لله وانا إليه راجعون، اللهم اجرني في مصيبتي واعقبني خيراً منها، إلا وفعل الله ذلك ". وقال (ص): " قال الله ـ عز وجل ـ : إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده، ثم استقبل ذلك بصبر جميل، استحييت منه ان انصب له ميزاناً وانشر له ديواناً "[11]. وقال (ص): " الصبر ثلاثة: صبر عند المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية. فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة، وما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض، ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش، ومن صبر على المعصية كتب الله له تسعمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش ". وقال (ص): " سيأتي على الناس زمان لا ينال الملك فيه إلا بالقتل والتجبر، ولا الغنى إلا بالغصب والبخل، ولا المحبة إلا باستخراج الدين واتباع الهوى، فمن ادرك ذلك الزمان فصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى، وصبر على البغضة وهو يقدر على المحبة، وصبر على الذل وهو يقدر على العز، آتاه الله ثواب خمسين صديقاً ممن صدق بي "[12]. وقال (ص): " ان الله ـ تعالى ـ قال لجبرئيل: ما جزاءُ من سلبت كريمته؟ فقال: سبحانك! لا علم لنا إلا ما علمتنا. قال: جزاؤه الخلود في داري، والنظر إلى وجهي ". وقال (ص) لرجل قال له: ذهب مالي وسقم جسمي: " لا خير في عبد لا يذهب ماله ولا يسقم جسمه، ان الله إذا احب عبداً ابتلاه، وإذا ابتلاه، صبره ". وقال (ص): " إن الرجل ليكون له الدرجة عند الله ـ تعالى ـ لا يبلغها بعمل حتى يبتلى ببلاء في جسمه فيبلغها بذلك ". وقال (ص): " إذا اراد الله بعبد خيراً، واراد ان يصافيه، صب عليه البلاء صباً وثجه عليه ثجا، فإذا دعاه، قالت الملائكة: صوت معروف، وإذا دعاه ثانياً، فقال: يارب! قال الله ـ تعالى ـ : لبيك عبدي وسعديك! إلا تسألني شيئاً إلا اعطيتك، أو رفعت لك ما هو خير، وادخرت لك عندي ما هو افضل منه. فإذا كان يوم القيامة جيء بأهل الأعمال فوزنوا أعمالهم بالميزان، أهل الصلاة والصيام والصدقة والحج، ثم يؤتى باهل البلاء، فلا ينصب لهم ميزان، ولا ينشر لهم ديوان، يصب عليهم الأجر صباً كما كان يصب عليهم البلاء صبا، فيود أهل العافية في الدنيا لو انهم كانت تقرض اجسادهم بالمقاريض لما يرون ما يذهب به أهل البلاء من الثواب، فذلك قوله ـ تعالى ـ : إنما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب ". وقال (ص): " إذا رأيتم الرجل يعطيه الله ما يحب، وهو مقيم على معصيته، فاعلموا أن ذلك استدراج "... ثم قرأ قوله ـ تعالى ـ :
" فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء "[13].
يعني: لم تركوا ما أمروا به فتحنا عليهم أبواب الخيرات، حتى إذا فرحوا بما أوتوا ـ أي بما اعطوا من الخير ـ اخذناهم بغتة. وروى: " أن نبياً من الأنبياء شكى إلى ربه، فقال: يا رب العبد المؤمن يعطيك ويجتنب معاصيك تزوى عنه الدنيا وتعرضه للبلاء، ويكون العبد الكافر لا يعطيك ويجترى على معاصيك تزوى عنه البلاء وتبسط له الدنيا! فاوحى الله ـ تعالى ـ إليه: ان العباد الي والبلاء لي، وكل يسبح بحمدي. فيكون المؤمن عليه من الذنوب، فازوى عنه الدنيا واعرض له البلاء، فيكون كفارة لذنوبه حتى يلقاني، فاجزيه بحسناته، ويكون الكافر له من الحسنات فابسط له الرزق وازوى عنه البلاء، فأجزيه بحسناته، في الدنيا حتى يلقاني فأجزيه بسيئاته "[14]. وعن أبي عبد الله (ع) قال: " قال رسول الله (ص): قال الله ـ عز وجل ـ : اني جعلت الدنيا بين عبادي قرضا، فمن اقرضني منها قرضاً اعطيته بكل واحدة منهن عشراً إلى سبعمائة ضعف وما شئت من ذلك، ومن لم يقرضني منها قرضاً فاخذت منه شيئاً قسراً، اعطيته ثلاث خصال لو اعطيت واحدة منهن ملائكتي لرضوا بها مني. قال: ثم تلا ابو عبد الله (ع) قوله ـ عز وجل ـ (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم)، فهذه واحدة من ثلاث خصال، (ورحمة) اثنتان، (واولئك هم المهتدون) ثلاث. ثم قال أبو عبد الله (ع): هذا لمن أخذ الله منه شيئاً قسراً ". وقال أمير المؤمنين (ع): " بني الإيمان على أربع دعائم: اليقين، والصبر، والجهاد، والعدل ". وقال أمير المؤمنين (ع): " الصبر صبران: صبر عند المصيبة حسن جميل، وأحسن من ذلك الصبر عندما حرم الله ـ عز وجل ـ عليك ". وقال علي (ع): " الصبر وحسن الخلق والبر والحلم من أخلاق الأنبياء ". وقال لأمير المؤمنين (ع): " أيما رجل حبسه السلطان ظلماً فمات، فهو شهيد، وان ضربه فمات، فهو شهيد "[15]. وقال لأمير المؤمنين (ع): " من اجلال الله ومعرفة حقه ألا تشكوا وجعك، ولا تذكر مصيبتك ". وقال أمير المؤمنين (ع): " ألا أخبركم بأرجى آية في كتاب الله؟ قالوا: بلى! فقرأ عليهم:
" وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير "[16].
فالمصائب في الدنيا بكسب الأوزار،فإذا عافاه الله في الدنيا فالله أكرم من ان يعذبه ثانياً، وان عفى عنه في الدنيا فالله اكرم من ان يعذبه يوم القيامة ". وقال الباقر (ع): " الجنة محفوفة بالمكاره والصبر، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة. وجهنم محفوفة باللذات والشهوات، فمن اعطى نفسه لذتها وشهوتها دخل النار ". وقال (ع): " مروة الصبر في حال الفاقة والحاجة والتعفف والغنى اكثر من مروة الاعطاء "[17]. وقال (ع): " لما حضرت أبى علي بن الحسين (ع) الوفاة، ضمني إلى صدره، ثم قال: يا بني! أوصيك بما اوصاني به أبى حين حضرته الوفاة، وبما ذكر ان اباه اوصاه به، قال: يا بني! اصبر على الحق وان كان مراً ". وقال الصادق (ع): " إذا دخل المؤمن قبره، كانت الصلاة عن يمينه والزكاة عن يساره، والبر مطل عليه، ويتنحى الصبر ناحيته. فإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته، قال الصبر للصلاة والزكاة والبر: دونكم صاحبكم، فإن عجزتم عنه فانا دونه ". وقال (ع): " إذا كان يوم القيامة يقوم عنق من الناس، فيأتون باب الجنة، فيضربونه، فيقال لهم: من انتم؟ فيقولون: نحن أهل الصبر، فيقال لهم : على ما صبرتم؟ فيقولون: كنا نصبر على طاعة الله ونصبر عن معاصي الله، فيقول الله ـ تعالى ـ : صدقوا! ادخلوهم الجنة. وهو قول الله ـ تعالى ـ : إنما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب ". وقال (ع): " من ابتلى من المؤمنين ببلاء فصبر عليه، كان له مثل اجرا الف شهيد ". وقال (ع): " إن الله ـ عز وجل ـ انعم على قوم فلم يشكروا، فصارت عليهم وبالا، وابتلى قوما بالمصائب فصبروا، فصارت عليهم نعمة ". وقال (ع): " من لا يعد الصبر لنوائب الدهر يعجز ". وقال (ع): " إن من صبر صبر قليلا وإن من جزع جزع قليلا.. ثم قال عليك بالصبر في جميع امورك، فان الله ـ عز وجل ـ بعث محمداً (ص) فأمره بالصبر والرفق، فقال:
"واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً "[18].
وقال أبو الحسن (ع) لبعض اصحابه: "ان تصبر تغتبط، والا تصبر يقدر الله مقاديره، راضيا كنت ام كارها "[19]. والأخبار في فضيلة الصبر على البلاء وعظم ثوابه واجره اكثر من تحصى. ولذلك كان الاتقياء والاكابر محبين طالبين له، حتى نقل " ان واحداً منهم دخل على ابن مريض له، فقال: يا بني! لئن تكن في ميزاني احب الي من ان اكون في ميزانك. فقال: يا أبه! لئن يكن ما تحب أحب الي من أن يكون ما احب ". وقال بعضهم: " ذهبت عيني منذ ثلاثين سنة، ما علم به أحد ".
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الصبر منزل من منازل السالكين، ومقام من مقامات الموحدين. وبه ينسلك العبد في سلك المقربين، ويصل إلى جوار رب العالمين. وقد أضاف الله أكثر الدرجات، والخيرات إليه، وذكره في نيف وسبعين موضعاً من القرآن. ووصف الله الصابرين بأوصاف، فقال ـ عز من قائل ـ:
" وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا "[1]. وقال: " وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا "[2]. وقال: " ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون "[3]. وقال: " أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا "[4]. فما من فصيلة إلا واجرهم بتقدير وحساب إلا الصبر، ولذا قال: " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب "[5]. ووعد الصابرين بأنه معهم، فقال: " واصبروا إن الله مع الصابرين "[6]. وعلق النصرة على الصبر، فقال: " بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين "[7]. وجمع للصابرين الصلوات والرحمة والهدى. فقال: " أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون "[8].
والآيات الواردة في مقام الصبر خارجة عن حد الاستقصاء، والأخبار المادحة له أكثر من أن تحصى. قال رسول الله (ص): " الصبر نصف الإيمان ". وقال (ص): " من أقل ما اوتيتم اليقين وعزيمته الصبر، ومن اعطى حظه منهما لم يبال ما فاته من قيام الليل وصيام النهار، ولئن تصبروا على مثل ما انتم عليه احب الي من ان يوافيني كل امرئ منكم بمثل عمل جميعكم، ولكني أخاف أن يفتح عليكم الدنيا بعدي فينكر بعضكم بعضاً، وينكركم أهل السماء عند ذلك، فمن صبر واحتسب ظفر بكمال ثوابه "... ثم قرأ قوله ـ تعالى ـ :
" ما عندكم ينفد وما عند الله باق "[9].
وقال (ص): " الصبر كنز من كنوز الجنة ". وقال (ص): " أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس ". ولا ريب في ان الصبر مما تكرهه النفوس، ولذا قيل: " الصبر صبر ". وقال (ص): " في الصبر على تكره خير كثير ". وقال (ص): " الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا جسد لمن لا رأس له، ولا ايمان لمن لا صبر له ". وسئل (ص) عن الإيمان، فقال: " الصبر والسماحة ". وقال (ص): " ما تجرع عبد قط جرعتين أحب إلى الله من جرعة غيظ ردها بحلم وجرعة مصيبة يصبر الرجل لها، ولا قطرت بقطرة أحب إلى الله ـ تعالى ـ من قطرة دم اهريقت في سبيل الله وقطرة دمع في سواد الليل وهو ساجد ولا يراه إلا الله، وما خطا عبد خطوتين احب إلى الله ـ تعالى ـ من خطوة إلى الصلاة الفريضة وخطوة إلى صلة الرحم ". وروى: " أنه ـ تعالى ـ أوحى إلى داود (ع): يا داود! تخلق بأخلاقي، وإن من اخلافي اني انا الصبور ". وروى: " أن المسيح قال للحواريين: إنكم لا تدركون ما تحبون إلا بصبركم على ما تكرهون "[10]. وقال (ص): " ما من عبد مؤمن اصيب بمصيبة فقال ـ كما أمره الله ـ : إنا لله وانا إليه راجعون، اللهم اجرني في مصيبتي واعقبني خيراً منها، إلا وفعل الله ذلك ". وقال (ص): " قال الله ـ عز وجل ـ : إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده، ثم استقبل ذلك بصبر جميل، استحييت منه ان انصب له ميزاناً وانشر له ديواناً "[11]. وقال (ص): " الصبر ثلاثة: صبر عند المصيبة، وصبر على الطاعة، وصبر عن المعصية. فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاثمائة درجة، وما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض، ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش، ومن صبر على المعصية كتب الله له تسعمائة درجة، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش ". وقال (ص): " سيأتي على الناس زمان لا ينال الملك فيه إلا بالقتل والتجبر، ولا الغنى إلا بالغصب والبخل، ولا المحبة إلا باستخراج الدين واتباع الهوى، فمن ادرك ذلك الزمان فصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى، وصبر على البغضة وهو يقدر على المحبة، وصبر على الذل وهو يقدر على العز، آتاه الله ثواب خمسين صديقاً ممن صدق بي "[12]. وقال (ص): " ان الله ـ تعالى ـ قال لجبرئيل: ما جزاءُ من سلبت كريمته؟ فقال: سبحانك! لا علم لنا إلا ما علمتنا. قال: جزاؤه الخلود في داري، والنظر إلى وجهي ". وقال (ص) لرجل قال له: ذهب مالي وسقم جسمي: " لا خير في عبد لا يذهب ماله ولا يسقم جسمه، ان الله إذا احب عبداً ابتلاه، وإذا ابتلاه، صبره ". وقال (ص): " إن الرجل ليكون له الدرجة عند الله ـ تعالى ـ لا يبلغها بعمل حتى يبتلى ببلاء في جسمه فيبلغها بذلك ". وقال (ص): " إذا اراد الله بعبد خيراً، واراد ان يصافيه، صب عليه البلاء صباً وثجه عليه ثجا، فإذا دعاه، قالت الملائكة: صوت معروف، وإذا دعاه ثانياً، فقال: يارب! قال الله ـ تعالى ـ : لبيك عبدي وسعديك! إلا تسألني شيئاً إلا اعطيتك، أو رفعت لك ما هو خير، وادخرت لك عندي ما هو افضل منه. فإذا كان يوم القيامة جيء بأهل الأعمال فوزنوا أعمالهم بالميزان، أهل الصلاة والصيام والصدقة والحج، ثم يؤتى باهل البلاء، فلا ينصب لهم ميزان، ولا ينشر لهم ديوان، يصب عليهم الأجر صباً كما كان يصب عليهم البلاء صبا، فيود أهل العافية في الدنيا لو انهم كانت تقرض اجسادهم بالمقاريض لما يرون ما يذهب به أهل البلاء من الثواب، فذلك قوله ـ تعالى ـ : إنما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب ". وقال (ص): " إذا رأيتم الرجل يعطيه الله ما يحب، وهو مقيم على معصيته، فاعلموا أن ذلك استدراج "... ثم قرأ قوله ـ تعالى ـ :
" فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء "[13].
يعني: لم تركوا ما أمروا به فتحنا عليهم أبواب الخيرات، حتى إذا فرحوا بما أوتوا ـ أي بما اعطوا من الخير ـ اخذناهم بغتة. وروى: " أن نبياً من الأنبياء شكى إلى ربه، فقال: يا رب العبد المؤمن يعطيك ويجتنب معاصيك تزوى عنه الدنيا وتعرضه للبلاء، ويكون العبد الكافر لا يعطيك ويجترى على معاصيك تزوى عنه البلاء وتبسط له الدنيا! فاوحى الله ـ تعالى ـ إليه: ان العباد الي والبلاء لي، وكل يسبح بحمدي. فيكون المؤمن عليه من الذنوب، فازوى عنه الدنيا واعرض له البلاء، فيكون كفارة لذنوبه حتى يلقاني، فاجزيه بحسناته، ويكون الكافر له من الحسنات فابسط له الرزق وازوى عنه البلاء، فأجزيه بحسناته، في الدنيا حتى يلقاني فأجزيه بسيئاته "[14]. وعن أبي عبد الله (ع) قال: " قال رسول الله (ص): قال الله ـ عز وجل ـ : اني جعلت الدنيا بين عبادي قرضا، فمن اقرضني منها قرضاً اعطيته بكل واحدة منهن عشراً إلى سبعمائة ضعف وما شئت من ذلك، ومن لم يقرضني منها قرضاً فاخذت منه شيئاً قسراً، اعطيته ثلاث خصال لو اعطيت واحدة منهن ملائكتي لرضوا بها مني. قال: ثم تلا ابو عبد الله (ع) قوله ـ عز وجل ـ (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم)، فهذه واحدة من ثلاث خصال، (ورحمة) اثنتان، (واولئك هم المهتدون) ثلاث. ثم قال أبو عبد الله (ع): هذا لمن أخذ الله منه شيئاً قسراً ". وقال أمير المؤمنين (ع): " بني الإيمان على أربع دعائم: اليقين، والصبر، والجهاد، والعدل ". وقال أمير المؤمنين (ع): " الصبر صبران: صبر عند المصيبة حسن جميل، وأحسن من ذلك الصبر عندما حرم الله ـ عز وجل ـ عليك ". وقال علي (ع): " الصبر وحسن الخلق والبر والحلم من أخلاق الأنبياء ". وقال لأمير المؤمنين (ع): " أيما رجل حبسه السلطان ظلماً فمات، فهو شهيد، وان ضربه فمات، فهو شهيد "[15]. وقال لأمير المؤمنين (ع): " من اجلال الله ومعرفة حقه ألا تشكوا وجعك، ولا تذكر مصيبتك ". وقال أمير المؤمنين (ع): " ألا أخبركم بأرجى آية في كتاب الله؟ قالوا: بلى! فقرأ عليهم:
" وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير "[16].
فالمصائب في الدنيا بكسب الأوزار،فإذا عافاه الله في الدنيا فالله أكرم من ان يعذبه ثانياً، وان عفى عنه في الدنيا فالله اكرم من ان يعذبه يوم القيامة ". وقال الباقر (ع): " الجنة محفوفة بالمكاره والصبر، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة. وجهنم محفوفة باللذات والشهوات، فمن اعطى نفسه لذتها وشهوتها دخل النار ". وقال (ع): " مروة الصبر في حال الفاقة والحاجة والتعفف والغنى اكثر من مروة الاعطاء "[17]. وقال (ع): " لما حضرت أبى علي بن الحسين (ع) الوفاة، ضمني إلى صدره، ثم قال: يا بني! أوصيك بما اوصاني به أبى حين حضرته الوفاة، وبما ذكر ان اباه اوصاه به، قال: يا بني! اصبر على الحق وان كان مراً ". وقال الصادق (ع): " إذا دخل المؤمن قبره، كانت الصلاة عن يمينه والزكاة عن يساره، والبر مطل عليه، ويتنحى الصبر ناحيته. فإذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته، قال الصبر للصلاة والزكاة والبر: دونكم صاحبكم، فإن عجزتم عنه فانا دونه ". وقال (ع): " إذا كان يوم القيامة يقوم عنق من الناس، فيأتون باب الجنة، فيضربونه، فيقال لهم: من انتم؟ فيقولون: نحن أهل الصبر، فيقال لهم : على ما صبرتم؟ فيقولون: كنا نصبر على طاعة الله ونصبر عن معاصي الله، فيقول الله ـ تعالى ـ : صدقوا! ادخلوهم الجنة. وهو قول الله ـ تعالى ـ : إنما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب ". وقال (ع): " من ابتلى من المؤمنين ببلاء فصبر عليه، كان له مثل اجرا الف شهيد ". وقال (ع): " إن الله ـ عز وجل ـ انعم على قوم فلم يشكروا، فصارت عليهم وبالا، وابتلى قوما بالمصائب فصبروا، فصارت عليهم نعمة ". وقال (ع): " من لا يعد الصبر لنوائب الدهر يعجز ". وقال (ع): " إن من صبر صبر قليلا وإن من جزع جزع قليلا.. ثم قال عليك بالصبر في جميع امورك، فان الله ـ عز وجل ـ بعث محمداً (ص) فأمره بالصبر والرفق، فقال:
"واصبر على ما يقولون واهجرهم هجراً جميلاً "[18].
وقال أبو الحسن (ع) لبعض اصحابه: "ان تصبر تغتبط، والا تصبر يقدر الله مقاديره، راضيا كنت ام كارها "[19]. والأخبار في فضيلة الصبر على البلاء وعظم ثوابه واجره اكثر من تحصى. ولذلك كان الاتقياء والاكابر محبين طالبين له، حتى نقل " ان واحداً منهم دخل على ابن مريض له، فقال: يا بني! لئن تكن في ميزاني احب الي من ان اكون في ميزانك. فقال: يا أبه! لئن يكن ما تحب أحب الي من أن يكون ما احب ". وقال بعضهم: " ذهبت عيني منذ ثلاثين سنة، ما علم به أحد ".
---------------------
[1] السجدة، الآية: 24.
[2] الأعراف، الآية: 137.
[3] النحل، الآية: 96.
[4] القصص، الآية: 54.
[5] الزمر، الآية: 10.
[6] الأنفال، الآية: 46.
[7] آل عمران، الآية: 125.
[8] البقرة، الآية: 157.
[9] النحل، الآية: 96.
[10] صححنا النبويات على (إحياء العلوم): 4/53، كتاب الصبر.
[11] صححنا الرواية على (البحار): مج15: 2/148، باب الصبر واليسر بعد العسر.
[12] صححنا الرواية، وكذا ما قبلها، على (أصول الكافي): ج2، باب الصبر. وعلى (الوفي): 3/321 ـ 323، باب الصبر.
[13] الانعام، الآية: 44.
[14] صححنا الأحاديث الاربع على (إحياء العلوم): 4/114، باب الصبر.
[15] صححنا الروايات الثلاث على (أصول الكافي): ج2، باب الصبر. وعلى (الوافي): 3/321 ـ 323، باب الصبر.
[16] الشورى، الآية: 30.
[17] قال العلامة (المجلسي) ـ قدس سره ـ في (بحار الأنوار): مج15ج2، في باب الصبر على المعصية، في ذيل هذا الخبر: " بيان المروة: هي الصفات التي بها تكمل إنسانية الإنسان ".
[18] المزمل، الآية: 10.
[19] صححنا الأحاديث الواردة عن أهل البيت (ع) في باب الصبر، على الجزء الثاني من (أصول الكافي) باب الصبر، وعلى (الوافي): 3/321 ـ 323، كتاب الصبر.
تعليق